الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ( 23 ) ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ( 24 ) مناع للخير معتد مريب ( 25 ) ) [ ص: 353 ]

يقول - تعالى ذكره - : وقال قرين هذا الإنسان الذي جاء به يوم القيامة معه سائق وشهيد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ) الملك .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هذا سائقه الذي وكل به ، وقرأ ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) .

وقوله ( هذا ما لدي عتيد ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل قرين هذا الإنسان عند موافاته ربه به ، رب هذا ما لدي عتيد : يقول : هذا الذي هو عندي معد محفوظ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( هذا ما لدي عتيد ) قال : والعتيد : الذي قد أخذه ، وجاء به السائق والحافظ معه جميعا .

وقوله ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ) فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه ، وهو : يقال ألقيا في جهنم ، أو قال تعالى : ألقيا ، فأخرج الأمر للقرين ، وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين . وفي ذلك وجهان من التأويل : أحدهما : أن يكون القرين بمعنى الاثنين ، كالرسول ، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد ، والتثنية والجمع ، فرد قوله ( ألقيا في جهنم ) إلى المعنى . والثاني : أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول ، وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة [ ص: 354 ] بما تأمر به الاثنين ، فتقول للرجل ويلك أرجلاها وازجراها ، وذكر أنه سمعها من العرب; قال : وأنشدني بعضهم :


فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجتز شيحا

قال : وأنشدني أبو ثروان :


فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر     وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا



قال : فيروى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان ، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، وقال : ألا ترى [ ص: 355 ] الشعراء أكثر قيلا يا صاحبي يا خليلي ، وقال امرؤ القيس :


خليلي مرا بي على أم جندب     نقض لبانات الفؤاد المعذب

ثم قال :


ألم تر أني كلما جئت طارفا     وجدت بها طيبات وإن لم تطيب

فرجع إلى الواحد ، وأول الكلام اثنان; قال : وأنشدني بعضهم :


خليلي قوما في عطالة فانظرا     أنار ترى من ذي أبانين أم برقا



وبعضهم يروي : أنارا نرى .

( كل كفار عنيد ) يعني : كل جاحد وحدانية الله عنيد ، وهو العاند عن الحق وسبيل الهدى .

وقوله ( مناع للخير ) كان قتادة يقول في الخير في هذا الموضع : هو [ ص: 356 ] الزكاة المفروضة .

حدثنا بذلك بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة .

والصواب من القول في ذلك عندي أنه كل حق وجب لله ، أو لآدمي فى ماله ، والخير في هذا الموضع هو المال .

وإنما قلنا ذلك هو الصواب من القول ، لأن الله - تعالى ذكره - عم بقوله ( مناع للخير ) عنه أنه يمنع الخير ، ولم يخصص منه شيئا دون شيء ، فذلك على كل خير يمكن منعه طالبه .

وقوله ( معتد ) يقول : معتد على الناس بلسانه بالبذاء والفحش في المنطق ، وبيده بالسطوة والبطش ظلما .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : معتد في منطقه وسيرته وأمره .

وقوله ( مريب ) يعني : شاك في وحدانية الله وقدرته على ما يشاء .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( مريب ) : أي شاك .

التالي السابق


الخدمات العلمية