الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 141 ] باب في ذكر الإيمان بالقدر

قال تعالى : إنا كل شيء خلقناه بقدر [القمر : 49]; أي : خلقنا كل شيء من الأشياء متلبسا بقدر قدرناه ، وقضاء قضيناه ، في سابق علمنا ، مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه .

والقدر : التقدير . قال الخطابي : وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر : إجبار الله العبد ، وقهره إياه على ما قدره وقضاه ، وليس الأمر كما يتوهمونه ، وإنما معناه : الإخبار عن تقديم علم الله بما يكون من أكساب العباد وصدورها عن تقدير منه ، وخلق لها ، خيرها وشرها . والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر ، والقضاء معناه : الخلق; كقوله : فقضاهن سبع سماوات [فصلت : 12]; أي : خلقهن .

قلت : وهو بمعنى الحكم أيضا .

قال النووي : إن مذهب أهل الحق إثبات القدر ، ومعناه : أن الله قدر الأشياء في القدم ، وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه على صفات مخصوصة ، فهي تقع على حسب ما قدرها الله .

وأنكرت القدرية هذا ، وزعمت أنه سبحانه لم يقدرها ، ولم يتقدم علمه بها ، وأنها مستأنفة العلم; أي : إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها ، وكذبوا على الله - تبارك وتعالى عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا- . انتهى .

قال في «فتح البيان» : قد تظاهرت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة ، [ ص: 142 ] وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد ، من السلف والخلف ، على إثبات قدر الله سبحانه .

وقد قرر ذلك أئمة الحديث ، وأهل السنة أحسن تقرير بدلائله القطعية ، السمعية والعقلية ، ليس هذا موضوع بسطها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية