الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( ولو وهب له ما في بطن أمته ، وسلطه على قبضه بعد الوضع فقبضه لم يجز ) ، وقد بينا الفرق بين هذا وبين هبة الدين ، والصوف على ظهر الغنم ، وفي الكتاب قال - من قبل - : أنه وهب له ما لم يكن بعد ، فإنه وهب له الولد ، وقبل الانفصال لا يكون ولدا ; ألا ترى أنه لو وهب له دهن سمسم قبل أن يعتصر ، وسلطه على قبضه إذا عصر أو وهب الزيت في الزيتون ، والدقيق في الحنطة قبل الطحن ، والسمن في اللبن قبل أن يتمخض ، فهذا كله باطل ; لأنه هبة ، [ ص: 73 ] وإضافة عقد التمليك إلى غير محله لغو . ( فإن قيل ) : لا ، كذلك فالوصية بما يثمر نخيله العام صحيح ( قلنا ) : الوصية ليست بعقد تمليك مال ، وإنما شرعت للخلافة عن الموصي ثم الملك من ثمراته ، ولهذا لا يتوقف ثبوت الملك فيه على القبض ، وهنا العقد عقد التمليك ; فلا بد من إضافته إلى ما هو مملوك ليعتبروا الملك لا يسبق الوجود ، وبه فارق ما سبق من الصوف واللبن ، فإنه موجود مملوك ، وإن كان متصلا بالحيوان ، فإنما يمتنع جواز بيعه لتمكن المنازعة بينهما عند التسليم ، وذلك لا يوجد في الهبة ، ثم الجزاز ، والحلب ، والقبض في اللبن في وسعه فيمكن أن يجعل فيه نائبا عن الواهب ثم قابضا لنفسه بعد ذلك فأما الإيجاب في الثمار ليس إليه .

قال : ( وكذلك لو وهب له ما في بطن جاريته - وهي حبلى - أو ما في بطن غنمه ; فهو باطل ) من أصحابنا رحمهم الله من يقول : إن أمره بقبضه بعد الولادة فقبض ينبغي أن يجوز - استحسانا - كما في الصوف واللبن . والأصح أنه : لا يجوز ; لأن ما في البطن ليس بمال أصلا ، ولا يعلم وجوده حقيقة ; ولأن إخراج الولد من البطن ليس إليه ، فلا يمكن أن يجعل في ذلك نائبا عن الواهب بخلاف الجزاز في الصوف ، والحلب في اللبن ، ومعنى هذا الفرق : أن فيما ليس في وسعه - لو جاز العقد باعتباره - كان تعليقا للهبة بالخطر وذلك غير جائز ، وما في وسعه يكون تأخيرا لملكه إلى قبضه لا تعليقا للهبة بالخطر ، وذلك جائز .

التالي السابق


الخدمات العلمية