الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( والجحود لا يكون رجوعا ) يعني لو جحد الوصية فإنه لا يكون رجوعا ، وليس هذا كجحود الموكل الوكالة ، وجحود أحد الشريكين ، وجحود المودع الوديعة ، والمستأجرين فعلى رواية الجامع لا يكون فسخا ، وعلى رواية المبسوط يكون فسخا ، وجه رواية الجامع أن الجحود كذب حقيقة فإنه قال أنا لم أوص ، ويحتمل الفسخ مجازا لأنهما يتفقان في المعنى الخاص لأن الفسخ رفع العقد من الأصل ، والجحود الكذب لا يكون رجوعا ، وإن أراد الفسخ يجعل فسخا لا كذبا صونا لكلام العاقل عن الكذب والفساد ، وحملا لأمره على الصحة والسداد لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تظنن بكلمة خرجت من أحد شرا ، وأنت تجد لها من الخير محلا } فلا يجعل جحود الموصي فسخا منه لأنه ممن يتعود بالفسخ ، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى .

                                                                                        قال أبو يوسف لو أوصى لرجلين ثم رجع عن إحدى الوصيتين ، ولم يبين أيتهما تلك حتى مات فللوارث أن يبطل أيتهما شاء ، ويمضي الأخرى فإن كان الوارث صغيرا فأبو الوصي ، وإن لم يكن [ ص: 466 ] له وصي فالحاكم ، ولو أوصى بأرض ثم حفرها فهذا رجوع ، وإن زرع فيها إنسان فهو رجوع ، وإن زرعها حنطة فليس برجوع لأن حفر الكرم وغرس الأشجار للاستدامة والاستقرار ، ولم يتعرض المؤلف للرجوع عن بعض الوصية ، ونحن نذكر ذلك تتميما للفائدة قال في المبسوط ولو قال أوصيت بهذه الألف لفلان فقد أوصيت لفلان منها بمائة فليس هذا برجوع فالمائة بينهما نصفان تسعمائة للأول لأن عطف الوصية الثانية على الأولى في المائة ، والعطف يقتضي الاشتراك مع المعطوف عليه فيما عطف ، وإنما عطف في المائة فيوجب الاشتراك بينهما في المائة ، ولو قال قد أوصيت لفلان وفلان بألف إلا بمائة لأحدهما فالمائة لهذا ، والتسعمائة للأول منهما ، وكذا هذا في الإقرار ، وقد مرت في الإقرار ، ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال قد أوصيت لفلان بما أحب من ثلثه فإن أحب الثلث كله كان الثلث بينهما نصفين ، وإن أحب كله إلا درهما ضرب له بالثلث إلا درهما لأنه فوض إلى الأول إرادة الوصية للثاني فما أراده الأول ، وأحبه يكون للثاني إلا إذا أراد كله يكون الثلث بينهما كما لو أوصى بالثلث لهذا ، وبالثلث لهذا فيكون الثلث بينهما نصفين لما يأتي فكذا هذا ، .

                                                                                        ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا لأن اللفظ يدل على قطع الشركة بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر لأن المحل يحتمل الشركة ، واللفظ صالح لها ، وكذا إذا قال بها فهو لفلان وارثي يكون رجوعا عن الأول ، ويكون وصية للوارث ، وحكمه أنه يجوز إن أجازته الورثة ، ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني فلم تكن فبقي الأول على حاله ، ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهو للوارث لبطلان الوصية الأولى بالرجوع ، والثانية بالموت ، وقد تقدم بعض هذه المسائل فراجعه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية