الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ثم ينظر فإن لم يقم من النوم فهو بالخيار إن شاء غمس يده ثم غسل وإن شاء أفرغ الماء على يده ثم غسل ، فإن قام من النوم فالمستحب أن لا يغمس يده حتى يغسلها لقوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=9623nindex.php?page=treesubj&link=45إذا استيقظ [ ص: 389 ] أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده } " فإن خالف وغمس لم يفسد الماء لأن الأصل الطهارة فلا يزال اليقين بالشك ) .
( الشرح ) الحديث المذكور صحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بلفظه إلا قوله : " ثلاثا " فإنه في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم دون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=23796فإنه لا يدري أين باتت يده } سببه ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وغيره أن أهل الحجاز كانوا يقتصرون على الاستنجاء بالأحجار ، وبلادهم حارة ، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على المحل النجس أو على بثرة أو قملة ونحو ذلك فتتنجس .
( أما حكم المسألة ) : فقال أصحابنا إذا كان nindex.php?page=treesubj&link=45_66يتوضأ من قدح وشبهه مما يغمس اليد فيه وليس فيه قلتان نظر فإن شك في نجاسة يده كره أن يغمسها فيه حتى يغسلها ثلاثا للحديث ، وسواء كان الشك في نجاستها للقيام من النوم أو لغيره ، هكذا عبارة أصحابنا ، وصرحوا بأن الحكم متعلق بالشك . قالوا : وإنما ذكر النوم في الحديث مثالا ونبه صلى الله عليه وسلم على المقصود بذكر العلة في قوله صلى الله عليه وسلم {nindex.php?page=hadith&LINKID=23796فإنه لا يدري أين باتت يده } ، وأما تقييد المصنف المسألة بما إذا قام من النوم فخلاف ما قاله الأصحاب . وإن تيقن طهارة يده فوجهان الصحيح منهما أنه بالخيار إن شاء غسل ثم غمس وإن شاء غمس ثم غسل ; لأن كراهة الغمس عند الشك إنما كانت للخوف من النجاسة ، وقد تحققنا عدم النجاسة ، وبهذا الوجه قطع المصنف والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والبندنيجي والمحاملي في كتبه الثلاثة وابن الصباغ والمتولي والبغوي والجرجاني وصاحبا العدة والبيان وغيرهم .
( والثاني ) استحباب تقديم الغسل ; لأن أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فيتوهم الطهارة في موضع النجاسة وربما نسي النجاسة ، فضبط الباب لئلا يتساهل الشاك ، وهذا الوجه هو المختار عند الماوردي وإمام الحرمين وغلطا من قال خلافه والله أعلم .
[ ص: 390 ] فرع ) أنكر على المصنف في هذا الفصل شيئان : ( أحدهما ) تخصيص استحباب الغسل قبل الغمس بما إذا قام من نوم والصواب ضبطه بالشك في نجاسة اليد كما أوضحناه .
( والثاني ) قوله : استحب أن لا يغمس حتى يغسل . لا يلزم منه كراهة الغمس أولا ، والصواب أنه يكره الغمس قبل الغسل للنهي الصريح في هذا الحديث الصحيح ، وكذا صرح بالكراهة المصنف في التنبيه وآخرون ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي فقال : ( فإن غمس يده قبل الغسل أو بعد الغسل مرة أو مرتين فقد أساء ) هذا نصه وهذه أول مسألة في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي ، وفي هذا النص تصريح بالكراهة حتى يغسل ثلاثا وإن الغسلتين لا تنفي الكراهة لكن تخففها ، والحديث دليل لهذا والله أعلم .
( فرع ) قد ذكرنا كراهة nindex.php?page=treesubj&link=66_45غمس اليد قبل الغسل متى شك في نجاسة اليد سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها بسبب آخر ، وهي كراهة تنزيه ، هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد روايتان : ( إحداهما ) لا فرق بين نوم الليل ونوم النهار .
( والثانية ) إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم ، وإن قام من نوم النهار فكراهة تنزيه ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " فإنه لا يدري أين باتت يده " والمبيت يكون في الليل ، والنهي للتحريم ، وأجاب أصحابنا بأن الليل ، ذكر لأنه الغالب ، ونبه صلى الله عليه وسلم على العلة بقوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31575لا يدري أين باتت يده } وأمر بذلك احتياطا فلا يكون واجبا ولا تركه محرما كغيره مما في معناه . والله أعلم .
( فرع ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=66_24775غمس يده وهو شاك في نجاستها قبل غسلها كان مرتكبا كراهة التنزيه ولا ينجس الماء بل هو باق على طهارته ، ويجوز أن يتطهر به هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكاه أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري رحمه الله أنه قال : ينجس إن كان قام من نوم الليل ، وحكى هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، وهو ضعيف جدا ، لأن الأصل طهارة الماء واليد فلا ينجس بالشك ، وقواعد الشرع متظاهرة على [ ص: 391 ] هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر من اليد النجاسة . وأما الحديث فمحمول على الاستحباب والله أعلم
( فرع ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=66_45شك في نجاسة اليد كره غمسها في المائعات كلها حتى يغسلها ، فإن غمس قبل الغسل لم تنجس ولم يحرم أكله .
( فرع ) قال أصحابنا : إذا كان nindex.php?page=treesubj&link=66_9الماء في إناء كبير أو صخرة بحيث لا يمكن صبه على اليد وليس معه إناء صغير يغترف به فطريقه أن يأخذ الماء بفمه ثم يغسل به كفيه أو يأخذه بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره .
( فرع ) اعلم أن كل ما ذكرناه إنما هو في كراهة تقديم الغمس على الغسل ، وأما أصل nindex.php?page=treesubj&link=66غسل الكفين فسنة بلا خلاف ، اتفق أصحابنا على التصريح بذلك وتظاهرت عليه نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ودلائله من الأحاديث الصحيحة المشهورة ، وممن نقل اتفاق طرق الأصحاب عليه إمام الحرمين في النهاية ثم في مختصره للنهاية ، وإنما ذكرت هذا الكلام لأن عبارة الغزالي في الوسيط توهم إثبات خلاف فيه وذلك غير مراد ، فيتأول كلامه . والله أعلم .
( فرع ) في فوائد الحديث المذكور في الكتاب : ( إحداها ) أن nindex.php?page=treesubj&link=450_27652الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة نجسته وإن لم تغيره .
( الثانية ) nindex.php?page=treesubj&link=27652الفرق بين كون الماء واردا أو مورودا وقد سبق بيان هذا في المياه .
( الثالثة ) أن nindex.php?page=treesubj&link=523_515_608_27652_25938_450الغسل سبعا مختص بنجاسة الكلب والخنزير وفرعهما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، وفي الاستدلال بهذا نظر .
( الرابعة ) استحباب nindex.php?page=treesubj&link=608_25296غسل النجاسة ثلاثا سواء كانت متحققة أو متوهمة .
( الخامسة ) أن nindex.php?page=treesubj&link=613_24731النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يكفي الرش وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقال بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : ويكفي الرش وسنوضح المسألة بدليلها في باب إزالة النجاسة إن شاء الله تعالى .
( السادسة ) استحباب الاحتياط في العبادات وغيرها بحيث لا ينتهي إلى الوسوسة وقد أوضحنا الفرق بينهما في آخر باب الشك في نجاسة الماء .