الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 5 ] المجنون

                                                                                      قيس بن الملوح ، وقيل : ابن معاذ ، وقيل : اسمه بختري بن الجعد ، وقيل غير ذلك . من بني عامر بن صعصعة . وقيل : من بني كعب بن سعد ، الذي قتله الحب في ليلى بنت مهدي العامرية .

                                                                                      سمعنا أخباره تأليف ابن المرزبان .

                                                                                      وقد أنكر بعضهم ليلى والمجنون ، وهذا دفع بالصدر ، فما من لم يعلم حجة على من عنده علم ، ولا المثبت كالنافي ، لكن إذا كان المثبت لشيء شبه خرافة ، والنافي ليس غرضه دفع الحق ، فهنا النافي مقدم ، وهنا تقع المكابرة وتسكب العبرة .

                                                                                      فقيل : إن المجنون علق ليلى علاقة الصبا ، وكانا يرعيان البهم . ألا تسمع قوله ، وما أفحل شعره : [ ص: 6 ]

                                                                                      تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة ولم يبد للأتراب من ثديها حجم     صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
                                                                                      إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

                                                                                      وعلقته هي أيضا ، ووقع بقلبها . وهو القائل :

                                                                                      أظن هواها تاركي بمضلة     من الأرض لا مال لدي ولا أهل
                                                                                      ولا أحد أقضي إليه وصيتي     ولا وارث إلا المطية والرحل
                                                                                      محا حبها حب الألى كن قبلها     وحلت مكانا لم يكن حل من قبل

                                                                                      فاشتد شغفه بها حتى وسوس وتخبل في عقله فقال :


                                                                                      إني لأجلس في النادي أحدثهم     فأستفيق وقد غالتني الغول
                                                                                      يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم     حتى يقول جليسي أنت مخبول

                                                                                      قال أبو عبيدة : تزايد به الأمر حتى فقد عقله ، فكان لا يؤويه رحل ولا يعلوه ثوب إلا مزقه ، ويقال : إن قوم ليلى شكوا المجنون إلى السلطان ، فأهدر دمه ، وترحل قومها بها . فجاء وبقي يتمرغ في المحلة ، ويقول :

                                                                                      أيا حرجات الحي حيث تحملوا     بذي سلم لا جادكن ربيع
                                                                                      [ ص: 7 ] وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى     بلين بلى لم تبلهن ربوع

                                                                                      وقيل : إن قومه حجوا به ليزور النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعو ، حتى إذا كان بمنى سمع نداء : يا ليلى ، فغشي عليه ، وبكى أبوه فأفاق يقول :


                                                                                      وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى     فهيج أطراب الفؤاد ولم يدر
                                                                                      دعا باسم ليلى غيرها فكأنما     أطار بليلى طائرا كان في صدري

                                                                                      وجزعت هي لفراقه وضنيت . وقيل : إن أباه قيده ، فبقي يأكل لحم ذراعيه ، ويضرب بنفسه ، فأطلقه ، فهام في الفلاة ، فوجد ميتا ، فاحتملوه إلى الحي وغسلوه ودفنوه ، وكثر بكاء النساء والشباب عليه .

                                                                                      وقيل : إنه كان يأكل من بقول الأرض ، وألفته الوحش ، وكان يكون بنجد فساح حتى حدود الشام .

                                                                                      وشعره كثير من أرق شيء وأعذبه ، وكان في دولة يزيد وابن الزبير .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية