الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن للمتقين مفازا ( 31 ) حدائق وأعنابا ( 32 ) وكواعب أترابا ( 33 ) وكأسا دهاقا ( 34 ) لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ( 35 ) ) .

يقول : إن للمتقين منجى من النار إلى الجنة ، ومخلصا منها لهم إليها ، وظفرا بما طلبوا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد [ ص: 170 ] ( إن للمتقين مفازا ) قال : فازوا بأن نجوا من النار .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن للمتقين مفازا ) إي والله مفازا من النار إلى الجنة ، ومن عذاب الله إلى رحمته .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إن للمتقين مفازا ) قال : مفازا من النار إلى الجنة .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن للمتقين مفازا ) يقول : منتزها .

وقوله : ( حدائق ) والحدائق : ترجمة وبيان عن المفاز ، وجاز أن يترجم عنه ، لأن المفاز مصدر من قول القائل : فاز فلان بهذا الشيء ، إذا طلبه فظفر به ، فكأنه قيل : إن للمتقين ظفرا بما طلبوا من حدائق وأعناب ، والحدائق : جمع حديقة ، وهي البساتين من النخل والأعناب والأشجار المحوط عليها الحيطان المحدقة بها ، لإحداق الحيطان بها تسمى الحديقة حديقة ، فإن لم تكن الحيطان بها محدقة ، لم يقل لها حديقة ، وإحداقها بها : اشتمالها عليها .

وقوله : ( وأعنابا ) يعني : وكروم أعناب ، واستغنى بذكر الأعناب عن ذكر الكروم .

وقوله : ( وكواعب أترابا ) يقول : ونواهد في سن واحدة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكواعب ) يقول : ونواهد . وقوله : ( أترابا ) يقول : مستويات .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكواعب أترابا ) يعني : النساء المستويات .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( وكواعب أترابا ) قال : نواهد أترابا ، يقول : لسن واحدة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ثم وصف ما في الجنة [ ص: 171 ] قال : ( حدائق وأعنابا ) ( وكواعب أترابا ) يعني بذلك النساء أترابا لسن واحدة .

حدثني عباس بن محمد ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : الكواعب : النواهد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وكواعب أترابا ) قال : الكواعب : التي قد نهدت وكعب ثديها ، وقال : أترابا : مستويات ، فلانة تربة فلانة ، قال : الأتراب : اللدات .

حدثنا نصر بن علي ، قال : ثنا يحيى بن سليمان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( وكواعب أترابا ) لدات .

وقوله : ( وكأسا دهاقا ) يقول : وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء ، وأصله من الدهق : وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدة وعنف ، وكذلك الكأس الدهاق : متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مروان ، قال : ثنا أبو يزيد يحيى بن ميسرة ، عن مسلم بن نسطاس ، قال : قال ابن عباس لغلامه : اسقني دهاقا ، قال : فجاء بها الغلام ملأى ، فقال ابن عباس : هذا الدهاق .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا موسى بن عمير ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : ملأى .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، أخبرني سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت ابن عباس يسأل عن ( كأسا دهاقا ) قال : دراكا ، قال يونس : قال ابن وهب : الذي يتبع بعضه بعضا .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكأسا دهاقا ) يقول : ممتلئا .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا حميد الطويل ، عن ثابت البناني ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، في قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : دمادم . [ ص: 172 ]

قال ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : ملأى .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن يونس ، عن الحسن ( وكأسا دهاقا ) قال : الملأى .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( وكأسا دهاقا ) قال : ملأى .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : مترعة ملأى .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وكأسا دهاقا ) قال : الدهاق : الملأى المترعة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : الدهاق : الممتلئة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : الدهاق المملوءة .

وقال آخرون : الدهاق : الصافية .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن يحيى الأزدي وعباس بن محمد ، قالا ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : ثنا عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : صافية .

وقال آخرون : بل هي المتتابعة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال سعيد بن جبير في قوله : ( وكأسا دهاقا ) دهاقا : المتتابعة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، [ ص: 173 ] قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : المتتابع .

حدثنا عمرو بن عبدالحميد ، قال : ثنا جرير ، عن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : الملأى المتتابعة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : المتتابعة .

وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) يقول تعالى ذكره : لا يسمعون في الجنة لغوا ، يعني باطلا من القول ، ولا كذابا ، يقول : ولا مكاذبة ، أي لا يكذب بعضهم بعضا ، وقرأت القراء في الأمصار بتشديد الذال على ما بينت في قوله : ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) سوى الكسائي فإنه خففها لما وصفت قبل ، والتشديد أحب إلي من التخفيف ، وبالتشديد القراءة ، ولا أرى قراءة ذلك بالتخفيف لإجماع الحجة من القراء على خلافه ، ومن التخفيف قول الأعشى :

فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( لغوا ولا كذابا ) قال : باطلا وإثما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) قال : وهي كذلك ليس فيها لغو ولا كذاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية