الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( والجد كالأب إذا لم يتخلل في نسبته أم إلا في ردها إلى ثلث ما بقي وحجب أم الأب فيحجب الإخوة ) أي الجد كالأب إذا لم يتخلل في نسبه إلى الميت [ ص: 559 ] أنثى وهو الجد الصحيح إلا في مسألتين أحدهما في رد أم الميت من ثلث الجميع إلى ثلث ما بقي وحجب أم الأب في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين فإن الأب يردها إليه كالجد وفي حجب أم الأب فإن الأب يحجبها دون الجد ، وإن تخلل في نسبه إلى الميت أم كان فاسدا فلا يرث إلا على أنه من ذوي الأرحام ; لأن تخلل الأم في النسبة يقطع النسب والنسب إلى الأباء ; لأن النسب للتعريف والشهرة وذلك تكون بالمشهورة وهو الذكور دون الإناث وقوله كالأب يعني عند عدم الأب لأن الجد يسمى أبا قال الله تعالى حاكيا عن يوسف عليه الصلاة والسلام { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } وكان إسحاق جده وإبراهيم جد أبيه وقال الله تعالى { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } وهما آدم وحواء عليهما السلام فإذا كان أبا دخل في النص إما بطريق عموم المجاز أو بالإجماع على نحو ما ذكرنا في ابن الابن فكان له الأحوال الثلاثة التي ذكرناها في الأب وله حالة رابعة وهو السقوط بالأب ; لأنه أقرب منه ويدلي به فلا يرث معه وإنما يقوم مقامه عند عدمه وقوله ويحجب الإخوة يعني الجد يحجب الإخوة كالأب ; لأنه قائم مقامه وهذا على إطلاقه قول أبي حنيفة على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى .

                                                                                        والأصح أن الجد نوعان صحيح وفاسد فالفاسد من جملة ذوي الأرحام والصحيح له أحوال ثلاثة على نحو ما ذكرنا في الأب وحكمه حال عدم الأب في استحقاقه السهم والتعصيب حكم الأب وحكم الواحد السدس وإذا كثر فالسدس بينهم بالسوية والفاصل بين الجد الصحيح والفاسد أن الصحيح هو الذي لم يتخلل في نسبته إلى الميت أم ، وإن تخلل في نسبه إلى الميت أم فهو فاسد والجد الصحيح كالأب واختلف مشايخنا في الفتوى في مسائل الجد فامتنع بعضهم من الفتوى أصلا لكثرة الاختلاف الواقع فيما بين الصحابة وأفتى بها الآخرون لكن اختلفوا فيما بينهم كان الشيخ الإمام السرخسي يفتي في مسائل الجد بقول أبي يوسف ومحمد وبعض المتأخرين من مشايخنا اختاروا الفتوى بالصلح في مواضع الخلاف قالوا كنا نفتي بالصلح في الأجير في مواضع الخلاف المشترك لاختلاف الصحابة ، واختلاف الصحابة هنا أظهر فكان الفتوى بالصلح هنا أحق وقال الشيخ الإمام شمس الدين الحلواني قال مشايخنا بأن الصواب في مسائل الجد أن يعطى الجد ما اتفقوا عليه ، ثم يقيم بين الجد وبين الإخوة والأخوات نصفين أمروا بالصلح قال القاضي الإمام عماد الدين النسفي لا ينبغي للمفتي أن يقول المال كله للجد عند الصديق وإنما قال أبو حنيفة بذلك تعظيما لأمر الصديق ، وأما أصول زيد رضي الله عنه فالأصل الأول أن يجعل الجد مع الإخوة والأخوات كأحدهم يقاسمهم ويقاسمونه ويزاحمهم ويزاحمونه ما دامت المقاسمة خيرا له من ثلث جميع المال كجد وأخ إذ لا ينقص من الثلث .

                                                                                        فإن كان الثلث خيرا له من المقاسمة كجد وثلاثة إخوة يعطى الثلث ويقسم الباقي بينهم على فرائض الله تعالى الأصل الثاني أن يعتبر الإخوة والأخوات لأب مع الإخوة والأخوات لأب وأم في مقاسمة الجد حتى يظهر نصيب الجد فإذا ظهر نصيبه وأعطى نصيبه رد أولاد الأب ما أخذوا على أولاد الأب والأم ، وإن كانوا ذكورا ومختلطين وخرجوا بغير شيء فقد اعتبرهم في الابتداء وأخرجهم في الانتهاء بيانه جد وأخ لأب وأم وأخ لأب ، وإن كان مع الجد أخت لأب وأم وإخوة وأخوات لأب يقسم كما قلنا ، ثم يرد الإخوة والأخوات لأب على الأخوات لأب وأم إلى تمام النصف وعلى الأختين لأب وأم إلى تمام الثلثين ، ثم إن فضل شيء يكون له وإلا فلا ، وفي الذخيرة فصل في مسائل يقوم الجد مقام الأب في حجب الأخوات لأب وأم أو لأب عند أبي حنيفة وهو قول أبي بكر الصديق وعبد الله بن عباس وأبي موسى الأشعري وطلحة وعليه الفتوى وقال زيد يقاسم الجد الإخوة والأخوات ما دامت المقاسمة خيرا له بأن كان لا ينقص نصيبه من الثلث وكأن يجعل الجد كأخ آخر وكان يجعل نصيبه كنصيب الأخ فإن انتقص نصيبه من الثلث يعطيه ثلث المال وهو قول أبي يوسف ومحمد وفي المضمرات نفس المقاسمة أن يجعل الجد في المقاسمة كأحد الإخوة .

                                                                                        وبيانه في المسائل إذا ترك الرجل أختا لأب وأم أو لأب وجدا فعلى قول أبي حنيفة المال كله للجد وعلى قولهما المال بينهما على ثلاثة أسهم سهمان للجد وسهم للأخت ويجعل الجد في هذه الصورة كأخ آخر ; لأن المقاسمة خير له فإذا جعلناه كأخ آخر نصيبه سهمان من ثلاثة فيجعل كذلك ، وإن ترك ثلاث إخوة لأب وأم أو لأب وجدا يقسم المال بينهم [ ص: 560 ] أخماسا عندهم له سهمان من ثلاثة ، وإن ترك ثلاث إخوة لأب وأم أو لأب وجد فللجد الثلث ويجعل الجد كأخ فيقيم المال بينهم أخماسا سهمان للأخ وسهم للأخت ويجعل الجد كأخ آخر ; لأن المقاسمة خير له ; لأنا لو أعطيناه الثلث في هذه الحالة أعطيناه سهمين من ستة وسهمان من خمسة خير له من سهمين من ستة ولو ترك جدا وأخوين لأب وأم وأختا لأب وأم فهنا يعطى الجد ثلث المال ; لأن الثلث خير له ; لأن بالمقاسمة يحصل له سهمان من سبعة فإذا جعلنا الجد كأخ آخر كان خيرا له ، وإن ترك جدا وأخا لأب وأم أو لأب وأختين لأب ففي هذه الصورة لا فرق بين المقاسمة وبين الثلث عندهما ; لأن بالمقاسمة يصير كأنه مات عن ثلاثة إخوة لأب وأم ; لأنا جعلنا الأختين أخا وإذا كان كذلك يقسم المال بينهم أثلاثا فيكون للجد الثلث سهم من ثلاثة ، ولو أعطيناه الثلث ابتداء كان على الحساب من ثلاثة للجد سهم من ثلاثة فهو معنى قولنا أنه لا فرق بين المقاسمة وبين الثلث هنا والفتوى في هذه المسائل وما يتصل بها قول أبي حنيفة .

                                                                                        وفي الكافي ولو ترك جدا أو أخوين فالثلث هاهنا والمقاسمة سواء ، ولو ترك جدا وثلاثة إخوة فالثلث هنا خير من المقاسمة ودليله في شرح الطحاوي .

                                                                                        ولو مات وترك جدا وأخا لأب وأم وأخا لأب فإن الأخ من الأب لا يرث مع الأخ لأب وأم وجد فإن الأخ لأب يدخل مع الجد ; لأنه وارث في حق الجد ، وإن لم يكن وارثا في حق الأخ لأب وأم فتكون المقاسمة والثلث سواء فيعطي للجد الثلث والثلثان للأخوين لكل أخ ثلثه وهذا كما يقول في الأخوين مع الأب برد الأم من الثلث إلى السدس ومع ذلك لا يرثان مع الأب وذكر في المضمرات أن المسائل المتعلقة بالإخوة خمسة أحدها الشركة وهي أن تترك المرأة زوجها وأما وجدا أو إخوة من أم وأخا من أب وأم فللزوج النصف وللأم السدس ولولد الأم الثلث ولا شيء للأخ من الأب والأم وهذا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويشترك أولاد الأب والأم مع أولاد الأم في الثلث كأنهم أولاد أم واحدة سواء فيه الذكر والأنثى وهذا قول عمر رضي الله عنه وبه أخذ مالك والشافعي وكان عمر رضي الله عنه يقول أولا كما يقول أبو بكر رضي الله عنه ، ثم رجع إلى قول غيره وسبب رجوعه أنه سئل عن هذه المسألة فأجاب كما هو مذهبه فقام واحد من أولاد الأب فقال يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة والأب لا يزيد إلا قربا فأطرق عمر رأسه متأملا ، ثم رفع رأسه فقال صدقوا هم سواء أم واحدة فنشركهم في الثلث فسميت المسألة مشتركة لتشريك عمر وحمارية لقول القائل .

                                                                                        وأما المسألة المنبرية .

                                                                                        والثالثة الأكدرية والرابعة العثمانية ، وقد مرت ، وأما الخامسة الحمزية وهي ثلاث أخوات متفرقات وثلاث جدات متحاذيات وجد هو أب الأب تحجب أم الأب بأب الأب وتحجب الأخت من الأم أيضا والأخت من الأب تدخل في المقاسمة وتخرج بغير شيء على الخلاف وتخرج المسألة من اثني عشر بعد القطع وإنما سميت حمزية ; لأن حمزة بن حبيب فعلها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية