ولما أخبر ببخلهم لو سئلوا جميع أموالهم أو أكثرها، دل عليه بمن يبخل منهم عما سأله [منهم] وهو جزء يسير [جدا] من أموالهم، فقال منبها لهم على حسن تدبيره لهم وعفوه عنهم عند من جعل "ها" للتنبيه، ومن جعل الهاء بدلا من همزة استفهام جعلها للتوبيخ والتقريع، لأن من حق من دعاه مولاه أن يبادر للإجابة مسرورا فضلا أن يبخل، وفي هاء التنبيه ولا سيما عند من يرى تكررها تأكيد لأجل استبعادهم أن أحدا يبخل عما يأمر الله به سبحانه:
nindex.php?page=treesubj&link=18896_28723_29711_30532_30539_29018nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ها أنتم وحقر أمرهم أو أحضره في الذهن وصوره بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هؤلاء تدعون أي: إلى ربكم الذي لا يريد بدعائكم إلا نفعكم وأما هو فلا يلحقه نفع ولا ضر
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38لتنفقوا شيئا يسيرا من الزكاة وهي ربع العشر ونحوه، ومن نفقة الغزو وقد يحصل من الغنيمة أضعافها وقد يحصل من المتجر أو أكثر، وقد عم ذلك وغيره
[ ص: 269 ] قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38في سبيل الله أي: الملك الأعظم الذي يرجى خيره ويخشى ضيره، بخلاف من يكون وما يكون به اللهو واللعب.
ولما أخبر بدعائهم، فصلهم فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38فمنكم أي: أيها المدعون
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38من يبخل وهو منكم لا شك فيه، وحذف القسم [الآخر] وهو "ومنكم من يجود" لأن المراد الاستدلال على ما قبله من البخل. ولما كان بخله عمن أعطاه المال بجزء يسير منه إنما طلبه ليقع المطلوب منه فقط زاد العجب بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ومن أي: والحال أنه من
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38يبخل بذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38فإنما يبخل أي: بماله بخلا صادرا
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38عن نفسه التي هي منبع الدنايا، فلا تنفس و [لا] تنافس إلا في الشيء الخسيس؛ فإن نفع ذلك الذي طلب منه فبخل به إنما هو له، وأكده لأنه لا يكاد أحد يصدق أن عاقلا يتجاوز بماله عن نفع نفسه، ولذا حذف: "ومن يجد فإنما يجد على نفسه" لفهمه عن السياق واستغناء الدليل عنه، هذا والأحسن أن يكون "يبخل" متضمنا "يمسك" ثم حذف "يمسك" ودل عليه بحال محذوفة دل عليها التعدية بعن.
ولما كان سؤال المال قد يوهم شيئا، قال مزيلا له مقررا لأن بخل الإنسان إنما هو عن نفسه عطفا على ما تقديره: لأن ضرر بخله إنما
[ ص: 270 ] يعود عليه وهو سبحانه لم يسألكم ذلك لحاجته إليه ولا إلى شيء منكم، بل لحاجتكم إلى الثواب، وهو سبحانه قد بنى أمور هذه الدار كما اقتضته الحكمة على الأسباب:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38والله أي: الملك الأعظم الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38الغني أي: وحده
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وأنتم أيها المكلفون خاصة
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38الفقراء لأن العطاء ينفعكم والمنع يضركم. فمن افتقر منكم إلى فقير مثله وقع في الذل والهوان، وقد جرت عادتكم أن يداخلكم من السرور ما لا يجد إذا طلب من أحد منكم أحد من الأجواد الأغنياء شيئا طمعا في جزائه، فكونوا كذلك وأعظم إذا طلب منكم الغنى المطلق.
ولما كان التقدير: فإن تقبلوا بنولكم تفلحوا عطف عليه قوله مرهبا؛ لأن الترهيب أردع:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وإن تتولوا أي: توقعوا التولي عنه تكلفوا أنفسكم ضد ما تدعو إليه الفطرة الأولى من السماح بذلك الجزاء اليسير جدا الموجب للثواب الخطير والفوز الدائم، ومن الجهاد في سبيله، والقيام بطاعته، لكونه المحسن الذي لا محسن في الحقيقة غيره
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38يستبدل أي: يوجد
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38قوما فيهم قوة وكفاية لما يطلب منهم محاولته.
[ ص: 271 ] ولما كان ذلك مفهما أنهم غيرهم، لكنه لا يمنع أن يكونوا - مع كونهم غير أعيانهم - من قومهم أو أن يشأ دونهم في الصفات وإن كانوا من غير قومهم، نبه على أنهم يكونون من غير قومهم وعلى غير صفاتهم، بل هم أعلى منهم درجة وأكرم خليقة وأحسن فعلا فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38غيركم أي: بدلا منكم وهو على غير صفة التولي.
ولما كان الناس متقاربين في الجبلات، وكان المال محبوبا، كان من المستبعد جدا أن يكون هذا البذل على غير ما هم عليه، قال تعالى مشيرا إلى ذلك بحرف التراخي تأكيدا لما أفهمه ما قلته من التعبير ب "غير" وتثبيتا [له]:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ثم أي: بعد استبعاد من يستبعد وعلو الهمة في مجاوزة جميع عقبات النفس والشيطان:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38لا يكونوا أمثالكم في التولي عنه بترك شيء مما أمر به أو فعل شيء مما نهى [عنه]، ومن قدر على الإيجاد قدر على الإعدام.
بل هو أهون في مجاري العادات، فقد ثبت [أنه] سبحانه لو شاء لانتصر من الكفار، إما بإهلاكهم أو إما بناس غيركم بضرب رقابهم وأسرهم، وغير ذلك من أمرهم، وثبت بمواصلة ذم الكفار مع قدرته عليهم
[ ص: 272 ] أنه أبطل أعمالهم، فرجع بذلك أول السورة إلى آخرها، وعانق موصله ما ترى من مفصلها، وعلم أن معنى هذا الآخر وذلك الأول: أنه سبحانه لا بد من إذلاله للكافرين وإعزازه للمؤمنين؛ لأنهم إن أقبلوا على ما يرضيه فجاهدوا نصرهم نصرا عزيزا بما ضمنه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=7إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم وإن تتولوا أتى بقوم غيركم يقبلون عليه فيصدقهم وعده، فصار خذلانهم أمرا متحتما، وهو معنى أول سورة
محمد. والله الموفق لما يريد من الصواب.
وَلَمَّا أَخْبَرَ بِبُخْلِهِمْ لَوْ سُئِلُوا جَمِيعَ أَمْوَالِهِمْ أَوْ أَكْثَرِهَا، دَلَّ عَلَيْهِ بِمَنْ يَبْخَلُ مِنْهُمْ عَمَّا سَأَلَهُ [مِنْهُمْ] وَهُوَ جُزْءٌ يَسِيرٌ [جِدًّا] مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى حُسْنِ تَدْبِيرِهِ لَهُمْ وَعَفْوِهِ عَنْهُمْ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ "هَا" لِلتَّنْبِيهِ، وَمَنْ جَعَلَ الْهَاءَ بَدَلًا مِنْ هَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ جَعَلَهَا لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ دَعَاهُ مَوْلَاهُ أَنْ يُبَادِرَ لِلْإِجَابَةِ مَسْرُورًا فَضْلًا أَنْ يَبْخَلَ، وَفِي هَاءِ التَّنْبِيهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَرَى تَكَرُّرَهَا تَأْكِيدٌ لِأَجْلِ اسْتِبْعَادِهِمْ أَنَّ أَحَدًا يَبْخَلُ عَمَّا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=18896_28723_29711_30532_30539_29018nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هَا أَنْتُمْ وَحَقَّرَ أَمْرَهُمْ أَوْ أَحْضَرَهُ فِي الذِّهْنِ وَصَوَّرَهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ أَيْ: إِلَى رَبِّكُمُ الَّذِي لَا يُرِيدُ بِدُعَائِكُمْ إِلَّا نَفْعَكُمْ وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَلْحَقُهُ نَفْعٌ وَلَا ضُرٌّ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38لِتُنْفِقُوا شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ الزَّكَاةِ وَهِيَ رُبْعُ الْعُشْرِ وَنَحْوَهُ، وَمِنْ نَفَقَةِ الْغَزْوِ وَقَدْ يَحْصُلُ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَضْعَافُهَا وَقَدْ يَحْصُلُ مِنَ الْمَتْجَرِ أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ عَمَّ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ
[ ص: 269 ] قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيِ: الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُخْشَى ضَيْرُهُ، بِخِلَافِ مَنْ يَكُونُ وَمَا يَكُونُ بِهِ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ.
وَلَمَّا أَخْبَرَ بِدُعَائِهِمْ، فَصَّلَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38فَمِنْكُمْ أَيْ: أَيُّهَا الْمُدَّعُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38مَنْ يَبْخَلُ وَهُوَ مِنْكُمْ لَا شَكَّ فِيهِ، وَحَذَفَ الْقَسَمَ [الْآخَرَ] وَهُوَ "وَمِنْكُمْ مَنْ يَجُودُ" لِأَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْبُخْلِ. وَلَمَّا كَانَ بُخْلُهُ عَمَّنْ أَعْطَاهُ الْمَالَ بِجُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْهُ إِنَّمَا طَلَبَهُ لِيَقَعَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ فَقَطْ زَادَ الْعَجَبُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَمَنْ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ مَنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38يَبْخَلُ بِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38فَإِنَّمَا يَبْخَلُ أَيْ: بِمَالِهِ بُخْلًا صَادِرًا
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38عَنْ نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ مَنْبَعُ الدَّنَايَا، فَلَا تَنَفُّسَ وَ [لَا] تَنَافُسَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْخَسِيسِ؛ فَإِنَّ نَفْعَ ذَلِكَ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ فَبَخِلَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ لَهُ، وَأَكَّدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُصَدِّقُ أَنَّ عَاقِلًا يَتَجَاوَزُ بِمَالِهِ عَنْ نَفْعِ نَفْسِهِ، وَلِذَا حَذَفَ: "وَمَنْ يَجُدْ فَإِنَّمَا يَجُدْ عَلَى نَفْسِهِ" لِفَهْمِهِ عَنِ السِّيَاقِ وَاسْتِغْنَاءِ الدَّلِيلِ عَنْهُ، هَذَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ "يَبْخَلْ" مُتَضَمِّنًا "يُمْسِكْ" ثُمَّ حَذَفَ "يُمْسِكْ" وَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا التَّعْدِيَةُ بِعَنْ.
وَلَمَّا كَانَ سُؤَالُ الْمَالِ قَدْ يُوهِمُ شَيْئًا، قَالَ مُزِيلًا لَهُ مُقَرِّرًا لِأَنَّ بُخْلَ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ نَفْسِهِ عَطْفًا عَلَى مَا تَقْدِيرُهُ: لِأَنَّ ضَرَرَ بُخْلِهِ إِنَّمَا
[ ص: 270 ] يَعُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَمْ يَسْأَلْكُمْ ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى شَيْءٍ مِنْكُمْ، بَلْ لِحَاجَتِكُمْ إِلَى الثَّوَابِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ قَدْ بَنَى أُمُورَ هَذِهِ الدَّارِ كَمَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ عَلَى الْأَسْبَابِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَاللَّهُ أَيِ: الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَهُ الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38الْغَنِيُّ أَيْ: وَحْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَأَنْتُمُ أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ خَاصَّةً
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38الْفُقَرَاءُ لِأَنَّ الْعَطَاءَ يَنْفَعُكُمْ وَالْمَنْعَ يَضُرُّكُمْ. فَمَنِ افْتَقَرَ مِنْكُمْ إِلَى فَقِيرٍ مِثْلِهِ وَقَعَ فِي الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُكُمْ أَنْ يُدَاخِلَكُمْ مِنَ السُّرُورِ مَا لَا يَجِدُ إِذَا طَلَبَ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ أَحَدٌ مِنَ الْأَجْوَادِ الْأَغْنِيَاءِ شَيْئًا طَمَعًا فِي جَزَائِهِ، فَكُونُوا كَذَلِكَ وَأَعْظَمَ إِذَا طَلَبَ مِنْكُمُ الْغِنَى الْمُطْلَقَ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: فَإِنْ تَقْبَلُوا بِنَوْلِكُمْ تُفْلِحُوا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُرَهِّبًا؛ لِأَنَّ التَّرْهِيبَ أَرْدَعُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَإِنْ تَتَوَلَّوْا أَيْ: تَوَقَّعُوا التَّوَلِّيَ عَنْهُ تُكَلِّفُوا أَنْفُسَكُمْ ضِدَّ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْفِطْرَةُ الْأُولَى مِنَ السَّمَاحِ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ الْيَسِيرِ جِدًّا الْمُوجِبِ لِلثَّوَابِ الْخَطِيرِ وَالْفَوْزِ الدَّائِمِ، وَمِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ، لِكَوْنِهِ الْمُحْسِنَ الَّذِي لَا مُحْسِنَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38يَسْتَبْدِلْ أَيْ: يُوجِدْ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38قَوْمًا فِيهِمْ قُوَّةٌ وَكِفَايَةٌ لِمَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ مُحَاوَلَتُهُ.
[ ص: 271 ] وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُفْهِمًا أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، لَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونُوا - مَعَ كَوْنِهِمْ غَيْرَ أَعْيَانِهِمْ - مِنْ قَوْمِهِمْ أَوْ أَنْ يَشَأْ دُونَهُمْ فِي الصِّفَاتِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَوْمِهِمْ، نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مِنْ غَيْرِ قَوْمِهِمْ وَعَلَى غَيْرِ صِفَاتِهِمْ، بَلْ هُمْ أَعْلَى مِنْهُمْ دَرَجَةً وَأَكْرَمُ خَلِيقَةً وَأَحْسَنُ فِعْلًا فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38غَيْرَكُمْ أَيْ: بَدَلًا مِنْكُمْ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ صِفَةِ التَّوَلِّي.
وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ مُتَقَارِبِينَ فِي الْجِبِلَّاتِ، وَكَانَ الْمَالُ مَحْبُوبًا، كَانَ مِنَ الْمُسْتَبْعَدِ جِدًّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَذْلُ عَلَى غَيْرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى مُشِيرًا إِلَى ذَلِكَ بِحَرْفِ التَّرَاخِي تَأْكِيدًا لِمَا أَفْهَمَهُ مَا قُلْتُهُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِ "غَيْرَ" وَتَثْبِيتًا [لَهُ]:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ثُمَّ أَيْ: بَعْدَ اسْتِبْعَادِ مَنْ يُسْتَبْعَدُ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ فِي مُجَاوَزَةِ جَمِيعِ عَقَبَاتِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ فِي التَّوَلِّي عَنْهُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا أَمَرَ بِهِ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ مِمَّا نَهَى [عَنْهُ]، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِيجَادِ قَدَرَ عَلَى الْإِعْدَامِ.
بَلْ هُوَ أَهْوَنُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ، فَقَدْ ثَبَتَ [أَنَّهُ] سُبْحَانَهُ لَوْ شَاءَ لَانْتَصَرَ مِنَ الْكُفَّارِ، إِمَّا بِإِهْلَاكِهِمْ أَوْ إِمَّا بِنَاسٍ غَيْرِكُمْ بِضَرْبِ رِقَابِهِمْ وَأَسْرِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَثَبَتَ بِمُوَاصَلَةِ ذَمِّ الْكُفَّارِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمْ
[ ص: 272 ] أَنَّهُ أَبْطَلَ أَعْمَالَهُمْ، فَرَجَعَ بِذَلِكَ أَوَّلُ السُّورَةِ إِلَى آخِرِهَا، وَعَانَقَ مُوصِلُهُ مَا تَرَى مِنْ مُفَصَّلِهَا، وَعُلِمَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْآخَرِ وَذَلِكَ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا بُدَّ مِنْ إِذْلَالِهِ لِلْكَافِرِينَ وَإِعْزَازِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ أَقْبَلُوا عَلَى مَا يُرْضِيهِ فَجَاهَدُوا نَصَرَهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا بِمَا ضَمِنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=7إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا أَتَى بِقَوْمٍ غَيْرِكُمْ يُقْبِلُونَ عَلَيْهِ فَيَصْدُقُهُمْ وَعْدَهُ، فَصَارَ خِذْلَانُهُمْ أَمْرًا مُتَحَتِّمًا، وَهُوَ مَعْنَى أَوَّلِ سُورَةِ
مُحَمَّدٍ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِمَا يُرِيدُ مِنَ الصَّوَابِ.