الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2543 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الثالث : حديث أبي هريرة لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ، وقد تقدم مشروحا في أبواب الأذان من كتاب الصلاة ، والغرض منه مشروعية القرعة لأن المراد بالاستهام هنا الإقراع وقد تقدم بيانه هناك . الرابع : حديث النعمان بن بشير .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مثل المدهن ) بضم أوله وسكون المهملة وكسر الهاء بعدها نون أي المحابي بالمهملة والموحدة والمدهن والمداهن واحد ، والمراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والواقع فيها ) كذا وقع هنا ، وقد تقدم في الشركة من وجه آخر عن عامر وهو الشعبي " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها " وهو أصوب لأن المدهن والواقع أي مرتكبها في الحكم واحد ، والقائم مقابله . ووقع عند الإسماعيلي في الشركة " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها " وهذا يشمل الفرق الثلاث وهو الناهي عن المعصية والواقع فيها والمرائي في ذلك ، ووقع عند الإسماعيلي أيضا هـنا " مثل الواقع في حدود الله تعالى والناهي عنها " وهو المطابق للمثل المضروب فإنه لم يقع فيه إلا ذكر فرقتين فقط لكن إذا كان المداهن مشتركا في الذم مع الواقع صارا بمنزلة فرقة واحدة ، وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله ، ثم من عداهم إما منكر وهو القائم ، وإما ساكت وهو المدهن .

                                                                                                                                                                                                        وحمل ابن التين قوله هنا : " الواقع فيها " على أن المراد به القائم فيها واستشهد بقوله تعالى : إذا وقعت الواقعة أي قامت القيامة ولا يخفى ما فيه ، وكأنه غفل عما وقع في الشركة من مقابلة الواقع بالقائم ، وقد رواه الترمذي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ " مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها " وهو مستقيم . وقال الكرماني : قال في الشركة : " مثل القائم " وهنا " مثل المدهن " وهما نقيضان ، فإن القائم هو الآمر بالمعروف والمدهن هو التارك له ، ثم أجاب بأنه حيث قال : القائم ؛ نظر إلى جهة النجاة ، وحيث قال : المدهن ؛ نظر إلى جهة الهلاك ، ولا شك أن التشبيه مستقيم على الحالين . قلت : كيف يستقيم هنا الاقتصار على ذكر المدهن وهو التارك للأمر بالمعروف وعلى ذكر الواقع في الحد وهو العاصي وكلاهما هـالك ، فالذي يظهر أن الصواب ما تقدم . والحاصل أن بعض الرواة ذكر المدهن والقائم ، وبعضهم ذكر الواقع والقائم ، وبعضهم جمع الثلاثة ، وأما الجمع بين المدهن والواقع دون القائم فلا يستقيم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 349 ] قوله : ( استهموا سفينة ) أي اقترعوها ، فأخذ كل واحد منهم سهما أي نصيبا من السفينة بالقرعة بأن تكون مشتركة بينهم إما بالإجارة وإما بالملك ، وإنما تقع القرعة بعد التعديل ، ثم يقع التشاح في الأنصبة فتقع القرعة لفصل النزاع كما تقدم . قال ابن التين : وإنما يقع ذلك في السفينة ونحوها فيما إذا نزلوها معا ، أما لو سبق بعضهم بعضا فالسابق أحق بموضعه . قلت : وهذا فيما إذا كانت مسبلة مثلا ، أما لو كانت مملوكة لهم مثلا فالقرعة مشروعة إذا تنازعوا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فتأذوا به ) أي بالمار عليهم بالماء حالة السقي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأخذ فأسا ) بهمزة ساكنة معروف ، ويؤنث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ينقر ) بفتح أوله وسكون النون وضم القاف أي يحفر ليخرقها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن أخذوا على يديه ) أي منعوه من الحفر ( أنجوه ونجوا أنفسهم ) هو تفسير للرواية الماضية في الشركة حيث قال : " نجوا ونجوا " أي كل من الآخذين والمأخوذين ، وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه ، وإلا هـلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها . قال المهلب وغيره : في هذا الحديث تعذيب العامة بذنب الخاصة ، وفيه نظر لأن التعذيب المذكور إذا وقع في الدنيا على من لا يستحقه فإنه يكفر من ذنوب من وقع به أو يرفع من درجته . وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف ، وتبيين العالم الحكم بضرب المثل ، ووجوب الصبر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هـو أشد ضررا ، وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما يضر به ، وأنه إن أحدث عليه ضررا لزمه إصلاحه ، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر . وفيه جواز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة وإن كان فيه علو وسفل .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : وقع حديث النعمان هذا في بعض النسخ مقدما على حديث أم العلاء ، وفي رواية أبي ذر وطائفة كما أوردته .

                                                                                                                                                                                                        ( خاتمة ) : اشتمل كتاب الشهادات وما اتصل به من القرعة وغير ذلك من الأحاديث المرفوعة على ستة وسبعين حديثا ، المعلق منها أحد عشر حديثا والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وأربعون حديثا والخالص ثمانية وعشرون ، وافقه مسلم على تخريجها سوى خمسة أحاديث وهي حديث عمر " كان الناس يؤخذون بالوحي " وحديث عبد الله بن الزبير في قصة الإفك ، وحديث القاسم بن محمد فيه وهو مرسل ، وحديث أبي هريرة في الاستهام في اليمين ، وحديث ابن عباس في الإنكار على من يأخذ عن أهل الكتاب . وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة وسبعون أثرا . والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية