الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5139 ) الفصل الثاني : أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين . هذا المشهور عن أحمد . وروي ذلك عن عمر ، وعلي ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد ، والحسن ، والنخعي ، وقتادة ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وعن أحمد أنه يصح بغير شهود . وفعله ابن عمر ، والحسن بن علي ، وابن الزبير ، وسالم وحمزة ابنا ابن عمر . وبه قال عبد الله بن إدريس ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويزيد بن هارون ، والعنبري ، وأبو ثور ، وابن المنذر

                                                                                                                                            وهو قول الزهري ، ومالك ، إذا أعلنوه . قال ابن المنذر : لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر . وقال ابن عبد البر : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { : لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين } . من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر ، إلا أن في نقله ذلك ضعيفا ، فلم أذكره . قال ابن المنذر : وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي فتزوجها بغير شهود . قال أنس بن مالك رضي الله عنه : { اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة قروش ، فقال الناس : ما ندري أتزوجها رسول الله أم جعلها أم ولد ؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها ، فعلموا أنه تزوجها } متفق عليه

                                                                                                                                            . قال : فاستدلوا على تزويجها بالحجاب . وقال يزيد بن هارون : أمر الله تعالى بالإشهاد في البيع دون النكاح ، فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح ، ولم يشترطوها للبيع ، ووجه الأولى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا نكاح إلا بولي مرشد ، وشاهدي عدل } . رواه الخلال بإسناده . وروى الدارقطني ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا بد في النكاح من أربعة ; الولي ، والزوج ، والشاهدان } . ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين ، وهو الولد ، فاشترطت الشهادة فيه ، لئلا يجحده أبوه ، فيضيع نسبه ، بخلاف البيع

                                                                                                                                            فأما نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بغير ولي وغير شهود ، فمن خصائصه في النكاح ، فلا يلحق به غيره .

                                                                                                                                            ( 5140 ) الفصل الثالث : أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين ، سواء كان الزوجان مسلمين ، أو الزوج وحده . نص عليه أحمد . وهو قول الشافعي . وقال أبو حنيفة : إذا كانت المرأة ذمية ، صح بشهادة ذميين . قال أبو الخطاب : ويتخرج لنا مثل ذلك ، مبنيا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض . ولنا ، قوله عليه السلام { : لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل }

                                                                                                                                            ولأنه نكاح مسلم ، فلم ينعقد بشهادة ذميين ، كنكاح المسلمين .

                                                                                                                                            ( 5141 ) فصل : فأما الفاسقان ، ففي انعقاد النكاح بشهادتهما روايتان ; إحداهما ، لا ينعقد . وهو مذهب الشافعي ; للخبر . ولأن النكاح لا يثبت بشهادتهما ، فلم ينعقد بحضورهما ، كالمجنونين . والثانية ، ينعقد بشهادتهما . وهو قول أبي حنيفة ; لأنها تحمل ، فصحت من الفاسق ، كسائر التحملات . وعلى كلتا الروايتين لا يعتبر [ ص: 8 ] حقيقة العدالة ، بل ينعقد بشهادة مستوري الحال ; لأن النكاح يكون في القرى والبادية ، وبين عامة الناس ، ممن لا يعرف حقيقة العدالة ، فاعتبار ذلك يشق

                                                                                                                                            فاكتفي بظاهر الحال ، وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه ، فإن تبين بعد العقد أنه كان فاسقا ، لم يؤثر ذلك في العقد ; لأن الشرط العدالة ظاهرا ، وهو أن لا يكون ظاهر الفسق ، وقد تحقق ذلك . وقيل : نتبين أن النكاح كان فاسدا ; لعدم الشرط . وليس بصحيح ; لأنه لو كانت العدالة في الباطن شرطا ، لوجب الكشف عنها ; لأنه مع الشك فيها يكون مشكوكا في شرط النكاح ، فلا ينعقد ، ولا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها . وإن حدث الفسق فيهما ، لم يؤثر في صحة النكاح ; لأن الشرط إنما يعتبر حالة العقد . ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل ، قبل قولهما ، وثبت النكاح بإقرارهما .

                                                                                                                                            ( 5142 ) فصل : ولا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين . وهذا قول النخعي ، والأوزاعي ، والشافعي . وعن أحمد ، أنه قال : إذا تزوج بشهادة نسوة ، لم يجز ، فإن كان معهن رجل ، فهو أهون . فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك . وهو قول أصحاب الرأي . ويروى عن الشعبي ; لأنه عقد معاوضة ، فانعقد بشهادتهن مع الرجال ، كالبيع . ولنا ، أن الزهري قال : مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في النكاح ، ولا في الطلاق . رواه أبو عبيد ، في " الأموال "

                                                                                                                                            وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم . ولأنه عقد ليس بمال ، ولا المقصود منه المال ، ويحضره الرجال في غالب الأحوال ، فلم يثبت بشهادتهن كالحدود ، وبهذا فارق البيع . ويحتمل أن أحمد إنما قال : هو أهون . لوقوع الخلاف فيه ، فلا يكون رواية . ( 5143 ) فصل : ولا ينعقد بشهادة صبيين ; لأنهما ليسا من أهل الشهادة . ويحتمل أن ينعقد بشهادة مراهقين عاقلين . ولا ينعقد بشهادة مجنونين ، ولا سائر من لا شهادة له ; لأن وجوده كالعدم . ولا ينعقد بشهادة أصمين ; لأنهما لا يسمعان . ولا أخرسين ; لعدم إمكان الأداء منهما . وفي انعقاده بحضور أهل الصنائع الزرية كالحجام ونحوه ، وجهان ، بناء على قبول شهادتهم

                                                                                                                                            وفي انعقاده بشهادة عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما وجهان ; أحدهما ، ينعقد . اختاره أبو عبد الله ابن بطة ; لعموم قوله { إلا بولي وشاهدي عدل . } ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزواج ، فانعقد بهما نكاحه ، كسائر العدول . والثاني ، لا ينعقد بشهادتهما ; لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه ، والابن لا تقبل شهادته لوالده .

                                                                                                                                            ( 5144 ) فصل : وينعقد بشهادة عبدين . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا ينعقد . ومبنى الخلاف على قبول شهادتهما في سائر الحقوق

                                                                                                                                            ونذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وينعقد بشهادة ضريرين . وللشافعية وجهان في ذلك . ولنا ، أنها شهادة على قول ، فصحت من الأعمى ، كالشهادة بالاستفاضة ، وإنما ينعقد بشهادتهما إذا تيقن الصوت وعلم صوت المتعاقدين على وجه لا يشك فيهما ، كما يعلم ذلك من يراهما ، وإلا فلا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية