الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                162 حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال أنس وقد كنت أرئي أثر ذلك المخيط في صدره حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب قال أخبرني سليمان وهو ابن بلال قال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني وقدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( حدثنا هارون الأيلي وحدثني حرملة التجيبي ) قد تقدم ضبطه مرات والتجيبي بضم التاء وفتحها وأوضحنا أصله وضبطه في المقدمة .

                                                                                                                قوله : ( جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ) قد قدمنا لغات الطست وأنها مؤنثة فجاء ممتلئ على معناها وهو الإناء وأفرغها على لفظها وقد تقدم بيان الإيمان في أول كتاب الإيمان ، وبيان الحكمة في حديث " الحكمة يمانية " والضمير في أفرغها يعود على الطست كما ذكرناه وحكى صاحب التحرير أنه يعود على الحكمة . وهذا القول وإن كان له وجه فالأظهر ما قدمناه لأن عوده على الطست يكون [ ص: 364 ] تصريحا بإفراغ الإيمان والحكمة . وعلى قوله يكون إفراغ الإيمان مسكوتا عنه والله أعلم .

                                                                                                                وأما جعل الإيمان والحكمة في إناء وإفراغهما مع أنهما معنيان وهذه صفة الأجسام فمعناه والله أعلم أن الطست كان فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما فسمي إيمانا وحكمة لكونه سببا لهما وهذا من أحسن المجاز . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا رجل عن يمينه أسودة ) فسر الأسودة في الحديث بأنها نسم بنيه .

                                                                                                                أما ( الأسودة ) فجمع سواد كقذال وأقذلة ، وسنام وأسنمة ، وزمان وأزمنة ، وتجمع الأسودة على أسواد . وقال أهل اللغة : السواد الشخص . وقيل : السواد الجماعات . وأما ( النسم ) فبفتح النون والسين والواحدة نسمة قال الخطابي وغيره هي نفس الإنسان والمراد أرواح بني آدم . قال القاضي عياض - رحمه الله - : في هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - وجد آدم ونسم بنيه من أهل الجنة والنار ، وقد جاء أن أرواح الكفار في سجين قيل في الأرض السابعة ، وقيل تحتها ، وقيل في سجن . وأن أرواح المؤمنين منعمة في الجنة فيحتمل أنها تعرض على آدم أوقاتا فوافق وقت عرضها مرور النبي - صلى الله عليه وسلم - . ويحتمل أن كونهم في النار والجنة إنما هو في أوقات دون أوقات بدليل قوله تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا وبقوله - صلى الله عليه وسلم - في المؤمن عرض منزله من الجنة عليه وقيل له هذا منزلك حتى يبعثك الله إليه . ويحتمل أن الجنة كانت في جهة يمين آدم عليه السلام والنار في جهة شماله وكلاهما حيث شاء الله والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - ( إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ) فيه شفقة الوالد على ولده وسروره بحسن حاله وحزنه وبكاؤه لسوء حاله .

                                                                                                                قوله في هذه الرواية : ( وجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في السماء السادسة ) وتقدم في الرواية الأخرى أنه في السابعة فإن كان الإسراء مرتين فلا إشكال فيه ، ويكون في كل مرة وجده في سماء وإحداهما موضع استقراره ووطنه والأخرى كان فيها غير مستوطن . وإن كان الإسراء مرة واحدة فلعله وجده في السادسة ثم ارتقى إبراهيم أيضا إلى السابعة والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - في إدريس - صلى الله عليه وسلم - : ( قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ) قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا مخالف لما يقوله أهل النسب والتاريخ من أن إدريس أب من آباء النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأنه جد أعلى لنوح - صلى الله عليه وسلم - ، وأن نوحا هو ابن لامك بن متوشلخ بن خنوخ . وهو عندهم إدريس بن بردة بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام . ولا خلاف عندهم في عدد هذه الأسماء [ ص: 365 ] وسردها على ما ذكرناه وإنما يختلفون في ضبط بعضها وصورة لفظه . وجاء جواب الآباء هنا إبراهيم وآدم مرحبا بالابن الصالح . وقال إدريس : مرحبا بالأخ الصالح كما قال موسى وعيسى وهارون ويوسف ويحيى وليسوا بآباء - صلوات الله وسلامه عليهم - . وقد قيل عن إدريس إنه إلياس وأنه ليس بجد لنوح فإن إلياس من ذرية إبراهيم وإنه من المرسلين وأن أول المرسلين نوح عليه السلام كما جاء في حديث الشفاعة هذا كلام القاضي عياض - رحمه الله - . وليس في هذا الحديث ما يمنع كون إدريس عليه السلام أبا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن قوله الأخ الصالح يحتمل أن يكون قاله تلطفا وتأدبا وهو أخ وإن كان ابنا فالأنبياء إخوة والمؤمنون إخوة والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري يقولان ) أبو حبة بالحاء المهملة والباء الموحدة هكذا ضبطناه هنا وفي ضبطه واسمه اختلاف فالأصح الذي عليه الأكثرون ( حبة ) بالباء الموحدة كما ذكرنا وقيل ( حية ) بالياء المثناة تحت وقيل ( حنة ) بالنون وهذا قول الواقدي وروى عن ابن شهاب والزهري . وقد اختلف في اسم أبي حبة فقيل : عامر . وقيل : مالك . وقيل : ثابت . وهو بدري باتفاقهم ، واستشهد يوم أحد . وقد جمع الإمام أبو الحسن بن الأثير الجزري - رحمه الله - الأقوال الثلاثة في ضبطه والاختلاف في اسمه في كتابه ( معرفة الصحابة - رضي الله عنهم - ) وبينها بيانا شافيا - رحمه الله - .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام ) معنى ظهرت علوت والمستوى بفتح الواو . قال الخطابي : المراد به المصعد ، وقيل : المكان المستوي و ( صريف الأقلام ) بالصاد المهملة تصويتها حال الكتابة . قال الخطابي هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه ، وما ينسخونه من اللوح المحفوظ ، أو ما شاء الله تعالى . من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره . قال القاضي في هذا حجة [ ص: 366 ] لمذهب أهل السنة في الإيمان بصحة كتابة الوحي والمقادير في كتب الله تعالى من اللوح المحفوظ وما شاء بالأقلام التي هو تعالى يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات من كتاب الله تعالى ، والأحاديث الصحيحة وأن ما جاء من ذلك على ظاهره لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه مما لا يعلمه إلا الله تعالى ، أو من أطلعه على شيء من ذلك من ملائكته ورسله ، وما يتأول هذا ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان إذا جاءت به الشريعة المطهرة . ودلائل العقول لا تحيله ، والله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم كما يريد ، حكمة من الله تعالى وإظهارا لما يشاء من غيبه لمن يشاء من ملائكته وسائر خلقه ، وإلا فهو غني عن الكتب والاستذكار سبحانه وتعالى . قال القاضي - رحمه الله - : وفي علو منزلة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وارتفاعه فوق منازل سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وبلوغه حيث بلغ من ملكوت السموات دليل على علو درجته وإبانة فضله وقد ذكر البزار خبرا في الإسراء عن علي كرم الله وجهه وذكر مسير جبريل عليه السلام على البراق حتى أتى الحجاب وذكر كلمة وقال خرج ملك من وراء الحجاب فقال جبريل : والذي بعثك بالحق إن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت وإني أقرب الخلق مكانا . وفي حديث آخر فارقني جبريل وانقطعت عني الأصوات هذا آخر كلام القاضي - رحمه الله - والله تعالى أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ففرض الله تعالى على أمتي خمسين صلاة إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - فراجعت ربي فوضع شطرها وبعده فراجعت ربي فقال : هي خمس وهي خمسون ) وهذا المذكور هنا لا يخالف الرواية المتقدمة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : حط عني خمسا إلى آخره فالمراد بحط الشطر هنا أنه حط في مرات بمراجعات وهذا هو الظاهر . وقال القاضي عياض - رحمه الله - : المراد بالشطر هنا الجزء وهو الخمس ، وليس المراد به النصف . وهذا الذي قاله محتمل ، ولكن لا ضرورة إليه فإن هذا الحديث الثاني مختصر لم يذكر فيه كرات المراجعة . والله أعلم .

                                                                                                                واحتج العلماء بهذا الحديث على جواز نسخ الشيء قبل فعله . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم انطلق بي حتى نأتي سدرة المنتهى ) هكذا هو في الأصول حتى ( نأتي ) بالنون في [ ص: 367 ] أوله . وفي بعض الأصول حتى ( أتي ) وكلاهما صحيح .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ) أما ( الجنابذ ) فبالجيم المفتوحة وبعدها نون مفتوحة ثم ألف ثم باء موحدة ثم ذال معجمة وهي القباب واحدتها جنبذة ووقع في كتاب الأنبياء من صحيح البخاري كذلك ، ووقع في أول كتاب الصلاة منه ( حبائل ) بالحاء المهملة والباء الموحدة وآخره لام . قال الخطابي وغيره : هو تصحيف . والله أعلم . وأما ( اللؤلؤ ) فمعروف وفيه أربعة أوجه بهمزتين وبحذفهما وبإثبات الأولى دون الثانية وعكسه . والله أعلم .

                                                                                                                وفي هذا الحديث دلالة لمذهب أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان وأن الجنة في السماء . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية