الفرقة الناجية
وهذه الأحاديث أفادت : أن الجماعة عبارة عن جماعة الصحابة - رضي الله عنهم - ،
nindex.php?page=treesubj&link=28821_28822والفرقة الناجية هي التي على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وطريقة أصحابه .
ودل قيد «اليوم» أن المعتبر من شرائع الدين : ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن بعده - عليه السلام - اختلف الصحابة أيضا في مواضع ومسائل ، فالتي تستحق للأخذ والتمسك بها هي السنة الصريحة الصحيحة ، الصرفة ، المحضة ، التي لا يشوبها اجتهاد ، ولا رأي ، ولا قياس ، ولا شيء .
ولا مصداق لذلك إلا طريقة الأئمة المحدثين السابقين ، وأصحاب الأمهات الست ، ومن حذا حذوهم في التقوى وإصلاح الدين .
وأما من سلك السبل ، ودخل في فج عميق ، وابتدع بدعا لا يرضاها الله ولا رسوله ، وقلد الكبار من الأمة ، وتمسك بأقوال الأحبار والرهبان ، وخاض في التفريع الحادث ، وبنى عليه مذهبه ، واتخذه قدوة ، وترك السنن الثابتة في دواوين الإسلام ، أو أولها وحرفها ، وأنزلها على قواعد المذهب; صونا لمذهبه ، وحماية لأهله ، وانتصارا لمن قلده ، وقدم القياس والاجتهاد على نصوص الكتاب والسنة ، وتشبث بأذيال أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم إلى
[ ص: 44 ] هذا اليوم; تقديما لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فقه الأحكام ، وفهم معاني في الكتاب والسنة ، فقد حرم حلاوة الإيمان ، وخرج من إحاطة الفرقة الناجية بلا شك وارتياب .
وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن حال هذا القوم في هذا الحديث بقوله الشريف :
nindex.php?page=hadith&LINKID=697174«وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء» ; أي : تدخل وتسري .
والمراد بالأهواء : «البدع» ، ومحدثات الأمور ، ودخول الآراء في الدين ، وإيثار تقليد الرجال بلا برهان ولا سلطان .
قال بعض العلماء : واحد الأهواء : هوى; بمعنى : إرادة النفس ، وشهوتها الداعية إلى تلك المذاهب والمشارب .
nindex.php?page=hadith&LINKID=697174«كما يتجارى الكلب بصاحبه» الكلب - بفتح اللام - : داء يعرض للآدمي من عض الكلب ، فيصير مجنونا ، ويستولي عليه ، ويسري فيه ، ولا يستطيع أن ينظر إلى الماء ، وإن نظر يصيح ، وربما يموت من العطش ، ولا يتمكن من شرب الماء ، وهو شبيه المانيخوليا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=697174«لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله» .
قال بعض أهل العلم : تشبيه أهل الهوى بصاحب هذه العلة; لاستيلائها عليه ، وتولد الأعراض الردية منها ، وتعدي ضررها إلى غيره ، كما تتعدى علة البدعة في أهل الأهواء .
وكما أن صاحب الكلب يفر من الماء ، ولا يتمكن من شربه ، ويموت عطشانا ، فكذلك أهل الأهواء يفرون من علم الدين الذي هو اتباع الكتاب والسنة ، ولا يتمكنون من الاستفادة منهما ، ويموتون محرومين عنه في بادية الجهل ، وهاوية البدعة - نسأل الله العافية . . هكذا في «أشعة اللمعات) .
وإذا عرفت هذا ، عرفت أن كل مخالف للسنة الصحيحة ، مقلدا كان ، أو
[ ص: 45 ] مجتهدا ، عاما كان أو خاصيا ، ذو داء الكلب ، إذا أراد خلافها .
وأما من لم تبلغه السنة ، ولم يعلم بها ، ونيته الاتباع ، والفرار من الابتداع ، فأرجو ألا يكون من هذا القبيل .
ولكن عليه أن يسعى في درك الأحكام على الوجه الثابت من القرآن والحديث; باكتساب العلم من الثقات العارفين بهما ، أو بسؤالهم عن نصوصهما وأدلتهما ، حتى لا يتوجه إليه اعتراض ، ويبقى سليما من الأهواء المضلة ، والآراء الفاسدة .
وليس في الحديث والقرآن ما يشكل فهمه على الإنسان .
بخلاف كتب الفروع والجدل والكلام ، وما في معناها; فإنها كلها سفسطة ، وجهل ، وفضل ، وفيها من الأقوال المختلفة ، والآراء المتباينة ما لا يأتي عليه الحصر .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء : 82] .
وإنك إذا تتبعت مذاهبهم ومشاربهم ، وجدت أهل كل مذهب يرد على مذهب آخر ، ويضلله ، ويبدعه ، بل يكفره .
وهذا كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء [البقرة : 113] .
أما قرع سمعك ما قاله المقلدون : إن الشافعي إذا تحنف ، يخلع عليه ، وأن الحنفي إذا تشفع يعزر ، وإن اللائق بالحنفي أن يعتقد أن مذهبه صواب ، ومذهب غيره خطأ يحتمل الصواب ، وكذلك يقول غير الحنفي في حق غيره . وكل ذلك بمعزل عن الدين .
ولا تجد أبدا أحدا من أهل الحديث أصحاب السنة والجماعة المسماة بالفرقة الناجية يبدع غيره من المحدثين ، أو يخالفه في أصول الدين ، بل في الفروع ، إلا ما شاء الله تعالى; نظرا إلى قوة الدليل ، أو ضعفه ، والنادر كالمعدوم .
[ ص: 46 ] وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=122ومن أصدق من الله قيلا [النساء : 122] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولا يزالون مختلفين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إلا من رحم ربك [هود : 118 - 119] .
ويؤيد ما قلناه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - يرفعه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664463«إن الله لا يجمع أمتي - أو قال : أمة محمد - على ضلالة ، ويد الله على الجماعة ، ومن شذ ، شذ في النار» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
تأمل في هذا الخبر ، وأدرك أن المراد بالجماعة هنا ما قد سبقك ، والله حاميها ومؤيدها ، والشاذ مستحق للنار .
وقد وجد مصداق هذا الحديث بوجود أهل السنة المطهرة في كل زمن وقطر ، من عصر النبوة إلى يومنا هذا ، ولله الحمد .
ولولا هذه الجماعة ، لكان الدين كاد أن يذهب ، ولكن الله تعالى من على غرباء هذه الأمة بإبقائها ، وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بوجودها إلى قيام الساعة ، منصورة ظاهرة على غيرها ، غير مخذولة من جهة من خالفها ، ظاهرا وباطنا ، والله على كل شيء قدير .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا بني! إن قدرت أن تصبح وتمسي ، وليس في قلبك غش لأحد ، فافعل»، الغش : ضد النصح الذي هو إرادة الخير للمنصوح له .
ثم قال; أي : ترغيبا في هذا الفعل ، ومدحا له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972«يا بني! وذلك من سنتي» السنية ، وطريقتي المرضية ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972ومن أحب سنتي : العبادتية والعادية ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972فقد أحبني; لأن حب طريقة أحد وسيرته إنما ينشأ من محبته ، وهو الباعث عليها ، وعلى التمسك بها .
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972«ومن أحبني ، كان معي في الجنة» كما في حديث آخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664677«المرء مع من أحب ، وإنك مع من أحببت» .
قال في «أشعة اللمعات» : في الحديث إشارة إلى أن حب سنته صلى الله عليه وسلم يورث
[ ص: 47 ] محبته - عليه السلام - ، وموافقته ، فكيف إذا عمل بها أيضا؟ رزقنا الله . انتهى . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
قلت : وفي الحديث أيضا دلالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28750_28328علامة حبه صلى الله عليه وسلم اتباع سنته ، ومن ابتدع شيئا خلاف السنة ، وادعى أنه محب للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو كاذب; لأن فعله يكذب قوله ، وإنك ترى أكثر الناس حالهم كذلك في دعوى الوداد .
الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَفَادَتْ : أَنَّ الْجَمَاعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ،
nindex.php?page=treesubj&link=28821_28822وَالْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ هِيَ الَّتِي عَلَى سِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَرِيقَةِ أَصْحَابِهِ .
وَدَلَّ قَيْدُ «الْيَوْمَ» أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ : مَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ وَمَسَائِلَ ، فَالَّتِي تَسْتَحِقُّ لِلْأَخْذِ وَالْتَمَسُّكِ بِهَا هِيَ السُّنَّةُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ ، الصِّرْفَةُ ، الْمَحْضَةُ ، الَّتِي لَا يَشُوبُهَا اجْتِهَادٌ ، وَلَا رَأْيٌ ، وَلَا قِيَاسٌ ، وَلَا شَيْءٌ .
وَلَا مِصْدَاقَ لِذَلِكَ إِلَّا طَرِيقَةُ الْأَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ السَّابِقِينَ ، وَأَصْحَابِ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ فِي التَّقْوَى وَإِصْلَاحِ الدِّينِ .
وَأَمَّا مَنْ سَلَكَ السُّبُلَ ، وَدَخَلَ فِي فَجٍّ عَمِيقٍ ، وَابْتَدَعَ بِدَعًا لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ ، وَقَلَّدَ الْكِبَارَ مِنَ الْأُمَّةِ ، وَتَمَسَّكَ بِأَقْوَالِ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ، وَخَاضَ فِي التَّفْرِيعِ الْحَادِثِ ، وَبَنَى عَلَيْهِ مَذْهَبَهُ ، وَاتَّخَذَهُ قُدْوَةً ، وَتَرَكَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ أَوَّلَهَا وَحَرَّفَهَا ، وَأَنْزَلَهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ; صَوْنًا لِمَذْهَبِهِ ، وَحِمَايَةً لِأَهْلِهِ ، وَانْتِصَارًا لِمَنْ قَلَّدَهُ ، وَقَدَّمَ الْقِيَاسَ وَالِاجْتِهَادَ عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَتَشَبَّثَ بِأَذْيَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى
[ ص: 44 ] هَذَا الْيَوْمِ; تَقْدِيمًا لَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِقْهِ الْأَحْكَامِ ، وَفَهْمِ مَعَانِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَقَدْ حُرِمَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، وَخَرَجَ مِنْ إِحَاطَةِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بِلَا شَكٍّ وَارْتِيَابٍ .
وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِ هَذَا الْقَوْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ الشَّرِيفِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=697174«وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ» ; أَيْ : تَدْخُلُ وَتَسْرِي .
وَالْمُرَادُ بِالْأَهْوَاءِ : «الْبِدَعُ» ، وَمُحْدَثَاتُ الْأُمُورِ ، وَدُخُولُ الْآرَاءِ فِي الدِّينِ ، وَإِيثَارُ تَقْلِيدِ الرِّجَالِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا سُلْطَانٍ .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَاحِدُ الْأَهْوَاءِ : هَوًى; بِمَعْنَى : إِرَادَةُ النَّفْسِ ، وَشَهْوَتُهَا الدَّاعِيَةُ إِلَى تِلْكَ الْمَذَاهِبِ وَالْمَشَارِبِ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=697174«كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ» الْكَلَبُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - : دَاءٌ يَعْرِضُ لِلْآدَمِيِّ مِنْ عَضِّ الْكَلْبِ ، فَيَصِيرُ مَجْنُونًا ، وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ ، وَيَسْرِي فِيهِ ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْمَاءِ ، وَإِنْ نَظَرَ يَصِيحُ ، وَرُبَّمَا يَمُوتُ مِنَ الْعَطَشِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ ، وَهُوَ شَبِيهُ الْمَانِيخُولْيَا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=697174«لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ» .
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : تَشْبِيهُ أَهْلِ الْهَوَى بِصَاحِبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ; لِاسْتِيلَائِهَا عَلَيْهِ ، وَتَوَلُّدِ الْأَعْرَاضِ الرَّدِيَّةِ مِنْهَا ، وَتَعَدِّي ضَرَرِهَا إِلَى غَيْرِهِ ، كَمَا تَتَعَدَّى عِلَّةُ الْبِدْعَةِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ .
وَكَمَا أَنَّ صَاحِبَ الْكَلَبِ يَفِرُّ مِنَ الْمَاءِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شُرْبِهِ ، وَيَمُوتُ عَطْشَانًا ، فَكَذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ يَفِرُّونَ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ الَّذِي هُوَ اتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الِاسْتِفَادَةِ مِنْهُمَا ، وَيَمُوتُونَ مَحْرُومِينَ عَنْهُ فِي بَادِيَةِ الْجَهْلِ ، وَهَاوِيَةِ الْبِدْعَةِ - نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ . . هَكَذَا فِي «أَشِعَّةِ اللَّمَعَاتِ) .
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ، عَرَفْتَ أَنَّ كُلَّ مُخَالِفٍ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ ، مُقَلِّدًا كَانَ ، أَوْ
[ ص: 45 ] مُجْتَهِدًا ، عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصِّيًّا ، ذُو دَاءِ الْكَلَبِ ، إِذَا أَرَادَ خِلَافَهَا .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا ، وَنِيَّتُهُ الِاتِّبَاعُ ، وَالْفِرَارُ مِنَ الِابْتِدَاعِ ، فَأَرْجُو أَلَّا يَكُونَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ .
وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي دَرْكِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّابِتِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ; بِاكْتِسَابِ الْعِلْمِ مِنَ الثِّقَاتِ الْعَارِفِينَ بِهِمَا ، أَوْ بِسُؤَالِهِمْ عَنْ نُصُوصِهِمَا وَأَدِلَّتِهِمَا ، حَتَّى لَا يَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ اعْتِرَاضٌ ، وَيَبْقَى سَلِيمًا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ ، وَالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ .
وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ مَا يَشْكُلُ فَهْمُهُ عَلَى الْإِنْسَانِ .
بِخِلَافِ كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْجَدَلِ وَالْكَلَامِ ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا; فَإِنَّهَا كُلَّهَا سَفْسَطَةٌ ، وَجَهْلٌ ، وَفَضْلٌ ، وَفِيهَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَالْآرَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النِّسَاءِ : 82] .
وَإِنَّكَ إِذَا تَتَبَّعْتَ مَذَاهِبَهُمْ وَمَشَارِبَهُمْ ، وَجَدْتَ أَهْلَ كُلِّ مَذْهَبٍ يَرُدُّ عَلَى مَذْهَبٍ آخَرَ ، وَيُضَلِّلُهُ ، وَيُبْدِعُهُ ، بَلْ يُكَفِّرُهُ .
وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=113وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [الْبَقَرَةِ : 113] .
أَمَا قَرَعَ سَمِعَكَ مَا قَالَهُ الْمُقَلِّدُونَ : إِنَّ الشَّافِعِيَّ إِذَا تَحَنَّفَ ، يُخْلَعُ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ الْحَنَفِيَّ إِذَا تَشَفَّعَ يُعَزَّرُ ، وَإِنَّ اللَّائِقِ بِالْحَنَفِيِّ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ ، وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ غَيْرُ الْحَنَفِيِّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ . وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الدِّينِ .
وَلَا تَجِدُ أَبَدًا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَصْحَابِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ يُبَدِّعُ غَيْرَهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ ، أَوْ يُخَالِفُهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ ، بَلْ فِي الْفُرُوعِ ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; نَظَرًا إِلَى قُوَّةِ الدَّلِيلِ ، أَوْ ضَعْفِهِ ، وَالنَّادِرُ كَالْمَعْدُومِ .
[ ص: 46 ] وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=122وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا [النِّسَاءِ : 122] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هُودٍ : 118 - 119] .
وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَرْفَعُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664463«إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي - أَوْ قَالَ : أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ ، وَمَنْ شَذَّ ، شَذَّ فِي النَّارِ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ .
تَأَمَّلْ فِي هَذَا الْخَبَرِ ، وَأَدْرِكْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمَاعَةِ هُنَا مَا قَدْ سَبَقَكَ ، وَاللَّهُ حَامِيهَا وَمُؤَيِّدُهَا ، وَالشَّاذُّ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّارِ .
وَقَدْ وُجِدَ مِصْدَاقُ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُودِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فِي كُلِّ زَمَنٍ وَقُطْرٍ ، مِنْ عَصْرِ النُّبُوَّةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
وَلَوْلَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ ، لَكَانَ الدِّينُ كَادَ أَنْ يَذْهَبَ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَّ عَلَى غُرَبَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِإِبْقَائِهَا ، وَأَخْبَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوُجُودِهَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، مَنْصُورَةً ظَاهِرَةً عَلَى غَيْرِهَا ، غَيْرَ مَخْذُولَةٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ خَالَفَهَا ، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «يَا بُنَيَّ! إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ ، وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ ، فَافْعَلِ»، الْغِشُّ : ضِدُّ النُّصْحِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ .
ثُمَّ قَالَ; أَيْ : تَرْغِيبًا فِي هَذَا الْفِعْلِ ، وَمَدْحًا لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972«يَا بُنَيَّ! وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي» السَّنِيَّةِ ، وَطَرِيقَتِي الْمُرْضِيَةِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972وَمَنْ أَحَبَّ سُنَّتِي : الْعِبَادَتِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972فَقَدْ أَحَبَّنِي; لِأَنَّ حُبَّ طَرِيقَةِ أَحَدٍ وَسِيرَتِهِ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ مَحَبَّتِهِ ، وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا ، وَعَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972«وَمَنْ أَحَبَّنِي ، كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664677«الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ، وَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» .
قَالَ فِي «أَشِعَّةِ اللَّمَعَاتِ» : فِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حُبَّ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُورِثُ
[ ص: 47 ] مَحَبَّتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَمُوَافَقَتَهُ ، فَكَيْفَ إِذَا عَمِلَ بِهَا أَيْضًا؟ رَزَقَنَا اللَّهُ . انْتَهَى . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ .
قُلْتُ : وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28750_28328عَلَامَةَ حُبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعُ سُنَّتِهِ ، وَمَنِ ابْتَدَعَ شَيْئًا خِلَافَ السُّنَّةِ ، وَادَّعَى أَنَّهُ مُحِبٌّ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُوَ كَاذِبٌ; لِأَنَّ فِعْلَهُ يُكَذِّبُ قَوْلَهُ ، وَإِنَّكَ تَرَى أَكْثَرَ النَّاسِ حَالُهُمْ كَذَلِكَ فِي دَعْوَى الْوِدَادِ .