الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز ذلك في غسل الجنابة لما روى صفوان بن عسال المرادي ' رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، لكن من غائط أو بول أو نوم ثم نحدث بعد ذلك وضوءا } ولأن غسل الجنابة يندر فلا تدعو الحاجة فيه إلى المسح على الخف فلم يجز ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : أما حديث صفوان فصحيح رواه الشافعي رحمه الله في مسنده وفي الأم والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة ، قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح إلا أنه ليس في رواية هؤلاء قوله : { ثم نحدث بعد ذلك وضوءا } وهي زيادة باطلة لا تعرف ، وقوله : { إلا من جنابة } هكذا هو أيضا في كتب الحديث المشهورة " إلا " وهي إلا التي للاستثناء ، وقال الروياني صاحب البحر في باب ما ينقض الوضوء : روي أيضا ( لا ) من جنابة بحرف لا التي للنفي ، وكلاهما صحيح المعنى لكن المشهور ( إلا ) . [ ص: 504 ] وقوله : { لكن من غائط أو بول أو نوم } كذا وقع في المهذب بحرف أو والمشهور في كتب الحديث والفقه لكن من غائط وبول ونوم بالواو ، وفي رواية للنسائي { أرخص لنا أن لا ننزع خفافنا } بدل قوله { يأمرنا } وقوله : { لكن من غائط } إلى آخره ، قال أهل العربية : لفظة لكن للاستدراك تعطف في النفي مفردا على مفرد وتثبت للثاني ما نفته عن الأول ، تقول : ما قام زيد لكن عمرو ، فإن دخلت على مثبت احتيج بعدها إلى جملة ، تقول : قام زيد لكن عمرو لم يقم ، فقوله ( لا ننزعها إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم ) معناه أرخص لنا في المسح مع هذه الثلاثة ولم نؤمر بنزعها إلا في حال الجنابة ، وفيه محذوف تقديره : لكن لا ننزع من غائط وبول ونوم ، لأن تقدير الأول أمرنا بنزعها من الجنابة . وفائدة هذا الاستدراك بيان الأحوال التي يجوز فيها المسح ونبه بالغائط والبول والنوم على ما في معناها من باقي أنواع الحدث الأصغر وهي زوال العقل بجنون وغيره ولمس النساء ومس فرج الآدمي ، ونبه بالجنابة على ما في معناها من الحدث الأكبر فيدخل فيه الحيض والنفاس ، وقد يؤخذ من ذكر الأحوال الثلاثة أنه لا يجوز المسح على الخف عن النجاسة والله أعلم .

                                      وعسال والد صفوان هو بعين ثم سين مشددة مهملتين ، وصفوان هذا من كبار الصحابة رضي الله عنهم غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة ، سكن الكوفة ، وقوله : " مسافرين أو سفرا " شك من الراوي هل قال : مسافرين أو قال سفرا ، وهما بمعنى واحد ، ولكن لما شك الراوي أيهما قال ، احتاط فتردد ولم يجزم بأحدهما وهكذا صوابه سفرا براء منونة ويكتب بعدها ألف ولا يجوز غير هذا بلا خلاف ، وربما غلط فيه فقيل سفري بالياء وهذا خطأ فاحش وتصحيف قبيح . قال الخطابي وغيره : قوله : سفرا جمع سافر كما يقال : راكب وركب وصاحب وصحب وقيل : إنه لم ينطق بواحده الذي هو سافر بل قدروه ، وقيل نطق به والله أعلم .

                                      وفي هذا الحديث فوائد ( إحداها ) جواز مسح الخف ( الثانية ) أنه مؤقت ( الثالثة ) أن وقته للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وجاء في رواية البيهقي وغيره في هذا الحديث وللمقيم يوم وليلة ( الرابعة ) أنه لا يجوز [ ص: 505 ] المسح في غسل الجنابة وما في معناه من الأغسال الواجبة والمسنونة ( الخامسة ) جوازه في جميع أنواع الحدث الأصغر ( السادسة ) أن الغائط والبول والنوم ينقض الوضوء وهو محمول على نوم غير ممكن مقعده ( السابعة ) أنه يؤمر بالنزع للجنابة في أثناء المدة حتى لو غسل الرجل في الخف ثم أحدث وأراد المسح لم يجز ، وفيه غير ذلك من الفوائد ، وهو حديث طويل ، وقد يقتصرون على رواية هذا القدر الذي ذكره المصنف منه والله أعلم .

                                      ( أما حكم مسألة الكتاب ) فهو أنه لا يجزئ المسح على الخف في غسل الجنابة ، نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وغيرهم ولا أعلم فيه خلافا لأحد من العلماء ، وكذا لا يجزئ مسح الخف في غسل الحيض والنفاس والولادة ولا في الأغسال المسنونة كغسل الجمعة والعيد وأغسال الحج وغيرها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب . قال أصحابنا : ولو دميت رجله في الخف فوجب غسلها لا يجزيه المسح على الخف بدلا عن غسلها ، وهذا لا خلاف فيه وكل هذا مستنبط من حديث صفوان كما سبق ، قال أصحابنا : وإذا لزمه غسل جنابة أو حيض ونفاس فصب الماء في الخف فانغسلت الرجلان ارتفعت الجنابة عنهما وصحت صلاته ، ولكن لو أحدث لم يجز له المسح حتى ينزع الخف فيلبسه طاهرا ، وكذا بعد انقضاء المدة لو غسل الرجل في الخف صح وضوءه ولكن لا يجوز المسح بعده حتى ينزعه ، وكل هذا لا خلاف فيه ولو دميت رجله في الخف فغسلها فيه جاز المسح بعده ولا يشترط نزعه ، ذكره البغوي والرافعي وغيرهما وأطلق الشافعي في الأم والقاضي أبو الطيب والدارمي والمتولي والروياني وغيرهم وجوب النزع إذا أصاب الرجل نجاسة ، ولعل مرادهم إذا لم يمكن الغسل في الخف ، والفرق بين الجنابة والنجاسة أن الشرع أمر بنزع الخف للجنابة في حديث صفوان ، ولم يأمر به للنجاسة والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية