الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 73 ] القول بوحدة الوجود من الغلو

وأقول : الحديث يعم كل ما يخالف صريح الكتاب والسنة ، كائنا ما كان ، ويناقض طريق السلف من الصدر الأول .

ومن الغلو : القول بوحدة الوجود وبالعقائد التي لم يأت بها من الله ولا من رسوله برهان ولا سلطان ، وفي هذا تحريف للأدلة .

والمراد بالانتحال : اتخاذ المذاهب المخالفة للسنة نحلة له; كمذاهب الحكماء والفلاسفة ومزجها في الإسلام ، واستعمالها في كتب الأصول والفروع ، وبناء الاجتهاد والقياس على براهين العقل وحجج أهله .

والمراد بالجاهلين : المقلدة ، والمتصوفة الجهلة; لأن أهل العلم نصوا على أنهم ليسوا بعلماء .

ولا شك أن ضرر هاتين الفرقتين في الإسلام أشد من ضرر الذئاب على قطائع الغنم ، وكل بلاء يرى في الدين فإنما هو من جهة هؤلاء المبتدعين المبطلين الجاهلين .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «العلم ثلاثة : 1- آية محكمة 2- أو سنة قائمة 3- أو فريضة عادلة ، وما كان سوى ذلك ، فهو فضل» رواه أبو داود ، وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال في الترجمة : «الآية» إشارة إلى كتاب الله ، وتخصيصه بالمحكمة; لأنها أم الكتاب وأصله ، محفوظة عن الاحتمال والاشتباه ، وما سواها مشتبه محمول عليها .

والمراد بالقائمة : الثابتة بحفظ المتون وأسانيدها . والمراد بالفريضة : الإجماع والقياس المستندان بالكتاب والسنة . وإنما قيل لها : عادلة; لكونها مساوية لهما في وجوب العمل .

فتحصل من ذلك أن أصول الدين أربعة : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس . انتهى .

[ ص: 74 ] وأقول : تفسير الفريضة بالإجماع والقياس ، خلاف ظاهر الحديث ، بل المراد بالفريضة : أنصباء الورثة ، وإنما خصها بالذكر - مع كونها داخلة في الآية والسنة - لإضاعة أكثر الناس لها ، ولهذا قال في حديث آخر : «تعلموا الفرائض والقرآن ، وعلموا الناس; فإني مقبوض» رواه الترمذي عن أبي هريرة .

فذكر الفرائض مع القرآن دليل على أن المراد بالفريضة في حديث الباب أيضا هذه الفرائض التي أمر بتعلمها وتعليمها ، لا الإجماع ولا القياس .

ولم يأت في لغة ولا شرع إطلاق لفظ «الفريضة» على هذين اللفظين .

فلا ندري من أين جاؤوا بهذا التفسير ، الذي هو بالتحريف والتأويل أشبه منه .

وعندي : أن تفسيرها بمثل هذا الكلام من وادي المغالطة المنهي عنها على لسان الشارع - عليه السلام - .

فقد روى معاوية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات . رواه أبو داود .

ويزيده إيضاحا : أن حديث ابن مسعود يرفعه : «تعلموا العلم ، وعلموه الناس ، تعلموا الفرائض وعلموها الناس تعلموا القرآن وعلموه الناس; فإني امرؤ مقبوض ، والعلم سينقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في فريضة لا يجدان أحد يفصل بينهما» رواه الدارمي ، والدارقطني .

والمراد بالفريضة في هذا الحديث : هي فرائض الإرث ، والمراد بالاختلاف فيها : عدم العدل .

فنص على أن الفريضة العادلة : السوية التي لا ضرر فيها ولا ضرار ، هي إحدى أنواع العلم .

ولا شك أن العلماء بهذه الفريضة أقل قليل في الدنيا بالنسبة إلى سائر العلوم ، وقد ذهب هذا العلم من أكثر الخلق ، ولم يبق منه إلا في أفراد شاذة ، لاسيما العمل بها ، الذي هو عبارة عن العدل فيها وفق الكتاب والسنة .

[ ص: 75 ] وقد ظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم على ما رواه علي مرفوعا : «يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم عامرة ، وهي خراب من الهدى ، علماؤهم شر من تحت أديم السماء ، من عندهم تخرج الفتنة ، وفيهم تعود» رواه البيهقي في «شعب الإيمان» .

تأمل يا هذا في الحديث ، وانظر في اسم الإسلام ، ورسم القرآن ، فإن إسلام الاسم كثير في هذا الزمان ، وكذلك طبع القرآن في مطابع شتى من العرب والعجم ، ويزداد كل يوم طبعه الذي هو الرسم ، والعامل به أقل قليل .

وكذلك وجد مصداق باقي الحديث في هذا الزمان الحاضر ، وكثر رفع المساجد وبناؤها وزخرفتها بالجدران المنقشة ، والثياب المتلونة ، والآلات الملمعة ، وعمت البلوى والفتن من الذين يسمون : علماء ، فضلاء ، فقهاء ، وعادت فيهم .

فهم - كما في الحديث - «شر من تحت أديم السماء» . والله المستعان ، وبه التوفيق ، وعليه التكلان .

التالي السابق


الخدمات العلمية