الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا تعليل للأمر بقيام الليل ، وقع اعتراضا بين جملة ( قم الليل ) وجملة إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ، وهو جملة مستأنفة استئنافا بيانيا لحكمة الأمر بقيام الليل بأنها تهيئة نفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - ليحمل شدة الوحي ، وفي هذا إيماء إلى أن الله يسر عليه ذلك كما قال تعالى إن علينا جمعه وقرآنه ، فتلك مناسبة وقوع هذه الجملة عقب جملة قم الليل إلا قليلا فهذا إشعار بأن نزول هذه الآية كان في أول عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - بنزول القرآن فلما قال له ورتل القرآن ترتيلا أعقب ببيان علة الأمر بترتيل القرآن .

والقول الثقيل : هو القرآن وإلقاؤه عليه : إبلاغه له بطريق الوحي بواسطة الملك .

وحقيقة الإلقاء : رمي الشيء من اليد إلى الأرض وطرحه ، ويقال : شيء لقى ، أي : مطروح ، استعير الإلقاء للإبلاغ دفعة على غير ترقب .

والثقل الموصوف به القول ثقل مجازي لا محالة ، مستعار لصعوبة حفظه لاشتماله على معان ليست من معتاد ما يجول في مدارك قومه فيكون حفظ ذلك القول عسيرا على الرسول الأمي تنوء الطاقة عن تلقيه .

وأشعر قوله إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا أن ثقله متعلق ابتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لقوله قبله إنا سنلقي عليك وهو ثقل مجازي في جميع اعتباراته وهو ثقيل صعب تلقيه ممن أنزل عليه . قال ابن عباس : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربد له جلده ، أي : تغير بمثل القشعريرة ، وقالت عائشة : رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا .

ويستعار ثقل القول لاشتماله على معان وافرة يحتاج العلم بها لدقة النظر وذلك بكمال هديه ووفرة معانيه . قال الفراء ثقيلا ليس بالكلام السفساف . وحسبك أنه حوى من المعارف والعلوم ما لا يفي العقل بالإحاطة به فكم غاصت فيه أفهام [ ص: 262 ] العلماء من فقهاء ومتكلمين وبلغاء ولغويين وحكماء فشابه الشيء الثقيل في أنه لا يقوى الواحد على الاستقلال بمعانيه .

وتأكيد هذا الخبر بحرف التأكيد للاهتمام به وإشعار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتأكيد قربه واستمراره ، ليكون وروده أسهل عليه من ورود الأمر المفاجئ .

التالي السابق


الخدمات العلمية