الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ومحمد علم منقول من اسم مفعول المضاعف ومعناه لغة من كثرت محامده وهو أبلغ من محمود ; لأنه من الثلاثي ألهم الله تعالى أهل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسميته بذلك ليطابق اسمه صفته ; لأنه محمود في السماء والأرض وقيل لجده لما سماه بذلك : لم عدلت عن أسماء آبائك ؟ فقال : ليكون محمودا في السماء والأرض . فكان كذلك فهو صلى الله عليه وسلم أجل من حمد وأفضل من حمد الأول بفتح الحاء والثاني بضمها وهو أحمد الحامدين وأحمد المحمودين ومعه لواء الحمد ويبعثه ربه هناك مقاما محمودا يحمده فيه الأولون والآخرون ويفتح عليه بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله وأمته الحامدون يحمدون الله على السراء والضراء وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد ، وكذلك خطبه وخطبهم ومصاحفهم .

                                                                                                                            والعرب بفتح العين والراء وبضم العين وسكون الراء : جيل من الناس وهم من يتكلم باللغة العربية . والأعراب منهم سكان البادية ، والعجم بفتح العين والجيم وبضم العين وسكون الجيم وهم خلاف العرب ويجوز أن يجمع بين العرب والعجم بفتح أحدهما وبضم الآخر والأفصح أن يفتحا معا أو يضما معا والمبعوث المرسل وسائر الأمم جميعهم قال في الصحاح : سائر الناس جميعهم . وأنكره الحريري وقال : السائر الباقي ورد عليه بأنه سمع أيضا في الجميع ويصح أن يكون السائر في كلام المصنف بمعنى الباقي أي بقية والأمم جمع أمة بضم الهمزة يطلق على ثمانية معان على الجماعة حتى من غير الناطق كقوله تعالى { أمة من الناس } .

                                                                                                                            وقوله تعالى { إلا أمم أمثالكم } وعلى أتباع الرسل كما يقول : نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الرجل الجامع للخير كقوله { إن إبراهيم كان أمة } وعلى الدين والملة كقوله { إنا وجدنا آباءنا على أمة } وعلى الحين والزمان كقوله { إلى أمة معدودة } وقوله { وادكر بعد أمة } وعلى القامة يقال : فلان حسن الأمة أي القامة وعلى الرجل المنفرد بدينه كقوله صلى الله عليه وسلم { يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة } وعلى الأم يقال : هذه أمة زيد ، أي أمه قال الأبي : وإذا أضيفت الأمة للنبي فتارة يراد بها أتباعه كحديث { شفاعتي لأمتي } وتارة يراد بها عموم أهل دعوته كحديث { لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار } رواه مسلم .

                                                                                                                            والظاهر أن الأمم في قول المصنف لسائر الأمم بمعنى الجماعة وفي قوله : وأمته أفضل الأمم بمعنى الأتباع فسقط ما قيل : إن في كلامه توافق الفاصلتين في اللفظ والمعنى وهو معيب في السجع كالإيطاء في النظم وهو تكرار القافية بل في كلامه من المحسنات البديعية الجناس التام ويصح أن يراد بالأمة في الثاني الدين على حذف مضاف أي أهل دينه أفضل الأديان وفيه تكلف ، والإمة بكسر الهمزة النعمة وتطلق على الدين والطريقة ، ولا خلاف في عموم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى جميع الإنس والجن لقوله تعالى { ليكون للعالمين نذيرا } وقوله صلى الله عليه وسلم : { بعثت إلى الأحمر والأسود } .

                                                                                                                            وقيل : الإنس والجن وقيل : العرب والعجم واختلف في بعثته إلى الملائكة والأكثر على عدم بعثته إليهم صرح بذلك الحليمي والبيهقي في الباب الرابع من شعب الإيمان بل حكى الإمام الرازي والبرهان [ ص: 22 ] النسفي الإجماع على أنه لم يرسل إليهم وما حكاه الزركشي وتبعه القرافي وغيره عن الإمام الرازي من أنه حكي الإجماع على بعثته إليهم غير معروف عن الرازي والمعروف عنه ما قدمناه والقول ببعثته إليهم إنما حكاه السبكي عن بعضهم قال الكمال بن أبي شريف في حاشية شرح جمع الجوامع : قال السبكي : قال المفسرون كلهم في قوله تعالى { للعالمين نذيرا } : المراد به الإنس والجن وقال بعضهم : والملائكة وآل الرجل أهله وعياله ويطلق على الأتباع أيضا قاله في الصحاح . قال الشمني : ولا يضاف إلا لمن له شرف من العقلاء الذكور فلا يقال : آل الإسكافي ولا آل مكة ولا آل فاطمة . وعن الأخفش أنهم قالوا : آل البصرة وآل المدينة والصحيح جواز إضافته إلى الضمير كما استعمله المصنف ومنع ذلك الكسائي وأبو جعفر النحاس ويشهد للأول قول عبد المطلب

                                                                                                                            وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك

                                                                                                                            واختلف في أصله فقيل : أهل ، فأبدلت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا وقيل : أصله أول قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وآله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم فقط على المشهور ، وقيل : بنو المطلب وهو الذي مشى عليه المصنف في الزكاة قال الدماميني : وهو المختار عندنا ، وقال الشيخ زروق : هو المذهب ، وقيل : جميع أمته ، قال ابن العربي في العارضة : ومال إليه مالك ، وقال عبد الحق في كتاب الصلاة الثاني من تهذيبه في الكلام على التشهد : وأعرف لمالك رحمه الله أن آل محمد كل من تبع دينه كما أن آل فرعون كل من تبعه وقيل : أتقياء المؤمنين . والأصحاب جمع صاحب بمعنى الصحابي بياء النسب وهو مخصوص في العرف بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والصحابي من اجتمع مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن لم يرو عنه ولم يطل اجتماعه به .

                                                                                                                            وقال النووي : وسواء جالسه أم لا هذا هو الأصح وهو مذهب البخاري وسائر المحدثين وجماعة من الفقهاء وغيرهم وذهب أكثر الأصوليين إلى أنه تشترط مجالسته وهذا مقتضى العرف والأول مقتضى اللغة وعن ابن المسيب لا يعد صحابيا إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين فإن صح عنه فهو ضعيف فإن مقتضاه أن لا يعد جرير البجلي وشبهه صحابة ولا خلاف في أنهم صحابة وهذا بخلاف التابعي وهو صاحب الصحابي فلا يكفي في إطلاق التابعي عليه اجتماعه به من غير طول على أظهر القولين وقيل يكفي والفرق بينهما أن الاجتماع بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في لحظة يؤثر في تنوير القلب ما لا يؤثره الاجتماع بغيره ولو طال ويدخل في قولنا : اجتمع الأعمى ، وعبر بعضهم بمن لقي ليدخل من حنكه أو من مسه صلى الله عليه وسلم من الصبيان وهو كذلك خلافا لبعضهم ولا يدخل الأنبياء الذين اجتمع بهم ليلة الإسراء والملائكة ; لأن المراد الاجتماع المتعارف وهل يدخل في ذلك جن نصيبين واستشكله ابن الأثير وهو محل نظر ويخرج من التعريف من لقيه كافرا ثم أسلم قال الشيخ حلولو : ونظر ابن عرفة في كونه صحابيا ولا يبطل التعريف بمن ارتد بعد اجتماعه به ومات على ردته ; لأنه قبل ردته كان يسمى صحابيا وأما من ارتد ثم أسلم فهو صحابي . والأزواج جمع زوج يطلق على الرجل والمرأة ويقال في الأنثى زوجة أيضا وفي بعض النسخ زيادة : وذريته ، والذرية : النسل يقع على الذكور والإناث وقال في الصحاح : هو نسل الثقلين من ذرأ الله الخلق أي خلقهم لكن تركت العرب همزتها وزعم بعضهم أنها تطلق على الآباء أيضا واستدل بقوله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم يعني نوحا ، ومن معه وتثلث ذالها وقرئ بذلك وقراءة الجمهور بالضم ثم الصلاة على الآل والأصحاب وغيرهم تجوز على التبعية .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية