الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما صلاة التطوع فالكلام فيها يقع في مواضع : في بيان أن التطوع هل يلزم بالشروع ، وفي بيان مقدار ما يلزم منه بالشروع ، وفي بيان أفضل التطوع ، وفي بيان ما يكره من التطوع ، وفي بيان ما يفارق التطوع الفرض فيه .

                                                                                                                                أما الأول فقد قال أصحابنا : إذا شرع في التطوع يلزمه المضي فيه ، وإذا أفسده يلزمه القضاء ، وقال الشافعي : لا يلزمه المضي في التطوع ولا القضاء بالإفساد وجه قوله : أن التطوع تبرع وأنه ينافي الوجوب ، وإذا لم يجب المضي فيه لا يجب القضاء بالإفساد ; لأن القضاء تسليم مثل الواجب ، ولنا أن المؤدى عبادة ، وإبطال العبادة حرام لقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } فيجب صيانتها عن الإبطال ، وذا بلزوم المضي فيها ، وإذا أفسدها فقد أفسد عبادة واجبة الأداء فيلزمه القضاء جبرا للفائت كما في المنذور والمفروض ، وقد خرج الجواب كما ذكره أنه تبرع ; لأنا نقول : نعم قبل الشروع .

                                                                                                                                وأما بعد الشروع فقد صار واجبا لغيره وهو صيانة المؤدى عن البطلان ولو افتتح الصلاة مع الإمام وهو ينوي التطوع والإمام في الظهر ثم قطعها فعليه قضاؤها لما قلنا ، فإن دخل معه فيها ينوي التطوع فهذا على ثلاثة أوجه : إما أن ينوي قضاء الأولى ، أو لم يكن له نية أصلا ، أو نوى صلاة أخرى ففي الوجهين الأولين يسقط عنه ، وتنوب هذه عن قضاء ما لزمه بالإفساد عندنا ، وعند زفر لا يسقط وجه قوله : إن ما لزمه بالإفساد صار دينا في ذمته كالصلاة المنذورة فلا يتأدى خلف إمام يصلي صلاة أخرى ، ولنا أنه لو أتمها حين شرع فيها لا يلزمه شيء آخر ، فكذا إذا أتمها بالشروع الثاني ; لأنه ما التزم بالشروع إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام ، وقد أداها وإن نوى تطوعا آخر ذكر في الأصل أنه ينوب عما لزمه بالإفساد ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وذكر في زيادات الزيادات أنه لا ينوب وهو قول محمد ووجهه أنه لما نوى صلاة أخرى فقد أعرض عما كان دينا عليه بالإفساد ، فلا ينوب هذا المؤدى عنه بخلاف الأول وجه قولهما : أنه ما التزم في المرتين إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام ، وقد أداها والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية