الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ويحرم nindex.php?page=treesubj&link=25507_25508_17045صيد المدينة وقطع شجرها ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10950إن إبراهيم حرم مكة ، وإني حرمت المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد } " فإن قتل فيها صيدا ففيه قولان : قال في القديم : يسلب القاتل لما روي " أن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37556من وجدتموه يقتل صيدا في حرم المدينة فاسلبوه } " وقال في الجديد : لا يسلب لأنه موضع يجوز دخوله من غير إحرام فلا يضمن صيده كوج فإن قلنا : يسلب دفع سلبه إلى مساكين المدينة كما يدفع جزاء صيد مكة إلى مساكين مكة ، وقال شيخنا nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب - رحمه الله - : يكون سلبه لمن أخذه لأن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص أخذ سلب القاتل ، وقال : طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( فصل ) ويحرم صيد وج وهو واد بالطائف لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38690نهى عن قتل صيد وج } فإن قتل فيه صيدا لم يضمنه بالجزاء لأن الجزاء وجب بالشرع والشرع لم يرد إلا في الإحرام والحرم ، ووج لا يبلغ الحرم من الحرمة فلم يلحق به في الجزاء ) .
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ليس بمعروف عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ولكن في الصحيح أحاديث عن غير nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ويحصل بها مقصود المصنف في الدلالة هنا ( منها : ) عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10950إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة } " الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18067حرم [ ص: 472 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14839اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما ، وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12740إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن تقطع عضاهها أو يقتل صيدها } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10950إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها ، لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=15139المدينة حرام من كذا إلى كذا ، لا يقطع شجرها ، ولا يحدث فيها ، من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المدينة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31492لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ، ولا يلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها ، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ، ولا يصلح أن يقطع منها شجر إلا أن يعلف رجل بعيره } " رواه أبو داود بإسناد صحيح ، وفي المسألة أحاديث كثيرة بمعنى ما سبق والله أعلم .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص المذكور في الكتاب فرواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه عن عامر بن أبي وقاص { nindex.php?page=hadith&LINKID=6435أن nindex.php?page=showalam&ids=37سعدا وجد عبدا يقطع شجرا ويخبطه فسلبه ، فلما رجع nindex.php?page=showalam&ids=37سعد جاء أهل العبد فكلموه أن يرد عليهم غلامهم أو ما أخذ من غلامهم ، فقال : معاذ الله أن أرد شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " وعن سليمان بن أبي عبد الله قال : رأيت nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلبه ثيابه ، فجاء مواليه [ ص: 473 ] فكلموه فيه فقال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=11808إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم ، وقال من وجد أحدا فيه فليسلبه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه } " رواه أبو داود بإسناد كلهم ثقات حفاظ إلا سليمان بن أبي عبد الله هذا ، فقال أبو حاتم : ليس هو بالمشهور ، ولكن يعتبر بحديثه ، ولم يضعفه أبو داود ، وهذا الذي رواه بمعنى ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، فيقتضي مجموع هذا أن هذه الرواية صحيحة أو حسنة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي " { nindex.php?page=hadith&LINKID=6434أن nindex.php?page=showalam&ids=37سعدا كان يخرج من المدينة فيجد الحاطب معه شجر رطب قد عضده من بعض شجر المدينة فيأخذ سلبه ، فيكلم فيه فيقول : لا أدع غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لمن أكنز الناس مالا } " والله أعلم .
( وأما ) حديث صيد وج فرواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=1668ألا إن صيد وج وعضاهه يعني شجره حرام محرم } " وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا ، لكن إسناده ضعيف قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تاريخه : لا يصح ، ووج - بواو مفتوحة ثم جيم مشددة - ( وأما ) قول المصنف : إنه واد بالطائف فكذا قاله غيره من أصحابنا الفقهاء .
( وأما ) أهل اللغة فيقولون : هو بلدة الطائف ، وقال الحازمي في كتابه المؤتلف والمختلف في الأماكن : وج اسم لحصون الطائف ، وقيل لواحد منها ، وربما اشتبه وج هذا بوح - بالحاء المهملة ، قال الحازمي : هي ناحية بنعمان والله أعلم .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) يحرم nindex.php?page=treesubj&link=25508_25507_17045التعرض لصيد حرم المدينة وشجره هذا هو المذهب ، وعليه نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأطبق عليه جماهير أصحابنا وحكى المتولي والرافعي قولا شاذا أنه مكروه ليس بحرام ، قال المتولي : وأخذ هذا القول من قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ولا يحرم قتل صيد إلا صيد الحرم ، وأكره قتل صيد المدينة ، وهذا النقل شاذ ضعيف ، بل باطل منابذ [ ص: 474 ] للأحاديث الصحيحة السابقة
( وأما ) نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب : هذه الكراهة التي ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كراهة تحريم باتفاق أصحابنا ، ثم استدل ببعض ما قدمناه من الأحاديث الصحيحة السابقة ، فالصواب الجزم بالتحريم ، وعلى هذا فإذا ارتكب هذا الحرام هل يضمن ؟ فيه قولان مشهوران : ( الجديد ) لا يضمن ، ( والقديم ) يضمن ودليلهما في الكتاب ، وأجابوا للجديد عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد في سلب الصائد بجوابين ضعيفين : ( أحدهما ) جواب الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد في تعليقه أنه محمول على التغليظ ، ( والثاني ) جواب القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب في تعليقه وجماعة بأنه يحمل على أنه كان هذا حين كانت العقوبة بالأموال ثم نسخ ، وهذان الجوابان ضعيفان بل باطلان . والمختار ترجيح القديم ، ووجوب الجزاء فيه ، وهو سلب القاتل لأن الأحاديث فيه صحيحة بلا معارض والله أعلم .
قال أصحابنا : وإذا قلنا : يضمن فوجهان حكاهما الفوراني والبغوي وصاحب البيان والرافعي : ( أحدهما ) يضمن كضمان حرم مكة على ما سبق ، ( والثاني ) وهو الصحيح ، وبه قطع الجمهور في الطريقتين أنه سلب الصائد وقاطع الشجر أو الكلأ ، وعلى هذا في المراد بالسلب طريقان : ( أصحهما ) وبه قطع الجمهور أنه كسلب القتيل من الكفار ممن قطع به الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في تعليقه وأبو علي البندنيجي في جامعه والدارمي والماوردي والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في كتابيه التعليق والمجرد والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين والجرجاني وابن الصباغ والمصنف والشاشي والبغوي وخلائق لا ينحصرون ، ودليله الحديث ، ( والطريق الثاني ) حكاه الرافعي فيه وجهان : ( أصحهما ) هذا ، ( والثاني ) إن سلبه ثيابه فقط ، وبه قطع إمام الحرمين والغزالي ، وقد أشار المتولي إلى هذا .
وفي مصرف سلبه ثلاثة أوجه : ( أصحها ) أنه للسالب كالقتيل ، ودليله [ ص: 475 ] الحديث ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=37سعدا أخذ السلب لنفسه ، وممن صحح هذا الوجه الدارمي والمحاملي في المجموع ، والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب كما حكاه المصنف ، ( والثاني ) أنه لفقراء المدينة وهذا الوجه حكاه القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في كتابه المجرد وغيرهم ، وقطع به المحاملي في التجريد ، واختاره القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في تعليقه عن الأصحاب ، وأشار هو والمصنف إلى ترجيحه ، ولم يوافقا على هذا الترجيح وليس هو ترجيحا راجحا ، ( والثالث ) أنه لبيت المال ، حكاه إمام الحرمين والغزالي وغيرهما ، وينكر على المصنف عبارته المذكورة فإنه أوهم أن المشهور في المذهب تفريعا على القديم أن السلب للمساكين وأن القاضيnindex.php?page=showalam&ids=11872أبا الطيب انفرد باختيار كونه للسالب ، وليس الحكم كذلك ، بل الخلاف مشهور جدا للمتقدمين والمتأخرين ، فممن حكى الأوجه الثلاثة إمام الحرمين وآخرون ، وممن حكى الوجهين الأولين ، وهما كونه للسالب أو للفقراء الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في تعليقه ، والدارمي وأبو علي البندنيجي والماوردي والمحاملي في المجموع ، والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين وخلائق نحوهم وكل هؤلاء أقدم من المصنف وحكاهما من معاصري المصنف ونحوهم ابن الصباغ والجرجاني والمتولي والبغوي وآخرون لكن الجرجاني حكاهما في كتابه التحرير قولين ، والله أعلم .
فإذا قلنا بالمذهب : إن السلب كسلب القتيل ، قال أصحابنا : فهو مثله في كل شيء ، فكل شيء اتفقوا عليه هناك اتفقوا عليه هنا ، وكل شيء قالوا هناك : لا يدخل كالمتاع الذي في منزله لا يدخل هنا أيضا ، وكل شيء اختلفوا فيه هناك كالطوق والمنطقة ففيه هنا ذاك الخلاف . هكذا صرح به الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وأبو علي البندنيجي والماوردي وآخرون ، فإذا قلنا بالمذهب : إن السلب كسلب القتيل وأنه للسالب ، فقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : يأخذ جميع ما معه من ثياب وفرش ونحو ذلك ، ويعطيه إزارا يستر به عورته ، فإذا قدر على ما يستر به عورته أخذ منه الإزار ، وقال الدارمي : لو كان عليه سراويل يأخذه السالب ويستر المسلوب نفسه ، فأشار إلى [ ص: 476 ] أنه لا يخلي له ساترا ، وقطع الماوردي بأنه يترك له ما يستر عورته وحكى الروياني وجهين في أنه هل يترك له ساتر العورة ؟ واختار أنه يترك ، قال : وهو قول الماوردي ، وهذا هو الأصح والله أعلم .
ولو كان على الصائد والمحتطب ثياب مغصوبة لم يسلب بلا خلاف . صرح به الدارمي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في المجرد ، وهو ظاهر كما لو كان مع الحربي المقتول مال أخذه من nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، فإنه لا يستحقه السالب والله أعلم .
قال الرافعي : واعلم أن ظاهر الحديث وكلام الأصحاب أنه يسلب إذا اصطاد ، ولا يشترط الإتلاف ، وقال إمام الحرمين لا أدري أيسلب إذا أرسل الصيد أم لا يسلب حتى يتلفه ؟ قال : وكلاهما محتمل ، قال : وليس عندنا فيه ثبت من توقيف ولا قياس قاله الإمام ، ولا فرق في هذا المذكور بين صيد وصيد ، ولا شجرة وشجرة ، وكان السلب في معنى المعاقبة للمتعاطي ، والله أعلم
( المسألة الثانية ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الإملاء : أكره nindex.php?page=treesubj&link=25507_24110_25508صيد وج وللأصحاب فيه طريقان : ( أصحهما ) عندهم القطع بتحريمه ، وبهذا قطع الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والماوردي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والمحاملي والمصنف والبغوي والمتولي والجمهور من أصحابنا في الطريقتين . قالوا : ومراد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بالكراهة كراهة تحريم ، ( الطريق الثاني ) حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13272الشيخ أبو علي السنجي وإمام الحرمين والغزالي ومن تابعهم فيه وجهان : ( أصحهما ) يحرم ، ( والثاني ) يكره ، ويجري الخلاف في شجره وخلاه ، صرح به الأصحاب ونقل أبو علي البندنيجي عن نصه في الإملاء أن الشجر كالصيد ، ( فإذا قلنا ) بالمذهب وهو تحريمه فاصطاد فيه أو احتطب أو احتش فطريقان : ( أصحهما ) وبه قطع صاحب التلخيص وجماهير الأصحاب في الطريقتين أنه يأثم ولا ضمان ، ونقل القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في تعليقه اتفاق الأصحاب على هذا ; لأن الأصل أن لا ضمان إلا فيما ورد فيه الشرع ، ولم يرد في هذا شيء ، ( والطريق [ ص: 477 ] الثاني ) حكاه إمام الحرمين والبغوي وغيرهما فيه خلاف : ( الصحيح ) لا ضمان ، ( والثاني ) أنه كصيد المدينة وشجرها وخلاها ، والله أعلم .
( الثالثة ) النقيع بالنون على المشهور ، وقيل بالباء ، وهو nindex.php?page=treesubj&link=24108الحمى الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الصدقة ونحوها ليس هو بحرم ، ولا يحرم صيده باتفاق الأصحاب ، ( وأما ) خلاه فحرام باتفاقهم صرح به nindex.php?page=showalam&ids=13272أبو علي السنجي وإمام الحرمين والغزالي والبغوي والمتولي وآخرون ، ( وأما ) شجره ففيه طريقان قطع المتولي والبغوي بتحريمه ، وقال أبو علي والإمام الغزالي : في تحريمه وجهان لتردد الصيد والخلا ، فإن أخذ منه شجرا أو كلأ ففي وجوب ضمانه وجهان ، حكاهما أبو علي والإمام والبغوي وغيرهم : ( أحدهما ) لا كصيده ، ( وأصحهما ) وجوب الضمان كحرم مكة .
صححه إمام الحرمين والرافعي فعلى هذا تجب القيمة بلا خلاف ولا يسلب القاتل . قال البغوي والرافعي : تصرف القيمة في مصرف نعم الزكاة والجزية ، هذا كلامهما وينبغي أن يكون مصرفه بيت المال والله أعلم .
واستدلوا لهذه المسألة بحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31487لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يهش هشا رفيقا } ) رواه أبو داود بإسناد غير قوي ، ولكنه لم يضعفه وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناده أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال لرجل : " إني أستعملك على الحمى فمن رأيت يعضد شجرا أو يخبط فخذ فأسه وحبله ، قال آخذ رداءه ؟ قال : لا " والله أعلم .
( فرع ) في بيان الأحاديث الواردة في بيان حرم المدينة ( منها ) : عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=25709المدينة حرام ما بين عير إلى ثور } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم هكذا ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ما بين عائر إلى كذا . قال أبو عبيد وغيره من العلماء : عير . ويقال له : عائر جبل معروف بالمدينة ، قالوا : وأما ثور فلا يعرف أهل المدينة بها [ ص: 478 ] جبلا يقال له : ثور وإنما ثور جبل بمكة قالوا : فنرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد ولكنه غيره غلط الرواة فيه واستمرت الرواية . وقال أبو بكر الحازمي في كتابه المؤتلف في الأماكن : الرواية الصحيحة ما بين عير إلى أحد قال : وقيل : إلى ثور قال : وليس له معنى هذا كلامهم في الحديث ولا يبعد أن الجبل كان يسمى ثورا ثم هجر ذلك الاسم وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34259ما بين لابتيها حرام } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=18067nindex.php?page=treesubj&link=24109حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة } " واللابتان الحرتان تثنية لابة ، وهي الأرض الملبسة حجارة سوداء والمدينة بين لابتين في شرقها وغربها وعن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12739إني حرمت ما بين لابتي المدينة كما حرم إبراهيم مكة } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14839اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرما ، وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10950إن إبراهيم حرم مكة ، وإنى حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال : أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة فقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14856اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الدعوات في باب التعوذ من غلبات الرجال وفيها أحاديث أخر سبقت وعن عدي بن زيد الخزاعي الصحابي قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18198حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا لا تخبط شجرة ولا تعضد إلا ما يساق به الجمل } " [ ص: 479 ] رواه أبو داود بإسناد غير قوي فالحاصل أن حرم المدينة ما بين جبليها طولا ، وما بين لابتيها عرضا ، والله أعلم .
( فرع ) في مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بصيد الحرم ونباته : ( إحداها ) أجمعت الأمة على nindex.php?page=treesubj&link=3794_25507تحريم صيد الحرم على الحلال ، فإن قتله فعليه الجزاء ، هذا مذهبنا ، وبه قال العلماء كافة وقال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود : لا جزاء عليه لقوله - تعالى - : { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } فقيده بالمحرمين . دليلنا ما سبق عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تلف بسببه الطائر في دار الندوة ، وما سبق عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الجراد وغير ذلك من الآثار ، وقياسا على صيد الإحرام nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود - وإن لم يقل بالقياس - فيستدل على إثبات القياس .
( الثانية ) nindex.php?page=treesubj&link=3794_3812_3776_3777_3786حكم جزاء الحرم كجزاء الإحرام ، فيتخير بين المثل والإطعام والصيام ، هذا مذهبنا ، وبه قال الأكثرون منهم nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لا مدخل للصيام فيه قال : لأنه يضمنه ضمان الأموال ، بدليل أنه يضمنه لمعنى في غيره وهو الحرم فأشبه مال الآدمي . دليلنا القياس على صيد الإحرام ولو سلك به مسلك مال الآدمي لم يدخله المثل والإطعام وليعتبر نقد البلد ; ولأن هذا المعنى موجود في صيد الإحرام وينتقض ما قالوه أيضا بكفارة القتل .
( الثالثة ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=17093_25507صاد الحلال في الحل وأدخله الحرم فله التصرف فيه بالبيع والذبح والأكل وغيرها ، ولا جزاء عليه ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : لا يجوز ذبحه ، بل يجب إرساله . قالا : فإن أدخله مذبوحا جاز أكله وقاسوه على المحرم . واستدل أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أنه كان له أخ صغير يقال له : أبو عمير ، وكان له نغر يلقب به فمات النغر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=43330يا أبا عمير ما فعل النغير } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وموضع الدلالة أن النغر من جملة الصيد وكان [ ص: 480 ] مع أبي عمير في حرم المدينة ، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فإن الذي عنى الشرع منه صيد الحرم ، وهذا ليس بصيد حرم وقياسا على من أدخل شجرة من الحل أو حشيشا والله أعلم .
( الرابعة ) nindex.php?page=treesubj&link=3826_25508_23446شجر الحرم عندنا حرام مضمون ، سوى ما أنبته الآدمي ، وما نبت بنفسه على المذهب . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . وقال بعض أصحابنا : لا يحرم ما أنبته الآدمي كما سبق . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إن أنبته آدمي أو كان من جنس ما ينبته لم يحرم ، وإن كان مما لا ينبته آدمي ونبت بنفسه حرم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود هو حرام ، لكن لا ضمان فيه . احتج لهم بالقياس على الزرع واحتج أصحابنا بعموم النهي ، وفرقوا بأن الزرع تدعو إليه الحاجة .
( الخامسة ) يجوز nindex.php?page=treesubj&link=25508رعي حشيش الحرم وخلاه عندنا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : لا يجوز . ودليلنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس السابق حيث أرسل الأتان يرتع في منى ، ومنى من الحرم .
( السادسة ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=3826_25508_23445أتلف شجرة في الحرم ضمن الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يضمنها بالقيمة . ودليلنا أثر nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس .
( السابعة ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=25507_17091_17092_3794أرسل كلبا من الحل على صيد في الحرم ، أو من الحرم على صيد في الحل لزمه الجزاء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : لا يلزمه .
( الثامنة ) nindex.php?page=treesubj&link=25508_25507_17045صيد حرم المدينة حرام عندنا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد والعلماء كافة إلا nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة فقال : ليس بحرام دليلنا الأحاديث السابقة . وإذا nindex.php?page=treesubj&link=25508_17045أتلف صيد المدينة فلا ضمان على الأشهر في مذهبنا ، وقال في القديم : يسلب القاتل وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وهو المختار كما سبق ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص [ ص: 481 ] وجماعة من الصحابة ، وقال جمهور العلماء : لا ضمان فيه لا سلب ولا غيره .
( التاسعة ) nindex.php?page=treesubj&link=25507_24110_25508صيد وج حرام عندنا . قال العبدري : وقال العلماء كافة لا يحرم .