الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 ) فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ( 30 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ( ويقولون ) هؤلاء المشركون بالله يا محمد ، لك : ( متى هذا الفتح ) واختلف في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم ، ومتى يكون هذا الثواب والعقاب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ) قال : قال أصحاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لنا يوما أوشك أن نستريح فيه وننعم فيه . فقال المشركون : ( متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ) .

وقال آخرون : بل عنى بذلك فتح مكة .

والصواب من القول في ذلك قول من قال : معناه : ويقولون : متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم ، يعنون العذاب ، يدل على أن ذلك معناه قوله : ( قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ) ولا شك أن الكفار قد كان جعل الله لهم التوبة قبل فتح مكة وبعده ، ولو كان معنى قوله : ( متى هذا الفتح ) على ما قاله من قال : يعني به فتح مكة ، لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة ، ولا شك أن الله قد تاب على بشر كثير من المشركين بعد فتح مكة ، ونفعهم بالإيمان به وبرسوله ، فمعلوم بذلك صحة ما قلنا من التأويل ، وفساد ما خالفه . وقوله : ( إن كنتم صادقين ) يعني : إن كنتم صادقين في الذي تقولون ، من أنا معاقبون على تكذيبنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وعبادتنا الآلهة والأوثان . [ ص: 199 ]

وقوله : ( قل يوم الفتح ) يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لهم : يوم الحكم ، ومجيء العذاب لا ينفع من كفر بالله وبآياته إيمانهم الذي يحدثونه في ذلك الوقت .

كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ) قال : يوم الفتح إذا جاء العذاب

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( يوم الفتح ) يوم القيامة ، ونصب اليوم في قوله : ( قل يوم الفتح ) ردا على متى ، وذلك أن ( متى ) في موضع نصب . ومعنى الكلام : أنى حين هذا الفتح إن كنتم صادقين ؟ ثم قيل : يوم كذا ، وبه قرأ القراء .

وقوله : ( ولا هم ينظرون ) يقول : ولا هم يؤخرون للتوبة والمراجعة . وقوله : ( فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله ، القائلين لك : متى هذا الفتح ، المستعجليك بالعذاب ، وانتظر ما الله صانع بهم ، إنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب ومجيء الساعة .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) يعني يوم القيامة .

آخر تفسير سورة السجدة ، ولله الحمد والمنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية