الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              214 [ ص: 396 ] 56 - باب: ما جاء في غسل البول

                                                                                                                                                                                                                              وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لصاحب القبر: "كان لا يستتر من بوله". ولم يذكر سوى بول الناس.

                                                                                                                                                                                                                              217 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثني روح بن القاسم قال: حدثني عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به. [انظر: 150 - مسلم: 271 - فتح: 1 \ 321]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث قد فرغنا من الكلام عليه آنفا، وأراد البخاري بقوله:

                                                                                                                                                                                                                              (ولم يذكر سوى بول الناس) أن يبين أن معنى روايته في هذا الباب "أما أحدهما فكان لا يستتر من البول" أن المراد: بول الناس لا بول سائر الحيوان; لأنه قد روى الحديث في الباب قبل هذا وغيره: "لا يستتر من بوله" فلا تعلق في حديث هذا الباب لمن احتج به في نجاسة بول سائر الحيوان، كذا قاله ابن بطال في "شرحه"، وقال في أوله: أجمع الفقهاء على نجاسة البول والتنزه عنه.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقوله: "كان لا يستتر من بوله" يعني أنه كان لا يستر جسده ولا ثيابه من مماسة البول، فلما عذب على استخفافه بغسله والتحرز منه، دل أنه من ترك البول في مخرجه ولم يغسله أنه حقيق بالعذاب.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف الفقهاء في إزالة النجاسة من الأبدان والثياب، فقال مالك: إزالتها ليست بفرض. وقال بعض أصحابه: إزالتها فرض، وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، إلا أنه يعتبر في النجاسات ما زاد على قدر [ ص: 397 ] الدرهم. وحجة من أوجب الإزالة هذا الحديث، وهو وعيد عظيم وتحذير.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج ابن القصار بقول مالك فقال: يحتمل أنه عذب; لأنه كان يدع البول يسيل عليه فيصلي بغير طهور، فيحتمل أن يكون عمدا. قال: وعندنا أن من ترك السنة بغير عذر ولا تأويل، أنه مأثوم، فإن تركها متأولا أو لعذر فصلاته تامة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، أنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثني روح بن القاسم، حدثني عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تبرز لحاجته أتيته بماء، فيغسل به.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (تبرز): خرج إلى البراز، وهو الفضاء الواسع.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فيغسل به) صريح في الاستنجاء بالماء، فنقل ابن التين عن بعضهم أن هذا محمول على المعنى وإلا فقد قال مالك: لم يصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استنجى بالماء عمره كله. وهذا قد أوضحنا الكلام فيه في باب: الاستنجاء بالماء.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة: روح بن القاسم هذا بفتح الراء قطعا لا نعلم فيه خلافا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين في "شرحه": روح هذا ذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه ليس في المحدثين روح بالضم، وذكر أن روحا هذا قرئ بالضم، ورويناه بالفتح. قلت: وهذا غريب.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية