الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى الوقت فيكره التطوع في الأوقات المكروهة وهي اثنا عشر بعضها يكره التطوع فيها لمعنى في الوقت ، وبعضها يكره التطوع فيها لمعنى في غير الوقت .

                                                                                                                                أما الذي يكره التطوع فيها لمعنى يرجع إلى الوقت فثلاثة أوقات : أحدها ما بعد طلوع الشمس إلى أن ترتفع وتبيض ، والثاني عند استواء الشمس إلى أن تزول ، والثالث عند تغير الشمس وهو احمرارها ، واصفرارها إلى أن تغرب .

                                                                                                                                ففي هذه [ ص: 296 ] الأوقات الثلاثة يكره كل تطوع في جميع الأزمان يوم الجمعة وغيره ، وفي جميع الأماكن بمكة وغيرها ، وسواء كان تطوعا مبتدأ لا سبب له ، أو تطوعا له سبب كركعتي الطواف وركعتي تحية المسجد ونحوهما .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أنه لا بأس بالتطوع وقت الزوال يوم الجمعة ، وقال : الشافعي لا بأس بالتطوع في هذه الأوقات بمكة ، احتج أبو يوسف بما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام { نهى عن الصلاة وقت الزوال إلا يوم الجمعة } ، واحتج الشافعي - رحمه الله تعالى - بما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة في هذه الأوقات إلا بمكة ، ولنا ما روي عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال : { ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها ، وأن نقبر فيها موتانا إذا طلعت الشمس حتى ترتفع ، وإذا تضيقت للمغيب ، وعند الزوال } وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن الصلاة وقت الطلوع والغروب ، وقال : لأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان } وروى الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وقال : إنها تطلع بين قرني شيطان يزينها في عين من يعبدها حتى يسجد لها فإذا ارتفعت فارقها ، فإذا كانت عند قائم الظهيرة قارنها ، فإذا مالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها فلا تصلوا في هذه الأوقات } فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذه الأوقات من غير فصل فهو على العموم والإطلاق ، ونبه على معنى النهي ، وهو طلوع الشمس بين قرني الشيطان وذلك ; لأن عبدة الشمس يعبدون الشمس ، ويسجدون لها عند الطلوع تحية لها ، وعند الزوال لاستتمام علوها ، وعند الغروب وداعا لها فيجيء الشيطان فيجعل الشمس بين قرنيه ليقع سجودهم نحو الشمس له ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الأوقات لئلا يقع التشبيه بعبدة الشمس ، وهذا المعنى يعم المصلين أجمع فقد عم النهي بصيغته ومعناه فلا معنى للتخصيص ، وما روي من النهي إلا بمكة شاذ لا يقبل في معارضة المشهور ، وكذا رواية استثناء يوم الجمعة غريبة فلا يجوز تخصيص المشهور بها .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية