الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم الملك لا يثبت في الهبة بالعقد قبل القبض - عندنا - وقال مالك رحمه الله تعالى يثبت ; لأنه عقد تمليك ; فلا يتوقف ثبوت الملك به على القبض كعقد البيع ، بل : أولى ; لأن هناك الحاجة إلى إثبات الملك من الجانبين فمن جانب واحد أولى ، وحجتنا في ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - { : لا تجوز الهبة إلا مقبوضة } معناه : لا يثبت الحكم ، وهو الملك ; إذ الجواز ثابت قبل القبض بالاتفاق ، والصحابة اتفقوا على هذا ; فقد ذكر أقاويلهم في الكتاب ; ولأن هذا عقد تبرع ، فلا يثبت الملك فيه بمجرد القبول كالوصية ، وتأثيره : أن عقد التبرع ضعيف في نفسه ; ولهذا لا يتعلق به صفة اللزوم . والملك الثابت للواهب كان قويا ; فلا يزول بالسبب الضعيف حتى ينضم إليه ما يتأيد به : وهو موته في الوصية ; لكون الموت منافيا لملكه ، وتسليمه في الهبة لإزالة يده عنه بعد إيجاب عقد التمليك لغيره ، يوضحه : أن له في ماله ملك العين وملك اليد . فتبرعه بإزالة ملك العين بالهبة لا يوجب استحقاق ما لم يتبرع به عليه - وهو اليد - . ولو أثبتنا الملك للموهوب له قبل التسليم وجب على الواهب تسليمه إليه ، وذلك يخالف موضوع التبرع - بخلاف المعاوضات - ، والصدقة كالهبة - عندنا - في أنه لا يوجب الملك للمتصدق عليه إلا بالقبض خلافا لمالك رحمه الله .

وفي الصدقة خلاف بين الصحابة ، ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم ، وكان علي وابن مسعود رضي الله عنهما يقولان : إذا أعلمت الصدقة جازت ، وكان ابن عباس ومعاذ رضي الله عنهم يقولان لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة . وعن شريح وإبراهيم النخعي - رحمهما الله تعالى - فيه روايتان ذكرهما في الكتاب ; فأخذنا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وحملنا قول علي ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما على صدقة الرجل على ولده الصغير ، وذلك بالإعلام يتم ; لأنه يصير قابضا له ، والأصل فيه قوله : عليه الصلاة والسلام { يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما سوى ذلك فهو مال الوارث } . فقد شرط النبي - عليه الصلاة والسلام - [ ص: 49 ] الإمضاء في الصدقة ، وذلك بالقبض يكون ، وقد بينا هذا في كتاب الوقف .

التالي السابق


الخدمات العلمية