الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2480 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا يحيى بن قزعة ) بفتح القاف والزاي والمهملة مكي قديم لم يخرج له غير البخاري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن زيد بن أسلم ) سيأتي في آخر حديث في الهبة عن الحميدي " حدثنا سفيان سمعت مالكا يسأل زيد بن أسلم فقال : سمعت أبي " فذكره مختصرا ، ولمالك فيه إسناد آخر سيأتي في الجهاد عن نافع عن ابن عمر وله فيه إسناد ثالث عن عمرو بن دينار عن ثابت الأحنف عن ابن عمر أخرجه ابن عبد البر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت عمر بن الخطاب ) زاد ابن المديني عن سفيان " على المنبر " وهي في " الموطآت للدارقطني " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حملت على فرس ) زاد القعنبي في الموطأ " عتيق " والعتيق الكريم الفائق من كل شيء ، وهذا الفرس أخرج ابن سعد عن الواقدي بسنده عن سهل بن سعد في تسمية خيل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وأهدى تميم الداري له فرسا يقال له الورد فأعطاه عمر فحمل عليه عمر في سبيل الله فوجده يباع الحديث ، فعرف بهذا تسميته وأصله ، ولا يعارضه ما أخرجه مسلم ولم يسق لفظه وساقه أبو عوانة في مستخرجه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر حمل على فرس في سبيل الله فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا لأنه يحمل على أن عمر لما أراد أن يتصدق به فوض إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختيار من يتصدق به عليه أو استشاره فيمن يحمله عليه فأشار به عليه فنسبت إليه العطية لكونه أمره بها .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( في سبيل الله ) ظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليجاهد به إذ لو كان حمل تحبيس لم يجز بيعه ، وقيل بلغ إلى حالة لا يمكن الانتفاع به فيما حبس فيه ، وهو مفتقر إلى ثبوت ذلك ، ويدل على أنه تمليك قوله : " العائد في هبته " ولو كان حبسا لقال في حبسه أو وقفه . وعلى هذا فالمراد بسبيل الله الجهاد لا الوقف ، فلا حجة فيه لمن أجازبيع الموقوف إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 280 ] قوله : ( فأضاعه ) أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مئونته وخدمته ، وقيل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته ، وقيل معناه استعمله في غير ما جعل له ، والأول أظهر ، ويؤيده رواية مسلم من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم " فوجده قد أضاعه وكان قليل المال " فأشار إلى علة ذلك وإلى العذر المذكور في إرادة بيعه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا تشتره ) سمى الشراء عودا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري ، فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعا وأشار إلى الرخص بقوله : " وإن أعطاكه بدرهم " ويستفاد من قوله : " وإن أعطاكه بدرهم " أن البائع كان قد ملكه ولو كان محبسا كما ادعاه من تقدم ذكره وجاز بيعه لكونه صار لا ينتفع به فيما حبس له لما كان له أن يبيعه إلا بالقيمة الوافرة ، ولا كان له أن يسامح منها بشيء ولو كان المشتري هو المحبس ، والله أعلم . وقد استشكله الإسماعيلي وقال : إذا كان شرط الواقف ما تقدم ذكره في حديث ابن عمر في وقف عمر لا يباع أصله ولا يوهب فكيف يجوز أن يباع الفرس الموهوب ، وكيف لا ينهى بائعه أو يمنع من بيعه ؟ قال : فلعل معناه أن عمر جعله صدقة يعطيها من يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعطاءه فأعطاها النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل المذكور فجرى منه ما ذكر ويستفاد من التعليل المذكور أيضا أنه لو وجده مثلا يباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النهي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن العائد في صدقته إلخ ) حمل الجمهور هذا النهي في صورة الشراء على التنزيه ، وحمله قوم على التحريم قال القرطبي وغيره : وهو الظاهر . ثم الزجر المذكور مخصوص بالصورة المذكورة وما أشبهها ، لا ما إذا رده إليه الميراث مثلا . قال الطبري : يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ، ومن كان والدا والموهوب ولده ، والهبة التي لم تقبض ، والتي ردها الميراث إلى الواهب ، لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك . وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو من يصل رحمه فلا رجوع لهؤلاء ، قال : ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة .

                                                                                                                                                                                                        وقد استشكل ذكر عمر مع ما فيه من إذاعة عمل البر ، وكتمانه أرجح ، وأجيب بأنه تعارض عنده المصلحتان - الكتمان وتبليغ الحكم الشرعي - فرجح الثاني فعمل به وتعقب بأنه كان يمكن أن يقول : حمل رجل على فرس مثلا ، ولا يقول : حملت فيجمع بين المصلحتين . والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هـو قبل الفعل وعنده ، وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك فانتفى الكتمان ، ويضاف إليه أن في إضافته ذلك إلى نفسه تأكيدا لصحة الحكم المذكور ، لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلا وقوعها بحضوره ، فلما أمن ما يخشى من الإعلان بالقصد صرح بإضافة الحكم إلى نفسه ، ويحتمل أن يكون محل ترجيح الكتمان لمن يخشى على نفسه من الإعلان العجب والرياء ، أما من أمن من ذلك كعمر فلا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية