الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5526 ( 12 ) حدثنا ابن عيينة عن عمرو سمع جابرا يقول : كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة ، فقال لنا : أنتم اليوم خير أهل الأرض .

                                                                                ( 13 ) حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية خرج في بضع عشرة مائة من أصحابه ، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم .

                                                                                ( 14 ) حدثنا عبيد الله بن موسى عن موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصالحوه ، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل ، قال : قد سهل من أمركم ، القوم يأتون إليكم بأرحامهم وسائلوكم الصلح فابعثوا الهدي وأظهروا بالتلبية ، لعل ذلك يلين قلوبهم ، فلبوا من نواحي العسكر حتى ارتجت أصواتهم بالتلبية ، قال فجاءوه فسألوا الصلح قال : فبينما الناس قد توادعوا ، وفي المسلمين ناس من المشركين وفي [ ص: 511 ] المشركين ناس من المسلمين ، ففتك أبو سفيان ، فإذا الوادي يسيل بالرجال والسلاح ، قال : قال إياس : قال سلمة : فجئت بستة من المشركين مسلحين أسوقهم ، ما يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، فأتينا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسلب ولم يقتل وعفا ، قال : فشددنا على ما في أيدي المشركين منا ، فما تركنا فيهم رجلا منا إلا استنقذناه ، قال : وغلبنا على من في أيدينا منهم ، ثم إن قريشا أتت سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فولوا صلحهم ، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا وطلحة ، فكتب علي بينهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله قريشا : صالحهم على أنه لا أغلال ولا أسلال ، وعلى أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو إلى الشام يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، وعلى أنه من جاء محمدا من قريش فهو رد ، ومن جاءهم من أصحاب محمد فهو لهم ، فاشتد ذلك على المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جاءهم منا فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ، يعلم الله الإسلام من نفسه يجعل الله له مخرجا ، وصالحوه على أنه يعتمر عاما قابلا في مثل هذا الشهر لا يدخل علينا بخيل ولا سلاح إلا ما يحمل المسافر في قرابه فيمكث فيها ثلاث ليال ، وعلى أن هذا الهدي حيث حبسناه فهو محله لا يقدمه علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن نسوقه وأنتم تردون وجهه .

                                                                                ( 15 ) حدثنا عبيد الله بن موسى عن موسى بن عبيدة قال : حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال : بعثت قريش خارجة بن كرز يطلع عليهم طليعة ، فرجع حامدا يحسن الثناء ، فقالوا له : إنك أعرابي قعقعوا لك السلاح فطار فؤادك فما دريت ما قيل لك وما قلت ، ثم أرسلوا عروة بن مسعود فجاءه فقال : يا محمد ، ما هذا الحديث ؟ تدعو إلى ذات الله ، ثم جئت قومك بأوباش الناس ، من تعرف ومن لا تعرف ، لتقطع أرحامهم وتستحل حرمتهم ودماءهم وأموالهم ، فقال : إني لم آت قومي إلا لأصل أرحامهم ، يبدلهم الله بدين خير من دينهم ، ومعايش خير من معايشهم ، فرجع حامدا يحسن الثناء ، قال : قال إياس عن أبيه : فاشتد البلاء على من كان في يد المشركين من المسلمين ، قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال : يا عمر ، هل أنت مبلغ عني إخوانك من أسارى المسلمين ، فقال : بلى يا نبي الله ، والله ما لي بمكة من عشيرة ، غيري أكثر عشيرة مني ، فدعا عثمان [ ص: 512 ] فأرسله إليهم فخرج عثمان على راحلته حتى جاء عسكر المشركين ، فعتبوا به وأساءوا له القول ، ثم أجاره أبان بن سعيد بن العاص ابن عمه وحمله على السرج وردفه ، فلما قدم قال : يا ابن عم ، ما لي أراك متخشعا ؟ أسبل ، قال : وكان إزاره إلى نصف ساقيه ، فقال له عثمان : هكذا إزرة صاحبنا ، فلم يدع أحدا بمكة من أسارى المسلمين إلا أبلغهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سلمة : فبينما نحن قائلون نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، البيعة البيعة ، نزل روح القدس ، قال : فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه ، وذلك قول الله لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة قال : فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى ، فقال الناس : هنيئا لأبي عبد الله ، يطوف بالبيت ونحن هاهنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف .

                                                                                ( 16 ) حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية : لا توقدوا نارا بليل ، ثم قال : أوقدوا واصطنعوا فإنه لن يدرك قوم بعدكم مدكم ولا صاعكم .

                                                                                ( 17 ) حدثنا ابن إدريس عن حصين عن سالم عن جابر قال : أصاب الناس عطش يوم الحديبية ، قال : فهش الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فوضع يده في الركوة ، فرأيت الماء مثل العيون ، قال : قلت : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة .

                                                                                ( 18 ) حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري قال حدثني ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية في ألف وثمانمائة ، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر القوم ، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم غديرا بعسفان يقال له غدير الأسطاط فلقيه عينه بغدير الأسطاط فقال : يا محمد ، تركت قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم قد سمعوا بمسيرك ، وتركت عبدانهم يطعمون الخزير في دورهم ، وهذا خالد بن الوليد في خيل بعثوه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا تقولون ؟ ماذا ترون ؟ أشيروا علي ، قد جاءكم خبر قريش مرتين وما صنعت ، فهذا خالد بن الوليد بالغميم ، قال [ ص: 513 ] لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترون أن نمضي لوجهنا ، ومن صدنا عن البيت قاتلناه ، أم ترون أن نخالف هؤلاء إلى من تركوا وراءهم ، فإن أتبعنا منهم عنق قطعه الله ، قالوا : يا رسول الله ، الأمر أمرك والرأي رأيك ، فتيامنوا في هذا الفعل ، فلم يشعر به خالد ولا الخيل التي معه حتى جاوز بهم قترة الجيش وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم يقال له بلدح ، فبركت فقال : حل حل ، فلم تنبعث ، فقالوا : خلأت القصواء ، قال : إنها والله ما خلأت ، ولا هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، أما والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمة ولا يدعوني فيها إلى صلة إلا أجبتهم إليها ، ثم زجرها فوثبت ، فرجع من حيث جاء عوده على بدئه ، حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتبرض الناس ماءها تبرضا ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء ، فانتزع سهما من كنانته ، فأمر رجلا فغرزه في جوف القليب ، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن ، فبينما هو على ذلك إذ مر به بديل بن ورقاء الخزاعي في ركب من قومه من خزاعة ، فقال : يا محمد ، هؤلاء قومك قد خرجوا بالعوذ المطافيل ، يقسمون بالله ليحولن بينك وبين مكة حتى لا يبقى منهم أحد ، قال : يا بديل ، إني لم آت لقتال أحد ، إنما جئت أقضي نسكي وأطوف بهذا البيت ، وإلا فهل لقريش في غير ذلك ، هل لهم إلى أن أمادهم مدة يأمنون فيها ويستجمون ، ويخلون فيها بيني وبين الناس ، فإن ظهر فيها أمري على الناس كانوا فيها بالخيار أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس ، وبين أن يقاتلوا وقد جمعوا وأعدوا ، قال بديل : سأعرض هذا على قومك ، فركب بديل حتى مر بقريش فقالوا : من أين ؟ قال : جئتكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شئتم أخبرتكم بما سمعت منه فعلت ، فقال أناس من سفهائهم : لا تخبرنا عنه شيئا ، وقال ناس من ذوي أسنانهم وحكمائهم : بل أخبرنا ما الذي رأيت وما الذي سمعت ؟ فاقتص عليهم بديل قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عرض عليهم من المدة ، قال : وفي كفار قريش يومئذ عروة بن مسعود الثقفي ، فوثب فقال : يا معشر قريش ، هل تتهمونني في شيء ، ألست بالولد ولستم بالوالد ، أولست قد استنفرت لكم أهل عكاظ ، فلما ملجوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني ، قالوا : بلى ، قد فعلت ، قال : فاقبلوا من بديل ما [ ص: 514 ] جاءكم به وما عرض عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابعثوني حتى آتيكم بمصادقها من عنده ، قالوا : فاذهب ، فخرج عروة حتى نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية فقال : يا محمد ، هؤلاء قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد خرجوا بالعوذ المطافيل ، يقسمون لا يخلون بينك وبين مكة حتى تبيد خضراءهم ، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين : أن يجتاح قومك ، فلم تسمع برجل قط اجتاح أصله قبلك ، وبين أن يسلمك من أرى معك ، فإني لا أرى معك إلا أوباشا من الناس ، لا أعرف أسماءهم ولا وجوههم ، فقال أبو بكر وغضب : امصص بظر اللات ، أنحن نخذله أو نسلمه ، فقال عروة : أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك فيما قلت ، وكان عروة قد تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن ، والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وجهه المغفر ، فلم يعرفه عروة ، وكان عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما مد يده يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعها المغيرة بقدح كان في يده ، حتى إذا أخرجه قال : من هذا ؟ قالوا : هذا المغيرة بن شعبة ، قال عروة : أنت بذاك يا غدر ، وهل غسلت عنك غدرتك الأمس بعكاظ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مسعود مثل ما قال لبديل ، فقام عروة فخرج حتى جاء إلى قومه فقال : يا معشر قريش ، إني قد وفدت على الملوك ، على قيصر في ملكه بالشام ، وعلى النجاشي بأرض الحبشة ، وعلى كسرى بالعراق ، وإني والله ما رأيت ملكا هو أعظم فيمن هو بين ظهريه من محمد في أصحابه ، والله ما يشدون إليه النظر وما يرفعون عنده الصوت ، وما يتوضأ من وضوء إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيء ، فاقبلوا الذي جاءكم به بديل ، فإنها خطة رشد ، قالوا : اجلس ودعوا رجلا من بني الحارث بن عبد مناف يقال له : الحليس ، فقالوا : انطلق فانظر ما قبل هذا الرجل وما يلقاك به ، فخرج الحليس فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا عرفه ؛ قال : هذا الحليس ، وهو من قوم يعظمون الهدي ، فابعثوا الهدي في وجهه ، فبعثوا الهدي في وجهه ، قال ابن شهاب : فاختلف الحديث في الحليس ، فمنهم من يقول : جاءه فقال له مثل ما قال لبديل وعروة ، ومنهم من قال : لما رأى الهدي رجع إلى قريش ، فقال : لقد رأيت أمرا لئن صددتموه إني لخائف عليكم أن يصيبكم عنت فأبصروا بصركم ، قالوا : اجلس : ودعوا رجلا من قريش يقال له : مكرز بن حفص بن الأحنف من بني عامر بن لؤي ، فبعثوه ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذا رجل فاجر ينظر بعين فقال له مثل ما قال لبديل ولأصحابه في المدة ، فجاءهم فأخبرهم ، فبعثوا سهيل بن عمرو من بني عامر بن لؤي يكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذي دعا إليه ، فجاءه سهيل بن عمرو فقال : قد بعثني قريش إليك أكاتبك على قضية نرتضي أنا وأنت ، [ ص: 515 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال : ما أعرف الله ولا وقالوا : لا نكاتبك على خطة حتى تقر بالرحمن الرحيم ، قال سهيل : إذا لا أكاتبه على خطة حتى أرجع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قال : لا أقر ، لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك ولا عصيتك ، ولكن محمد بن عبد الله ، فوجد الناس منها أيضا ، قال : اكتب محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ، ألسنا على الحق ؟ أوليس عدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : إني رسول الله ولن أعصيه ولن يضيعني ، وأبو بكر متنح بناحية ، فأتاه عمر فقال : يا أبا بكر ، فقال : نعم ، قال : ألسنا على الحق ؟ أوليس عدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؛ قال : دع عنك ما ترى يا عمر ، فإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضيعه الله ولن يعصيه ، وكان في شرط الكتاب أنه من كان منا فأتاك فإن كان على دينك رددته إلينا ومن جاءنا من قبلك رددناه إليك قال : أما من جاء من قبلي فلا حاجة لي برده ، وأما التي اشترطت لنفسك فتلك بيني وبينك ، فبينما الناس على ذلك الحال إذ طلع عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد خلا له أسفل مكة متوشحا السيف ، فرفع سهيل رأسه فإذا هو بابنه أبي جندل ، فقال ، هذا أول من قاضيتك على رده ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا سهيل إنا لم نقض الكتاب بعد ، قال : ولا أكاتبك على خطة حتى ترده ، قال : فشأنك به قال : فهش أبو جندل إلى الناس فقال : يا معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني ، فلصق به عمر وأبوه آخذ بيده يجتره وعمر يقول : إنما هو رجل ، ومعك السيف ، فانطلق به أبوه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم من جاء من قبلهم يدخل في دينه ، فلما اجتمعوا نفر فيهم أبو بصير ردهم إليهم وأقاموا بساحل البحر ، فكأنهم قطعوا على قريش متجرهم إلى الشام ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نراها منك صلة أن تردهم إليك وتجمعهم ، فردهم إليه ، وكان فيما أرادهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب أن يدعوه يدخل مكة فيقضي نسكه وينحر هديه بين ظهريهم ، فقالوا : لا تحدث العرب أنك أخذتنا ضغطة أبدا ولكن ارجع عامك هذا ، فإذا كان قابل أذنا لك فاعتمرت وأقمت ثلاثا ، [ ص: 516 ] وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس : قوموا فانحروا هديكم واحلقوا وحلوا ، فما قام رجل ولا تحرك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بذلك ثلاث مرات ، فما تحرك رجل ولا قام من مجلسه ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك دخل على أم سلمة ، وكان خرج بها في تلك الغزوة ، فقال : يا أم سلمة ، ما بال الناس ، أمرتهم ثلاث مرار أن ينحروا وأن يحلقوا وأن يحلوا فما قام رجل إلى ما أمرته به ، قالت : يا رسول الله ، اخرج أنت فاصنع ذلك ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يمم هديه فنحره ودعا حلاقا فحلقه ، فلما رأى الناس ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبوا إلى هديهم فنحروه ، وأكب بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم أن يضم بعضا من الزحام ، قال ابن شهاب : وكان الهدي الذي ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سبعين بدنة ، قال ابن شهاب : فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أهل الحديبية على ثمانية عشر سهما ، لكل مائة رجل سهم .

                                                                                ( 19 ) حدثنا أبو أسامة عن أبي العميس عن عطاء قال : كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية في الحرم .

                                                                                ( 20 ) حدثنا الفضل عن شريك عن أبي إسحاق عن البراء قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة .

                                                                                ( 21 ) حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا موسى بن عبيدة قال : أخبرني أبو مرة مولى أم هانئ عن ابن عمر قال : لما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية عرض له المشركون ، فردوا وجوه بدنه ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حبسوه وهي الحديبية ، وحلق وائتسى به ناس فحلقوا ، وتربص آخرون ، قالوا : لعلنا نطوف بالبيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله المحلقين قيل : والمقصرين ، قال : رحم الله المحلقين ثلاثا .

                                                                                ( 22 ) حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأنصاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق يوم الحديبية هو وأصحابه إلا عثمان وأبا قتادة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله المحلقين ؛ قالوا : والمقصرين ؟ قال : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين .

                                                                                [ ص: 517 ] حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عمرو بن أسلم عن ناجية بن جندب بن ناجية قال : لما كنا بالغميم لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر قريش أنها بعثت خالد بن الوليد في جريدة خيل تتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقاه ، وكان بهم رحيما ، فقال : من رجل يعدلنا عن الطريق ؟ فقلت : أنا بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأخذت بهم في طريق قد كان مهاجري بها فدافد وعقاب ، فاستوت بي الأرض حتى أنزلته على الحديبية وهي نزح ، قال : فألقى فيها سهما أو سهمين من كنانته ثم بصق فيها ثم دعا ، قال : فعادت عيونها حتى إني لأقول أو نقول : لو شئنا لاغترفنا بأقداحنا .

                                                                                ( 24 ) حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الحديبية : يرحم الله المحلقين ، قالوا : يا رسول الله والمقصرين ؟ قال : رحم الله المحلقين ثلاثا قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين ، قالوا : ما بال المحلقين ظاهرت لهم الترحم ؟ قال : إنهم لم يشكوا .

                                                                                ( 25 ) حدثنا غندر عن شعبة عن جامع بن شداد قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة قال : سمعت عبد الله بن مسعود قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، فذكروا أنهم نزلوا دهاسا من الأرض يعني بالدهاس الرمل قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يكلؤنا ، قال : فقال بلال : أنا ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ننام قال : فناموا حتى طلعت الشمس فاستيقظ أناس فيهم فلان وفلان وفيهم عمر : قال : فقلنا ، اهضبوا يعني تكلموا ، قال : فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : افعلوا كما كنتم تفعلون ، قالوا : ففعلنا ، قال : كذلك فافعلوا لمن نام أو نسي ، قال : وضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها ، قال : فوجدت حبلها قد تعلق بشجرة ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فركب فسرنا ، قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وعرفنا ذلك فيه ، قال : فتنحى منتبذا خلفنا ، قال : فجعل يغطي رأسه بثوبه ويشتد ذلك عليه حتى عرفنا أنه قد أنزل عليه فأتونا فأخبرونا أنه قد أنزل عليه إنا فتحنا لك فتحا مبينا .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية