الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            1660 - حديث أم معبد في الهجرة مفصلا وأشعار الهاتف وجوابه من حسان بن ثابت رضي الله عنه

                                                                                            4333 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي ، بالكوفة ، ثنا [ ص: 543 ] الحسين بن حميد بن الربيع الخزاز ، حدثنا سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن ثابت بن بشار الخزاعي ، ثنا أخي أيوب بن الحكم ، وسالم بن محمد الخزاعي جميعا ، عن حزام بن هشام ، عن أبيه هشام بن حبيش بن خويلد صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة ، وأبو بكر رضي الله عنه ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ، ثم تسقي وتطعم ، فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان القوم مرملين مسنتين ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : " ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ " قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم قال : " هل بها من لبن ؟ " قالت : هي أجهد من ذلك قال : " أتأذنين لي أن أحلبها ؟ " قالت : بأبي أنت وأمي ، إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله تعالى ، ودعا لها في شاتها ، فتفاجت عليه ودرت ، فاجترت فدعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم حتى أراضوا ، ثم حلب فيه الثانية على هدة حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، ثم بايعها وارتحلوا عنها ، فقل ما لبثت حتى جاءها زوجها أبو معبد ليسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا مخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد اللبن أعجبه قال : من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب [ ص: 544 ] حائل ، ولا حلوب في البيت ؟ قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال : صفيه لي يا أم معبد قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ، ولم تزريه صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صهل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم ، يتحدرن ربعة لا تشنأه من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم ، قدرا له رفقاء يحفون به ، إن قال : سمعوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود لا عابس ولا مفند قال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ، ولقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ، وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ، ولا يدرون من صاحبه وهو ، يقول :


                                                                                            جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد     هما نزلاها بالهدى واهتدت به
                                                                                            فقد فاز من أمسى رفيق محمد     فيا لقصي ما زوى الله عنكم
                                                                                            به من فعال لا تجازى وسؤدد     ليهن أبا بكر سعادة جده
                                                                                            بصحبته من يسعد الله يسعد     وليهن بني كعب مقام فتاتهم
                                                                                            ومقعدها للمؤمنين بمرصد     سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
                                                                                            فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد     دعاها بشاة حائل فتحلبت
                                                                                            عليه صريحا ضرة الشاة مزبد     فغادره رهنا لديها لحالب
                                                                                            يرددها في مصدر بعد مورد



                                                                                            فلما سمع حسان الهاتف بذلك ، شبب يجاوب الهاتف ، فقال :


                                                                                            لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم     وقدس من يسري إليهم ويغتدي
                                                                                            ترحل عن قوم فضلت عقولهم     وحل على قوم بنور مجدد
                                                                                            هداهم به بعد الضلالة ربهم     فأرشدهم من يتبع الحق يرشد
                                                                                            وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا     عمى وهداة يهتدون بمهتد
                                                                                            [ ص: 545 ] وقد نزلت منه على أهل يثرب     ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
                                                                                            نبي يرى ما لا يرى الناس حوله     ويتلو كتاب الله في كل مشهد
                                                                                            وإن قال في يوم مقالة غائب     فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
                                                                                            "



                                                                                            هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية