الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ( 56 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( إنك ) يا محمد ( لا تهدي من أحببت ) هدايته ( ولكن الله يهدي من يشاء ) أن يهديه من خلقه ، بتوفيقه للإيمان به وبرسوله . ولو قيل : معناه : إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك ، ولكن الله يهدي من يشاء ، كان مذهبا ( وهو أعلم بالمهتدين ) يقول جل ثناؤه : والله أعلم من سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد ، ذلك الذي يهديه الله فيسدده ويوفقه .

وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته ، إذ دعاه إلى الإيمان بالله ، إلى ما دعاه إليه من ذلك .

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كريب والحسين بن علي الصدائي ، قالا ثنا الوليد بن القاسم ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه عند الموت : " قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " قال : لولا أن تعيرني قريش لأقررت عينك ، فأنزل الله : ( إنك لا تهدي من أحببت ) . . . الآية .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن كيسان ، قال : ثني أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : [ ص: 599 ] " قل لا إله إلا الله " ثم ذكر مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن يزيد بن كيسان سمع أبا حازم الأشجعي ، يذكر عن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب ، أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عماه ، قل لا إله إلا الله " فذكر مثله ، إلا أنه قال : لولا أن تعيرني قريش ، يقولون : ما حمله عليه إلا جزع الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن عبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو حديث أبي كريب الصدائي .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : ثني يونس ، عن الزهري قال : ثني سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عم ، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ، ويعيد له تلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " ، فأنزل الله ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) ، وأنزل الله في أبي طالب ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي ) . . . الآية .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، بنحوه

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن أبي سعيد بن رافع ، قال : قلت لابن عمر : ( إنك لا تهدي من أحببت ) نزلت في أبي طالب ؟ قال : نعم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ) قال : قول محمد لأبي طالب : " قل : كلمة الإخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة " قال محمد بن عمرو في حديثه : قال : يا ابن أخي ملة الأشياخ ، [ ص: 600 ] أو سنة الأشياخ . وقال الحارث في حديثه : قال يا ابن أخي ملة الأشياخ .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( إنك لا تهدي من أحببت ) قال : قال محمد لأبي طالب : " اشهد بكلمة الإخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة " قال : أي ابن أخي ملة الأشياخ ، فأنزل الله ( إنك لا تهدي من أحببت ) قال : نزلت هذه الآية في أبي طالب .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ) ذكر لنا أنها نزلت في أبي طالب ، قال الأصم عند موته يقول لا إله إلا الله لكيما تحل له بها الشفاعة ، فأبى عليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر : لما حضر أبا طالب الموت ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عماه ، قل : لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " فقال له : يا ابن أخي ، إنه لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل ، فقال له ذلك مرارا . فلما مات اشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما تنفع قرابة أبي طالب منك ، فقال : " بلى ، والذي نفسي بيده إنه الساعة لفي ضحضاح من النار عليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه ، وما من أهل النار من إنسان هو أهون عذابا منه ، وهو الذي أنزل الله فيه ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) " .

وقوله : ( وهو أعلم بالمهتدين ) يقول : وهو أعلم بمن قضى له الهدى .

كالذي حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وهو أعلم بالمهتدين ) قال بمن قدر له الهدى والضلالة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية