الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2473 حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن عبد الرحمن يعني ابن إسحق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع قال أبو داود غير عبد الرحمن لا يقول فيه قالت السنة قال أبو داود جعله قول عائشة

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ) : قال الخطابي : قولها السنة إن كانت أرادت بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا فهي نصوص لا يجوز خلافها ، وإن كانت أرادت به الفتيا على معاني ما عقلت من السنة فقد خالفها بعض الصحابة [ ص: 117 ] في بعض هذه الأمور ، والصحابة إذا اختلفوا في مسألة كان سبيلها النظر ، على أن أبا داود قد ذكر على إثر هذا الحديث أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيها إنها قالت السنة ، فدل ذلك على احتمال أن يكون ما قالته فتوى منها وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويشبه أن تكون أرادت بقولها لا يعود مريضا أي لا يخرج من معتكفه قاصدا عيادته ، وأنه لا يضيق عليه أن يمر به فيسأله غير معرج عليه كما ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث القاسم بن محمد ( لا يمس امرأة ) : تريد الجماع وهذا لا خلاف فيه أنه إذا جامع امرأته فقد بطل اعتكافه قاله الخطابي ، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك .

                                                                      ( ولا يباشرها ) : فقد اختلف فيها فقال عطاء والشافعي : إن باشر أو قبل لم يفسد اعتكافه وإن أنزل ، وقال مالك : يفسد ، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه .

                                                                      قاله الخطابي .

                                                                      وفي النيل : المراد بالمباشرة هنا الجماع بقرينة ذكر المس قبلها ، ويؤيده ما روى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت انتهى ( إلا لما لا بد منه ) : ولا يتصور فعلها في المسجد .

                                                                      فيه دليل على المنع من الخروج لكل حاجة من غير فرق بين ما كان مباحا أو قربة أو غيرهما إلا الذي لا بد منه كالخروج لقضاء الحاجة وما في حكمها ( ولا اعتكاف إلا بصوم ) : وفيه دليل أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم وأنه شرط وهو [ ص: 118 ] قول ابن عباس وابن عمر من الصحابة ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة .

                                                                      وقال ابن مسعود رضي الله عنه والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق إنه ليس بشرط ، قالوا : يصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة ، وهذا هو الحق للأدلة الصحيحة القائمة على ذلك ، لا كما قال الإمام الحافظ ابن القيم إن الراجح الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف ( ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ) : يحتمل أن يكون معناه نفي الفضيلة والكمال وإنما يكره الاعتكاف في غير الجامع لمن نذر اعتكافا أكثر من جمعة لئلا تفوته صلاة الجمعة ، فأما من كان اعتكافه دون ذلك فلا بأس به ، والجامع وغيره سواء في ذلك والله أعلم ( جعله قول عائشة ) : وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا [ ص: 119 ] يخرج وما عداه ممن دونها انتهى . وكذلك رجح ذلك البيهقي ذكره ابن كثير في الإرشاد .

                                                                      وقال المنذري : وأخرجه النسائي من حديث يونس بن زيد وليس فيه قالت السنة وأخرجه من حديث الإمام مالك وليس فيه أيضا ذلك .

                                                                      وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي المديني يقال له عباد قد أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم .




                                                                      الخدمات العلمية