الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فقه التنزيل عند الإمام ابن تيمية

الأستاذة / جميلة حسن تلوت

المطلب الثاني: اهتمام الإمام ابن تيمية بفقه الواقع:

تعد الواقعية من أهم مميزات فقه الإمام ابن تيمية، فلم يكن الإمام من المهتمين بتنظير العلوم بقدر ما كان مهتما بمعالجة مشاكل واقعه، وهذه إحدى أسباب موسوعيته، فقد كان عصره مليئا بالصوفية والشيعة والفلاسفة والباطنية، ويتسم بالتعصب المذهبي واستفحال بعض الظواهر نحو ظاهرة التحليل، مما جعل من الإمام متكلما وفقيها ومحدثا.

ويمكن تلخيص عوامل واقعية فقه الإمام ابن تيمية في عاملين أساسين:

أما العامل الأول: تشرب مقاصد الشريعة الإسلامية عن طريق احتكاكه بالنصوص من جهة، وممارسته عملية الإفتاء من جهة أخرى، ومتابعته لمستجدات عصره من جهة ثالثة.

والعامل الثاني: استجابته لمقتضيات عصره دون الدخول في (الأرآتية).

وبهذين العاملين أتت اختياراته الفقهية في غاية من الواقعية يلمس وقعها [ ص: 69 ] وأثرها الإيجابي على مجريات الحياة الإنسانية كل من أخذ بها، لقيامها على أصل تحقيق المصلحة العامة بما تحمله في طياتها من مقاصد حسنة وتقديرات حقيقية لخدمة الإسلام والمسلمين.

هذا بالإضافة إلى قربه ومعايشته لواقع مجتمعه، فهو يتحدث عن فئات الناس وكأنه يعيش معهم دائما في حياتهم اليومية، ويتحدث عن مصالحهم وكأنه المتعامل معهم في مختلف وسائل التعامل الدنيوية. [1]

ويظهر حرص الإمام الشديد على معرفة فقه الواقع في جعله شرطا من شروط الفقيه، بل جعل معرفة الواقع نصف الحكم، إذ قال في نص نفيس: "والمؤمن ينبغي له أن يعرف الشرور الواقعة [2] ، ومراتبها في الكتاب والسنة، كما يعرف الخيرات الواقعة، ومراتبها في الكتاب والسنة، فيفرق بين أحكام الأمور الواقعة الكائنة، والتي يراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدم ما هو أكثر خيرا وأقل شرا على ما هو دونه، ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإن من لم يعرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين، لم يعرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح" [3] . [ ص: 70 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية