الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 275 ] من يستحق أن يسمى فقيها؟ ومن هو أعلم الناس؟

وأما من يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة لا مجازا، ومن يجوز له الفتيا عند العلماء، فأخرج أبو عمر بن عبد البر بأسانيد رجال بعضها ثقات، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: «يا عبد الله بن مسعود!» قلت: لبيك يا رسول الله، ثلاث مرات، قال: «أتدري أي الناس أعلم؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصرا في العمل، وإن كان يزحف على استه .

قال أبو يوسف القاضي: وهذه صفة الفقهاء. وفي رواية: «أفضلهم علما، أفضلهم عملا».

وأخرج بسند فيه إسحاق بن أسيد، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من لم يقنط الناس من رحمة الله، ومن لم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه. ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا علم ليس فيه تفهم، ولا قراءة ليس فيها تدبر».

قال ابن عبد البر: لا يأتي هذا الحديث مرفوعا إلا من هذا الوجه، وأكثرهم يوقفونه على علي كرم الله وجهه.

وقال الحارث بن يعقوب: إن الفقيه من فقه في السنة والقرآن، وعرف مكائد الشيطان.

وعن ابن القاسم قال: سئل مالك: لمن يجوز الفتوى؟ قال: لا يجوز إلا لمن علم اختلاف الناس فيها، قيل: له: اختلاف أهل الرأي؟ قال: لا، بل اختلاف أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلم الناسخ والمنسوخ، وحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فذلك يفتي.

[ ص: 276 ] وقال ابن الماجشون: لا يكون إماما في الفقه من لم يكن إماما في القرآن والآثار، ولا يكون إماما في الآثار من لم يكن إماما في الفقه؛ أي: في علم القرآن.

وعن سعيد بن المسيب: أنه كان يقول: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه، ذهب نقصه لفضله، كما أنه من غلب عليه نقصه، ذهب فضله.

وقال غيره: لا يسلم العالم من الخطأ، فمن أخطأ قليلا، وأصاب كثيرا، فهو عالم، ومن أصاب قليلا، وأخطأ كثيرا، فهو جاهل.

وفي المثل السائر: «الفاضل من عدت سقطاته، وأحرزت ملتقطاته».

التالي السابق


الخدمات العلمية