لا تقليد في الدين الإسلامي
وهذا الحديث نص قاطع وبرهان ساطع على
nindex.php?page=treesubj&link=22311رد التقليد; لأنه إذا لم يسع
لموسى النبي صلى الله عليه وسلم إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم ، فمن ذاك الذي يجب تقليده واتباعه في الدين؟ .
وفي لفظة
nindex.php?page=hadith&LINKID=695468«البيضاء النقية» إشارة إلى أن أحكامها لا تحتاج إلى مزيد إيضاح
[ ص: 49 ] بإلحاق الأقيسة والآراء ، وضم التفاريع المبنية على الأهواء; لأنها إذا تكون محتاجة إلى ذلك ، فلا يصح القصر عليها .
وإنما يستقيم اتباعها إذا ثبت كونها كاملة تامة واضحة غير خفية . وهي كذلك ولله الحمد .
ويؤيده قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .
فهذه الملة الحنيفية السمحة السهلة البيضاء النقية ، أدلتها وافية كافية شافية لفصل جميع الخصومات ، وقطع المنازعات ، وقضايا الحوادث الآتيات ، بعموماتها وخصوصاتها ، لا ملجئ لعارفها إلى إدراك ما قرره أهل الرأي ، وحرره أصحاب البدع والأهواء .
ولولا ذلك ، لما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، ثم قيده بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، فأفاد أن الرد عند التنازع إلى غيرهما مناف للإيمان ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59ذلك ; أي : الرد
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59خير وأحسن تأويلا [النساء : 59] . إنك يا مسكين إذا تأملت في صنائع أهل الرأي والهوى ، أدركت أن كل آفة وقعت في الإسلام ، وكل غربة جاءت فيه إنما نشأت من عدم الرد إلى الله ورسوله ، والرد إلى الأحبار والرهبان ، وتقديم أقوالهم على الآيات البينات والأحاديث الصحيحات ، بنوع من التحريف والتأويل والانتحال . اللهم وفقنا لصالح الأعمال ، وجنبنا عما يهلكنا في الحال ، أو في المآل .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=709238أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة ، فقال : يا رسول الله ! هذه نسخة من التوراة ، فسكت ، فجعل يقرأ ، ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير .
فقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : ثكلتك الثواكل ، أما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا .
[ ص: 50 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفس محمد بيده! لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني ، لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيا وأدرك نبوتي ، لاتبعني» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي .
وهذا أوضح من الأول ، وفيه
nindex.php?page=treesubj&link=32512_20459القضاء بالضلال على من تبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان في أعلى مرتبة من النبوة ، فكيف باتباع من ليس بنبي ، ولا برسول بل من آحاد الأمة ، ومتعبد بكتاب الله وسنة رسوله كغيره من العباد; مثل أئمة الملة الأربعة وغيرهم من الأحبار والرهبان؟! وهذا يفيد أن تقليد الرجال ، واتباع القيل والقال ، ضلال وجهل ووبال .
ولا يجوز لأحد أن يقلد أحدا في شيء ، حتى يوافق قوله قول الرسول المعصوم عن الخطأ .
فيكون اتباعه له في الحقيقة اتباع الدليل ، لا تقليد ذلك الإمام الجليل .
وحيث إن أكثر الناس الجهلة ، لا يعلمون الفرق بين التقليد والاتباع ، يطعنون في العاملين بالحديث على قبول الدليل الذي ذكره أحد من أئمة الحديث وفقه السنة ، ولا يدرون أن بين قبول الرأي وقبول الرواية بونا بعيدا . ومن لم يفرق بينهما ، فليس أهلا للخطاب ، والله أعلم بالصواب .
ذم الجدل وما جاء فيه من زواجر النصوص في الكتاب والسنة
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665546«ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ، إلا أوتوا الجدل» . الجدل - بفتحتين - : الشدة في الخصومة ، والعناد ، والتعصب ، والمراء لترويج المذهب ، من غير أن يكون له نصرة على ما هو الحق وذلك محرم ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الشريفة الواردة في جدل الكفار وخصومتهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون [الزخرف : 58] .
[ ص: 51 ] قال في «أشعة اللمعات» : سبب نزولها : أنه لما نزل قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [الأنبياء : 98] ، فرح المشركون ، وصاحوا : إن آلهتنا ليست بخير من
المسيح ، فإذا كان
عيسى معبود النصارى في النار بحكم هذه الآية ، فنحن راضون بكون آلهتنا فيها ، يعني :
شادم كه أزر قيبان دامن فشان كذشتي كومشت خاك مم بربا درفته باشد
فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58ما ضربوه لك إلخ; يعني بحثهم هذا معك مبني على الجدل والخصام ، وإلا فليس قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98وما تعبدون شاملا
لعيسى - عليه السلام-; لأن كلمة «ما» لغير ذوي العقول ، كما أن كلمة «من» لهم .
وأن هؤلاء الكفار يعلمون أن لغة العرب هكذا فبحثهم بعد هذا العلم محض الجدل ، والتعصب الصرف .
قيل إن
ابن الزبعرى من المشركين بحث في ذلك ، فقال له صلى الله عليه وسلم :
«ما أجهلك بلسان قومك !» انتهى . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .
والحديث دل على
nindex.php?page=treesubj&link=19153ذم الجدل ، وقبحه . وفيه استدلال النبي صلى الله عليه وسلم بالآية النازلة في شأن المشركين والكفار ، على أهل هذه الأمة; تحذيرا لهم عن مثل هذا الصنيع; لأن هذه الأمة هي التي أوتيت هدى ثم سرى فيها الجدل والخصام .
ومثل هذا استدلال العلماء الموحدين بالآيات التي وردت في حق الكفار والمشركين من أهل الكتاب وغيرهم ، واحتجاجهم بها على مشركي هذه الأمة ، وعابدي القبور والأموات .
فكان هذا أيضا حجة على صحة هذا الطريق الاستدلالي . كيف والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، كما تقرر في الأصول ، وقال به جماعة من الأعلام الفحول؟!
فمن زعم أن الاحتجاج بها مقصور على من وردت في حقه ، ولا يتعدى حكمها إلى غيره من مشركي هذه الأمة الذين يدعون الإسلام ويقولون بالكلمة ، ويصلون ويصومون ، ويحجون ، ويزكون ، وهم أهل البدع المضلة ، والأهواء
[ ص: 52 ] الموبقة ، فاعلون لأنواع الإشراك في العبادات والعادات ، فهو محجوج بهذا الحديث الشريف; لأن الذي جاء إلينا بالقرآن ، جاء بهذا البيان ، وليست قرية وراء عبادان .
وأيضا أفاد هذا الحديث أن الجدل خلاف الهدى ، وحكمه حكم الضلالة ، وصاحبه ضال غير مهدي ، وهذا نص في محل النزاع .
ولكن سول إبليس لكثير من الناس ، حتى زعموا أن العلم هو هذا الجدل .
وطال ذلك منهم إلى أن دونت طوامير كثيرة ، ودفاتر عظيمة ، حتى دخل في الأصول والفروع كلها ، ويئس أهل الحق عن أهله أن يؤمنوا بالله ورسوله ، ويأخذوا الهدى من الكتاب والسنة .
ومن عظائم العاهات : أن هذا الجدل يزداد كل يوم ، في كل جيل وقبيل ، إلا شرذمة قليلة متبعة للأخبار ، وهم غرباء الإسلام ، أصحاب الحديث والقرآن ، فطوبى لهم وحسن مآب .
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664286«من ترك المراء وهو محق ، بني له بيت في ربض الجنة» ، أو كما قال .
فتقرر أن تارك الجدال من أهل الجنة ، - إن شاء الله تعالى - ، وصاحب الجدال من أرباب الضلال . اللهم وفقنا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله عنه - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939037«لا تشددوا على أنفسكم» ; أي : بارتكاب الرياضات الصعبة ، والمجاهدات الشاقة ، التي لا تطيقها النفس وبالتزامها عليها ، وتحريم ما أباحه الله وأحله ويسره .
قال في «المرقاة» : كصوم الدهر ، وإحياء الليل كله ، واعتزال النساء ، انتهى .
قلت : وكما يحكى عن أكثر أهل السلوك المتصوفة الجهلة من هذه الأمة ، وكما يحكيها أهل المذاهب عن الأئمة ، فقد ذكروا في مناقب بعضهم أنه كان يعبد كذا وكذا في اليوم والليلة ، وكان يصلي الصبح بوضوء العشاء ، إلى غير ذلك من أشباه هذه الفضائل ، مع أنه ليس لذلك سند متصل إليه حتى يعتمد عليه .
[ ص: 53 ] والظاهر : أن ذلك حسن ظن من مقلديهم بهم ، واعتبار بأفواه العامة فيهم .
وإن ثبت أنهم كانوا كذلك في هذه الصنائع ، فبالله عليك ! قل لي : هل هذا التشديد مستحسن ، يدل عليه دليل من الكتاب والسنة؟ أم هو منهي عنه على لسان الشارع - عليه السلام - في هذا الحديث وفي القرآن؟ والأصل في النهي التحريم كما تقرر في الأصول .
وكيف يسوغ لأحد من آحاد الأمة أن يتجرأ على الله ورسوله ، ويأتي بما نهي عنه ، فضلا عن أن يرتكبه من هو في أعلى مرتبة من العلم والعمل والتقوى؟
فأين أنت - يا قاصر العقل - من اعتقاد مثل هذه الخرافات؟! بل في ذكر نحو هذه المناقب نقص على أصحابها ، وموقع ضحك لأعداء الإسلام . والله أعلم بما كانوا يعملون .
nindex.php?page=hadith&LINKID=939037«فيشدد الله عليكم» ; أي : يفرضها عليكم ، فتقعوا في الشدة ، أو بأن يفوت عنكم بعض ما أوجب عليكم بسبب ضعفكم من تحمل المشاق .
ويحتمل أن يكون المعنى : فيشدد عليكم في العقاب على ابتداع هذه البدع في العبادات والرياضات; لأنها زيادة على كمال الدين;
nindex.php?page=hadith&LINKID=939037«فإن قوما شددوا على أنفسهم ، فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار» .
الصومعة - بفتح الميم - : معبد النصارى ، والدير : معبد الرهبان . ونظيرها في الإسلام : المساجد والخانقات .
والأول : معبد الأحبار . والثاني : معبد الرهبان من هذه الملة ، وما أشبه الليلة بالبارحة!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم المراد بها المبالغة في العبادة والرياضة ، وفي الانقطاع من الناس ، ولبس المسوح ، وتعليق السلاسل في الأعناق ، وقطع المذاكير ، والفرار إلى الأودية والجبال ونحوها; مما كان يفعله رهبان أهل الكتاب ، وزهادهم .
[ ص: 54 ] فقال : إن هذه الأشياء اخترعها هؤلاء ، وابتدعوها من تلقائهم ، من غير أن كنا كتبناها عليهم .
ثم قال في آخر الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27فما رعوها حق رعايتها هكذا في «الأشعة» .
وأقول : قد أحدث رهبان هذه الأمة وزهادها وعبادها و مشايخها رياضات أخرى ، وبدعات كثيرة ، لا مستند لها في شيء من القرآن والحديث ، ولقنوها مريديهم ومعتقديهم ، وبالغوا في ذلك حتى خرجوا من الحد الأوسط ، ووقعوا في الإفراط .
وقابلهم أحبار هذه الأمة ، ففرطوا في هذه ، حتى زعموا أن العلم عبارة عن الجدل والكلام ، والرد على أهل العلم ، لا سيما على المعاصرين منهم ، والاقتحام في المناظرة والمكابرة ، ووهنوا بسبب هذه العاهة عن العمل ، كأن العمل عندهم هذا العمل .
ووفق الله تعالى عصابة من أهل الحق ، فجاؤوا في العبادات بما ثبت عن سيد العابدين ، وقصروا عليها ، ولم يبالغوا ، ولم يشددوا ، ولم يرضوا بالرهبانية ، وأتوا في العلوم بترك الجدال والقتال والمناظرات والمكابرات; احتسابا عند الله ، وهؤلاء هم خلاصة الأمة . والله أعلم . رواه أبو داود .
قال في «ترجمة المشكاة» : جاء
أحمد بن الحواري إلى أستاذه
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبي سليمان الداراني ، وقال : ارتاض بنو إسرائيل حتى صاروا كالزقاق البالية ، وأوتار القسية ، ونحن نأكل ونلبس وننعم ويتحلل روحنا ، ماذا هذا الحال؟ وكيف يكون المآل؟
فقال
أبو سليمان : كنت أعلم أنك تأتي بهذا . اعلم يا أحمد : أن الذي يطلب منا هو الصدق والإخلاص ، لا الحرقة والذوب ، وإن عملت عشرة أيام ، وأخلصت فيه ، خير لك أن تحرق وتذوب عشرة أعوام ، إنما المطلوب رضاء الحق تعالى كما قال :
ومن لم يكن للوصال أهلا فكل إحسانه ذنوب
انتهى .
[ ص: 55 ] وبالجملة : مراد الله سبحانه من عباده في عبادته : إخلاص النية ، وصواب العمل .
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19695_30513والإخلاص : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا . والصواب : أن تعمل بالسنة المطهرة ، ولا تبتدع شيئا ، ولا تأخذ من بدع غيرك شيئا .
عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس مرسلا ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=888147«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله ، وسنة رسوله» رواه في «الموطأ» .
هو اسم كتاب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، قرئ مقصورا وممدودا ، وكلاهما صحيح ، وهو كتاب قديم مبارك ، سابق على جميع الكتب الإسلامية ، وصاحبه إمام من أئمة السنة والجماعة .
والمرسل في الاصطلاح المشهور : رواية التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والأولى أن يقال : «تعليقا» موضع «مرسلا» .
والحديث دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28328_30233عدم الضلال معلق بتمسك الكتاب والسنة ، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم تركهما آلة للهداية والرشد في الأمة ، ولم يترك شيئا سواهما تتمسك به أمته بعده .
فتقرر أن أصول الإسلام هي هذان الأصلان ، لا ثالث ، ولا رابع لهما ، وأن المتمسك بهما على هدى ، وأن غير المتمسك بهما على ضلال .
وهذا الحق ليس به خفاء فدعني عن بنيات الطريق
ومن قال : إن الأصل الثالث الإجماع ، والرابع القياس ، فقد عارض حكمه صلى الله عليه وسلم برأيه ، وأساء الأدب معه - عليه السلام - .
وكيف يكون ما لم يأت عن الله ولا عن رسوله أصلا للأمة ، وقد أتى به من هو من آحادها ، ومتعبد بهما كغيره؟
[ ص: 56 ] فيا لله للعجب من أقوام قالوا : إن الأصول أربعة ، والسنة تقضي بخلاف قولهم ، وترشد في مواضع كثيرة إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ، وفي القرآن والأحاديث من ذلك كثير طيب ، لا يحصره المقام .
وقد وصف الله رسوله بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=129ويعلمهم الكتاب والحكمة [البقرة : 129) .
والمراد بالحكمة : السنة ، كما نص عليه جمع جم من المفسرين ، وتبعهم جماعة من المحدثين .
وقد قال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب [العنكبوت : 51]؟
وهذا صريح في أن الكتاب يكفي الأمة .
ويؤيده رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939475«من تعلم كتاب الله ، ثم اتبع ما فيه ، هداه الله من الضلالة في الدنيا ، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب» .
وفي رواية قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=930925«من اقتدى بكتاب الله ، لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، ثم تلا هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى [طه : 123] . رواه
رزين . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886015«من رغب عن سنتي ، فليس مني» .
وعن
غضيف بن الحارث الثمالي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=931015«ما أحدث قوم بدعة ، إلا رفع مثلها من السنة ، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
قال في «المرقاة» في قوله : «فتمسك بسنة» ; أي : صغيرة أو قليلة; كإحياء آداب الخلاء مثلا على ما ورد في السنة أفضل من حسنة عظيمة; كبناء رباط ومدرسة . انتهى .
وقال في ترجمة «المشكاة» : التمسك بالسنة - وإن كانت قليلة - خير من ابتداع بدعة - وإن كانت حسنة .
لأن باتباع السنة يتولد النور ، وبالابتلاء في البدعة تأتي الظلمة .
[ ص: 57 ] مثلا رعاية آداب الخلاء ، والاستنجاء على الوجه المسنون ، خير من بناء الرباط والمدرسة .
كيف والسالك برعاية آداب السنن يترقى بمقام القرب ، وبتركها يتنزل عنه ، وذلك يؤدي إلى ترك الأفضل منه حتى يصل إلى مرتبة قساوة القلب التي يقال لها : «الرين» ، «والطبع» ، «والختم» - نعوذ بالله من ذلك . . انتهى .
قلت : وما أجل إنصاف هذا الترجمان في هذا الموضع الذي هو مزلة الأقدام من أكثر الأعلام لما نص في هذا الكلام على أن البدعة الحسنة مورثة لقساوة القلب ، ومؤدية إلى الرين والطبع والختم ، وأن أيسر السنة وأدناها موجبة لنور الإيمان ، وترقي الإنسان إلى مقام القرب من الرحمن .
والرين إشارة إلى قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=14بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون [المطففين : 14] . والطبع إشارة إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93وطبع الله على قلوبهم [التوبة : 93] ، والختم إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة [البقرة : 7] ، فإذا ثبت أن هذه الثلاثة مرتبة على العمل بالبدعة الحسنة ، فلا ضرورة تدعو إلى تقسيم البدع إلى السيئة والحسنة ، بل الذي ينبغي أن يقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=667821«إن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار» .
ولا ريب أن الختم والطبع والرين من أوصاف الكفار والمشركين .
فإذا حصلت - ونعوذ بالله منها - لأحد من المسلمين ، فكأنه خرج عن سمة الإسلام ، ودخل في زمرة الكفرة الفجرة .
وأيضا في هذا الحديث : دليل على أن إحداث البدعة سبب لرفع السنة مثلها ، وهذا موجود مشاهد .
انظر إلى هذه الفتاوى الفقهية المتولدة من خالص الرأي ، والكتب الفرعية الحاصلة من اجتهادات العلماء ، وكيف حدثت ، فرفع مثلها من دواوين السنة ،
[ ص: 58 ] ومجامع الأحاديث ما لا يأتي عليه الحصر ، إلى أن فقد درس الحديث والقرآن ، وقام مقامه سبق الوقاية والهداية والبرهان .
فهذا الحديث علم من أعلام النبوة ، جامع للكلم والحكم الكثيرة ، شامل لجميع البدع المشؤومة ، مخبر برفع السنن عن الأمة .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان - رضي الله عنه - : «ما ابتدع قوم بدعة في دينهم ، إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي .
لَا تَقْلِيدَ فِي الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ
وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ قَاطِعٌ وَبُرْهَانٌ سَاطِعٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22311رَدِّ التَّقْلِيدِ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسَعْ
لِمُوسَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اتِّبَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمِنْ ذَاكَ الَّذِي يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَاتِّبَاعُهُ فِي الدِّينِ؟ .
وَفِي لَفْظَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=695468«الْبَيْضَاءِ النَّقِيَّةِ» إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَحْكَامَهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدِ إِيضَاحٍ
[ ص: 49 ] بِإِلْحَاقِ الْأَقْيِسَةِ وَالْآرَاءِ ، وَضَمِّ التَّفَارِيعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْأَهْوَاءِ; لِأَنَّهَا إِذًا تَكُونُ مُحْتَاجَةً إِلَى ذَلِكَ ، فَلَا يَصِحُّ الْقَصْرُ عَلَيْهَا .
وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ اتِّبَاعُهَا إِذَا ثَبَتَ كَوْنُهَا كَامِلَةً تَامَّةً وَاضِحَةً غَيْرَ خَفِيَّةٍ . وَهِيَ كَذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا .
فَهَذِهِ الْمِلَّةُ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ الْبَيْضَاءُ النَّقِيَّةُ ، أَدِلَّتُهَا وَافِيَةٌ كَافِيَةٌ شَافِيَةٌ لِفَصْلِ جَمِيعِ الْخُصُومَاتِ ، وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ ، وَقَضَايَا الْحَوَادِثِ الْآتِيَاتِ ، بِعُمُومَاتِهَا وَخُصُوصَاتِهَا ، لَا مُلْجِئَ لِعَارِفِهَا إِلَى إِدْرَاكِ مَا قَرَّرَهُ أَهْلُ الرَّأْيِ ، وَحَرَّرَهُ أَصْحَابُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ .
وَلَوْلَا ذَلِكَ ، لَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، ثُمَّ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَأَفَادَ أَنَّ الرَّدَّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَى غَيْرِهِمَا مُنَافٍ لِلْإِيمَانِ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59ذَلِكَ ; أَيِ : الرَّدُّ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [النِّسَاءِ : 59] . إِنَّكَ يَا مِسْكِينُ إِذَا تَأَمَّلْتَ فِي صَنَائِعِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْهَوَى ، أَدْرَكْتَ أَنَّ كُلَّ آفَةٍ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ ، وَكُلَّ غُرْبَةٍ جَاءَتْ فِيهِ إِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ عَدَمِ الرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالرَّدِّ إِلَى الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ، وَتَقْدِيمِ أَقْوَالِهِمْ عَلَى الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَاتِ ، بِنَوْعٍ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ وَالِانْتِحَالِ . اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ ، وَجَنِّبْنَا عَمَّا يُهْلِكُنَا فِي الْحَالِ ، أَوْ فِي الْمَآلِ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=709238أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ ، فَسَكَتَ ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ ، وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ .
فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ ، أَمَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا .
[ ص: 50 ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي ، لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي ، لَاتَّبَعَنِي» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدَّارِمِيُّ .
وَهَذَا أَوْضَحُ مِنَ الْأَوَّلِ ، وَفِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=32512_20459الْقَضَاءُ بِالضَّلَالِ عَلَى مَنْ تَبِعَ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ كَانَ فِي أَعْلَى مَرْتَبَةٍ مِنَ النُّبُوَّةِ ، فَكَيْفَ بِاتِّبَاعِ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ ، وَلَا بِرَسُولٍ بَلْ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ ، وَمُتَعَبِّدٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْعُبَّادِ; مِثْلَ أَئِمَّةِ الْمِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ؟! وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ تَقْلِيدَ الرِّجَالِ ، وَاتِّبَاعَ الْقِيلِ وَالْقَالِ ، ضَلَالٌ وَجَهْلٌ وَوَبَالٌ .
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا فِي شَيْءٍ ، حَتَّى يُوَافِقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الرَّسُولِ الْمَعْصُومِ عَنِ الْخَطَأِ .
فَيَكُونُ اتِّبَاعُهُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ ، لَا تَقْلِيدُ ذَلِكَ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ .
وَحَيْثُ إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ الْجَهَلَةِ ، لَا يَعْلَمُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالِاتِّبَاعِ ، يَطْعَنُونَ فِي الْعَامِلِينَ بِالْحَدِيثِ عَلَى قَبُولِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَفِقْهِ السُّنَّةِ ، وَلَا يَدْرُونَ أَنَّ بَيْنَ قَبُولِ الرَّأْيِ وَقَبُولِ الرِّوَايَةِ بَوْنًا بَعِيدًا . وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا ، فَلَيْسَ أَهْلًا لِلْخِطَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
ذَمُّ الْجَدَلِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ زَوَاجِرِ النُّصُوصِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665546«مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ ، إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ» . الْجَدَلُ - بِفَتْحَتَيْنِ - : الشِّدَّةُ فِي الْخُصُومَةِ ، وَالْعِنَادُ ، وَالتَّعَصُّبُ ، وَالْمِرَاءُ لِتَرْوِيجِ الْمَذْهَبِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نُصْرَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ الْوَارِدَةِ فِي جَدَلِ الْكُفَّارِ وَخُصُومَتِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزُّخْرُفِ : 58] .
[ ص: 51 ] قَالَ فِي «أَشِعَّةِ اللَّمَعَاتِ» : سَبَبُ نُزُولِهَا : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ : 98] ، فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ ، وَصَاحُوا : إِنَّ آلِهَتَنَا لَيْسَتْ بِخَيْرٍ مِنَ
الْمَسِيحِ ، فَإِذَا كَانَ
عِيسَى مَعْبُودَ النَّصَارَى فِي النَّارِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَنَحْنُ رَاضُونَ بِكَوْنِ آلِهَتِنَا فِيهَا ، يَعْنِي :
شادم كه أَزر قيبان دامن فشان كذشتي كومشت خاك مم بربا درفته باشد
فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَخْ; يَعْنِي بَحْثَهُمْ هَذَا مَعَكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَدَلِ وَالْخِصَامِ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98وَمَا تَعْبُدُونَ شَامِلًا
لِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ-; لِأَنَّ كَلِمَةَ «مَا» لِغَيْرِ ذَوِي الْعُقُولِ ، كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ «مِنْ» لَهُمْ .
وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ يَعْلَمُونَ أَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ هَكَذَا فَبَحْثُهُمْ بَعْدَ هَذَا الْعِلْمِ مَحْضُ الْجَدَلِ ، وَالتَّعَصُّبِ الصِّرْفِ .
قِيلَ إِنَّ
ابْنَ الزِّبَعْرَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَحَثَ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«مَا أَجْهَلَكَ بِلِسَانِ قَوْمِكَ !» انْتَهَى . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ .
وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19153ذَمِّ الْجَدَلِ ، وَقُبْحِهِ . وَفِيهِ اسْتِدْلَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآيَةِ النَّازِلَةِ فِي شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّارِ ، عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ; تَحْذِيرًا لَهُمْ عَنْ مُثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ هِيَ الَّتِي أُوتِيَتْ هُدًى ثُمَّ سَرَى فِيهَا الْجَدَلُ وَالْخِصَامُ .
وَمِثْلُ هَذَا اسْتِدْلَالُ الْعُلَمَاءِ الْمُوَحِّدِينَ بِالْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاحْتِجَاجِهِمْ بِهَا عَلَى مُشْرِكِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَعَابِدِي الْقُبُورِ وَالْأَمْوَاتِ .
فَكَانَ هَذَا أَيْضًا حُجَّةً عَلَى صِحَّةِ هَذَا الطَّرِيقِ الِاسْتِدْلَالِيِّ . كَيْفَ وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْلَامِ الْفُحُولِ؟!
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهَا مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ وَرَدَتْ فِي حَقِّهِ ، وَلَا يَتَعَدَّى حَكَمُهَا إِلَى غَيْرِهِ مِنْ مُشْرِكِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ وَيَقُولُونَ بِالْكَلِمَةِ ، وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ ، وَيَحُجُّونَ ، وَيُزَكُّونَ ، وَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ ، وَالْأَهْوَاءِ
[ ص: 52 ] الْمُوبِقَةِ ، فَاعِلُونَ لِأَنْوَاعِ الْإِشْرَاكِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ ، فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ; لِأَنَّ الَّذِي جَاءَ إِلَيْنَا بِالْقُرْآنِ ، جَاءَ بِهَذَا الْبَيَانِ ، وَلَيْسَتْ قَرْيَةٌ وَرَاءَ عَبَّادَانَ .
وَأَيْضًا أَفَادَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْجَدَلَ خِلَافُ الْهُدَى ، وَحُكْمَهُ حُكْمُ الضَّلَالَةِ ، وَصَاحِبَهُ ضَالٌّ غَيْرُ مَهْدِيٍّ ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ .
وَلَكِنْ سَوَّلَ إِبْلِيسُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، حَتَّى زَعَمُوا أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ هَذَا الْجَدَلُ .
وَطَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ دُوِّنَتْ طَوَامِيرُ كَثِيرَةٌ ، وَدَفَاتِرُ عَظِيمَةٌ ، حَتَّى دَخَلَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كُلِّهَا ، وَيَئِسَ أَهْلُ الْحَقِّ عَنْ أَهْلِهِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَيَأْخُذُوا الْهُدَى مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَمِنْ عَظَائِمِ الْعَاهَاتِ : أَنَّ هَذَا الْجَدَلَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ ، فِي كُلِّ جِيلٍ وَقَبِيلٍ ، إِلَّا شِرْذِمَةً قَلِيلَةً مُتَّبِعَةً لِلْأَخْبَارِ ، وَهُمْ غُرَبَاءُ الْإِسْلَامِ ، أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ ، فَطُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664286«مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ ، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ» ، أَوْ كَمَا قَالَ .
فَتَقَرَّرَ أَنَّ تَارِكَ الْجِدَالِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ، وَصَاحِبُ الْجِدَالِ مِنْ أَرْبَابِ الضَّلَالِ . اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939037«لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ» ; أَيْ : بِارْتِكَابِ الرِّيَاضَاتِ الصَّعْبَةِ ، وَالْمُجَاهَدَاتِ الشَّاقَّةِ ، الَّتِي لَا تُطِيقُهَا النَّفْسُ وَبِالْتِزَامِهَا عَلَيْهَا ، وَتَحْرِيمِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَأَحَلَّهُ وَيَسَّرَهُ .
قَالَ فِي «الْمِرْقَاةِ» : كَصَوْمِ الدَّهْرِ ، وَإِحْيَاءِ اللَّيْلِ كُلِّهِ ، وَاعْتِزَالِ النِّسَاءِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : وَكَمَا يُحْكَى عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّلُوكِ الْمُتَصَوِّفَةِ الْجَهَلَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَكَمَا يَحْكِيهَا أَهْلُ الْمَذَاهِبِ عَنِ الْأَئِمَّةِ ، فَقَدْ ذَكَرُوا فِي مَنَاقِبِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَعْبُدُ كَذَا وَكَذَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَشْبَاهِ هَذِهِ الْفَضَائِلِ ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ سَنَدٌ مُتَّصِلٌ إِلَيْهِ حَتَّى يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ .
[ ص: 53 ] وَالظَّاهِرُ : أَنَّ ذَلِكَ حُسْنُ ظَنٍّ مِنْ مُقَلِّدِيهِمْ بِهِمْ ، وَاعْتِبَارٌ بِأَفْوَاهِ الْعَامَّةِ فِيهِمْ .
وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الصَّنَائِعِ ، فَبِاللَّهِ عَلَيْكَ ! قُلْ لِي : هَلْ هَذَا التَّشْدِيدُ مُسْتَحْسَنٌ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ أَمْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي الْقُرْآنِ؟ وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ .
وَكَيْفَ يُسَوَّغُ لِأَحَدٍ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ أَنْ يَتَجَرَّأَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَيَأْتِيَ بِمَا نُهِي عَنْهُ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَرْتَكِبَهُ مَنْ هُوَ فِي أَعْلَى مَرْتَبَةٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالتَّقْوَى؟
فَأَيْنَ أَنْتَ - يَا قَاصِرَ الْعَقْلِ - مِنِ اعْتِقَادِ مِثْلِ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ؟! بَلْ فِي ذِكْرِ نَحْوِ هَذِهِ الْمَنَاقِبِ نَقْصٌ عَلَى أَصْحَابِهَا ، وَمَوْقِعُ ضَحِكٍ لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=939037«فَيُشَدِّدُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» ; أَيْ : يَفْرِضُهَا عَلَيْكُمْ ، فَتَقَعُوا فِي الشِّدَّةِ ، أَوْ بِأَنْ يُفَوِّتَ عَنْكُمْ بَعْضَ مَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ ضَعْفِكُمْ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : فَيُشَدِّدُ عَلَيْكُمْ فِي الْعِقَابِ عَلَى ابْتِدَاعِ هَذِهِ الْبِدَعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالرِّيَاضَاتِ; لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى كَمَالِ الدِّينِ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=939037«فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ» .
الصَّوْمَعَةُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - : مَعْبَدُ النَّصَارَى ، وَالدَّيْرُ : مَعْبَدُ الرُّهْبَانِ . وَنَظِيرُهَا فِي الْإِسْلَامِ : الْمَسَاجِدُ وَالْخَانِقَاتُ .
وَالْأَوَّلُ : مَعْبَدُ الْأَحْبَارِ . وَالثَّانِي : مَعْبَدُ الرُّهْبَانِ مِنْ هَذِهِ الْمِلَّةِ ، وَمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ الْمُرَادُ بِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي الْعِبَادَةِ وَالرِّيَاضَةِ ، وَفِي الِانْقِطَاعِ مِنَ النَّاسِ ، وَلُبْسِ الْمُسُوحِ ، وَتَعْلِيقِ السَّلَاسِلِ فِي الْأَعْنَاقِ ، وَقَطْعِ الْمَذَاكِيرِ ، وَالْفِرَارِ إِلَى الْأَوْدِيَةِ وَالْجِبَالِ وَنَحْوِهَا; مِمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَزُهَّادُهُمْ .
[ ص: 54 ] فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ اخْتَرَعَهَا هَؤُلَاءِ ، وَابْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَائِهِمْ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ كُنَّا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا هَكَذَا فِي «الْأَشِعَّةِ» .
وَأَقُولُ : قَدْ أَحْدَثَ رُهْبَانُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَزُهَّادُهَا وَعُبَّادُهَا وَ مَشَايِخُهَا رِيَاضَاتٍ أُخْرَى ، وَبِدْعَاتٍ كَثِيرَةً ، لَا مُسْتَنَدَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، وَلَقَّنُوهَا مُرِيدِيهِمْ وَمُعْتَقَدَيْهِمْ ، وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الْحَدِّ الْأَوْسَطِ ، وَوَقَعُوا فِي الْإِفْرَاطِ .
وَقَابَلَهُمْ أَحْبَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَفَرَّطُوا فِي هَذِهِ ، حَتَّى زَعَمُوا أَنَّ الْعِلْمَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَدَلِ وَالْكَلَامِ ، وَالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْمُعَاصِرِينَ مِنْهُمْ ، وَالِاقْتِحَامِ فِي الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُكَابَرَةِ ، وَوَهَنُوا بِسَبَبِ هَذِهِ الْعَاهَةِ عَنِ الْعَمَلِ ، كَأَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ هَذَا الْعَمَلُ .
وَوَفَّقَ اللَّهُ تَعَالَى عِصَابَةً مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ ، فَجَاؤُوا فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا ثَبَتَ عَنْ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ ، وَقَصَرُوا عَلَيْهَا ، وَلَمْ يُبَالِغُوا ، وَلَمْ يُشَدِّدُوا ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِالرَّهْبَانِيَّةِ ، وَأَتَوْا فِي الْعُلُومِ بِتَرْكِ الْجِدَالِ وَالْقِتَالِ وَالْمُنَاظَرَاتِ وَالْمُكَابَرَاتِ; احْتِسَابًا عِنْدَ اللَّهِ ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ خُلَاصَةُ الْأُمَّةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ .
قَالَ فِي «تَرْجَمَةِ الْمِشْكَاةِ» : جَاءَ
أَحْمَدُ بْنُ الْحِوَارِيِّ إِلَى أُسْتَاذِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12032أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ ، وَقَالَ : ارْتَاضَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَتَّى صَارُوا كَالزِّقَاقِ الْبَالِيَةِ ، وَأَوْتَارِ الْقَسِيَّةِ ، وَنَحْنُ نَأْكُلُ وَنَلْبَسُ وَنَنْعَمُ وَيَتَحَلَّلُ رُوحُنَا ، مَاذَا هَذَا الْحَالُ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الْمَآلُ؟
فَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْتِي بِهَذَا . اعْلَمْ يَا أَحْمَدُ : أَنَّ الَّذِي يَطْلُبُ مِنَّا هُوَ الصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ ، لَا الْحُرْقَةُ وَالذَّوْبُ ، وَإِنْ عَمِلْتَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، وَأَخْلَصْتَ فِيهِ ، خَيْرٌ لَكَ أَنْ تُحْرَقَ وَتَذُوبَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ ، إِنَّمَا الْمَطْلُوبُ رِضَاءُ الْحَقِّ تَعَالَى كَمَا قَالَ :
وَمِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوِصَالِ أَهْلًا فَكُلُّ إِحْسَانِهِ ذُنُوبُ
انْتَهَى .
[ ص: 55 ] وَبِالْجُمْلَةِ : مُرَادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ فِي عِبَادَتِهِ : إِخْلَاصُ النِّيَّةِ ، وَصَوَابُ الْعَمَلِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19696_19695_30513وَالْإِخْلَاصُ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا . وَالصَّوَابُ : أَنْ تَعْمَلَ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ ، وَلَا تَبْتَدِعَ شَيْئًا ، وَلَا تَأْخُذَ مِنْ بِدَعِ غَيْرِكَ شَيْئًا .
عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مُرْسَلًا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=888147«تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا : كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ» رَوَاهُ فِي «الْمُوَطَّأِ» .
هُوَ اسْمُ كِتَابِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ، قُرِئَ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَهُوَ كِتَابٌ قَدِيمٌ مُبَارَكٌ ، سَابِقٌ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، وَصَاحِبُهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
وَالْمُرْسَلُ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ : رِوَايَةُ التَّابِعِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : «تَعْلِيقًا» مَوْضِعَ «مُرْسَلًا» .
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28328_30233عَدَمَ الضَّلَالِ مُعَلِّقٌ بِتَمَسُّكِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُمَا آلَةً لِلْهِدَايَةِ وَالرُّشْدِ فِي الْأُمَّةِ ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا سِوَاهُمَا تَتَمَسَّكُ بِهِ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ .
فَتَقَرَّرَ أَنَّ أُصُولَ الْإِسْلَامِ هِيَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ ، لَا ثَالِثَ ، وَلَا رَابِعَ لَهُمَا ، وَأَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِهِمَا عَلَى هُدَى ، وَأَنَّ غَيْرَ الْمُتَمَسِّكِ بِهِمَا عَلَى ضَلَالٍ .
وَهَذَا الْحَقُّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ فَدَعْنِي عَنْ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ
وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْأَصْلَ الثَّالِثَ الْإِجْمَاعُ ، وَالرَّابِعَ الْقِيَاسُ ، فَقَدْ عَارَضَ حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِهِ ، وَأَسَاءَ الْأَدَبَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَكَيْفَ يَكُونُ مَا لَمْ يَأْتِ عَنِ اللَّهِ وَلَا عَنْ رَسُولِهِ أَصْلًا لِلْأُمَّةِ ، وَقَدْ أَتَى بِهِ مَنْ هُوَ مِنْ آحَادِهَا ، وَمُتَعَبِّدٌ بِهِمَا كَغَيْرِهِ؟
[ ص: 56 ] فَيَا لِلَّهِ لِلْعَجَبِ مِنْ أَقْوَامٍ قَالُوا : إِنَّ الْأُصُولَ أَرْبَعَةٌ ، وَالسُّنَّةَ تَقْضِي بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ ، وَتُرْشِدُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ إِلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَفِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ طَيِّبٌ ، لَا يَحْصُرُهُ الْمَقَامُ .
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=129وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الْبَقَرَةِ : 129) .
وَالْمُرَادُ بِالْحِكْمَةِ : السُّنَّةُ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ جَمْعٌ جَمٌّ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَتَبِعَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ .
وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ [الْعَنْكَبُوتِ : 51]؟
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكِتَابَ يَكْفِي الْأُمَّةَ .
وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939475«مَنْ تَعَلَّمَ كِتَابَ اللَّهِ ، ثُمَّ اتَّبَعَ مَا فِيهِ ، هَدَاهُ اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَوَقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سُوءَ الْحِسَابِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=930925«مَنِ اقْتَدَى بِكِتَابِ اللَّهِ ، لَا يَضِلُّ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه : 123] . رَوَاهُ
رَزِينٌ . وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886015«مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي ، فَلَيْسَ مِنِّي» .
وَعَنْ
غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ الثُّمَالِيُّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=931015«مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً ، إِلَّا رُفِعَ مِثْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ ، فَتَمَسَّكْ بِسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ إِحْدَاثِ بِدَعَةٍ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ .
قَالَ فِي «الْمِرْقَاةِ» فِي قَوْلِهِ : «فَتَمَسَّكْ بِسُنَّةٍ» ; أَيْ : صَغِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ; كَإِحْيَاءِ آدَابِ الْخَلَاءِ مَثَلًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ حَسَنَةٍ عَظِيمَةٍ; كَبِنَاءِ رِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ . انْتَهَى .
وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ «الْمِشْكَاةِ» : التَّمَسُّكُ بِالسُّنَّةِ - وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً - خَيْرٌ مِنِ ابْتِدَاعِ بِدْعَةٍ - وَإِنْ كَانَتْ حَسَنَةً .
لِأَنَّ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ يَتَوَلَّدُ النُّورُ ، وَبِالِابْتِلَاءِ فِي الْبِدْعَةِ تَأْتِي الظُّلْمَةُ .
[ ص: 57 ] مَثَلًا رِعَايَةُ آدَابِ الْخَلَاءِ ، وَالِاسْتِنْجَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ ، خَيْرٌ مِنْ بِنَاءِ الرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ .
كَيْفَ وَالسَّالِكُ بِرِعَايَةِ آدَابِ السُّنَنِ يَتَرَقَّى بِمَقَامِ الْقُرْبِ ، وَبِتَرْكِهَا يَتَنَزَّلُ عَنْهُ ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ مِنْهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى مَرْتَبَةِ قَسَاوَةِ الْقَلْبِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا : «الرَّيْنُ» ، «وَالطَّبْعُ» ، «وَالْخَتْمُ» - نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ . . انْتَهَى .
قُلْتُ : وَمَا أَجَلَّ إِنْصَافَ هَذَا التُّرْجُمَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ مَزَلَّةِ الْأَقْدَامِ مِنْ أَكْثَرِ الْأَعْلَامِ لِمَا نَصَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ الْحَسَنَةَ مُوَرِّثَةٌ لِقَسَاوَةِ الْقَلْبِ ، وَمُؤَدِّيَةٌ إِلَى الرَّيْنِ وَالطَّبْعِ وَالْخَتْمِ ، وَأَنَّ أَيْسَرَ السُّنَّةِ وَأَدْنَاهَا مُوجِبَةٌ لِنُورِ الْإِيمَانِ ، وَتُرَقِّي الْإِنْسَانَ إِلَى مَقَامِ الْقُرْبِ مِنَ الرَّحْمَنِ .
وَالرَّيْنُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=14بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الْمُطَفِّفِينَ : 14] . وَالطَّبْعُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [التَّوْبَةِ : 93] ، وَالْخَتْمُ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [الْبَقَرَةِ : 7] ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ ، فَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى تَقْسِيمِ الْبِدَعِ إِلَى السَّيِّئَةِ وَالْحَسَنَةِ ، بَلِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=667821«إِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْخَتْمَ وَالطَّبْعَ وَالرَّيْنَ مِنْ أَوْصَافِ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ .
فَإِذَا حَصَلَتْ - وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا - لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَكَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ سِمَةِ الْإِسْلَامِ ، وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ .
وَأَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْدَاثَ الْبِدْعَةِ سَبَبٌ لِرَفْعِ السُّنَّةِ مِثْلَهَا ، وَهَذَا مَوْجُودٌ مُشَاهَدٌ .
انْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ خَالِصِ الرَّأْيِ ، وَالْكُتُبِ الْفَرْعِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنِ اجْتِهَادَاتِ الْعُلَمَاءِ ، وَكَيْفَ حَدَثَتْ ، فَرُفِعَ مِثْلُهَا مِنْ دَوَاوِينِ السُّنَّةِ ،
[ ص: 58 ] وَمَجَامِعُ الْأَحَادِيثِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ ، إِلَى أَنْ فَقَدَ دَرْسَ الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ ، وَقَامَ مَقَامَهُ سَبْقُ الْوِقَايَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْبُرْهَانِ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ، جَامِعٌ لِلْكَلِمِ وَالْحِكَمِ الْكَثِيرَةِ ، شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْبِدَعِ الْمَشْؤُومَةِ ، مُخْبِرٌ بِرَفْعِ السُّنَنِ عَنِ الْأُمَّةِ .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=144حَسَّانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : «مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ ، إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا ، ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا إِلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدَّارِمِيُّ .