الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        152 - الحديث الثاني : عن أنس بن مالك رضي الله عنه { أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ، ثم قال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع الله تعالى يغيثنا ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال : اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا . قال أنس : فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال : فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس . فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، قال : فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ، قال : ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب الناس ، فاستقبله قائما ، فقال : يا رسول الله ، [ ص: 359 ] هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله أن يمسكها عنا ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال : اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ، قال : فأقلعت ، وخرجنا نمشي في الشمس . قال شريك : فسألت أنس بن مالك : أهو الرجل الأول قال : لا أدري . }

                                        التالي السابق


                                        قال رحمه الله " الظراب " الجبال الصغار هذا هو الحديث الذي أشرنا إليه أنه استدل به لأبي حنيفة في ترك الصلاة والذي دل على الصلاة واستحبابها لا ينافي أن يقع مجرد الدعاء في حالة أخرى . وإنما كان هذا الذي جرى في الجمعة مجرد دعاء . وهو مشروع حيثما احتيج إليه . ولا ينافي شرعية الصلاة في حالة أخرى إذا اشتدت الحاجة إليها . وفي الحديث : علم من أعلام النبوة في إجابة الله تعالى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيبه أو معه . وأراد بالأموال : الأموال الحيوانية . لأنها التي يؤثر فيها انقطاع المطر ، بخلاف الأموال الصامتة . و " السبل " الطرق وانقطاعها : إما بعدم المياه التي يعتاد المسافر ورودها . وإما باشتغال الناس وشدة القحط عن الضرب في الأرض . وفيه دليل على استحباب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء فمن الناس من عداه إلى كل دعاء . ومنهم من لم يعده ، لحديث عن أنس يقتضي ظاهره عدم عموم الرفع لما عدا الاستسقاء .

                                        وفي حديث آخر : استثناء ثلاثة مواضع : منها الاستسقاء ، ورؤية البيت ، وقد أول ذلك على أن يكون المراد : رفعا تاما في هذه المواضع . وفي غيرها : دونه . بدليل أنه صح رفع اليدين عنه صلى الله عليه وسلم في غير تلك [ ص: 360 ] المواضع . وصنف في ذلك شيخنا أبو محمد المنذري رحمه الله جزءا قرأته عليه . " والقزع " سحاب متفرق " والقزعة " واحدته . ومنه أخذ القزع في الرأس وهو أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه . و " سلع " جبل عند المدينة ، وقوله " وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار " تأكيد لقوله " وما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة " لأنه أخبر أن السحابة طلعت من وراء سلع . فلو كان بينهم وبينه لأمكن أن تكون القزعة موجودة ، لكن حال بينهم وبين رؤيتها ما بينهم وبين سلع من دار لو كانت . وقوله " ما رأينا الشمس سبتا " أي جمعة . وقد بين في رواية أخرى . وقوله في الجمعة الثانية " هلكت الأموال " أي بكثرة المطر . وفيه دليل على الدعاء لإمساك ضرر المطر . كما استحب الدعاء لنزوله عند انقطاعه . فإن الكل مضر . و " الآكام " جمع أكم ، كأعناق جمع عنق . والأكم جمع إكام مثل كتب جمع كتاب . والإكام جمع أكم ، مثل جبال جمع جبل . والأكم ، والأكمات . جمع الأكمة ، وهي التل المرتفع من الأرض . " والظراب " جمع ظرب - بفتح الظاء وكسر الراء - وهي صغار الجبال . وقوله " وبطون الأودية ومنابت الشجر " طلب لما يحصل المنفعة ويدفع المضرة . وقوله " وخرجنا نمشي في الشمس " علم آخر من أعلام النبوة في الاستصحاء كما سبق مثله في الاستسقاء

                                        والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية