الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فضيلة طلب العلم

وعن الحسن مرسلا، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من جاءه الموت وهو يطلب العلم» أي: علم الكتاب والسنة «ليحيي به الإسلام» ويقوي به الدين الحق الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ليحصل المال والجاه ولذات الدنيا والشهوات النفسانية فبينه وبين النبيين درجة واحدة في الجنة».

قال في الترجمة: هذه مبالغة في قربه من حضرة الأنبياء -عليهم السلام- ولهذا أكد الدرجة بلفظ الواحدة. رواه الدارمي.

وقد عمل السلف من أهل الأثر بهذا الحديث حق العمل، فماتوا وهم على طلب علم الحديث ودرسه، وتعليمه وسماعه، مرة بعد أخرى، وكرة بعد أولى.

[ ص: 254 ] يشهد لذلك كتب الطبقات وتراجمهم.

ذكر علي القاري: أن الغزالي مات و«البخاري» على صدره. انتهى.

وذلك أنه امتنع في آخر عمره عن الاشتغال بعلم الكلام، وأقبل على علم الحديث.

ولا غرو أن منح الله المحدثين هذه المرتبة العليا؛ لأن هذا العلم ميراث الأنبياء، والعلماء وراثهم.

وعنه -رضي الله عنه- مرسلا، قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجلين كانا في بني إسرائيل، أحدهما كان عالما يصلي المكتوبة، ثم يجلس يعلم الناس الخير، والآخر يصوم النهار ويقوم الليل، أيهما أفضل؟

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فضل هذا العالم الذي يصلي المكتوبة، ثم يجلس فيعلم الناس الخير على العابد الذي يصوم النهار ويقوم الليل، كفضلي على أدناكم» رواه الدارمي.

وفي حديث علي -عليه السلام- يرفعه: «نعم الرجل الفقيه في الدين، إن احتيج إليه نفع، وإن استغني عنه أغنى نفسه» رواه رزين.

قال في الترجمة: حاصل المعنى: أن اللائق بحال العالم: ألا يحوج إلى الخلق، ولا يميل إلى مصاحبتهم، ولا يطمع في منافعهم، ولا يترك إفادة العلم.

فإن احتاج الناس إليه، واضطروا إليه؛ لعدم وجود عالم آخر مفيد، يدخل فيهم بحكم الضرورة، وينفع الناس، ويفيدهم.

وإن لم يحتاجوا إليه، ولم يستفيدوا منه، يستغني عنهم، ويشتغل بعبادة المولى، وخدمة العلم، ومطالعة الكتب الدينية، والتصنيف، ونشر العلم. انتهى.

وفي حديث واثلة بن الأسقع مرفوعا: «من طلب العلم فأدركه، كان له [ ص: 255 ] كفلان من الأجر، فإن لم يدركه كان له كفل من الأجر» رواه الدارمي.

قال في الترجمة: وعلى كل تقدير: ينبغي أن يكون في طلب العلم، فإن حصل، فنور على نور، وإلا فالموت في طلبه هو السعادة.

التالي السابق


الخدمات العلمية