قال المصنف رحمه الله تعالى ( فأما ما يحرم فيه الربا فينظر فيه فإن باعه بجنسه حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض ، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عبادة بن الصامت } فإن باعه بغير جنسه - نظرت فإن كان مما يحرم الربا فيهما لعلة واحدة كالذهب والفضة والشعير والحنطة - جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض لقوله صلى الله عليه وسلم : " { الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد } . فإن تبايعا وتخايرا في المجلس قبل التقابض بطل البيع لأن التخاير كالتفرق ، ولو تفرقا قبل التقابض بطل العقد ، فكذلك إذا تخايرا ، وإن فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد - نظرت فإن لم يتفرقا - جاز أن يرد ويطالب بالبدل لأن المعقود عليه ما في الذمة ، وقد قبض قبل التفرق ، وإن تفرق ففيه قولان : ( أحدهما ) يجوز إبداله لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده ، كالمسلم فيه . تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا
( والثاني ) لا يجوز ، وهو قول لأنه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق ، وذلك لا يجوز . وإن كان مما يحرم فيهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير [ ص: 506 ] بالفضة حل فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض لإجماع الأمة على جواز إسلام الذهب والفضة في المكيلات المطعومة ) . المزني
التالي
السابق
( الشرح ) حديث رواه عبادة . مسلم - بالمد - التأجيل قال والنسائي والأصحاب : إذا الشافعي فله ثلاثة أحوال : ( أحدها ) أن يبيعه بجنسه فيحرم فيه ثلاثة أشياء ، التفاضل ، والنساء ، والتفرق قبل التقابض . باع مالا ربويا
( الثاني ) أن يبيعه بغير جنسه لكنهما مما يحرم فيهما الربا بعلة واحدة ، كالذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر بالملح والزيت بالعسل فيجوز فيهما التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض ودليل الجميع في الكتاب . وحيث شرطنا التقابض فمعناه التقابض قبل التفرق الذي ينقطع به خيار المجلس كما سبق تفصيله . قال في كتاب الصرف من الأم والأصحاب : لا بأس أن يطول مقامهما في مجلسهما ، ولا بأس أيضا بطوله متماشيين وإن طال مشيهما وتباعدا عن مجلس العقد ثم تقابضا قبل افتراقهما فيصح البيع لعدم افتراقهما . ولو الشافعي ووصف الجميع أو كان في موضع فيه نقد غالب ولم يكن العوضان حاضرين ثم أرسلا من أحضرهما أو ذهبا مجتمعين إليهما وتقابضا قبل التفرق صح البيع وسلما من الربا . ولو وكلا أو أحدهما في القبض وحصل القبض قبل مفارقة العاقدين جاز وإلا فلا ، ومتى تفرقا قبل القبض وحصل القبض بطل العقد ويأثمان بذلك قال باعه دينارا في الذمة بعشرة دراهم في الذمة ابن الصباغ والأصحاب : يكون هذا ربا جاريا مجرى بيع الربوي نسيئة ، ولا يكفيهما تفرقهما في منع الإثم ، وإن كان يبطل كما أن العقد مع التفاضل باطل ويأثمان به . قال أصحابنا : فإن تعذر عليهما التقابض في المجلس وأرادا أن يتفرقا [ ص: 507 ] لزمهما أن يتفاسخا العقد قبل التفريق ، لئلا يأثما ، وإن قبض كل واحد منهما نصف المعقود عليه وتفرقا قبل قبض الباقي بطل العقد في الذي لم يقبض ، وفي بطلانه في المقبوض الطريقان السابقان فيمن اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض ( المذهب ) أنه لا يبطل ، بل يصح والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال المصنف والأصحاب : وإذا تخايرا في المجلس قبل التقابض فهو كالتفريق فيبطل العقد لما ذكره المصنف ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وقال ابن سريج : لا يبطل لظاهر الحديث فإنه يسمى يدا بيد . وإلى هنا انتهى كلام الشيخ . مصنفه أبي زكريا يحيى بن شرف النووي ، فأدركته المنية - رحمه الله - ونفعنا به في الدنيا والآخرة . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
( الثاني ) أن يبيعه بغير جنسه لكنهما مما يحرم فيهما الربا بعلة واحدة ، كالذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر بالملح والزيت بالعسل فيجوز فيهما التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض ودليل الجميع في الكتاب . وحيث شرطنا التقابض فمعناه التقابض قبل التفرق الذي ينقطع به خيار المجلس كما سبق تفصيله . قال في كتاب الصرف من الأم والأصحاب : لا بأس أن يطول مقامهما في مجلسهما ، ولا بأس أيضا بطوله متماشيين وإن طال مشيهما وتباعدا عن مجلس العقد ثم تقابضا قبل افتراقهما فيصح البيع لعدم افتراقهما . ولو الشافعي ووصف الجميع أو كان في موضع فيه نقد غالب ولم يكن العوضان حاضرين ثم أرسلا من أحضرهما أو ذهبا مجتمعين إليهما وتقابضا قبل التفرق صح البيع وسلما من الربا . ولو وكلا أو أحدهما في القبض وحصل القبض قبل مفارقة العاقدين جاز وإلا فلا ، ومتى تفرقا قبل القبض وحصل القبض بطل العقد ويأثمان بذلك قال باعه دينارا في الذمة بعشرة دراهم في الذمة ابن الصباغ والأصحاب : يكون هذا ربا جاريا مجرى بيع الربوي نسيئة ، ولا يكفيهما تفرقهما في منع الإثم ، وإن كان يبطل كما أن العقد مع التفاضل باطل ويأثمان به . قال أصحابنا : فإن تعذر عليهما التقابض في المجلس وأرادا أن يتفرقا [ ص: 507 ] لزمهما أن يتفاسخا العقد قبل التفريق ، لئلا يأثما ، وإن قبض كل واحد منهما نصف المعقود عليه وتفرقا قبل قبض الباقي بطل العقد في الذي لم يقبض ، وفي بطلانه في المقبوض الطريقان السابقان فيمن اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض ( المذهب ) أنه لا يبطل ، بل يصح والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال المصنف والأصحاب : وإذا تخايرا في المجلس قبل التقابض فهو كالتفريق فيبطل العقد لما ذكره المصنف ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وقال ابن سريج : لا يبطل لظاهر الحديث فإنه يسمى يدا بيد . وإلى هنا انتهى كلام الشيخ . مصنفه أبي زكريا يحيى بن شرف النووي ، فأدركته المنية - رحمه الله - ونفعنا به في الدنيا والآخرة . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
[ ص: 10 ] قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى : قال المصنف والأصحاب : إذا فهو كالتفرق فيبطل العقد لما ذكره تخايرا في المجلس قبل التقابض المصنف ، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقال ابن سريج لا يبطل لظاهر الحديث ، فإنه يسمى يدا بيد .
( قلت ) هذا آخر ما وجد من شرح أبي زكريا النووي رحمه الله ، وأقول بعون الله تعالى : وفي المسألة وجه ثالث إن الإجارة لاغية والخيار باق بحاله ، وبه جزم الماوردي ، وقد شذ عن العراقيين بذلك ، فإنهم مطبقون على البطلان . وممن جزم بذلك منهم الشيخ والقاضي أبو حامد ونقله عن الأصحاب أبو الطيب والمحاملي المصنف وأتباعه وأكثرهم لم يحكوا خلاف ابن سريج ولا غيره في ذلك إلا سليما في التقريب فإنه حكاه وقال : إن المذهب البطلان [ ص: 11 ] ورأيته بخطه في تعليقة ، وقال : إنه حكاه في آخر الرهن . وأما أبي حامد المراوزة فالفوراني في العمدة وافق العراقيين وجزم بالبطلان . وأكثرهم يحكي وجهين مع اختلاف معنييهما . فالقاضي حكى وجه البطلان ووجه اللزوم في موضعين من كتابه بتلخيص كل منهما مراده كما ذكرناه . وتبعه صاحب التتمة وصاحب التهذيب . وعين أن المخالف هو الحسين ابن سريج . وإمام الحرمين حكى عن نقل شيخه وصاحب التقريب وجه إلغاء الإجارة ووجه اللزوم ولم يذكر وجه البطلان . وتبعه الغزالي في البسيط والوسيط مع زيادة ترجيح اللزوم .
وقد انفرد بترجيح ذلك من بين المصنفين ووافقه عليه من فضلاء المتأخرين زين الدين الحلبي شيخ صاحب الوافي . فانتظم من النقلين في طريقة المراوزة الأوجه الثلاثة المذكورة كما هي أيضا مفرقة في طريقة العراق . وممن ذكرها مجموعة صاحب البحر . وعزا القول بالبطلان إلى جمهور الأصحاب . وأما الرافعي - رحمه الله تعالى - فإنه ذكر الثلاثة مفرقة في موضعين من كتابه على وجه يتوقف في الجمع بينهما . ففي باب الربا قال : والتخاير قبل القبض بمنزلة التفرق يبطل العقد . خلافا لابن سريج ، كما فعل صاحب التهذيب . وفي باب خيار المجلس حكى وجهين ( أحدهما ) إلغاء الإجارة ( والثاني ) لزوم العقد كما فعل إمام الحرمين . ولم يتعرض للتنبيه على أن كلا من الوجهين مخالف لما اقتضى كلامه في باب الربا ترجيحه . فاقتصار الرافعي على هذين الوجهين في هذا المكان يوهم الجزم بصحة العقد والنووي - رحمه الله تعالى - فعل هنا حيث وقف في باب الربا كما فعل الرافعي فيه ، وحكى في باب خيار المجلس فيما تقدم وجهي إلغاء الإجارة ولزوم العقد وقال : إن أصحهما اللزوم . قال : وفيه وجه ثالث أنه يبطل العقد فجمع الأوجه الثلاثة . لكن بعبارة توهم أن البطلان مرجوح . وهو قال هنا : إنه المذهب ( وأما ) قوله : أصحهما اللزوم فيمكن الاعتذار عنه بأنه الأصح من الوجهين ولا يلزم أنه الأصح مطلقا فلا منافاة بينه وبين أن يكون الثالث أصح منه .
( واعلم ) أن الرافعي وكذلك الشارح في هذا الفصل نقل [ ص: 12 ] عن ابن سريج أنه لا يبطل العقد . ولم يبين هل مراده بعد ذلك أنه يلزم العقد ؟ أم تلغو الإجارة ؟ وأن عدم بطلان العقد صادق على كلا الوجهين . لكن سليم في التقريب وصاحب العدة بينا ذلك صريحا فقالا : وعن أبي العباس فيه وجه أن العقد يلزم بذلك ولا يبطل ، وكذلك يقتضيه كلام صاحب التهذيب وكلام سليم وصاحب العدة أصرح ، وقول سليم وصاحب العدة أن القول بالبطلان هو المذهب قد يؤخذ منه أن ذلك منصوص - رحمه الله - ولم أر هذه المسألة فيما وقفت عليه من نصوص الشافعي وإنما رأيتها في كلام الشيخ الشافعي فمن بعده ، ولأجل إجمال أبي حامد الرافعي ومن وافقه في النقل عن ابن سريج حصل التباس على شيخنا ابن الرفعة في الكفاية ، فجعل قول ابن سريج كقول الماوردي والصواب ما قدمته ( والأصح ) عند الحنابلة كقول ابن سريج ، وعندهم احتمال كمذهبنا ( وأما ) مذهب مالك - رحمهما الله تعالى - فلا تأتي هذه المسألة عندهما ، لأنهما لا يقولان بخيار المجلس . توجيه كل وجه من ذلك أما القول بإلغاء الإجارة فقد استدل له وأبي حنيفة الماوردي بأن اختيار الإمضاء إنما يكون بعد تقصي علقة العقد ، وبقاء القبض يمنع من تقصي علقه فمنع من اختيار إمضائه ، قال في البحر : وهذا حسن وليس كما قال فإن اختيار الإمضاء إما أن يكون يستدعي سبق صحة العقد أو سبق تقصي علقه إن كان الأول فهو حاصل ، وإن كان الثاني فمن جملة العلق القبض في غير الربوي ، ولا تتوقف الإجارة عليه اتفاقا وتخصيص محل النزاع دون غيره تحكم ، ثم إن حديث " البيعان بالخيار " يدل على أن الخيار معناه ما لم يتفرقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر ، فمن ادعى أن الخيار يبقى بعد التخاير كان مخالفا لمفهوم الحديث ، بل ولمنطوقه على رأيي ، فإن فيه : فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب البيع ، رضي الله عنه يحمل ذلك على التخاير بعد العقد ، فاقتضى أن التخاير موجب للعقد مطلقا ، والله سبحانه أعلم . والشافعي
( وأما ) قول ابن سريج فوجهه ظاهر ، لأن الشرط التقابض قبل التفرق وقد وجد ، وإلحاق التخاير بالتفرق في كل أحكامه ممنوع . والذي ثبت [ ص: 13 ] من الشرع مساواة التخاير للتفرق في لزوم العقد لا مطلقا ، فمن ادعى ذلك فعليه البيان ، وله أن يتمسك بحديث " المتبايعان بالخيار " ودلالته على وجوب العقد بالتخاير كما تقدم من غير تفصيل بين عقود الربا وغيرها . قالت الحنابلة : اشتراط التقابض قبل اللزوم تحكم بغير دليل ، لم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف ما لم يتفرقا ، فإن الصرف يقع لازما صحيحا قبل القبض ، ثم يشترط القبض في المجلس . ونحن نمنع هذه المسألة على الأصح في مذهبنا ، ومن أثبت القول الذاهب إلى ذلك وأجرى ذاك في عقود الربا والسلم استحال القول بأن التخاير مبطل .
( واعلم ) أن من الأصحاب من يثبت أن ذاك قول - رحمه الله - أعني صحة اشتراط نفي خيار المجلس ، فعلى هذا يتعين تخريج قول موافق الشافعي لابن سريج في مسألتنا هنا ولا سبيل إلى أن يقال : إن ذلك لا يجري في عقود الربا ، والله سبحانه أعلم . وحينئذ أقول في توجيه ما اختاره أكثر الأصحاب : إن الدليل على اشتراط التقابض قوله صلى الله عليه وسلم { } وهذا اللفظ إما أن يكون ظاهرا في أنه يعطي بيد ويأخذ بأخرى ، وإما أن يكون محتملا له ، لكنا خرجنا عن ذلك . لقول يدا بيد رضي الله عنه عمر بن الخطاب لما صرف من لمالك بن أوس " لا تفارقه حتى تأخذ منه " فجعلنا ذلك منوطا بالتفرق وليس اعتبار التفرق لذاته ، بل لمعنى يمكن إحالة الحكم عليه ، وهو أن العقد قبل التفرق كأنه لم يوجد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم " { طلحة } " رواه كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار البخاري كلاهما بهذا اللفظ . اقتضى الحديث تنزيل العقد الذي لم يلزم بالتفرق أو التخاير منزلة العدم ، وأنه بعد التفرق أو الخيار ليس كذلك فإذا وجد القبض قبل انقضاء الخيار وجد في وقت كأنه لم تتكامل حقيقة العقد فيه فأشبه القبض الواقع وقت العقد ، بأن يعطي بيد ويأخذ بأخرى ، فكان أقرب إلى قوله صلى الله عليه وسلم " يدا بيد " بخلاف ما إذا وجد ذلك بعد اللزوم . ومسلم
وأما اعتبار التفرق من حيث هو ، فلا معنى له ولم يرد في الشرع ما يدل عليه ، ولا أن التقابض قبله مطلقا كاف ، ويتأيد ذلك بأن الأصل عندنا في بيع الربويات التحريم ، إلا ما قام الدليل على إباحته كما سننبه عليه إن [ ص: 14 ] شاء الله تعالى ، فإذا تعارض ما يقتضي إلحاق التخاير بالتفرق ، وما يقتضي عدمه ، تعين الرجوع إلى الأصل ، فكيف ولم يحصل تعارض ؟ فإن الشارع لم ينص على أنه متى حصل التقابض قبل التفرق صح العقد ، ولا على جعل التفرق من حيث هو مظنة بل شرط أن يكون يدا بيد ، والعقد بالتخاير موجود حقيقة وحكما ، وتقدم صحة العقد على شرطه ممتنع . وأما ما قبل التخاير فالصحة المحكوم بها كلا صحة لما قدمناه فكذلك اكتفي بالقبض فيها ، وأيضا فالتفرق اعتبر للدلالة على تكامل الرضا ، والتخاير المصرح بذلك أولى . " فإن قلت " التخاير قبل التقابض إما أن يكون صحيحا أو باطلا ، فإن كان صحيحا وجب أن يترتب عليه مقتضاه وهو اللزوم كما قال ابن سريج ، وإن كان باطلا وجب أن يلغو ويبقى الخيار بحاله كما قال الماوردي ، فالحكم بكونه مبطلا للعقد بعيد ( قلت ) بطلان العقد لم ينشأ عن التخاير ، بل عن عدم التقابض ، والتخاير مبين لنا غاية الوقت الذي اشترط فيه التقابض كالتفرق ، فالتخاير قاطع للمجلس حقيقة ، لوجود حقيقة الرضا الكامل ، وإن تخلف لزوم العقد عنه ، والله تعالى أعلم .
( التفريع ) إذا قلنا بقول ابن سريج فتقابضا بعد ذلك قبل التفرق ، فقد تم العقد لأنه لزم بالتخاير ، وإن تفرقا قبل أن يتقابضا انفسخ العقد وهل يأثمان بذلك ؟ جزم الإمام والغزالي والرافعي - رحمهم الله تعالى - والنووي - رحمه الله تعالى - في هذا المجموع في باب الخيار أنه باللزوم يتعين عليهما التقابض ، وأنهما إن تفرقا قبل التقابض انفسخ العقد بعد اللزوم ولا يعصيان إن كان تفرقهما عن تراض وإن فارق أحدهما انفسخ العقد وعصى بانفراده بما يضمر فسخ العقد واسقاط المستحق عليه ، وما جزموا به من كونهما لا يعصيان إذا تفرقا عن تراض ينافي ما قاله ابن الصباغ والمتولي ، ونقله النووي عن الأصحاب فيما تقدم أن يأثمان به ، وإن كان الخيار باقيا ، وأنه يكون جاريا مجرى بيع الربوي نسيئة ، وكذلك جزم به القاضي التفرق قبل التقابض في عقود الربا ، وفي كلام أبو الطيب الطبري - رحمه الله تعالى - ما يشير إلى ذلك ، فإنه قال في الإملاء إذا تفرق المتبايعان قبل أن يتقابضا صار ربا ، وانفسخ فيه البيع ، وقال في كتاب الصرف من [ ص: 15 ] الأم : إذا صرف الرجل شيئا لم يكن له أن يفارق من صرف منه ، حتى يقبض منه ، ولا يوكل به غيره إلا أن ينفسخ البيع ثم يوكل هذا بأن يصارفه وقال الشافعي النووي - رحمه الله تعالى - فيما تقدم : قال أصحابنا : فلو تعذر عليهما التقابض في المجلس وأرادا أن يتفرقا لزمهما أن يتفاسخا العقد قبل التفرق لئلا يأثما فإذا كان هذا في زمان الخيار فبعده أولى بلا شك ويتجه أن يخرج من كل من الكلامين إلى الآخر وللنظر في كل منهما مجال يتجه أن يقال إن ذلك حرام مطلقا لأن الشارع نهى عن هذا العقد إلا يدا بيد وحكم على كل عقد من هذه العقود بأنه ربا إلا : ها وها فمتى لم يحصل هذا الشرط حصل المنهي عنه وحصل الربا والربا حرام وهذا الذي يقتضيه ظاهر إطلاق الأصحاب لفظ الحرمة على هذه الأمور في عقود الربا كقولهم : حرم النساء والتفرق قبل التقابض وليس تفرقهما كتفاسخهما فإنهما بالتفاسخ رفعا العقد فلا يلزمهما شروطه وإذا لم يرفعاه وتفرقا فقد خالفا بالتفرق وجعلاه عقد ربا ، والبطلان حكم من الشرع عليهما ويحتمل أن يقال : إنه ليس المراد هاهنا بالحرمة إلا أن هذه الأشياء شروط في الصحة .
قال السمرقندي - رحمه الله - من الحنفية في كتاب المطلوب في الخلاف : إن المعني بصحة العقد وفساده هنا وقوعه مقتضيا ثبوت أحكام مخصوصة دون الحرمة المطلقة ، فإنهما إذا تبايعا وافترقا من غير قبض لا يأثمان ولكن يمتنع ثبوت هذه الأحكام عند - رحمه الله - وعندنا لا يمتنع يعني في بيع الطعام بالطعام فأفهم كلامه أن الإمامين غير قائلين بالحرمة المطلقة ، والأول أرجح وأقرب إلى أصل الشافعية الذي تقدمت الإشارة إليه ويأتي إن شاء الله تعالى . الشافعي
( أما ) بعد اللزوم على رأي ابن سريج فرضاهما بالفسخ لا أثر له ولم يبق إلا صورة التفرق فيتجه الجزم بالتحريم وإن رضيا به لأنهما رضيا بما يحقق العقد المنهي عنه ، فالقول بالتحريم في زمان الخيار مع عدم التحريم بعد التخاير مما لا يجتمعان .
( فإن قلت ) القول بعدم التحريم بعد التخاير إنما ذكروه تفريعا على رأي [ ص: 16 ] ابن سريج فجاز أن يكون ابن سريج مخالفا في ذلك الأصل فلا يلزم أن يجتمع كلامه مع كلام الأصحاب ( قلت ) القائلون بذلك تفريعا على رأي ابن سريج لم ينقلوا التفريع المذكور عنه وإنما فرعوه كسائر التفاريع المذهبية فلذلك حسن الإيراد عليهم ، وأيضا فقد قلنا فيما تقدم أنه يتعين تخريج قول مثل قول ابن سريج ، وإذا ثبتنا قولا بصحة العقد والشرط فيما إذا تبايعا على أن لا خيار لهما . للشافعي
( فإن قلت ) إنهما في زمان الخيار متمكنان من الفسخ فلهما طريق في رفع العقد قبل التفرق فلا يباح لهما التفرق ، وأما بعد اللزوم فلا طريق لهما إلا التفرق ( قلت ) بعد اللزوم لا طريق لهما إلى رفع العقد ، وارتفاعه إنما يحصل بغير اختيارهما كتلف المعقود عليه فإذا تفرقا فقد فعلا ما ليس لهما فعله وإن كان يرتفع العقد به والله سبحانه أعلم .
( وأما ) جزمهم بأنه إذا فارق أحدهما يعصي لقطعه ما هو مستحق عليه ، فعلى قاعدتهم وقولهم أنهما إذا تفرقا راضيين لا يعصيان فيه نظر فإنه لا يمتنع على الإنسان أن يتصرف في نفسه أو خاص ملكه تصرفا ينقطع به حق غيره إذا كان التصرف في نفسه مباحا ألا ترى أن المكاتب يعجز نفسه فينقطع به حق السيد عنه ، والزوج يطلق قبل الدخول فينقطع به حق المرأة في نفس الصداق عنه ، وإنما يمتنع إذا كان ذلك مقصودا للشرع فحينئذ يمتنع كل منهما أن يفارقه لاستلزامه تفويت التقابض المستحق بالعقد شرعا تحرزا عن الربا . والله أعلم . هذا كله إذا فرعنا على قول ابن سريج ، وإن فرعناه على ما اختاره الماوردي فالخيار باق بحاله فإن تقابضا بعد ذلك قبل الافتراق صح العقد واستقر وكانا بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخيرا ، كذلك صرح الماوردي والله أعلم . وعلى ما اختاره أكثر الأصحاب لا إشكال في التفريع ، فإن التخاير ملحق بالتفرق من جميع وجوهه ، ومقتضى ذلك أن يأثما به كما يأثمان بالتفرق ، والتخاير المبطل أن يكون منهما معا لأنه الذي ينقطع به خيارهما كالتفرق ، أما إذا أجاز أحدهما فليس ذلك في معنى التفرق ، حتى يبطل به ، فإن مجلس العقد باق فإن أجاز الآخر بعد ذلك قبل التقابض لا إثم كما تقدم وفي الحكم بإثم السابق بالإجازة من غير مواطأة نظر وهذا الذي [ ص: 17 ] قلته من التفريع على قول أكثر الأصحاب تفقه لم أر شيئا منه منقولا . والله أعلم .
( فرع ) ما تقدم من الكلام فيما إذا فارق أحدهما تفريعا على رأي ابن سريج صورته أن يكون بغير إذن صاحبه ، كذلك صرح به في الوسيط ، وعبارته في البسيط : وإن هرب أحدهما وهي أصرح في المقصود ، وعليه يحمل إطلاق الإمام والرافعي ، أما لو فارق أحدهما برضى الآخر ، فإن حكمه ما لو تفرقا ، والله سبحانه أعلم .
( فرع ) جميع ما تقدم من الخلاف في حكم الإجارة في عقود الربا والصرف التي يشترط فيها التقابض وببطلان العقد بذلك أو لزومه ، أو إلغاء الإجارة . وتفاريع ذلك جار بعينه في السلم ، لو أجزت الإجارة قبل قبض رأس المال فيه ذكر القاضي المسألتين وتكلم فيهما . وكذلك حسين الإمام وصاحب التهذيب ، والله تعالى أعلم .
( قلت ) هذا آخر ما وجد من شرح أبي زكريا النووي رحمه الله ، وأقول بعون الله تعالى : وفي المسألة وجه ثالث إن الإجارة لاغية والخيار باق بحاله ، وبه جزم الماوردي ، وقد شذ عن العراقيين بذلك ، فإنهم مطبقون على البطلان . وممن جزم بذلك منهم الشيخ والقاضي أبو حامد ونقله عن الأصحاب أبو الطيب والمحاملي المصنف وأتباعه وأكثرهم لم يحكوا خلاف ابن سريج ولا غيره في ذلك إلا سليما في التقريب فإنه حكاه وقال : إن المذهب البطلان [ ص: 11 ] ورأيته بخطه في تعليقة ، وقال : إنه حكاه في آخر الرهن . وأما أبي حامد المراوزة فالفوراني في العمدة وافق العراقيين وجزم بالبطلان . وأكثرهم يحكي وجهين مع اختلاف معنييهما . فالقاضي حكى وجه البطلان ووجه اللزوم في موضعين من كتابه بتلخيص كل منهما مراده كما ذكرناه . وتبعه صاحب التتمة وصاحب التهذيب . وعين أن المخالف هو الحسين ابن سريج . وإمام الحرمين حكى عن نقل شيخه وصاحب التقريب وجه إلغاء الإجارة ووجه اللزوم ولم يذكر وجه البطلان . وتبعه الغزالي في البسيط والوسيط مع زيادة ترجيح اللزوم .
وقد انفرد بترجيح ذلك من بين المصنفين ووافقه عليه من فضلاء المتأخرين زين الدين الحلبي شيخ صاحب الوافي . فانتظم من النقلين في طريقة المراوزة الأوجه الثلاثة المذكورة كما هي أيضا مفرقة في طريقة العراق . وممن ذكرها مجموعة صاحب البحر . وعزا القول بالبطلان إلى جمهور الأصحاب . وأما الرافعي - رحمه الله تعالى - فإنه ذكر الثلاثة مفرقة في موضعين من كتابه على وجه يتوقف في الجمع بينهما . ففي باب الربا قال : والتخاير قبل القبض بمنزلة التفرق يبطل العقد . خلافا لابن سريج ، كما فعل صاحب التهذيب . وفي باب خيار المجلس حكى وجهين ( أحدهما ) إلغاء الإجارة ( والثاني ) لزوم العقد كما فعل إمام الحرمين . ولم يتعرض للتنبيه على أن كلا من الوجهين مخالف لما اقتضى كلامه في باب الربا ترجيحه . فاقتصار الرافعي على هذين الوجهين في هذا المكان يوهم الجزم بصحة العقد والنووي - رحمه الله تعالى - فعل هنا حيث وقف في باب الربا كما فعل الرافعي فيه ، وحكى في باب خيار المجلس فيما تقدم وجهي إلغاء الإجارة ولزوم العقد وقال : إن أصحهما اللزوم . قال : وفيه وجه ثالث أنه يبطل العقد فجمع الأوجه الثلاثة . لكن بعبارة توهم أن البطلان مرجوح . وهو قال هنا : إنه المذهب ( وأما ) قوله : أصحهما اللزوم فيمكن الاعتذار عنه بأنه الأصح من الوجهين ولا يلزم أنه الأصح مطلقا فلا منافاة بينه وبين أن يكون الثالث أصح منه .
( واعلم ) أن الرافعي وكذلك الشارح في هذا الفصل نقل [ ص: 12 ] عن ابن سريج أنه لا يبطل العقد . ولم يبين هل مراده بعد ذلك أنه يلزم العقد ؟ أم تلغو الإجارة ؟ وأن عدم بطلان العقد صادق على كلا الوجهين . لكن سليم في التقريب وصاحب العدة بينا ذلك صريحا فقالا : وعن أبي العباس فيه وجه أن العقد يلزم بذلك ولا يبطل ، وكذلك يقتضيه كلام صاحب التهذيب وكلام سليم وصاحب العدة أصرح ، وقول سليم وصاحب العدة أن القول بالبطلان هو المذهب قد يؤخذ منه أن ذلك منصوص - رحمه الله - ولم أر هذه المسألة فيما وقفت عليه من نصوص الشافعي وإنما رأيتها في كلام الشيخ الشافعي فمن بعده ، ولأجل إجمال أبي حامد الرافعي ومن وافقه في النقل عن ابن سريج حصل التباس على شيخنا ابن الرفعة في الكفاية ، فجعل قول ابن سريج كقول الماوردي والصواب ما قدمته ( والأصح ) عند الحنابلة كقول ابن سريج ، وعندهم احتمال كمذهبنا ( وأما ) مذهب مالك - رحمهما الله تعالى - فلا تأتي هذه المسألة عندهما ، لأنهما لا يقولان بخيار المجلس . توجيه كل وجه من ذلك أما القول بإلغاء الإجارة فقد استدل له وأبي حنيفة الماوردي بأن اختيار الإمضاء إنما يكون بعد تقصي علقة العقد ، وبقاء القبض يمنع من تقصي علقه فمنع من اختيار إمضائه ، قال في البحر : وهذا حسن وليس كما قال فإن اختيار الإمضاء إما أن يكون يستدعي سبق صحة العقد أو سبق تقصي علقه إن كان الأول فهو حاصل ، وإن كان الثاني فمن جملة العلق القبض في غير الربوي ، ولا تتوقف الإجارة عليه اتفاقا وتخصيص محل النزاع دون غيره تحكم ، ثم إن حديث " البيعان بالخيار " يدل على أن الخيار معناه ما لم يتفرقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر ، فمن ادعى أن الخيار يبقى بعد التخاير كان مخالفا لمفهوم الحديث ، بل ولمنطوقه على رأيي ، فإن فيه : فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب البيع ، رضي الله عنه يحمل ذلك على التخاير بعد العقد ، فاقتضى أن التخاير موجب للعقد مطلقا ، والله سبحانه أعلم . والشافعي
( وأما ) قول ابن سريج فوجهه ظاهر ، لأن الشرط التقابض قبل التفرق وقد وجد ، وإلحاق التخاير بالتفرق في كل أحكامه ممنوع . والذي ثبت [ ص: 13 ] من الشرع مساواة التخاير للتفرق في لزوم العقد لا مطلقا ، فمن ادعى ذلك فعليه البيان ، وله أن يتمسك بحديث " المتبايعان بالخيار " ودلالته على وجوب العقد بالتخاير كما تقدم من غير تفصيل بين عقود الربا وغيرها . قالت الحنابلة : اشتراط التقابض قبل اللزوم تحكم بغير دليل ، لم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف ما لم يتفرقا ، فإن الصرف يقع لازما صحيحا قبل القبض ، ثم يشترط القبض في المجلس . ونحن نمنع هذه المسألة على الأصح في مذهبنا ، ومن أثبت القول الذاهب إلى ذلك وأجرى ذاك في عقود الربا والسلم استحال القول بأن التخاير مبطل .
( واعلم ) أن من الأصحاب من يثبت أن ذاك قول - رحمه الله - أعني صحة اشتراط نفي خيار المجلس ، فعلى هذا يتعين تخريج قول موافق الشافعي لابن سريج في مسألتنا هنا ولا سبيل إلى أن يقال : إن ذلك لا يجري في عقود الربا ، والله سبحانه أعلم . وحينئذ أقول في توجيه ما اختاره أكثر الأصحاب : إن الدليل على اشتراط التقابض قوله صلى الله عليه وسلم { } وهذا اللفظ إما أن يكون ظاهرا في أنه يعطي بيد ويأخذ بأخرى ، وإما أن يكون محتملا له ، لكنا خرجنا عن ذلك . لقول يدا بيد رضي الله عنه عمر بن الخطاب لما صرف من لمالك بن أوس " لا تفارقه حتى تأخذ منه " فجعلنا ذلك منوطا بالتفرق وليس اعتبار التفرق لذاته ، بل لمعنى يمكن إحالة الحكم عليه ، وهو أن العقد قبل التفرق كأنه لم يوجد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم " { طلحة } " رواه كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار البخاري كلاهما بهذا اللفظ . اقتضى الحديث تنزيل العقد الذي لم يلزم بالتفرق أو التخاير منزلة العدم ، وأنه بعد التفرق أو الخيار ليس كذلك فإذا وجد القبض قبل انقضاء الخيار وجد في وقت كأنه لم تتكامل حقيقة العقد فيه فأشبه القبض الواقع وقت العقد ، بأن يعطي بيد ويأخذ بأخرى ، فكان أقرب إلى قوله صلى الله عليه وسلم " يدا بيد " بخلاف ما إذا وجد ذلك بعد اللزوم . ومسلم
وأما اعتبار التفرق من حيث هو ، فلا معنى له ولم يرد في الشرع ما يدل عليه ، ولا أن التقابض قبله مطلقا كاف ، ويتأيد ذلك بأن الأصل عندنا في بيع الربويات التحريم ، إلا ما قام الدليل على إباحته كما سننبه عليه إن [ ص: 14 ] شاء الله تعالى ، فإذا تعارض ما يقتضي إلحاق التخاير بالتفرق ، وما يقتضي عدمه ، تعين الرجوع إلى الأصل ، فكيف ولم يحصل تعارض ؟ فإن الشارع لم ينص على أنه متى حصل التقابض قبل التفرق صح العقد ، ولا على جعل التفرق من حيث هو مظنة بل شرط أن يكون يدا بيد ، والعقد بالتخاير موجود حقيقة وحكما ، وتقدم صحة العقد على شرطه ممتنع . وأما ما قبل التخاير فالصحة المحكوم بها كلا صحة لما قدمناه فكذلك اكتفي بالقبض فيها ، وأيضا فالتفرق اعتبر للدلالة على تكامل الرضا ، والتخاير المصرح بذلك أولى . " فإن قلت " التخاير قبل التقابض إما أن يكون صحيحا أو باطلا ، فإن كان صحيحا وجب أن يترتب عليه مقتضاه وهو اللزوم كما قال ابن سريج ، وإن كان باطلا وجب أن يلغو ويبقى الخيار بحاله كما قال الماوردي ، فالحكم بكونه مبطلا للعقد بعيد ( قلت ) بطلان العقد لم ينشأ عن التخاير ، بل عن عدم التقابض ، والتخاير مبين لنا غاية الوقت الذي اشترط فيه التقابض كالتفرق ، فالتخاير قاطع للمجلس حقيقة ، لوجود حقيقة الرضا الكامل ، وإن تخلف لزوم العقد عنه ، والله تعالى أعلم .
( التفريع ) إذا قلنا بقول ابن سريج فتقابضا بعد ذلك قبل التفرق ، فقد تم العقد لأنه لزم بالتخاير ، وإن تفرقا قبل أن يتقابضا انفسخ العقد وهل يأثمان بذلك ؟ جزم الإمام والغزالي والرافعي - رحمهم الله تعالى - والنووي - رحمه الله تعالى - في هذا المجموع في باب الخيار أنه باللزوم يتعين عليهما التقابض ، وأنهما إن تفرقا قبل التقابض انفسخ العقد بعد اللزوم ولا يعصيان إن كان تفرقهما عن تراض وإن فارق أحدهما انفسخ العقد وعصى بانفراده بما يضمر فسخ العقد واسقاط المستحق عليه ، وما جزموا به من كونهما لا يعصيان إذا تفرقا عن تراض ينافي ما قاله ابن الصباغ والمتولي ، ونقله النووي عن الأصحاب فيما تقدم أن يأثمان به ، وإن كان الخيار باقيا ، وأنه يكون جاريا مجرى بيع الربوي نسيئة ، وكذلك جزم به القاضي التفرق قبل التقابض في عقود الربا ، وفي كلام أبو الطيب الطبري - رحمه الله تعالى - ما يشير إلى ذلك ، فإنه قال في الإملاء إذا تفرق المتبايعان قبل أن يتقابضا صار ربا ، وانفسخ فيه البيع ، وقال في كتاب الصرف من [ ص: 15 ] الأم : إذا صرف الرجل شيئا لم يكن له أن يفارق من صرف منه ، حتى يقبض منه ، ولا يوكل به غيره إلا أن ينفسخ البيع ثم يوكل هذا بأن يصارفه وقال الشافعي النووي - رحمه الله تعالى - فيما تقدم : قال أصحابنا : فلو تعذر عليهما التقابض في المجلس وأرادا أن يتفرقا لزمهما أن يتفاسخا العقد قبل التفرق لئلا يأثما فإذا كان هذا في زمان الخيار فبعده أولى بلا شك ويتجه أن يخرج من كل من الكلامين إلى الآخر وللنظر في كل منهما مجال يتجه أن يقال إن ذلك حرام مطلقا لأن الشارع نهى عن هذا العقد إلا يدا بيد وحكم على كل عقد من هذه العقود بأنه ربا إلا : ها وها فمتى لم يحصل هذا الشرط حصل المنهي عنه وحصل الربا والربا حرام وهذا الذي يقتضيه ظاهر إطلاق الأصحاب لفظ الحرمة على هذه الأمور في عقود الربا كقولهم : حرم النساء والتفرق قبل التقابض وليس تفرقهما كتفاسخهما فإنهما بالتفاسخ رفعا العقد فلا يلزمهما شروطه وإذا لم يرفعاه وتفرقا فقد خالفا بالتفرق وجعلاه عقد ربا ، والبطلان حكم من الشرع عليهما ويحتمل أن يقال : إنه ليس المراد هاهنا بالحرمة إلا أن هذه الأشياء شروط في الصحة .
قال السمرقندي - رحمه الله - من الحنفية في كتاب المطلوب في الخلاف : إن المعني بصحة العقد وفساده هنا وقوعه مقتضيا ثبوت أحكام مخصوصة دون الحرمة المطلقة ، فإنهما إذا تبايعا وافترقا من غير قبض لا يأثمان ولكن يمتنع ثبوت هذه الأحكام عند - رحمه الله - وعندنا لا يمتنع يعني في بيع الطعام بالطعام فأفهم كلامه أن الإمامين غير قائلين بالحرمة المطلقة ، والأول أرجح وأقرب إلى أصل الشافعية الذي تقدمت الإشارة إليه ويأتي إن شاء الله تعالى . الشافعي
( أما ) بعد اللزوم على رأي ابن سريج فرضاهما بالفسخ لا أثر له ولم يبق إلا صورة التفرق فيتجه الجزم بالتحريم وإن رضيا به لأنهما رضيا بما يحقق العقد المنهي عنه ، فالقول بالتحريم في زمان الخيار مع عدم التحريم بعد التخاير مما لا يجتمعان .
( فإن قلت ) القول بعدم التحريم بعد التخاير إنما ذكروه تفريعا على رأي [ ص: 16 ] ابن سريج فجاز أن يكون ابن سريج مخالفا في ذلك الأصل فلا يلزم أن يجتمع كلامه مع كلام الأصحاب ( قلت ) القائلون بذلك تفريعا على رأي ابن سريج لم ينقلوا التفريع المذكور عنه وإنما فرعوه كسائر التفاريع المذهبية فلذلك حسن الإيراد عليهم ، وأيضا فقد قلنا فيما تقدم أنه يتعين تخريج قول مثل قول ابن سريج ، وإذا ثبتنا قولا بصحة العقد والشرط فيما إذا تبايعا على أن لا خيار لهما . للشافعي
( فإن قلت ) إنهما في زمان الخيار متمكنان من الفسخ فلهما طريق في رفع العقد قبل التفرق فلا يباح لهما التفرق ، وأما بعد اللزوم فلا طريق لهما إلا التفرق ( قلت ) بعد اللزوم لا طريق لهما إلى رفع العقد ، وارتفاعه إنما يحصل بغير اختيارهما كتلف المعقود عليه فإذا تفرقا فقد فعلا ما ليس لهما فعله وإن كان يرتفع العقد به والله سبحانه أعلم .
( وأما ) جزمهم بأنه إذا فارق أحدهما يعصي لقطعه ما هو مستحق عليه ، فعلى قاعدتهم وقولهم أنهما إذا تفرقا راضيين لا يعصيان فيه نظر فإنه لا يمتنع على الإنسان أن يتصرف في نفسه أو خاص ملكه تصرفا ينقطع به حق غيره إذا كان التصرف في نفسه مباحا ألا ترى أن المكاتب يعجز نفسه فينقطع به حق السيد عنه ، والزوج يطلق قبل الدخول فينقطع به حق المرأة في نفس الصداق عنه ، وإنما يمتنع إذا كان ذلك مقصودا للشرع فحينئذ يمتنع كل منهما أن يفارقه لاستلزامه تفويت التقابض المستحق بالعقد شرعا تحرزا عن الربا . والله أعلم . هذا كله إذا فرعنا على قول ابن سريج ، وإن فرعناه على ما اختاره الماوردي فالخيار باق بحاله فإن تقابضا بعد ذلك قبل الافتراق صح العقد واستقر وكانا بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخيرا ، كذلك صرح الماوردي والله أعلم . وعلى ما اختاره أكثر الأصحاب لا إشكال في التفريع ، فإن التخاير ملحق بالتفرق من جميع وجوهه ، ومقتضى ذلك أن يأثما به كما يأثمان بالتفرق ، والتخاير المبطل أن يكون منهما معا لأنه الذي ينقطع به خيارهما كالتفرق ، أما إذا أجاز أحدهما فليس ذلك في معنى التفرق ، حتى يبطل به ، فإن مجلس العقد باق فإن أجاز الآخر بعد ذلك قبل التقابض لا إثم كما تقدم وفي الحكم بإثم السابق بالإجازة من غير مواطأة نظر وهذا الذي [ ص: 17 ] قلته من التفريع على قول أكثر الأصحاب تفقه لم أر شيئا منه منقولا . والله أعلم .
( فرع ) ما تقدم من الكلام فيما إذا فارق أحدهما تفريعا على رأي ابن سريج صورته أن يكون بغير إذن صاحبه ، كذلك صرح به في الوسيط ، وعبارته في البسيط : وإن هرب أحدهما وهي أصرح في المقصود ، وعليه يحمل إطلاق الإمام والرافعي ، أما لو فارق أحدهما برضى الآخر ، فإن حكمه ما لو تفرقا ، والله سبحانه أعلم .
( فرع ) جميع ما تقدم من الخلاف في حكم الإجارة في عقود الربا والصرف التي يشترط فيها التقابض وببطلان العقد بذلك أو لزومه ، أو إلغاء الإجارة . وتفاريع ذلك جار بعينه في السلم ، لو أجزت الإجارة قبل قبض رأس المال فيه ذكر القاضي المسألتين وتكلم فيهما . وكذلك حسين الإمام وصاحب التهذيب ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) إذا . وفارق مجلسه ذلك ولم يحصل القبض بطل العقد على أصح الوجهين في أنه إذا فارق المجلس يلزم العقد . وقيل لا يلزم إلا باختيار اللزوم وذكر باع مال ولده من نفسه في عقد الصرف أو غيره مما يشترط فيه القبض في المجلس الماوردي أنه قول جمهور أصحابنا . فعلى هذا في الصرف يجوز أن يقبض بعد مفارقة المجلس ما لم يبطل الخيار باختيار اللزوم . قاله صاحب التهذيب وصاحب العدة . ولنا وجه في أصل المسألة أنه لا يثبت في هذا العقد خيار مجلس أصلا . وعلى هذا أيضا يكون المعتبر مجلس العقد . فإذا فارقه بطل . قاله صاحب العدة . والله أعلم .
( فروع ) حيث اشتراطنا التقابض ، فسواء تركه ناسيا أم عامدا في فساد البيع نص عليه - رحمه الله - في الأم ، وسواء علما فساد العقد بتأخر القبض أم جهلا . قاله الشافعي الماوردي ، وسواء كان ذلك اختيارا أو كرها نقله صاحب الاستقصاء عن الإيضاح . ولم أر ذلك في غير الاستقصاء . ولعلك أن تقول قد حكوا خلافا في انقطاع الخيار بالتفرق على وجه الإكراه والصحيح أنه لا ينقطع ، فجعلوا الإكراه هناك عذرا ، فهل كان هاهنا عذرا ؟ وكيف يحكم ببطلان العقد مع بقاء الخيار الدال على بقاء [ ص: 18 ] المجلس ؟ والشرط أن يتقابضا في المجلس لا غير ، وأن يكون ذلك التفرق كلا تفرق .
( فإن قلت ) قد نص - رحمه الله - على أن النسيان في ذلك كالعمد ، وهو يشعر بأن الإكراه كالاختيار ( الشافعي قلت ) النسيان له صورتان : أن ينسى العقد ويفارق المجلس ثم يتذكر . وفي هذا قال إمام الحرمين - رحمه الله - : لا شك أنه ينقطع خياره وأنه لا وجه لتقريب ذلك من الحنث في اليمين ، فإن الحالف جعل اليمين وازعة ، واليمين المنسية لا تزع ، والناسي إذا فارق مجلس العقد في حكم مضيع حق نفسه بالنسيان ، وقصد بهذا الفرق بينه وبين المكره ، فهذه الصورة إذا حمل كلام رضي الله عنه عليها لا ترد على المكره لأن الإكراه تعلق بالتفرق ، والإكراه يسقط اعتبار المكره عليه ، فصار وجود التفرق كعدمه ، والنسيان المذكور لم يتعلق بالتفرق ، بل التفرق مقصود والنسيان متعلق بالعقد فلا جرم رتب على التفرق المقصود اختيار أثره ، وأما الصورة الثانية من النسيان فهي أن يوجد منه التفرق غير قاصد له ، بل على وجه السهو والغفلة ، وإن كان في تسمية هذا نسيانا نظر ، فهذا إذا وقع على هذه الصورة يمكن إلحاقه بالإكراه بل يتعين . وقد قال صاحب الذخائر في الناسي : إن بعض أصحابنا قال : ينقطع خياره بالمفارقة ناسيا ، لأنه لا يعدم سوى القصد ولا تأثير للقصد إذ هو غير شرط . قال وفيه نظر ، فإنه حق ثابت لم يرض بإسقاطه فكيف يسقطه ؟ ويحتمل تخريجه على من أكره على التفرق وترك التخاير ، وكذلك القول في الجاهل ، آل القول في ذلك إلى أن القصد في التفرق هل يشترط أم لا ؟ فمن لم يشترطه اكتفى بصورة التفرق ، ومن اشترطه لم يكتف بذلك ، ولا يرد عليه الجنون لأنه انتقل عنه الخيار إلى غيره فهو كالميت . الشافعي
( قلت ) فإذا تأملت كلام صاحب الذخائر وعليه كلام بعض الأصحاب التي نقلها علمت أن ذلك الكلام إنما يظهر في الصورة الثانية ، وتقوى فيه حينئذ ما قاله صاحب الذخائر . ومتى حمل على الأول لا يستقيم عليه صاحب ذلك الوجه . ومتى ثبت أن التفرق على وجه السهو والغفلة لا يقطع الخيار ، يجب أن لا يبطل العقد بالتفرق على ذلك الوجه قبل التقابض ، والله عز وجل أعلم . [ ص: 19 ] وأما الفرع الثاني الذي قاله الماوردي - رحمه الله تعالى - فظاهر . لأن الجهل بالحكم الشرعي لا يدفع ثبوته . وقول صاحب الذخائر المتقدم فيه نظر إن حمل على الجهل بالحكم يتعين ما قلناه من سقوط الخيار ، وإن حمل على الجهل بأن ذلك العقد سمي تفرقا اتجه أن يبقى خياره . والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فروع ) نص عليها في الأم قال رضي الله عنه : ومن الشافعي فلا بأس به . ولا بأس إذا صرف منه وتقابضا أن يذهبا فيزنا الدراهم . وكذلك لا بأس أن يذهب هو على الانفراد فيزنها . وحمله صاحب البيان على أن يكون أحدهما عرف الوزن وصدقه الآخر وتقابضا على ذلك ، وما حمله عليه فيه بحث سأذكره في باب الصبرة بالصبرة والله أعلم . قال اشترى فضة بخمسة دنانير ونصف فدفع إليه ستة وقال : خمسة ونصف بالذي عندي ونصف وديعة - رحمه الله - : ولا بأس أن يصرف الرجل من الصراف دراهم فإذا قبضها وتفرقا أودعه إياها . الشافعي
( فرع ) قال - رحمه الله تعالى - : لا بأس أن يقبض بعد الصرف ويدفع ما قبضه منه إلى غيره ، أو يأمر الصراف أن يدفع باقيه إلى غيره إذا لم يتفرقا من مقامهما حتى يقبضا جميع ما بينهما ( مثاله ) أن يصرف دينارا بعشرين منه . عشرة ثم عشرة قبل أن يتفرقا . وكذلك قال الشافعي الماوردي - رحمه الله - : لا يلزم دفع جميعه مرة واحدة . والله تعالى أعلم .
( فروع ) حيث اشتراطنا التقابض ، فسواء تركه ناسيا أم عامدا في فساد البيع نص عليه - رحمه الله - في الأم ، وسواء علما فساد العقد بتأخر القبض أم جهلا . قاله الشافعي الماوردي ، وسواء كان ذلك اختيارا أو كرها نقله صاحب الاستقصاء عن الإيضاح . ولم أر ذلك في غير الاستقصاء . ولعلك أن تقول قد حكوا خلافا في انقطاع الخيار بالتفرق على وجه الإكراه والصحيح أنه لا ينقطع ، فجعلوا الإكراه هناك عذرا ، فهل كان هاهنا عذرا ؟ وكيف يحكم ببطلان العقد مع بقاء الخيار الدال على بقاء [ ص: 18 ] المجلس ؟ والشرط أن يتقابضا في المجلس لا غير ، وأن يكون ذلك التفرق كلا تفرق .
( فإن قلت ) قد نص - رحمه الله - على أن النسيان في ذلك كالعمد ، وهو يشعر بأن الإكراه كالاختيار ( الشافعي قلت ) النسيان له صورتان : أن ينسى العقد ويفارق المجلس ثم يتذكر . وفي هذا قال إمام الحرمين - رحمه الله - : لا شك أنه ينقطع خياره وأنه لا وجه لتقريب ذلك من الحنث في اليمين ، فإن الحالف جعل اليمين وازعة ، واليمين المنسية لا تزع ، والناسي إذا فارق مجلس العقد في حكم مضيع حق نفسه بالنسيان ، وقصد بهذا الفرق بينه وبين المكره ، فهذه الصورة إذا حمل كلام رضي الله عنه عليها لا ترد على المكره لأن الإكراه تعلق بالتفرق ، والإكراه يسقط اعتبار المكره عليه ، فصار وجود التفرق كعدمه ، والنسيان المذكور لم يتعلق بالتفرق ، بل التفرق مقصود والنسيان متعلق بالعقد فلا جرم رتب على التفرق المقصود اختيار أثره ، وأما الصورة الثانية من النسيان فهي أن يوجد منه التفرق غير قاصد له ، بل على وجه السهو والغفلة ، وإن كان في تسمية هذا نسيانا نظر ، فهذا إذا وقع على هذه الصورة يمكن إلحاقه بالإكراه بل يتعين . وقد قال صاحب الذخائر في الناسي : إن بعض أصحابنا قال : ينقطع خياره بالمفارقة ناسيا ، لأنه لا يعدم سوى القصد ولا تأثير للقصد إذ هو غير شرط . قال وفيه نظر ، فإنه حق ثابت لم يرض بإسقاطه فكيف يسقطه ؟ ويحتمل تخريجه على من أكره على التفرق وترك التخاير ، وكذلك القول في الجاهل ، آل القول في ذلك إلى أن القصد في التفرق هل يشترط أم لا ؟ فمن لم يشترطه اكتفى بصورة التفرق ، ومن اشترطه لم يكتف بذلك ، ولا يرد عليه الجنون لأنه انتقل عنه الخيار إلى غيره فهو كالميت . الشافعي
( قلت ) فإذا تأملت كلام صاحب الذخائر وعليه كلام بعض الأصحاب التي نقلها علمت أن ذلك الكلام إنما يظهر في الصورة الثانية ، وتقوى فيه حينئذ ما قاله صاحب الذخائر . ومتى حمل على الأول لا يستقيم عليه صاحب ذلك الوجه . ومتى ثبت أن التفرق على وجه السهو والغفلة لا يقطع الخيار ، يجب أن لا يبطل العقد بالتفرق على ذلك الوجه قبل التقابض ، والله عز وجل أعلم . [ ص: 19 ] وأما الفرع الثاني الذي قاله الماوردي - رحمه الله تعالى - فظاهر . لأن الجهل بالحكم الشرعي لا يدفع ثبوته . وقول صاحب الذخائر المتقدم فيه نظر إن حمل على الجهل بالحكم يتعين ما قلناه من سقوط الخيار ، وإن حمل على الجهل بأن ذلك العقد سمي تفرقا اتجه أن يبقى خياره . والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فروع ) نص عليها في الأم قال رضي الله عنه : ومن الشافعي فلا بأس به . ولا بأس إذا صرف منه وتقابضا أن يذهبا فيزنا الدراهم . وكذلك لا بأس أن يذهب هو على الانفراد فيزنها . وحمله صاحب البيان على أن يكون أحدهما عرف الوزن وصدقه الآخر وتقابضا على ذلك ، وما حمله عليه فيه بحث سأذكره في باب الصبرة بالصبرة والله أعلم . قال اشترى فضة بخمسة دنانير ونصف فدفع إليه ستة وقال : خمسة ونصف بالذي عندي ونصف وديعة - رحمه الله - : ولا بأس أن يصرف الرجل من الصراف دراهم فإذا قبضها وتفرقا أودعه إياها . الشافعي
( فرع ) قال - رحمه الله تعالى - : لا بأس أن يقبض بعد الصرف ويدفع ما قبضه منه إلى غيره ، أو يأمر الصراف أن يدفع باقيه إلى غيره إذا لم يتفرقا من مقامهما حتى يقبضا جميع ما بينهما ( مثاله ) أن يصرف دينارا بعشرين منه . عشرة ثم عشرة قبل أن يتفرقا . وكذلك قال الشافعي الماوردي - رحمه الله - : لا يلزم دفع جميعه مرة واحدة . والله تعالى أعلم .
( فرع ) لو . كان القول قول من أنكر القبض . ويكون الصرف باطلا . قاله اختلفا بعد الافتراق فقال أحدهما : تفرقنا عن قبض . وقال الآخر بخلافه الماوردي وقال : ( فإن قيل ) أليس لو اختلفا بعد الافتراق في الإمضاء والفسخ كان القول في أحد الوجهين قول من يدعي الإمضاء ، والبيع لازم ؟ فهل كان اختلافهما في القبض مثله ؟ ( قيل ) الفرق بينهما أن من ادعى الفسخ ينافي بدعواه مقتضى العقد ، لأن مقتضاه اللزوم والصحة إلا أن يتفقا على الفسخ ، فكان الظاهر موافقا [ ص: 20 ] لقول من ادعى الإمضاء ، وليس كذلك من ادعى القبض ، لأن الأصل عدم القبض على أن أصح الوجهين أن القول قول مدعي الفسخ .
( قلت ) قوله : إن أصح الوجهين أن القول قول مدعي الفسخ ، وافقه عليه ، وهو مخالف لما صححه ابن أبي عصرون الرافعي وجماعة أن القول قول المنكر للفسخ لأنه الأصل .
( وأما ) ما جزم به قول منكر القبض ، فقد خالفه فيه ونقل فقال : إن كان ما باع كل واحد منهما في يده فالقول قول من يدعي عدم حصول القبض ، لأن الحال يشهد به ، وإن كان المالان في يد أمين لا يعلم الحال أو في موضع البائع ، فالقول قول من يدعي حصول القبض ، لأن الأصل صحة العقد ووجود ما يقتضيها ، وكذلك لو أقام كل واحد منهما بينة قدمت بينة الصحة لأن معها زيادة علم ، هكذا ذكر في الانتصار . ووقع في النسخة التي وقفت عليها من المرشد في القسم الأول ، أن القول قول من يدعي حصول القبض ، ونقله ابن أبي عصرون ابن الرفعة عنه كذلك فجعل القول قول من يدعي حصول القبض في القسمين ، وذلك محمول على غلط من النسخة سقط منها عدم من النسخة التي رأيتها ، ومن النسخة التي وقعت لابن الرفعة ، وليس في المرشد تعليل يرشد إلى المعنى ، فلذلك وقع الوهم لابن الرفعة ، وهذه من آفة الكتب المختصرة .
( وأما ) الانتصار فوقع الكلام فيه على الصواب وتعليله يرشد إليه على أن ما قاله الماوردي أقوى مما قاله ، لكن ابن أبي عصرون ابن الرفعة بعد أن حكى كلام صاحب المرشد على ما وجده قال : ويعضد ذلك ما حكاه ابن الصباغ في السلم فيما إذا اختلفا في قبض رأس المال قبل التفرق أو بعده أن القول قول من يدعي الصحة ، قال : ولم يحك سواه وطرده فيما إذا كان في يد المسلم . وادعى المسلم إليه أنه أودعه إياه أو غصبه
( قلت ) قوله : إن أصح الوجهين أن القول قول مدعي الفسخ ، وافقه عليه ، وهو مخالف لما صححه ابن أبي عصرون الرافعي وجماعة أن القول قول المنكر للفسخ لأنه الأصل .
( وأما ) ما جزم به قول منكر القبض ، فقد خالفه فيه ونقل فقال : إن كان ما باع كل واحد منهما في يده فالقول قول من يدعي عدم حصول القبض ، لأن الحال يشهد به ، وإن كان المالان في يد أمين لا يعلم الحال أو في موضع البائع ، فالقول قول من يدعي حصول القبض ، لأن الأصل صحة العقد ووجود ما يقتضيها ، وكذلك لو أقام كل واحد منهما بينة قدمت بينة الصحة لأن معها زيادة علم ، هكذا ذكر في الانتصار . ووقع في النسخة التي وقفت عليها من المرشد في القسم الأول ، أن القول قول من يدعي حصول القبض ، ونقله ابن أبي عصرون ابن الرفعة عنه كذلك فجعل القول قول من يدعي حصول القبض في القسمين ، وذلك محمول على غلط من النسخة سقط منها عدم من النسخة التي رأيتها ، ومن النسخة التي وقعت لابن الرفعة ، وليس في المرشد تعليل يرشد إلى المعنى ، فلذلك وقع الوهم لابن الرفعة ، وهذه من آفة الكتب المختصرة .
( وأما ) الانتصار فوقع الكلام فيه على الصواب وتعليله يرشد إليه على أن ما قاله الماوردي أقوى مما قاله ، لكن ابن أبي عصرون ابن الرفعة بعد أن حكى كلام صاحب المرشد على ما وجده قال : ويعضد ذلك ما حكاه ابن الصباغ في السلم فيما إذا اختلفا في قبض رأس المال قبل التفرق أو بعده أن القول قول من يدعي الصحة ، قال : ولم يحك سواه وطرده فيما إذا كان في يد المسلم . وادعى المسلم إليه أنه أودعه إياه أو غصبه
( قاعدة ) الأصل عندنا وعند المالكية في التحريم ، إلا ما قام الدليل على إباحته ، وهذا الأصل مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم " { بيع الربويات بجنسها أو ما يشاركها في علة الربا } " لفظ لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق [ ص: 21 ] بالورق إلا وزنا بوزن ، مثلا بمثل ، سواء بسواء - رحمه الله تعالى - في حديث مسلم . وفي حديث أبي سعيد " { عبادة } " لفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلا سواء بسواء ، عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى أيضا ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمر رضي الله عنه " { مسلم } " الحديث متفق على صحته لفظ الذهب بالورق ربا إلا ها وها " الذهب بالورق ولفظ البخاري : الورق بالذهب ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم " { مسلم } " لفظ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد في حديث مسلم . وجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول صدره بالنهي ثم استثنى منه ، وفي حديث عبادة رضي الله عنه صدره بالحكم على ذلك بالربا ثم استثنى وفي الحديث الآخر وهو بقية حديث عمر علقه على شرط ، والمشروط عدم عند عدم الشرط ، والأصل عدمه ، وهذه قاعدة شريفة نافعة في مسائل من باب الربا ، كمسألة عبادة ، والجهل بالمماثلة وغير ذلك كما سننبه عليه إن شاء الله تعالى . وفي مظان الاشتباه وتعارض المأخذ إذا تساوت يجب الحكم بالتحريم عملا بالأصل ، وقد صرح بيع الحفنة بالحفنتين - رحمه الله تعالى - في الأم بأن الأصل ذلك ويخالفنا في ذلك الحنفية ، لأن الأصل عندهم في ذلك الجواز لاندراجه في جملة البيع ، ويجعلون عقود الربا وسائر ما نهى عنه مخرجا من ذلك الأصل ، ويؤول تحقيق بحثهم إلى أن عقد الربا اشتمل على وصف مفسد فهو كسائر البيوع التي اقترن بها ما يفسدها ، وممن صرح بنقل هذين الأصلين عند المذهبين من أصحابنا الخلافيين الشافعي الشريف المراغي وأبو المظفر بن السمعاني ومحمد بن يحيى وغيرهم ، قالوا : واللفظ المراعى : الأصل عندنا في الأموال الربوية التحريم ، والجواز ثبت على خلافه رخصة مقيدة بشروط ، وعندهم الأصل الجواز ، والتحريم ثبت على خلافه عند المفاضلة . ونقل المالكي عن ابن العربي أبي المطهر خطيب أصفهان قال : قال لنا [ ص: 22 ] المنذري : الأصل في الأموال الربوية حظر البيع حتى يتجه تحقيق التماثل ، وعند - رحمه الله - الأصل إباحة البيع حتى يمنعه حقيقة التفاضل ، وما قلناه أصح ، وممن صرح بهذا الأصل من المالكية أبي حنيفة وابنه في كلامه ، وقد رأيت ما هو منسوب إلى الحنفية في كتبهم ، وتحقيقه عندهم ما قدمته ، وهذه القاعدة يظهر نفعها في مواضع سأنبه عليها إن شاء الله تعالى ، وتقدم التنبيه على بعضها . ( فإن قلت ) كيف تستقيم دعوى هذه القاعدة ؟ وقد اشتهر عن الطرطوشي - رحمه الله تعالى - في كلامه في معنى قوله تعالى { الشافعي وأحل الله البيع } وأن أظهر معانيها عنده أنها عامة تتناول كل بيع وتقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه الدليل وقد تقدم في هذا المجموع ذكر أقوال - رحمه الله تعالى - في ذلك ، وأن هذا القول أصحها عنده وعند أصحابه ، وعقد الربا فرد من أفراد البيوع ، فيكون الأصل فيه الجواز كما تقوله الحنفية ، وما خرج منها بالتخصيص كان على خلاف الأصل . الشافعي
( قلت ) مسلم أن الآية شملت دلالتها كل بيع ، وأخرج منها عقود الربا بقوله صلى الله عليه وسلم " لا تبيعوا الذهب بالذهب " الحديث ونظائره ، وبقوله تعالى ( { وحرم الربا } ) إن صح الاستدلال منه لما سننبه عليه إن شاء الله تعالى ، فصار هذا أصلا ثابتا أخص من الأول ، لأن هذا خاص بالربويات ، ثم استثنى من هذا الأصل أحوال وهو ما إذا حصل المساواة والحلول والتقابض في الجنس الواحد . والحلول والتقابض خاصة في الجنسين . - رحمه الله - نظر إلى الأصل الأول . وهو إباحة البيوع وجعل صورة المفاضلة في الربويات مخرجة منه . فأبو حنيفة - رحمه الله - نظر إلى الأصل الثاني القريب وهو التحريم في الربويات كلها ثم جعل حالة التماثل مخرجة منه . والحنفية ينازعون في تقرير هذا الأصل الثاني ويقولون : إن قوله صلى الله عليه وسلم : " { والشافعي } " وما أشبهه من هذه الصيغ في معنى . وقد صرح لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء - رحمه الله - في الأم بأن أصل البيوع كلها مباح إلا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وما في معناه ، كل ذلك واحد ، ثم تارة يجعلون المقصود فساد البيع عند عدم المماثلة التي هي واجبة ، قال [ ص: 23 ] هؤلاء : لأن الكلام المفيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى وكلهم يحومون على جعل المعنى كلاما واحدا ، ولذلك يبنون كلامهم في باب الربا على حديث الشافعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { أبي سعيد الخدري } " رواه الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى رحمه الله تعالى ، فلم يأت في هذا اللفظ صيغة نهي واستثناء ، فكان المعنى الحكم بإيجاب المماثلة ، قالوا : ولا يتصور الحكم بدون محله ، ومحله المماثلة ، وهو القابل لها ، فعرفنا أن المحل الذي لا يقبل المماثلة في الكيل إجماعا . والجواب عن هذا أن كلا من خبر مسلم وخبر أبي سعيد ورد بلفظ الإثبات فقط ، وورد بلفظ النهي والاستثناء ، وألفاظهما بذلك كلها في الصحيح ولا تنافي بينهما ، واللفظ الذي فيه نفي وإثبات فيه زيادة ، على ما فيه إثبات فقط ، فيجب العمل بمقتضاه ، ودعواهم أن النهي والاستثناء في معنى كلام واحد ، وهو النهي عما وراء المستثنى فقط ، وإيجاب المستثنى فقط ممنوع ولا دليل عليهما ، وفيهما تعطيل لبعض مدلول الكلام ، فهذه قاعدة مهمة ينبغي الاعتناء بها فمن أتقنها وأتقن تحقيق العلة في الربويات ، وهل الجنس وصف في العلة أو شرط فيها أو محل لها ؟ وحقق النظر في الأجناس ، فقد أحاط علما بجميع أصول هذا الباب ، ولولا خوف الإطالة لأمعنت الكلام في هذه القاعدة أكثر من هذا ، ولكني أرجو أن يكون فيما ذكرته كفاية ، وسوف أعود إليها عند الكلام في اعتبار التساوي في الكيل في أول الفصل السادس من كلام عبادة المصنف إن شاء الله تعالى ، وسأنبه على الأمرين الآخرين اللذين أشرت إليهما إن شاء الله تعالى في محلهما ، والله تعالى أعلم .
( فائدة ) تقدم أن الأصح عند رحمه الله تعالى - أن البيع على عمومه إلا ما خصه الدليل وهو مذهب أكثر الفقهاء . الشافعي أقوال أخر تقدم نقلها في المجموع . وفي المسألة قول آخر لبعض الفقهاء لم تتقدم حكايته ، فأحببت أن أنبه عليه . وهو أن البيع في الآية من قبيل العموم الذي لا خصوص فيه ولا يدخله الخصوص لأنه لا بيع إلا وهو حلال . [ ص: 24 ] وهؤلاء يمنعون تسمية شيء من البياعات الفاسدة بيعا ، ويقولون : إن نفي الحكم عن الاسم يمنع من وقوع الاسم عليه إلا مجازا . حكى ذلك القاضي وللشافعي عبد الوهاب المالكي . فعلى هذا لا يبقى للحنفية فيه دليل على ما يدعونه . والله سبحانه وتعالى أعلم .
( قلت ) مسلم أن الآية شملت دلالتها كل بيع ، وأخرج منها عقود الربا بقوله صلى الله عليه وسلم " لا تبيعوا الذهب بالذهب " الحديث ونظائره ، وبقوله تعالى ( { وحرم الربا } ) إن صح الاستدلال منه لما سننبه عليه إن شاء الله تعالى ، فصار هذا أصلا ثابتا أخص من الأول ، لأن هذا خاص بالربويات ، ثم استثنى من هذا الأصل أحوال وهو ما إذا حصل المساواة والحلول والتقابض في الجنس الواحد . والحلول والتقابض خاصة في الجنسين . - رحمه الله - نظر إلى الأصل الأول . وهو إباحة البيوع وجعل صورة المفاضلة في الربويات مخرجة منه . فأبو حنيفة - رحمه الله - نظر إلى الأصل الثاني القريب وهو التحريم في الربويات كلها ثم جعل حالة التماثل مخرجة منه . والحنفية ينازعون في تقرير هذا الأصل الثاني ويقولون : إن قوله صلى الله عليه وسلم : " { والشافعي } " وما أشبهه من هذه الصيغ في معنى . وقد صرح لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء - رحمه الله - في الأم بأن أصل البيوع كلها مباح إلا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وما في معناه ، كل ذلك واحد ، ثم تارة يجعلون المقصود فساد البيع عند عدم المماثلة التي هي واجبة ، قال [ ص: 23 ] هؤلاء : لأن الكلام المفيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى وكلهم يحومون على جعل المعنى كلاما واحدا ، ولذلك يبنون كلامهم في باب الربا على حديث الشافعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { أبي سعيد الخدري } " رواه الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى رحمه الله تعالى ، فلم يأت في هذا اللفظ صيغة نهي واستثناء ، فكان المعنى الحكم بإيجاب المماثلة ، قالوا : ولا يتصور الحكم بدون محله ، ومحله المماثلة ، وهو القابل لها ، فعرفنا أن المحل الذي لا يقبل المماثلة في الكيل إجماعا . والجواب عن هذا أن كلا من خبر مسلم وخبر أبي سعيد ورد بلفظ الإثبات فقط ، وورد بلفظ النهي والاستثناء ، وألفاظهما بذلك كلها في الصحيح ولا تنافي بينهما ، واللفظ الذي فيه نفي وإثبات فيه زيادة ، على ما فيه إثبات فقط ، فيجب العمل بمقتضاه ، ودعواهم أن النهي والاستثناء في معنى كلام واحد ، وهو النهي عما وراء المستثنى فقط ، وإيجاب المستثنى فقط ممنوع ولا دليل عليهما ، وفيهما تعطيل لبعض مدلول الكلام ، فهذه قاعدة مهمة ينبغي الاعتناء بها فمن أتقنها وأتقن تحقيق العلة في الربويات ، وهل الجنس وصف في العلة أو شرط فيها أو محل لها ؟ وحقق النظر في الأجناس ، فقد أحاط علما بجميع أصول هذا الباب ، ولولا خوف الإطالة لأمعنت الكلام في هذه القاعدة أكثر من هذا ، ولكني أرجو أن يكون فيما ذكرته كفاية ، وسوف أعود إليها عند الكلام في اعتبار التساوي في الكيل في أول الفصل السادس من كلام عبادة المصنف إن شاء الله تعالى ، وسأنبه على الأمرين الآخرين اللذين أشرت إليهما إن شاء الله تعالى في محلهما ، والله تعالى أعلم .
( فائدة ) تقدم أن الأصح عند رحمه الله تعالى - أن البيع على عمومه إلا ما خصه الدليل وهو مذهب أكثر الفقهاء . الشافعي أقوال أخر تقدم نقلها في المجموع . وفي المسألة قول آخر لبعض الفقهاء لم تتقدم حكايته ، فأحببت أن أنبه عليه . وهو أن البيع في الآية من قبيل العموم الذي لا خصوص فيه ولا يدخله الخصوص لأنه لا بيع إلا وهو حلال . [ ص: 24 ] وهؤلاء يمنعون تسمية شيء من البياعات الفاسدة بيعا ، ويقولون : إن نفي الحكم عن الاسم يمنع من وقوع الاسم عليه إلا مجازا . حكى ذلك القاضي وللشافعي عبد الوهاب المالكي . فعلى هذا لا يبقى للحنفية فيه دليل على ما يدعونه . والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فائدة أخرى ) تقدم في كلامي توقف في الاستدلال بقوله تعالى { وحرم الربا } على تخصيص البيع وذلك لأن الناس اختلفوا في فقال مدلول الربا ابن داود الظاهري : حقيقة هذه اللفظة الزيادة في نفس الشيء خاصة لقوله تعالى { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } والأرض إنما تربو في نفسها لا فيما يقابلها ولا يطلق على الزيادة في المقابل إلا مجازا . ولعله ذهب إلى ذلك حتى يسد باب الاحتجاج على أبيه فقوله تعالى { وحرم الربا } هو أنه يشمل الربا فيهما عدا الأشياء الستة المنصوص عليها وقال ابن سريج إنه وإن وضع للزيادة في نفس الشيء يقابله عرفا ويكون من الأسماء العرفية في الشرع كالصلاة . ومال آخرون إلى انطلاق اللفظ على المعنيين انطلاقا متساويا . ومن الناس من ذهب إلى أن هذه التسمية تطلق على كل بيع محرم . وأضيف هذا المذهب إلى عائشة رضي الله عنها لأجل قولها : " { } " متفق عليه ، أشارت إلى أن بيع الخمر لما كان محرما كان ربا . وأضيف أيضا إلى لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا خرج النبي صلى الله عليه وسلم فحرم التجارة في الخمر رضي الله عنه لقوله : إن من الربا بيع التمر وهي معصفة قبل أن تطيب ، ويحتجون بإطلاق اسم الربا على النسيئة في الذهب بالفضة لكونها محرمة وإن كان التفاضل جائزا حكى هذه الأقوال الأربعة الإمام عمر المالكي . أبو عبد الله المازري
فعلى قول ابن داود لا يكون الربا داخلا في مسمى البيع ألبتة حتى يختص به ، بل يكون واردا على ربا الجاهلية . وهو أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل ، فإذا حل الأجل قال : أتقضي أم تربي ؟ فإن قضاه أخذه وإلا زاده في حقه وزاده الآخر في الأجل . وقد ذهبت طائفة منهم القاضي من أصحابنا إلى حمل الآية على ذلك وأن الألف واللام في الربا للعهد ، وليس هذا موضع تقوية ذلك أو توهينه ، ولكن غرضي أن تخصيص قوله ( { أبو حامد وأحل الله البيع } ) بها لا يسلم [ ص: 25 ] من نزاع بخلاف تخصيصه بالنسيئة . وهكذا فعل رضي الله عنه قال في الأم : أصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا ، إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه . وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى ا هـ ، فجعل المخصص هو السنة فحسب . وممن مال إلى أن المراد بالربا كل بيع فاسد الشافعي أبو بكر بن العربي المالكي . وقال : إن الآيتين يعني قوله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } اقتضيا كتاب البيوع كله على الشمول دون التفصيل ، وفصله النبي صلى الله عليه وسلم في ستة وخمسين حديثا . وقال الروياني : قيل الربا في الشرع اسم لمقابلة عوض بعوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد ، أو تأخر في البدلين أو في أحدهما .
( قلت ) وهذا حسن في تعريفه ، سواء كان حقيقة أم مجازا .
فعلى قول ابن داود لا يكون الربا داخلا في مسمى البيع ألبتة حتى يختص به ، بل يكون واردا على ربا الجاهلية . وهو أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل ، فإذا حل الأجل قال : أتقضي أم تربي ؟ فإن قضاه أخذه وإلا زاده في حقه وزاده الآخر في الأجل . وقد ذهبت طائفة منهم القاضي من أصحابنا إلى حمل الآية على ذلك وأن الألف واللام في الربا للعهد ، وليس هذا موضع تقوية ذلك أو توهينه ، ولكن غرضي أن تخصيص قوله ( { أبو حامد وأحل الله البيع } ) بها لا يسلم [ ص: 25 ] من نزاع بخلاف تخصيصه بالنسيئة . وهكذا فعل رضي الله عنه قال في الأم : أصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا ، إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه . وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى ا هـ ، فجعل المخصص هو السنة فحسب . وممن مال إلى أن المراد بالربا كل بيع فاسد الشافعي أبو بكر بن العربي المالكي . وقال : إن الآيتين يعني قوله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } اقتضيا كتاب البيوع كله على الشمول دون التفصيل ، وفصله النبي صلى الله عليه وسلم في ستة وخمسين حديثا . وقال الروياني : قيل الربا في الشرع اسم لمقابلة عوض بعوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد ، أو تأخر في البدلين أو في أحدهما .
( قلت ) وهذا حسن في تعريفه ، سواء كان حقيقة أم مجازا .
فصل : في مذاهب العلماء في الأحكام التي ذكرها المصنف في هذا الفصل إلى هذا المكان ، اقتضى قول المصنف أنه إذا حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض ، وإذا باع الربوي بجنسه حرم النساء والتفرق فقط ، وأن الشعير والحنطة جنسان ، فهذه خمسة أحكام منها ما هو مجمع عليه ، ومنها ما هو مختلف فيه ، وسأبين ذلك واحدا واحدا إن شاء الله تعالى . باعه بما يشاركه في العلة
( الحكم الأول ) تحريم من أموال الربا إذا بيع بعضه ببعض ، كبيع درهم بدرهمين نقدا أو صاع قمح بصاعين ، أو دينار بدينارين ويسمى التفاضل في الجنس الواحد لفضل أحد العوضين على الآخر ، ربا الفضل ، في مقابلة ربا النسيئة . وإطلاق التفاضل على الفضل من باب المجاز . فإن الفضل في أحد الجانبين دون الآخر ، وقد أطبقت الأمة على تحريم التفاضل إذا اجتمع مع النساء ، وأما إذا انفرد نقدا فإنه كان فيه خلاف قديم صح عن وربا النقد ابن عباس رضي الله عنهما إباحته ، وكذلك عن وابن مسعود رضي الله عنهما مع رجوعه عنه . وروي عن ابن عمر رضي الله عنه [ ص: 26 ] عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وفيه عن وأسامة بن زيد شيء محتمل . معاوية وزيد بن أرقم من الصحابة رضي الله عنهم ( فأما ) التابعون فصح ذلك أيضا عن والبراء بن عازب وفقهاء المكيين . عطاء بن أبي رباح
وروي عن سعيد ثم روي عن وعروة ما يقتضي رجوعه عن ذلك . وكذلك عن ابن عباس ، وانتداب جماعة من العلماء لتبيين رجوع من قال بذلك من الصدر الأول والتشوف إلى دعوى الإجماع على التحريم . وها أنا إن شاء الله تعالى - أبين ما روي من الآثار عن القائلين بذلك . ثم ما روي من رجوع من رجع عنه . ثم أذكر كلام من تشوف لجعل المسألة إجماعية . ثم أبين الحق في ذلك بحول الله تعالى وقوته . فهذه أربعة فصول . القائلون بجوازه ( الأول ) ما روي من الآثار عن القائلين بذلك : روينا عن ابن مسعود أبي صالح الزيات أنه سمع رضي الله عنه يقول : " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم فقلت له : فإن أبا سعيد الخدري لا يقوله . فقال ابن عباس : سألته فقلت : سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله تعالى ؟ فقال : كل ذلك لا أقول ، وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، ولكن أخبرني أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { أسامة بن زيد } " رواه لا ربا إلا في النسيئة البخاري واللفظ ومسلم فيما رويناه عنه . وقد اجتمع في هذا الحديث ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض . وروي عن للبخاري واسمه ابن الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس بفتح التاء ودال ساكنة وراء مضمومة وسين مهملة قال " سمعت أبا أسيد الساعدي يفتي الدينار بالدينارين فقال له وابن عباس أبو أسيد الساعدي وأغلظ له . قال : فقال : ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي مثل هذا يا ابن عباس أبا أسيد . فقال أبو أسيد : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . فقال يقول : الدينار بالدينار ، وصاع حنطة بصاع حنطة ، وصاع شعير بصاع شعير ، وصاع ملح بصاع ملح ، لا فضل بينهما في شيء من ذلك : إنما هذا شيء كنت [ ص: 27 ] أقوله برأيي ولم أسمع فيه بشيء " رواه ابن عباس في المستدرك وقال إنه صحيح على شرط الحاكم - رحمه الله - وفي سنده مسلم عتيق بن يعقوب الزبيري . قال : إنه شيخ قرشي من أهل الحاكم المدينة وأبو أسيد بضم الهمزة وروينا في معجم من حديث الطبراني أبي صالح ذكوان أنه سأل عن بيع الذهب والفضة فقال " هو حلال بزيادة أو نقصان ، إذا كان يدا بيد قال ابن عباس أبو صالح : فسألت بما قال أبا سعيد ، وأخبرت ابن عباس بما قال ابن عباس والتقيا وأنا معهما ، فابتدأه أبو سعيد فقال : يا أبو سعيد الخدري ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب والفضة ، تأمرهم أن يشتروه بنقصان أو زيادة يدا بيد ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أنا بأقدمكم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ابن عباس زيد بن أرقم يقولان سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم رواه والبراء بن عازب بإسناد حسن . الطبراني
وروينا في صحيح - رحمه الله - أيضا عن مسلم بالنون والضاد المعجمة قال : " سألت أبي نضرة رضي الله عنهما عن الصرف فقال : أيدا بيد ؟ فقلت : نعم قال : لا بأس به ، فأخبرت ابن عباس فقلت : إني سألت أبا سعيد عن الصرف فقال : أيدا بيد ؟ قلت نعم قال : فلا بأس به . قال : أو قال ذلك ؟ إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه . قال : { ابن عباس } وقد روي القول بذلك عن فوالله لقد جاء بعض فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فأنكره ، فقال كأن هذا ليس من تمر أرضنا . قال : كان في تمر أرضنا أو في تمرنا العام بعض الشيء ، فأخذت هذا وزدت بعض الزيادة ، فقال أضعفت أربيت ، لا تقربن هذا ، إذا رابك من تمرك شيء فبعه ثم اشتر الذي تريد من التمر من جهة جماعة من أصحابه ، منهم ابن عباس أبو الجوزاء وأبو مجلز وعبد الرحمن بن أبي نعيم وزيادتنا ذكر رواياتهم في ذلك إن شاء الله تعالى - في فصل رجوعه عن ذلك . أما وبكر بن عبد الله المزني فروينا عن عبد الله بن عمر المتقدم ذكره قال " سألت أبي نضرة ابن عمر عن الصرف فلم يريا به بأسا ، فإني لقاعد عند وابن عباس فسألته عن الصرف فقال : ما زاد فهو ربا ، فأنكرت ذلك لقولهما ، فقال لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي سعيد الخدري } . قال جاءه صاحب نخلة بصاع [ ص: 28 ] من تمر طيب ، وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللون ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنى لك هذا ؟ قال انطلقت بصاعين فاشتريت بهما هذا الصاع ، فإن سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك أربيت ، إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة ، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا ؟ أم الفضة بالفضة ؟ قال : فأتيت أبو سعيد بعد فنهاني ، ولم آت ابن عمر ، قال : فحدثني ابن عباس : أنه سأل أبو الصهباء رضي الله عنهما عنه ابن عباس بمكة فكرهه رواه بهذا اللفظ ، وهذا لفظ روايتنا فيه ، وفي هذا الحديث ما يدل على أن مسلم رضي الله عنه استعمل القياس في إشارته إلى أن الفضة بالفضة أحق بالربا من التمر بالتمر ، وأن تحريم الربا في الأشياء الستة معلل ، والمراد بالصرف الذي سئل عنه أبا سعيد ابن عمر صرف النقد بجنسه مع عدم رعاية التماثل ، كذلك حمله عليه جماعة من العلماء ، وجعلوا وابن عباس ممن خالف ثم رجع وسياق الرواية يرشد إلى ذلك ، وإن كان يحتمل أن يحمل على الصرف الجائز ، ويكون نهيه بعد ذلك تبيينا لمراده بالإطلاق أولا لا رجوعا ، لكن السياق وفهم ابن عمر عنه يأباه والله تعالى أعلم . ( وأما ) أبي نضرة فروى الإمام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في كتاب أحكام الشافعي علي عن وابن مسعود عن أبي معاوية عن الأعمش إبراهيم التيمي عن أبيه عن قال : " لا بأس بالدرهم بالدرهمين " وهذا إسناد صحيح نقلته من نسخة معتبرة من الأم ، قال فيها عبد الله : أخبرنا الشافعي ولا مانع من ذلك فإنه عاصره وروى أبو معاوية ذلك في كتاب المعرفة فقال : عن البيهقي فيما بلغه عن الشافعي . وقد روى أيضا من طريق أبي معاوية عن سعيد بن منصور بهذا الإسناد ، فأيا ما كان فهو صحيح عن أبي معاوية ، ولفظ ابن مسعود في رواية ابن مسعود " لا ربا فيما كان يدا بيد " ورواه سعيد بن منصور في كتابيه السنن والآثار ، ومعرفة السنن مع روايته للفظ المتقدم بلفظ آخر ليس بصريح ، سأذكره إن شاء الله - تعالى - في فصل الرجوع عن ذلك ولا حاجة إلى ذكره هنا للاستغناء بما هو أصرح منه ، والله أعلم . البيهقي
[ ص: 29 ] وأما فلم يحقق ذلك عنه ، فإنه روي عنه شيء محتمل لذلك ولغيره ، وجرت له في ذلك قصة مع معاوية رضي الله عنهما مشهورة ، وروي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ولعلها جرت معهما مرتين . أما قصة أبي الدرداء فروى أبي الدرداء في الموطأ عن مالك عن زيد بن أسلم " أن عطاء بن يسار باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال له معاوية بن أبي سفيان : { أبو الدرداء } ، فقال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل : ما أرى بهذا بأسا ، فقال معاوية : من يعذرني من أبو الدرداء ؟ أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت بها ، ثم قدم معاوية على أبو الدرداء رضي الله عنهما فذكر ذلك له ، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمر بن الخطاب أن لا يبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن " . هذا لفظ الموطأ ورواه معاوية إلى آخر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بمثل من طريق النسائي ، والسقاية الإناء يسقى به ، والسقاية موضع السقي . قاله في المحكم . مالك
وروى مسلم وأبو داود والترمذي قصة وابن ماجه مع عبادة عن معاوية أبي الأشعث ، واللفظ ، وهذا لفظ روايتنا في صحيحه قال : " غزونا غزاة وعلى الناس لمسلم فغنمنا غنائم كثيرة ، فكان فيما غنمنا آنية من فضة ، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس ، فتصارع الناس في ذلك ، فبلغ معاوية فقام فقال : { عبادة بن الصامت } ، فرد للناس ما أخذوا ، فبلغ ذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى فقام خطيبا فقال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ، قد كنا نشهده ونصحبه ، فلم نسمعها منه ، فقام معاوية رضي الله عنه فأعاد القصة وقال : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره عبادة بن الصامت ، أو قال : وإن رغم ، ما أبالي ألا أصحبه في جنده ليلة سوداء وفي رواية معاوية أبي داود في هذا الحديث بأسانيد صحيحة { والنسائي } وفيه عندهما { الذهب بالذهب تبرها وعينها وزنا بوزن والفضة بالفضة تبرها وعينها } ولفظ فمن زاد أو ازداد فقد أربى وفي آخره عندهما [ ص: 30 ] ولا بأس ببيع البر بالشعير ، والشعير أكثرهما يدا بيد ، وأما النسيئة فلا { ابن ماجه } . وهذا المنقول عن وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا معناه أنه كان لا يرى الربا في معاوية ولا بالمصوغ وكان يخير في ذلك التفاضل ، ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر بالتبر ، وفي المصوغ بالمصوغ ، وفي العين بالعين ، كذلك نقل عن بيع العين بالتبر ، فليس موافقا ابن عبد البر مطلقا ، وإن كان الذي ذهب إليه من الشذوذ الذي لا يعول عليه ، وسيأتي الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى . ابن عباس
( وأما ) فلا أعلم عنه في ذلك شيئا إلا روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { أسامة } " ولا يكفي ذلك في نسبة هذا القول إليه فإنه لا يلزم من الرواية القول بمقتضى ظاهرها لجواز أن يكون معناها عنده على خلاف ذلك أو يكون عنده معارض راجح ، وإنما ذكرته لأن جماعة من أصحابنا وغيرهم إنما الربا في النسيئة كالماوردي من الشافعية وأبي محمد المقدسي صاحب المغني من الحنابلة ، نقلوه عنه وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم ووافقهم الشيخ وعبد الله بن الزبير أبو حامد الإسفراييني على هذا النقل فيما عدا البراء ، ووافقهم في الخطابي ، فإن كان عندهم مسند غير ذلك فالله أعلم . ( أما أسامة البراء ) فكذلك لا أعلم النقل عنهما صريحا في ذلك إلا ما روينا عن وزيد بن أرقم أبي المنهال سيار بن سلامة " باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل ، فقلت : ما أرى هذا يصلح ، فقال لقد بعتها في السوق فما عاب علي ذلك أحد فأتيت فسألته فقال : { البراء بن عازب المدينة وتجارتنا هكذا ، فقال : ما كان يدا بيد فلا بأس وما كان نسيئا فلا خير فيه } وأت قدم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أعظم تجارة مني . فأتيته فذكرت ذلك له فقال : صدق زيد بن أرقم " إسناده صحيح ولكن له علة ، وقيل : إنه منسوخ ، وسأبسط الكلام عليه إن شاء الله تعالى في ذكر دليل البراء ومن وافقه والجواب عنه . ( وأما ابن عباس ) فلم أقف على إسناده إليه بذلك . وإنما [ ص: 31 ] الشيخ عبد الله بن الزبير أبو حامد والماوردي وأبو محمد المقدسي الحنبلي حكوه عنه والله أعلم . فهذا ما بلغني عن الصحابة رضي الله عنهم ممن نسب إليه القول بذلك . وأما التابعون فقال - رحمه الله - في كتاب اختلاف الحديث " كان الشافعي لا يرى في دينار بدينارين ولا في درهم بدرهمين يدا بيد بأسا ويراه في النسيئة " وكذلك عامة أصحابه وكان يروي مثل قول ابن عباس عن ابن عباس سعيد رأيا منهما إلا أنه يحفظ عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وعروة بن الزبير - رحمه الله - : وهذا قول المكيين . هذا كلام الشافعي بحروفه وجاء عن الشافعي قال " سألت جرير بن حازم عن الصرف فقال : يا بني إن وجدت مائة درهم نقدا فخذه " وقال عطاء بن أبي رباح : إن أهل ابن عبد البر مكة كانوا عليه قديما وحديثا ، يجرون التفاضل في ذلك إذا كان يدا بيد ، أخذوا ذلك عن رحمه الله . ابن عباس
( الفصل : الثاني ) فيما نقل من رجوع من قال بذلك من الصدر الأول ( أما ) فقد اختلف في رجوعه ، ذكرنا من قال إنه رجع عنه . قد تقدم قول ابن عباس الثابت في صحيح أبي الصهباء أنه سأله عنه فكرهه ، وتقدم أيضا مناظرة مسلم أبي سعيد وأبي أسيد له في قوله بإباحته . وعن حيان بالحاء المهملة والياء ابن عبيد الله بالتصغير العدوي قال : " سألت أبا مجلز عن الصرف فقال : كان لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا يعني يدا بيد . وكان يقول : إنما الربا في النسيئة ، فلقيه ابن عباس فقال له : يا أبو سعيد الخدري ألا تتقي الله ؟ إلى متى تؤكل الناس الربا ؟ أما بلغك { ابن عباس : إني لأشتهي تمر عجوة فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فجاءت بدل صاعين صاعا من تمر عجوة فقامت فقدمته إلى رسول الله فلما رآه أعجبه فتناول تمرة ثم أمسك فقال : من أين لكم هذا ؟ فقالت أم سلمة بعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فأتى بدل صاعين هذا الصاع الواحد . وها هو كل فألقى التمر بين يديه وقال : ردوه لا حاجة لي فيه التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة . [ ص: 32 ] والشعير بالشعير ، والذهب بالذهب ، والفضة بالفضة يدا بيد عينا بعين ، مثلا بمثل ، فمن زاد فهو ربا ، أم سلمة } ثم قال : كذلك ما يكال أو يوزن أيضا فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو عند زوجته : جزاك الله يا ابن عباس الجنة فإنك ذكرتني أمرا كنت نسيته أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه بعد ذلك أشد النهي " رواه أبا سعيد في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وفي حكمه عليه بالصحة نظر ، فإن الحاكم حيان بن عبيد الله المذكور قال ابن عدي : عامة ما يرويه إفرادات يتفرد فيها وذكر ابن عدي في ترجمته حديثه في الصرف هذا بسياقه ، ثم قال : وهذا الحديث من حديث أبي مجلز عن تفرد به ابن عباس حيان ، قال البيهقي وحيان تكلموا فيه . واعلم أن هذا الحديث ينبغي الاعتناء بأمره وتبين صحته من سقمه لأمر غير ما نحن فيه ، وهو قوله وكذلك ما يكال ويوزن ، وقد تكلم فيه بنوعين من الكلام ( أحدهما ) تضعيف الحديث جملة وإليه أشار ، وممن ذهب إلى ذلك البيهقي أعله بشيء أنبه عليه لئلا يغتر به وهو أنه أعله بثلاثة أشياء ( أحدها ) أنه منقطع من ابن حزم لا من أبي سعيد ( والثاني ) لذكره أن ابن عباس رجع واعتقاد ابن عباس أن ذلك باطل ، لمخالفة ابن حزم ( والثالث ) أن سعيد بن جبير حيان بن عبيد الله مجهول . فأما قوله : إنه منقطع فغير مقبول ، لأن أبا مجلز أدرك وسمع منه وأدرك ابن عباس ، ومتى ثبت ذلك لا تسمع دعوى عدم السماع إلا بثبت ، وأما مخالفة أبا سعيد فسنتكلم عليها في هذا الفصل إن شاء الله تعالى . وأما قوله : إن سعيد بن جبير حيان بن عبيد الله مجهول ، فإن أراد مجهول العين فليس بصحيح بل هو رجل مشهور ، روى عنه غير واحد ، روى عنه حديث الصرف هذامحمد بن عبادة ، ومن جهته أخرجه الحاكم ، وذكره ، ابن حزم وإبراهيم بن الحجاج الشامي ومن جهته رواه ابن عدي ويونس بن محمد ومن جهته رواه وهو البيهقي حيان بن عبيد الله بن حيان بن بشر بن عدي . بصري سمع أبا مجلز ولاحق ابن حميد والضحاك ، وعن أبيه . وروي عن عطاء وابن بريدة ، روى عنه موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم وأبو داود ، عقد له وعبيد الله بن موسى البخاري وابن أبي حاتم ترجمة فذكر كل [ ص: 33 ] منهما بعض ما ذكرته وله ترجمة في كتاب ابن عدي أيضا كما أشرت إليه فزال عنه جهالة العين . وإن أراد جهالة الحال ، فهو قد رواه من طريق ، فقال في إسناده : أخبرنا إسحاق بن راهويه قال " حدثنا روح حيان بن عبيد الله وكان رجل صدق " فإن كانت هذه الشهادة له بالصدق من روح بن عبادة محدث نشأ في الحديث عارف به مصنف فيه متفق على الاحتجاج به ، بصري بلدي للمشهود له ، فتقبل شهادته له ، وإن كان هذا القول من فروح ، فناهيك به ومن يثني عليه إسحاق بن راهويه إسحاق . وقد ذكر ابن أبي حاتم حيان بن عبيد الله هذا ، وذكر جماعة من المشاهير ممن روى عنه وممن روى عنهم . وقال : إنه سأل أباه عنه فقال : صدوق .
( الحكم الأول ) تحريم من أموال الربا إذا بيع بعضه ببعض ، كبيع درهم بدرهمين نقدا أو صاع قمح بصاعين ، أو دينار بدينارين ويسمى التفاضل في الجنس الواحد لفضل أحد العوضين على الآخر ، ربا الفضل ، في مقابلة ربا النسيئة . وإطلاق التفاضل على الفضل من باب المجاز . فإن الفضل في أحد الجانبين دون الآخر ، وقد أطبقت الأمة على تحريم التفاضل إذا اجتمع مع النساء ، وأما إذا انفرد نقدا فإنه كان فيه خلاف قديم صح عن وربا النقد ابن عباس رضي الله عنهما إباحته ، وكذلك عن وابن مسعود رضي الله عنهما مع رجوعه عنه . وروي عن ابن عمر رضي الله عنه [ ص: 26 ] عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وفيه عن وأسامة بن زيد شيء محتمل . معاوية وزيد بن أرقم من الصحابة رضي الله عنهم ( فأما ) التابعون فصح ذلك أيضا عن والبراء بن عازب وفقهاء المكيين . عطاء بن أبي رباح
وروي عن سعيد ثم روي عن وعروة ما يقتضي رجوعه عن ذلك . وكذلك عن ابن عباس ، وانتداب جماعة من العلماء لتبيين رجوع من قال بذلك من الصدر الأول والتشوف إلى دعوى الإجماع على التحريم . وها أنا إن شاء الله تعالى - أبين ما روي من الآثار عن القائلين بذلك . ثم ما روي من رجوع من رجع عنه . ثم أذكر كلام من تشوف لجعل المسألة إجماعية . ثم أبين الحق في ذلك بحول الله تعالى وقوته . فهذه أربعة فصول . القائلون بجوازه ( الأول ) ما روي من الآثار عن القائلين بذلك : روينا عن ابن مسعود أبي صالح الزيات أنه سمع رضي الله عنه يقول : " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم فقلت له : فإن أبا سعيد الخدري لا يقوله . فقال ابن عباس : سألته فقلت : سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله تعالى ؟ فقال : كل ذلك لا أقول ، وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، ولكن أخبرني أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { أسامة بن زيد } " رواه لا ربا إلا في النسيئة البخاري واللفظ ومسلم فيما رويناه عنه . وقد اجتمع في هذا الحديث ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض . وروي عن للبخاري واسمه ابن الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس بفتح التاء ودال ساكنة وراء مضمومة وسين مهملة قال " سمعت أبا أسيد الساعدي يفتي الدينار بالدينارين فقال له وابن عباس أبو أسيد الساعدي وأغلظ له . قال : فقال : ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي مثل هذا يا ابن عباس أبا أسيد . فقال أبو أسيد : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . فقال يقول : الدينار بالدينار ، وصاع حنطة بصاع حنطة ، وصاع شعير بصاع شعير ، وصاع ملح بصاع ملح ، لا فضل بينهما في شيء من ذلك : إنما هذا شيء كنت [ ص: 27 ] أقوله برأيي ولم أسمع فيه بشيء " رواه ابن عباس في المستدرك وقال إنه صحيح على شرط الحاكم - رحمه الله - وفي سنده مسلم عتيق بن يعقوب الزبيري . قال : إنه شيخ قرشي من أهل الحاكم المدينة وأبو أسيد بضم الهمزة وروينا في معجم من حديث الطبراني أبي صالح ذكوان أنه سأل عن بيع الذهب والفضة فقال " هو حلال بزيادة أو نقصان ، إذا كان يدا بيد قال ابن عباس أبو صالح : فسألت بما قال أبا سعيد ، وأخبرت ابن عباس بما قال ابن عباس والتقيا وأنا معهما ، فابتدأه أبو سعيد فقال : يا أبو سعيد الخدري ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب والفضة ، تأمرهم أن يشتروه بنقصان أو زيادة يدا بيد ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أنا بأقدمكم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ابن عباس زيد بن أرقم يقولان سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم رواه والبراء بن عازب بإسناد حسن . الطبراني
وروينا في صحيح - رحمه الله - أيضا عن مسلم بالنون والضاد المعجمة قال : " سألت أبي نضرة رضي الله عنهما عن الصرف فقال : أيدا بيد ؟ فقلت : نعم قال : لا بأس به ، فأخبرت ابن عباس فقلت : إني سألت أبا سعيد عن الصرف فقال : أيدا بيد ؟ قلت نعم قال : فلا بأس به . قال : أو قال ذلك ؟ إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه . قال : { ابن عباس } وقد روي القول بذلك عن فوالله لقد جاء بعض فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فأنكره ، فقال كأن هذا ليس من تمر أرضنا . قال : كان في تمر أرضنا أو في تمرنا العام بعض الشيء ، فأخذت هذا وزدت بعض الزيادة ، فقال أضعفت أربيت ، لا تقربن هذا ، إذا رابك من تمرك شيء فبعه ثم اشتر الذي تريد من التمر من جهة جماعة من أصحابه ، منهم ابن عباس أبو الجوزاء وأبو مجلز وعبد الرحمن بن أبي نعيم وزيادتنا ذكر رواياتهم في ذلك إن شاء الله تعالى - في فصل رجوعه عن ذلك . أما وبكر بن عبد الله المزني فروينا عن عبد الله بن عمر المتقدم ذكره قال " سألت أبي نضرة ابن عمر عن الصرف فلم يريا به بأسا ، فإني لقاعد عند وابن عباس فسألته عن الصرف فقال : ما زاد فهو ربا ، فأنكرت ذلك لقولهما ، فقال لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي سعيد الخدري } . قال جاءه صاحب نخلة بصاع [ ص: 28 ] من تمر طيب ، وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللون ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنى لك هذا ؟ قال انطلقت بصاعين فاشتريت بهما هذا الصاع ، فإن سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك أربيت ، إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة ، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا ؟ أم الفضة بالفضة ؟ قال : فأتيت أبو سعيد بعد فنهاني ، ولم آت ابن عمر ، قال : فحدثني ابن عباس : أنه سأل أبو الصهباء رضي الله عنهما عنه ابن عباس بمكة فكرهه رواه بهذا اللفظ ، وهذا لفظ روايتنا فيه ، وفي هذا الحديث ما يدل على أن مسلم رضي الله عنه استعمل القياس في إشارته إلى أن الفضة بالفضة أحق بالربا من التمر بالتمر ، وأن تحريم الربا في الأشياء الستة معلل ، والمراد بالصرف الذي سئل عنه أبا سعيد ابن عمر صرف النقد بجنسه مع عدم رعاية التماثل ، كذلك حمله عليه جماعة من العلماء ، وجعلوا وابن عباس ممن خالف ثم رجع وسياق الرواية يرشد إلى ذلك ، وإن كان يحتمل أن يحمل على الصرف الجائز ، ويكون نهيه بعد ذلك تبيينا لمراده بالإطلاق أولا لا رجوعا ، لكن السياق وفهم ابن عمر عنه يأباه والله تعالى أعلم . ( وأما ) أبي نضرة فروى الإمام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في كتاب أحكام الشافعي علي عن وابن مسعود عن أبي معاوية عن الأعمش إبراهيم التيمي عن أبيه عن قال : " لا بأس بالدرهم بالدرهمين " وهذا إسناد صحيح نقلته من نسخة معتبرة من الأم ، قال فيها عبد الله : أخبرنا الشافعي ولا مانع من ذلك فإنه عاصره وروى أبو معاوية ذلك في كتاب المعرفة فقال : عن البيهقي فيما بلغه عن الشافعي . وقد روى أيضا من طريق أبي معاوية عن سعيد بن منصور بهذا الإسناد ، فأيا ما كان فهو صحيح عن أبي معاوية ، ولفظ ابن مسعود في رواية ابن مسعود " لا ربا فيما كان يدا بيد " ورواه سعيد بن منصور في كتابيه السنن والآثار ، ومعرفة السنن مع روايته للفظ المتقدم بلفظ آخر ليس بصريح ، سأذكره إن شاء الله - تعالى - في فصل الرجوع عن ذلك ولا حاجة إلى ذكره هنا للاستغناء بما هو أصرح منه ، والله أعلم . البيهقي
[ ص: 29 ] وأما فلم يحقق ذلك عنه ، فإنه روي عنه شيء محتمل لذلك ولغيره ، وجرت له في ذلك قصة مع معاوية رضي الله عنهما مشهورة ، وروي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ولعلها جرت معهما مرتين . أما قصة أبي الدرداء فروى أبي الدرداء في الموطأ عن مالك عن زيد بن أسلم " أن عطاء بن يسار باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال له معاوية بن أبي سفيان : { أبو الدرداء } ، فقال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل : ما أرى بهذا بأسا ، فقال معاوية : من يعذرني من أبو الدرداء ؟ أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت بها ، ثم قدم معاوية على أبو الدرداء رضي الله عنهما فذكر ذلك له ، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمر بن الخطاب أن لا يبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن " . هذا لفظ الموطأ ورواه معاوية إلى آخر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بمثل من طريق النسائي ، والسقاية الإناء يسقى به ، والسقاية موضع السقي . قاله في المحكم . مالك
وروى مسلم وأبو داود والترمذي قصة وابن ماجه مع عبادة عن معاوية أبي الأشعث ، واللفظ ، وهذا لفظ روايتنا في صحيحه قال : " غزونا غزاة وعلى الناس لمسلم فغنمنا غنائم كثيرة ، فكان فيما غنمنا آنية من فضة ، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس ، فتصارع الناس في ذلك ، فبلغ معاوية فقام فقال : { عبادة بن الصامت } ، فرد للناس ما أخذوا ، فبلغ ذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى فقام خطيبا فقال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ، قد كنا نشهده ونصحبه ، فلم نسمعها منه ، فقام معاوية رضي الله عنه فأعاد القصة وقال : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره عبادة بن الصامت ، أو قال : وإن رغم ، ما أبالي ألا أصحبه في جنده ليلة سوداء وفي رواية معاوية أبي داود في هذا الحديث بأسانيد صحيحة { والنسائي } وفيه عندهما { الذهب بالذهب تبرها وعينها وزنا بوزن والفضة بالفضة تبرها وعينها } ولفظ فمن زاد أو ازداد فقد أربى وفي آخره عندهما [ ص: 30 ] ولا بأس ببيع البر بالشعير ، والشعير أكثرهما يدا بيد ، وأما النسيئة فلا { ابن ماجه } . وهذا المنقول عن وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا معناه أنه كان لا يرى الربا في معاوية ولا بالمصوغ وكان يخير في ذلك التفاضل ، ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر بالتبر ، وفي المصوغ بالمصوغ ، وفي العين بالعين ، كذلك نقل عن بيع العين بالتبر ، فليس موافقا ابن عبد البر مطلقا ، وإن كان الذي ذهب إليه من الشذوذ الذي لا يعول عليه ، وسيأتي الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى . ابن عباس
( وأما ) فلا أعلم عنه في ذلك شيئا إلا روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { أسامة } " ولا يكفي ذلك في نسبة هذا القول إليه فإنه لا يلزم من الرواية القول بمقتضى ظاهرها لجواز أن يكون معناها عنده على خلاف ذلك أو يكون عنده معارض راجح ، وإنما ذكرته لأن جماعة من أصحابنا وغيرهم إنما الربا في النسيئة كالماوردي من الشافعية وأبي محمد المقدسي صاحب المغني من الحنابلة ، نقلوه عنه وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم ووافقهم الشيخ وعبد الله بن الزبير أبو حامد الإسفراييني على هذا النقل فيما عدا البراء ، ووافقهم في الخطابي ، فإن كان عندهم مسند غير ذلك فالله أعلم . ( أما أسامة البراء ) فكذلك لا أعلم النقل عنهما صريحا في ذلك إلا ما روينا عن وزيد بن أرقم أبي المنهال سيار بن سلامة " باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل ، فقلت : ما أرى هذا يصلح ، فقال لقد بعتها في السوق فما عاب علي ذلك أحد فأتيت فسألته فقال : { البراء بن عازب المدينة وتجارتنا هكذا ، فقال : ما كان يدا بيد فلا بأس وما كان نسيئا فلا خير فيه } وأت قدم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أعظم تجارة مني . فأتيته فذكرت ذلك له فقال : صدق زيد بن أرقم " إسناده صحيح ولكن له علة ، وقيل : إنه منسوخ ، وسأبسط الكلام عليه إن شاء الله تعالى في ذكر دليل البراء ومن وافقه والجواب عنه . ( وأما ابن عباس ) فلم أقف على إسناده إليه بذلك . وإنما [ ص: 31 ] الشيخ عبد الله بن الزبير أبو حامد والماوردي وأبو محمد المقدسي الحنبلي حكوه عنه والله أعلم . فهذا ما بلغني عن الصحابة رضي الله عنهم ممن نسب إليه القول بذلك . وأما التابعون فقال - رحمه الله - في كتاب اختلاف الحديث " كان الشافعي لا يرى في دينار بدينارين ولا في درهم بدرهمين يدا بيد بأسا ويراه في النسيئة " وكذلك عامة أصحابه وكان يروي مثل قول ابن عباس عن ابن عباس سعيد رأيا منهما إلا أنه يحفظ عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وعروة بن الزبير - رحمه الله - : وهذا قول المكيين . هذا كلام الشافعي بحروفه وجاء عن الشافعي قال " سألت جرير بن حازم عن الصرف فقال : يا بني إن وجدت مائة درهم نقدا فخذه " وقال عطاء بن أبي رباح : إن أهل ابن عبد البر مكة كانوا عليه قديما وحديثا ، يجرون التفاضل في ذلك إذا كان يدا بيد ، أخذوا ذلك عن رحمه الله . ابن عباس
( الفصل : الثاني ) فيما نقل من رجوع من قال بذلك من الصدر الأول ( أما ) فقد اختلف في رجوعه ، ذكرنا من قال إنه رجع عنه . قد تقدم قول ابن عباس الثابت في صحيح أبي الصهباء أنه سأله عنه فكرهه ، وتقدم أيضا مناظرة مسلم أبي سعيد وأبي أسيد له في قوله بإباحته . وعن حيان بالحاء المهملة والياء ابن عبيد الله بالتصغير العدوي قال : " سألت أبا مجلز عن الصرف فقال : كان لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا يعني يدا بيد . وكان يقول : إنما الربا في النسيئة ، فلقيه ابن عباس فقال له : يا أبو سعيد الخدري ألا تتقي الله ؟ إلى متى تؤكل الناس الربا ؟ أما بلغك { ابن عباس : إني لأشتهي تمر عجوة فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فجاءت بدل صاعين صاعا من تمر عجوة فقامت فقدمته إلى رسول الله فلما رآه أعجبه فتناول تمرة ثم أمسك فقال : من أين لكم هذا ؟ فقالت أم سلمة بعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فأتى بدل صاعين هذا الصاع الواحد . وها هو كل فألقى التمر بين يديه وقال : ردوه لا حاجة لي فيه التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة . [ ص: 32 ] والشعير بالشعير ، والذهب بالذهب ، والفضة بالفضة يدا بيد عينا بعين ، مثلا بمثل ، فمن زاد فهو ربا ، أم سلمة } ثم قال : كذلك ما يكال أو يوزن أيضا فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو عند زوجته : جزاك الله يا ابن عباس الجنة فإنك ذكرتني أمرا كنت نسيته أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه بعد ذلك أشد النهي " رواه أبا سعيد في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وفي حكمه عليه بالصحة نظر ، فإن الحاكم حيان بن عبيد الله المذكور قال ابن عدي : عامة ما يرويه إفرادات يتفرد فيها وذكر ابن عدي في ترجمته حديثه في الصرف هذا بسياقه ، ثم قال : وهذا الحديث من حديث أبي مجلز عن تفرد به ابن عباس حيان ، قال البيهقي وحيان تكلموا فيه . واعلم أن هذا الحديث ينبغي الاعتناء بأمره وتبين صحته من سقمه لأمر غير ما نحن فيه ، وهو قوله وكذلك ما يكال ويوزن ، وقد تكلم فيه بنوعين من الكلام ( أحدهما ) تضعيف الحديث جملة وإليه أشار ، وممن ذهب إلى ذلك البيهقي أعله بشيء أنبه عليه لئلا يغتر به وهو أنه أعله بثلاثة أشياء ( أحدها ) أنه منقطع من ابن حزم لا من أبي سعيد ( والثاني ) لذكره أن ابن عباس رجع واعتقاد ابن عباس أن ذلك باطل ، لمخالفة ابن حزم ( والثالث ) أن سعيد بن جبير حيان بن عبيد الله مجهول . فأما قوله : إنه منقطع فغير مقبول ، لأن أبا مجلز أدرك وسمع منه وأدرك ابن عباس ، ومتى ثبت ذلك لا تسمع دعوى عدم السماع إلا بثبت ، وأما مخالفة أبا سعيد فسنتكلم عليها في هذا الفصل إن شاء الله تعالى . وأما قوله : إن سعيد بن جبير حيان بن عبيد الله مجهول ، فإن أراد مجهول العين فليس بصحيح بل هو رجل مشهور ، روى عنه غير واحد ، روى عنه حديث الصرف هذامحمد بن عبادة ، ومن جهته أخرجه الحاكم ، وذكره ، ابن حزم وإبراهيم بن الحجاج الشامي ومن جهته رواه ابن عدي ويونس بن محمد ومن جهته رواه وهو البيهقي حيان بن عبيد الله بن حيان بن بشر بن عدي . بصري سمع أبا مجلز ولاحق ابن حميد والضحاك ، وعن أبيه . وروي عن عطاء وابن بريدة ، روى عنه موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم وأبو داود ، عقد له وعبيد الله بن موسى البخاري وابن أبي حاتم ترجمة فذكر كل [ ص: 33 ] منهما بعض ما ذكرته وله ترجمة في كتاب ابن عدي أيضا كما أشرت إليه فزال عنه جهالة العين . وإن أراد جهالة الحال ، فهو قد رواه من طريق ، فقال في إسناده : أخبرنا إسحاق بن راهويه قال " حدثنا روح حيان بن عبيد الله وكان رجل صدق " فإن كانت هذه الشهادة له بالصدق من روح بن عبادة محدث نشأ في الحديث عارف به مصنف فيه متفق على الاحتجاج به ، بصري بلدي للمشهود له ، فتقبل شهادته له ، وإن كان هذا القول من فروح ، فناهيك به ومن يثني عليه إسحاق بن راهويه إسحاق . وقد ذكر ابن أبي حاتم حيان بن عبيد الله هذا ، وذكر جماعة من المشاهير ممن روى عنه وممن روى عنهم . وقال : إنه سأل أباه عنه فقال : صدوق .
( النوع الثاني ) من الكلام يتعلق بخصوص قوله : وكذلك ما يكال أو يوزن وإن سلم صحة أصل الحديث ، والأولى أن أؤخر ذلك إلى محله إن شاء الله تعالى ، فإنه قد طال الكلام في ذلك هاهنا . وعن عن سليمان بن علي الربعي أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي قال : " سمعته يأمر بالصرف يعني ويحدث ذلك عنه ، ثم بلغني أنه رجع عن ذلك ، فلقيته ابن عباس بمكة فقلت : إنه بلغني أنك رجعت . قال : نعم إنما كان ذلك رأيا مني " وهذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن الصرف " رويناه في سنن أبو سعيد ومسند الإمام ابن ماجه بإسناد رجاله على شرط الصحيحين إلى أحمد ، سليمان بن علي روى له وسليمان بن علي . وقال مسلم : إنه مجهول لا يدرى من هو ؟ وهو غير مقبول منه لما تبين . وعن ابن حزم أبي الجوزاء قال : " كنت أخدم رضي الله عنهما تسع سنين إذ جاءه رجل فسأله عن درهم بدرهمين ، فصاح ابن عباس وقال : إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا ، فقال ناس حوله : إن كنا لنعمل بفتياك ، فقال ابن عباس : قد كنت أفتي بذلك حتى حدثني ابن عباس أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، فإني أنهاكم عنه رواه وابن عمر في السنن الكبير بإسناد فيه البيهقي أبو المبارك وهو مجهول . وروينا عن عبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وإسكان العين أن لقي أبا سعيد الخدري فشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " { ابن عباس } " فقال الذهب [ ص: 34 ] بالذهب والفضة بالفضة مثلا بمثل . فمن زاد فقد أربى : ( أتوب إلى الله مما كنت أفتي به ، ثم رجع ) رواه ابن عباس بإسناد صحيح ، الطبراني وعبد الرحمن بن أبي نعم تابعي ثقة متفق عليه ، معروف بالرواية عن أبي سعيد وغيرهما من الصحابة . وابن عمر
وعن أبي الجوزاء قال " سألت عن الصرف عن الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقال : لا أدري ما كان يدا بيد بأسا ، ثم قدمت ابن عباس مكة من العام المقبل وقد نهي عنه رواه الطبراني بإسناد حسن . وعن قال " سمعت أبي الشعثاء يقول : اللهم إني أتوب إليك من الصرف ، إنما هذا من رأيي . وهذا ابن عباس يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو سعيد الخدري ورجاله ثقات مشهورون مصرحون بالتحديث فيه من أولهم إلى آخرهم . وعن الطبراني وهو عطية - بإسكان الواو وبالفاء - قال العوفي أبو سعيد : تب إلى الله تعالى فقال أستغفر الله وأتوب إليه . قال : ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب بالذهب والفضة بالفضة وقال إني أخاف عليكم الربا ؟ قال لابن عباس : قلت فضيل بن مرزوق ما الربا ؟ قال الزيادة والفضل بينهما رواه لعطية بسند صحيح إلى الطبراني عطية من رجال السنن ، قال وعطية ( صالح ) وضعفه غيره ، فالإسناد بسببه ليس بالقوي . وعن يحيى بن معين " أن بكر بن عبد الله المزني جاء من ابن عباس المدينة إلى مكة وجئت معه ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس إنه لا بأس بالصرف ما كان منه يدا بيد إنما الربا في النسيئة . فطارت كلمته في أهل المشرق والمغرب ، حتى إذا انقضى الموسم دخل عليه وقال له : يا أبو سعيد الخدري أكلت الربا وأطعمته ، قال : أوفعلت ؟ قال : نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } . حتى إذا كان العام المقبل جاء الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل تبره وعينه ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى وجئت معه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( يا أيها الناس إني تكلمت عام أول بكلمة من رأيي وإني أستغفر الله تعالى منه وأتوب إليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عباس } ) وأعاد عليهم هذه الأنواع الستة فرواه الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا [ ص: 35 ] بمثل تبره وعينه ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى بسند فيه مجهول ، وإنما ذكرناه متابعة لما تقدم . وهكذا وقع في روايتنا ، فمن زاد واستزاد بالواو لا بأو والله أعلم . وروى الطبراني في كتاب المعاني والآثار بإسناد حسن إلى أبو جابر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال : " قلت أبي سعيد : أرأيت الذي يقول : الدينار بالدينار ؟ وذكر الحديث ثم قال : قال لابن عباس : ونزع عنها أبو سعيد " وروى ابن عباس أيضا عن الطحاوي نصر بن مرزوق بإسناد لا بأس به عن " أن أبي الصهباء نزل عن الصرف " وهذه أصرح من رواية ابن عباس وجمعه لهما . وروى مسلم عن الطحاوي أبي أمية بإسناد حسن إلى عبد الله بن حسين أن رجلا من أهل العراق قال : " إن لعبد الله بن عمر قال وهو علينا أمير : من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها وذكر حديثا إلى أن قال : فقيل ابن عباس ما قال لابن عباس ، قال : فاستغفر ربه وقال : إنما هو رأي مني . وعن ابن عمر أبي هاشم الواسطي واسمه يحيى بن دينار عن زياد قال " كنت مع ابن عباس بالطائف ، فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يوما ذكره في الاستذكار ، وذكر أيضا عن أبي حرة قال " سأل رجل ابن عبد البر عن شيء فقال : لا علم لي به ، فقال الرجل أن يكون فيه برأيك ، فقال : إني أكره أن أقول فيه برأي ثم يبدو إلي غيره فأطلبك فلا أجدك ، إن ابن سيرين قد رأى في الصرف رأيا ثم رجع وذكر أيضا عن ابن عباس [ ص: 36 ] عن ابن سيرين الهذيل - بالذال المعجمة - ابن أخت قال " سألت محمد بن سيرين عن الصرف فرجع عنه ، فقلت : إن الناس يقولون ، فقال : الناس يقولون ما شاءوا فهذا ما بلغني مما يدل على رجوعه عن ذلك ، فإذا تأملت الروايات المذكورة وجدت أصحها إسنادا قول ابن عباس الذي رواه أبي الصهباء أنه سأل مسلم عنه فكرهه ، لكن لفظ الكراهة ليس بصريح فجاز أن يكون كرهه لما وقع فيه من المناظرة الكبيرة شبهة تقتضي التوقف عنه أو التورع ، فإن ثبت عدم رجوع ابن عباس تعين حمل هذا اللفظ على ذلك وإلا فهو ظاهر في الرجوع . وقد روي عن ابن عباس عن طاوس ما يدل على التوقف إلا أني قدمت من رواية ابن عباس عن الطحاوي ما ينفي هذا الاحتمال ويبين أنه نزل عن الصرف صريحا ، وإسناده جيد كما تقدم ، والحديث الذي أخرجه أبي الصهباء في المستدرك صريح ، لكن سنده تقدم الكلام عليه ، ولا يقصر عن رتبة الحسن ، ويكفي في الاستدلال على ذلك أنه لم يعارضه ما هو أقوى منه . وحديث الحاكم الذي قدمته وبينت أنه على شرط ابن ماجه صريح في الرجوع أيضا ، وكذلك رواية مسلم ابن أبي نعم المتقدمة عن بإسناد صحيح ، فهذه عدة روايات صحيحة وحسنة من جهة خلق من أصحاب الطبراني تدل على رجوعه ، وقد روي في رجوعه أيضا غير ذلك وفيما ذكرته غنية إن شاء الله تعالى . ذكر من قال إنه لم يرجع عنه روى ابن عباس أن الإمام ابن حزم قال : حدثنا أحمد هاشم قال : قال أخبرنا عن أبو بشر عن سعيد بن جبير أنه قال " ما كان الربا قط في ها وها وحلف ابن عباس بالله ما رجع عنه حتى مات " وهذا إسناد متفق على صحته ، لكنها شهادة على نفي ، وأصرح ما ذكره سعيد بن جبير عن ابن عبد البر عن ابن عيينة فرات القزاز قال " دخلنا على نعوده فقال له سعيد بن جبير عبد الملك بن مبشر الزراد كان نزل عن الصرف ، فقال ابن عباس سعيد : عهدي به [ ص: 37 ] قبل أن يموت بستة وثلاثين يوما ، وهو يقوله وما رجع عنه " ذكره هكذا بغير إسناد إلى ، قال ابن عيينة : رجع ابن عبد البر أو لم يرجع في السنة كفاية عن قول كل واحد ، ومن خالفها رد إليها قال ابن عباس رضي الله عنه ردوا الجهالات إلى السنة . عمر بن الخطاب
( وأما ) فيدل على رجوعه ما رواه ابن مسعود في كتابيه معرفة السنن والآثار مختصرا ، والسنن الكبير مطولا بإسناد كله ثقات مشهورون عن أبي البيهقي " أن رجلا من عبد الله بن مسعود بني سمح بن فزارة سأله عن رجل تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته ، فطلق امرأته ، لتزوج أمها ؟ قال : لا بأس ، فتزوجها الرجل وكان على بيت المال ، فكان يبيع نفاية بيت المال ، يعطي الكثير ويأخذ القليل ، حتى قدم عبد الله المدينة فسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا يحل لهذا الرجل هذه المرأة ، ولا تصلح الفضة إلا وزنا بوزن ، فلما قدم انطلق إلى الرجل فلم يجده ، ووجد قومه فقال : إن الذي أفتيت به صاحبكم لا يحل ، فقالوا إنها قد نثرت له بطنها قال : وإن كان ، وأتى الصيارفة فقال : يا معشر الصيارفة إن الذي كنت أبايعكم لا يحل " لا تحل " الفضة إلا وزنا بوزن . النفاية بنون مضمومة وفاء وبعد الألف ياء مثناة من تحت ما نفيته من الشيء لرداءته قاله عبد الله وهذه الرواية صريحة في رجوعه وليست صريحة [ ص: 38 ] في موافقة الجوهري لجواز أن يكون ذلك في خصوص النفاية لرداءتها وأن ذلك ليس بصحيح أيضا ، لكن رواية ابن عباس المتقدمة في الفصل الأول صريحة في أبي معاوية ، فانتظم منها ومن هذه قوله أولا ورجوعه ثانيا والحمد لله . وأما بيع الدرهم بالدرهمين فقد تقدم رجوعه في الرواية التي دلت على قوله ، وأن ذلك في صحيح ابن عمر ، واشتهر عنه بعد ذلك من طرق كثيرة قوله بالتحريم ومبالغته في ذلك روايات صحيحة صريحة ، ولم يكن قوله الأول قد اشتهر عنه ولعله لم يستقر رأيه عليه زمانا ، بل رجع عنه قريبا والله تعالى أعلم . وأما مسلم أسامة وزيد بن أرقم والبراء بن عازب فقد تقدم التوقف في صحة ذلك عنهم . وأما وعبد الله بن الزبير فقد تقدم أنه غير قائل بقول معاوية مع شذوذ ما قال به أيضا والظن به لما كتب إليه ابن عباس رضي الله عنه أنه يرجع عن ذلك . وأما التابعون فلم ينقل في رجوعهم شيء فيما علمت والله تعالى أعلم غير أني أقول : إن الظن بكل من سمع من الصحابة ، ومنهم هذه الأحاديث الصريحة الصحيحة في تحريم ربا الفضل ، أن يرجع إليها والله تعالى أعلم . عمر
وعن أبي الجوزاء قال " سألت عن الصرف عن الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقال : لا أدري ما كان يدا بيد بأسا ، ثم قدمت ابن عباس مكة من العام المقبل وقد نهي عنه رواه الطبراني بإسناد حسن . وعن قال " سمعت أبي الشعثاء يقول : اللهم إني أتوب إليك من الصرف ، إنما هذا من رأيي . وهذا ابن عباس يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو سعيد الخدري ورجاله ثقات مشهورون مصرحون بالتحديث فيه من أولهم إلى آخرهم . وعن الطبراني وهو عطية - بإسكان الواو وبالفاء - قال العوفي أبو سعيد : تب إلى الله تعالى فقال أستغفر الله وأتوب إليه . قال : ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب بالذهب والفضة بالفضة وقال إني أخاف عليكم الربا ؟ قال لابن عباس : قلت فضيل بن مرزوق ما الربا ؟ قال الزيادة والفضل بينهما رواه لعطية بسند صحيح إلى الطبراني عطية من رجال السنن ، قال وعطية ( صالح ) وضعفه غيره ، فالإسناد بسببه ليس بالقوي . وعن يحيى بن معين " أن بكر بن عبد الله المزني جاء من ابن عباس المدينة إلى مكة وجئت معه ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس إنه لا بأس بالصرف ما كان منه يدا بيد إنما الربا في النسيئة . فطارت كلمته في أهل المشرق والمغرب ، حتى إذا انقضى الموسم دخل عليه وقال له : يا أبو سعيد الخدري أكلت الربا وأطعمته ، قال : أوفعلت ؟ قال : نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } . حتى إذا كان العام المقبل جاء الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل تبره وعينه ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى وجئت معه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( يا أيها الناس إني تكلمت عام أول بكلمة من رأيي وإني أستغفر الله تعالى منه وأتوب إليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عباس } ) وأعاد عليهم هذه الأنواع الستة فرواه الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا [ ص: 35 ] بمثل تبره وعينه ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى بسند فيه مجهول ، وإنما ذكرناه متابعة لما تقدم . وهكذا وقع في روايتنا ، فمن زاد واستزاد بالواو لا بأو والله أعلم . وروى الطبراني في كتاب المعاني والآثار بإسناد حسن إلى أبو جابر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال : " قلت أبي سعيد : أرأيت الذي يقول : الدينار بالدينار ؟ وذكر الحديث ثم قال : قال لابن عباس : ونزع عنها أبو سعيد " وروى ابن عباس أيضا عن الطحاوي نصر بن مرزوق بإسناد لا بأس به عن " أن أبي الصهباء نزل عن الصرف " وهذه أصرح من رواية ابن عباس وجمعه لهما . وروى مسلم عن الطحاوي أبي أمية بإسناد حسن إلى عبد الله بن حسين أن رجلا من أهل العراق قال : " إن لعبد الله بن عمر قال وهو علينا أمير : من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها وذكر حديثا إلى أن قال : فقيل ابن عباس ما قال لابن عباس ، قال : فاستغفر ربه وقال : إنما هو رأي مني . وعن ابن عمر أبي هاشم الواسطي واسمه يحيى بن دينار عن زياد قال " كنت مع ابن عباس بالطائف ، فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يوما ذكره في الاستذكار ، وذكر أيضا عن أبي حرة قال " سأل رجل ابن عبد البر عن شيء فقال : لا علم لي به ، فقال الرجل أن يكون فيه برأيك ، فقال : إني أكره أن أقول فيه برأي ثم يبدو إلي غيره فأطلبك فلا أجدك ، إن ابن سيرين قد رأى في الصرف رأيا ثم رجع وذكر أيضا عن ابن عباس [ ص: 36 ] عن ابن سيرين الهذيل - بالذال المعجمة - ابن أخت قال " سألت محمد بن سيرين عن الصرف فرجع عنه ، فقلت : إن الناس يقولون ، فقال : الناس يقولون ما شاءوا فهذا ما بلغني مما يدل على رجوعه عن ذلك ، فإذا تأملت الروايات المذكورة وجدت أصحها إسنادا قول ابن عباس الذي رواه أبي الصهباء أنه سأل مسلم عنه فكرهه ، لكن لفظ الكراهة ليس بصريح فجاز أن يكون كرهه لما وقع فيه من المناظرة الكبيرة شبهة تقتضي التوقف عنه أو التورع ، فإن ثبت عدم رجوع ابن عباس تعين حمل هذا اللفظ على ذلك وإلا فهو ظاهر في الرجوع . وقد روي عن ابن عباس عن طاوس ما يدل على التوقف إلا أني قدمت من رواية ابن عباس عن الطحاوي ما ينفي هذا الاحتمال ويبين أنه نزل عن الصرف صريحا ، وإسناده جيد كما تقدم ، والحديث الذي أخرجه أبي الصهباء في المستدرك صريح ، لكن سنده تقدم الكلام عليه ، ولا يقصر عن رتبة الحسن ، ويكفي في الاستدلال على ذلك أنه لم يعارضه ما هو أقوى منه . وحديث الحاكم الذي قدمته وبينت أنه على شرط ابن ماجه صريح في الرجوع أيضا ، وكذلك رواية مسلم ابن أبي نعم المتقدمة عن بإسناد صحيح ، فهذه عدة روايات صحيحة وحسنة من جهة خلق من أصحاب الطبراني تدل على رجوعه ، وقد روي في رجوعه أيضا غير ذلك وفيما ذكرته غنية إن شاء الله تعالى . ذكر من قال إنه لم يرجع عنه روى ابن عباس أن الإمام ابن حزم قال : حدثنا أحمد هاشم قال : قال أخبرنا عن أبو بشر عن سعيد بن جبير أنه قال " ما كان الربا قط في ها وها وحلف ابن عباس بالله ما رجع عنه حتى مات " وهذا إسناد متفق على صحته ، لكنها شهادة على نفي ، وأصرح ما ذكره سعيد بن جبير عن ابن عبد البر عن ابن عيينة فرات القزاز قال " دخلنا على نعوده فقال له سعيد بن جبير عبد الملك بن مبشر الزراد كان نزل عن الصرف ، فقال ابن عباس سعيد : عهدي به [ ص: 37 ] قبل أن يموت بستة وثلاثين يوما ، وهو يقوله وما رجع عنه " ذكره هكذا بغير إسناد إلى ، قال ابن عيينة : رجع ابن عبد البر أو لم يرجع في السنة كفاية عن قول كل واحد ، ومن خالفها رد إليها قال ابن عباس رضي الله عنه ردوا الجهالات إلى السنة . عمر بن الخطاب
( وأما ) فيدل على رجوعه ما رواه ابن مسعود في كتابيه معرفة السنن والآثار مختصرا ، والسنن الكبير مطولا بإسناد كله ثقات مشهورون عن أبي البيهقي " أن رجلا من عبد الله بن مسعود بني سمح بن فزارة سأله عن رجل تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته ، فطلق امرأته ، لتزوج أمها ؟ قال : لا بأس ، فتزوجها الرجل وكان على بيت المال ، فكان يبيع نفاية بيت المال ، يعطي الكثير ويأخذ القليل ، حتى قدم عبد الله المدينة فسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا يحل لهذا الرجل هذه المرأة ، ولا تصلح الفضة إلا وزنا بوزن ، فلما قدم انطلق إلى الرجل فلم يجده ، ووجد قومه فقال : إن الذي أفتيت به صاحبكم لا يحل ، فقالوا إنها قد نثرت له بطنها قال : وإن كان ، وأتى الصيارفة فقال : يا معشر الصيارفة إن الذي كنت أبايعكم لا يحل " لا تحل " الفضة إلا وزنا بوزن . النفاية بنون مضمومة وفاء وبعد الألف ياء مثناة من تحت ما نفيته من الشيء لرداءته قاله عبد الله وهذه الرواية صريحة في رجوعه وليست صريحة [ ص: 38 ] في موافقة الجوهري لجواز أن يكون ذلك في خصوص النفاية لرداءتها وأن ذلك ليس بصحيح أيضا ، لكن رواية ابن عباس المتقدمة في الفصل الأول صريحة في أبي معاوية ، فانتظم منها ومن هذه قوله أولا ورجوعه ثانيا والحمد لله . وأما بيع الدرهم بالدرهمين فقد تقدم رجوعه في الرواية التي دلت على قوله ، وأن ذلك في صحيح ابن عمر ، واشتهر عنه بعد ذلك من طرق كثيرة قوله بالتحريم ومبالغته في ذلك روايات صحيحة صريحة ، ولم يكن قوله الأول قد اشتهر عنه ولعله لم يستقر رأيه عليه زمانا ، بل رجع عنه قريبا والله تعالى أعلم . وأما مسلم أسامة وزيد بن أرقم والبراء بن عازب فقد تقدم التوقف في صحة ذلك عنهم . وأما وعبد الله بن الزبير فقد تقدم أنه غير قائل بقول معاوية مع شذوذ ما قال به أيضا والظن به لما كتب إليه ابن عباس رضي الله عنه أنه يرجع عن ذلك . وأما التابعون فلم ينقل في رجوعهم شيء فيما علمت والله تعالى أعلم غير أني أقول : إن الظن بكل من سمع من الصحابة ، ومنهم هذه الأحاديث الصريحة الصحيحة في تحريم ربا الفضل ، أن يرجع إليها والله تعالى أعلم . عمر
( الفصل الثالث : ) في بيان انقراض الخلاف في ذلك ودعوى الإجماع فيه . قال : أجمع عوام الأمصار ابن المنذر ومن تبعه من أهل مالك بن أنس المدينة ومن وافقه من أهل وسفيان الثوري العراق ، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام ومن وافقه من أهل والليث بن سعد مصر ، وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد بن علي أنه ، وأن من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ . قال : وقد روينا هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة يكثر عددهم من التابعين . لا يجوز بيع ذهب بذهب ولا فضة بفضة ولا بر ببر ولا شعير بشعير ، ولا تمر بتمر ولا ملح بملح متفاضلا يدا بيد ولا نسيئة
[ ص: 39 ] قلت ) وممن قال بذلك من الصحابة أربعة عشر ، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وطلحة ، روى والزبير عنهم الأربعة عشر أنهم قالوا : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، وأربوا الفضل " وروى ذلك مجاهد في مصنفه عن ابن أبي شيبة ابن فضيل عن وهو ليث ابن أبي سليم عن وهؤلاء السبعة من العشرة المشهود لهم بالجنة وممن صح ذلك عنه أيضا غير هؤلاء السبعة مجاهد عبد الله بن عمر ، وروي عن وأبو الدرداء ، وقد تقدم كلام فضالة بن عبيد أبي سعيد وأبي أسيد وقد رويت أحاديث تحريم ربا الفضل من جهة غيرهم من الصحابة ، والظاهر أنهم قائلون بها لعدم قبولها للتأويل والله أعلم . وقال وعبادة الترمذي بعد ذكره حديث : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن أبي سعيد ، وكذلك روي ، عن بعض أصحابه شيء من هذا ، وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله ، والقول الأول أصح ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، وهو قول ابن عباس سفيان الثوري ، وروي عن وابن المبارك أنه قال : ليس في الصرف اختلاف : هذا مختصر كلام ابن المبارك الترمذي . وقال : لا أعلم خلافا بين أئمة الأمصار ابن عبد البر بالحجاز والعراق وسائر الآفاق في أن الدينار لا يجوز بيعه بالدينارين ولا بأكثر منه وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ، ولا بشيء من الزيادة عليه ، إلا ما كان عليه أهل مكة قديما وحديثا من إجازتهم التفاضل على ذلك إذا كان يدا بيد ، أخذوا ذلك عن رحمه الله ، قال ابن عباس : ولم يتابع ابن عبد البر على قوله في تأويله حديث ابن عباس أحد من الصحابة ، ولا من التابعين ، ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين إلا طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه وعن أصحابه وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها وليس أحد بحجة عليها . ونقل أسامة النووي في شرح إجماع المسلمين على ترك العمل بظاهر حديث مسلم قال : وهذا يدل على نسخه ، وقد استدل أسامة على صحة تأويله بحديث ابن عبد البر بإجماع الناس ما عدا أسامة عليه والله تعالى أعلم ابن عباس
[ ص: 39 ] قلت ) وممن قال بذلك من الصحابة أربعة عشر ، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وطلحة ، روى والزبير عنهم الأربعة عشر أنهم قالوا : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، وأربوا الفضل " وروى ذلك مجاهد في مصنفه عن ابن أبي شيبة ابن فضيل عن وهو ليث ابن أبي سليم عن وهؤلاء السبعة من العشرة المشهود لهم بالجنة وممن صح ذلك عنه أيضا غير هؤلاء السبعة مجاهد عبد الله بن عمر ، وروي عن وأبو الدرداء ، وقد تقدم كلام فضالة بن عبيد أبي سعيد وأبي أسيد وقد رويت أحاديث تحريم ربا الفضل من جهة غيرهم من الصحابة ، والظاهر أنهم قائلون بها لعدم قبولها للتأويل والله أعلم . وقال وعبادة الترمذي بعد ذكره حديث : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن أبي سعيد ، وكذلك روي ، عن بعض أصحابه شيء من هذا ، وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله ، والقول الأول أصح ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، وهو قول ابن عباس سفيان الثوري ، وروي عن وابن المبارك أنه قال : ليس في الصرف اختلاف : هذا مختصر كلام ابن المبارك الترمذي . وقال : لا أعلم خلافا بين أئمة الأمصار ابن عبد البر بالحجاز والعراق وسائر الآفاق في أن الدينار لا يجوز بيعه بالدينارين ولا بأكثر منه وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ، ولا بشيء من الزيادة عليه ، إلا ما كان عليه أهل مكة قديما وحديثا من إجازتهم التفاضل على ذلك إذا كان يدا بيد ، أخذوا ذلك عن رحمه الله ، قال ابن عباس : ولم يتابع ابن عبد البر على قوله في تأويله حديث ابن عباس أحد من الصحابة ، ولا من التابعين ، ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين إلا طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه وعن أصحابه وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها وليس أحد بحجة عليها . ونقل أسامة النووي في شرح إجماع المسلمين على ترك العمل بظاهر حديث مسلم قال : وهذا يدل على نسخه ، وقد استدل أسامة على صحة تأويله بحديث ابن عبد البر بإجماع الناس ما عدا أسامة عليه والله تعالى أعلم ابن عباس
[ ص: 40 ] الفصل الرابع : ) في بيان الحق في ذلك ، وأن هذه المسألة من المسائل الإجماعية أولا . اعلم أن في ذلك منحصرة في ثلاثة أوجه إما أن يدعي إجماع العصر الأول من غير سبق خلاف استنادا إلى أن ندرة المخالف لا تضر ، وإما أن يسلم سبق الخلاف المعتد به ويدعي رجوع المخالف ، وصيرورة المسألة إجماعية قبل انقراض ذلك العصر ، وإما أن يقال انعقد إجماع متأخر بعد انقراض الماضين المختلفين . دعوى الإجماع
( أما الأول ) فقد اقتضى كلام بعضهم دعواه ، وزعموا أن الصحابة أنكرت على في ذلك لمخالفته الجماعة ، وقد اختلف علماء الأصول في ابن عباس ، فالجماهير من جميع الطوائف على أنه لا ينعقد الإجماع مع مخالفة الواحد ، لأن المجمعين حينئذ ليسوا كل الأمة ، والعصمة في الإجماع إنما تثبت لكل الأمة لا لبعضهم ، ولأن انعقاد الإجماع مع ندرة المخالف رضي الله عنه خالف الصحابة وحده في قتال مانعي الزكاة وكان الحق معه ورجعوا إليه ، وخالف أبا بكر ابن مسعود في عدة من مسائل الفرائض جميع الصحابة واعتد بخلافهم إلى اليوم . وهذا ظاهر على طريقة من يرى إسناد الإجماع إلى النصوص ، وهي طريقة وابن عباس وكثير من أصحابه ، منهم الشافعي المصنف وأبو حامد الغزالي ومن تبعه وإن كان بين طريقة وطريقة الشافعي الغزالي خلاف يسير ، فإن يرى التمسك بالكتاب بآيات من جملتها قوله تعالى { الشافعي ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين } الآية . ويقال إنه قرأ القرآن ثلاث مرات حتى وجد هذه الآية ، وإنه أول من احتج بها فذكرها للرشيد حين طلب منه حجة من القرآن على الإجماع والغزالي - رحمه الله - يقول : التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم " { لا تجتمع أمتي على خطأ } " ونظائره لكونه من حيث اللفظ أدل على المقصود ، وكذلك القاضي والكلام في ذلك مستوفى في أصول الفقه ، فعلى طريقة هؤلاء متى خالف واحد لم يصدق على الباقين أنهم كل الأمة حقيقة فلا تتناولهم النصوص الشاهدة بالعصمة . أبو بكر الباقلاني
[ ص: 41 ] وأما على طريقة من يرى إسناد الإجماع إلى جهة قضاء العادة باستحالة إجماع الخلق العظيم على الحكم الواحد إلا لدلالة أو أمارة ، وهو الذي عول عليه إمام الحرمين ، فيصعب على هذا المسلك تقرير أن مخالفة الواحد للجم الغفير والخلق العظيم يقدح في إجماعهم ، فإنهم بالنظر إليهم دونه تقضي العادة باستحالة إجماعهم على ما لا دليل عليه ولا أمارة ، فأي فائدة لوفاقه أو خلافه ، وكذلك إذا فرضنا أن مجموع علماء الأمة لا يبلغون مبلغا تقضي العادة باستحالة اجتماعهم على ذلك ينبغي على هذا المسلك أن لا يكون قول كلهم حجة ، ولهذا قال وابن الحاجب إمام الحرمين : إن إجماع المنحطين عن رتبة التواتر ليس بحجة ، بناء على أن مأخذ الإجماع يستند إلى اطراد العادة ، ومع ذلك وافق على أن . والطريقة الصحيحة هي التي عول عليها مخالفة الواحد والاثنين يقدح في الإجماع وأكثر الأصحاب ، وهي التمسك بدليل السمع ، فلذلك خلاف الواحد والاثنين قادح في صحة الإجماع ، وقد اشتهر الخلاف في ذلك عن الشافعي قال : إنه يكون إجماعا يجب على ذلك المخالف الرجوع إليه ، ووافقه ابن جرير الطبري من الحنفية أبو بكر أحمد بن علي الرازي وأبو الحسين الخياط من المعتزلة ، وابن جرير وابن منداد من المالكية ، ثم اختلف النقل . عن فيما زاد عن الاثنين ، ففي شرح اللمع للمصنف ابن جرير أبي إسحاق أنه إذا خالف أكثر من ذلك لا يكون إجماعا وكذلك قال إمام الحرمين إن طرد مذهبه في الواحد والاثنين وسلم أن خلاف الثلاثة معتبر . وتبعه ابن جرير الغزالي في المنخول ونقل سليم بن أيوب الرازي في تقريبه الأصولي أن لا يعتد بمخالفة الاثنين والثلاثة ، وكثير من المصنفين في الأصول كالقاضي ابن جرير عبد الجبار وأبي نصر بن الصباغ في كتاب عدة العالم وغيرهم ترجموا المسألة بمخالفة الواحد والاثنين وسكتوا عن الزائد . وأما الغزالي في المستصفى فلم يعتد بعدد بل ترجم المسألة ، وتبعه على ذلك جماعة من أصحابنا وغيرهم ، تلخيص الخلاف فيه من متفرق كلامهم سبعة مذاهب ( أحدها ) لا ينعقد الإجماع ، وهو قول الأكثرين ( والثاني ) ينعقد وهو قول بإجماع الأكثر مع مخالفة الأقل ابن جرير والخياط والرازي وأومأ إليه على ما نقله أحمد ابن قدامة [ ص: 42 ] قلت ) ورأيت في كتاب جماع العلم من الأم حكاه عمن بحث معه وأمعن في الرد عليه ، وسأذكر شيئا من كلامه قريبا إن شاء الله تعالى . الشافعي
( والثالث ) إن بلغ الأقل عدد التواتر لم يعتد بالإجماع وإلا اعتد به قال الغزالي - رحمه الله - : وهذا فاسد .
( والرابع ) إن سوغت الجماعة الاجتهاد في مذهب المخالف فخلافه معتد به ، كخلاف في مسألة العول ، فإنها محل اجتهاد وإلا فلا ، وكخلاف ابن عباس في مسألة ربا الفضل هذه ، ومسألة المتعة ، ولذلك أنكر الناس الاجتهاد فيهما ، وهذا القول منسوب إلى ابن عباس أبي عبد الله الجرجاني وهو الذي رأيته في كتب الحنفية منسوبا إلى قال : نقل أبي بكر الرازي المرغيناني في شرح الهداية أن شمس الأئمة السرخسي قال : والأصح عندنا ما أشار إليه - رحمه الله تعالى - أن الواحد إذا خالف الجماعة فإن سوغوا له ذلك في الاجتهاد لا يثبت حكم الإجماع بدون قوله ، وإن لم يسوغوا له الاجتهاد وأنكروا عليه قوله فإنه يثبت حكم الإجماع ( والخامس ) أن قول الأكثر حجة لا إجماع ، واختاره أبو بكر الرازي رحمه الله . قال ابن الحاجب الغزالي - رحمه الله - في المستصفى : وهو تحكم لا دليل عليه ، وهو ظاهر ، لأنه إذا لم يكن إجماعا فبماذا يكون حجة ؟ ( والسادس ) أن اتباع الأكثر أولى وإن جاز خلافه ، وضعفه الغزالي وحكى قولا ( سابعا ) بالفرق بين أصول الدين فلا يضر والفروع فيضر ، ولو ثبت الخلاف الذي قدمته عن كلامسليم وغيره عن قائلين أو قائل واحد في وقتين ، صارت الأقوال ( ثمانية ) ولكن أخشى أن يكون أحدها غلطا على المنقول عنه ، أو يكون ذكر ذلك على سبيل التمسك ، ويكون مراده الأكثر كما ذكر غيره ، وبالجملة فيرجح الأكثر على الأقل فيما طريقه الاجتهاد ، ولا معنى له . وكم من مسألة ذهب إليها أو الشافعي أو مالك ولم يوافقه عليها إلا الأقلون ، وكم من قليل على الحق ، وكثير على غيره ( { أبو حنيفة كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } ) قال - رحمه الله - عمن بحث معه قال : لا أنظر إلى قليل من المتقين ، وأنظر إلى الأكثر . الشافعي
قال ( الشافعي قلت ) أفتصف القليل الذين لا ينظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم ؟ قال : لا أستطيع أن أحدثهم ولكن الأكثر [ ص: 43 ] قلت ) العشرة أكثر من تسعة ، قال : هؤلاء متقاربون ( قلت ) فحدهم بما شئت ، قال : ما أقدر على أن أحدهم ( قلنا ) فكأنك أردت أن تجعل هذا القول مطلقا غير محدود ، فإذا وجد من يقول بقول اختلف فيه ، قلت عليه الأكثر وإذا أردت رد قول قلت هؤلاء الأقل ، أفترضى من غيرك مثل هذا الجواب ؟ وطول كثيرا في الكلام معه بما لا يحتمله هذا المكان ، ولا ضرورة تدعو إلى نقله وتمسكهم بالأمر باتباع السواد الأعظم ، وأشباه ذلك كله لا دليل فيه ، وقد بين ذلك في أصول الفقه ويلزم هؤلاء أنه إذا اتفق نصف الأمة وانضاف إليهم واحد من النصف الآخر أن يوجبوا على الباقين اتباعهم ، قال القاضي الشافعي عبد الجبار وهذا معلوم الفساد .
( وأما ) من اعتبر عددا معينا كما حكي عن ، فعلى ما نقل عنه ابن جرير سليم لا أعلم له وجها يعول عليه في أن خلاف الثلاثة لا يقدح ، إن كان يقول : إن خلاف الأربعة بخلافه ، وبالضرورة نسبة الثلاثة من ثلاثة آلاف كنسبة الأربعة من أربعة آلاف . وعلى ما نقله إمام الحرمين وغيره من أن خلاف الثلاثة يقدح وما دونها لا يقدح فلا أعلم له وجها إلا ما روي أن رضي الله عنه خطب بالجابية فقال : " { عمر بن الخطاب } " رواه قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم فقال : أكرموا أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يظهر الكذب ، فيحلف الرجل ولا يستحلف ، ويشهد ولا يستشهد ، فمن سره دخول الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد في كتاب الرسالة من حديث الشافعي ابن سليمان بن يسار عن أبيه عن ، ولم أعرف عمر ابن سليمان هذا ، وهو حديث مشهور في السنن والمسانيد ، رويناه في مسند علي بن حميد من حديث عن ابن الزبير ، ورواه عمر بإسناد صحيح من حديث النسائي عن جابر بن سمرة ، وقال عمر الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وذكره في العلل وذكر فيه اضطرابا لكنه غير قادح وفي مسند الإمام الجليل الدارقطني عبد الله بن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } صحيح إلى إن الشيطان يهم بالواحد ويهم بالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم سعيد ، [ ص: 44 ] وهو من مرسلاته ، وفي معناهما قوله صلى الله عليه وسلم " { } " رواه الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب أبو داود بلفظ الراكب . والنسائي
وروي من طريق قال : حدثني ابن وهب أبو فهر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الأقلون من العلماء الأكثرون } وهذا مرسل باطل بلا شك ولذلك تمسكوا بأن مخالفة الواحد والاثنين شذوذ ، والشذوذ منهي عنه وبإنكار الصحابة على في هذه المسألة أعني ربا الفضل ، وأجاب الأصحاب وغيرهم عن الأول أن المراد به الشاذ أو الخارج عن الإمام بمخالفة الأكثر على وجه يثير الفتنة ، وعن الحديث الثاني بأنه محمول على السفر وفي ذلك ورد ، فإن الحديث عن ابن عباس عن أبيه عن جده عمرو بن شعيب { عمرو بن العاص } " هكذا رواه أن رجلا قدم من سفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صحبك ؟ قال : ما صحبت أحدا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب في مسنده ، وهكذا لفظ ابن وهب أبي داود ، فإن الحديث فيهما بلفظ الراكب لا بلفظ الواحد ، وعن كون ذلك شذوذا بأن الشاذ عبارة عن الخارج من الجماعة بعد الدخول فيها ، وأما الذي لا يدخل أصلا فلا يسمى شاذا وعن الإنكار على والنسائي بأنهم إنما أنكروا ذلك لمخالفته خبر ابن عباس لا للإجماع والله أعلم . وأما من فرق بين عدد التواتر وغيره فهو يناسب طريقة من جعل مأخذ الإجماع حكم العادة باستحالة الخطأ على الجمع العظيم ، وهو بعيد ، وأما من فرق بين أن تسوغ الجماعة الاجتهاد في ذلك الحكم أو لا فضعيف ، لأن قول الجماعة غير المخالف إن لم يكن حجة فلا أثر لتسويغهم وعدمه ، وإن كان حجة فهو محل النزاع فليس إنكارهم عليه بأولى من إنكاره عليهم ، نعم هاهنا أمر يجب التنبه له وهو أن الخلاف المعتد به هو الخلاف في مظان [ ص: 45 ] الاجتهاد ، كالمسائل التي لا نص فيها ، أو فيها نص غير صريح ، وبالجملة ما يكون الخلاف فيه له وجه محتمل . أبي سعيد
( وأما ) هذه المسألة فإن النصوص التي فيها صريحة غير قابلة للتأويل بوجه قريب ولا بعيد ، ولا للنسخ لما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهي مع ذلك كالمتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أعني ما يدل على النهي عن ربا الفضل ، ولا تستبعدون دعوى التواتر فيها ، فمن تتبع الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم حصل له العلم بذلك أو كاد . قال بعد أن ذكر ما رواه من الأحاديث " فثبت " بهذه [ الآثار ] المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب متفاضلا وسأعقد فصلا جامعا أشير فيه إلى أطراف الروايات في ذلك وإذا كان في المسألة نصوص قطعية المتن قطعية الدلالة لم يكن مظان للاجتهاد ، بل الحق فيها واحد قطعا ، غاية الأمر أن المجتهد المخالف لم يطلع عليها ، والتواتر قد يحصل في حق شخص ولا يحصل في حق آخر ، فإذا خالف مجتهد لعدم اطلاعه على مثل هذه النصوص يكون معذورا في مخالفته إلى حيث يطلع على النص ، ولا يحل العمل بقوله ذلك ، ولا يقلد فيه ، وينقض الحكم به ، ولو لم تصل إلى حد التواتر مع صراحة دلالتها كان الحكم كذلك والله أعلم . الطحاوي
( فإن قلت ) ليس القول بذلك خاليا عن وجه ، وغاية الأمر أن الأحاديث المقتضية لتحريم ربا الفضل صحيحة صريحة ، لكن الأحاديث المقتضية لجوازه أيضا كذلك كما سيأتي وقد مضى شيء منه ، والترجيح معنا ، فإن القرآن وقوله تعالى { وذروا ما بقي من الربا } يبين أن الذي نهى عنه ما كان دينا ، وكذلك كانت العرب تعقد في لغتها ، وقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على أن النقد ليس الربا المتعارف عند أهل اللسان بقوله " { } " الحديث فسماه بيعا ، وقد قال تعالى { ولا تبيعوا الذهب بالذهب ذلك بأنهم قالوا إنما [ ص: 46 ] البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } فذم من قال : إنما البيع مثل الربا ، ففي تسمية النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة في الأصناف بيعا دليل على أن الربا في النساء لا في غيره .
( قلت ) أما التعارض فسنبين إن شاء الله تعالى الجواب عنه ، ووجه الجمع بينهما بأوضح شيء يكون ، وكون الآية الكريمة وردت في تحريم نوع من الربا إن سلم اقتصارها عليه لا يدل على نفي غيره ، والتعلق بكون ذلك يسمى بيعا لا ربا تعلق بالألفاظ ، مع تصريح الأحاديث بالنهي والتحريم وإثبات الربا فيه ، ومثل هذه التعلقات الضعيفة يجل ومن وافقه من الأئمة المجتهدين عن التعلق بها ، ولو لم أرها مذكورة ، ولكن ابن عباس أبا الحسن بن المغلس ذكرها عن القائلين بذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( أما الأول ) فقد اقتضى كلام بعضهم دعواه ، وزعموا أن الصحابة أنكرت على في ذلك لمخالفته الجماعة ، وقد اختلف علماء الأصول في ابن عباس ، فالجماهير من جميع الطوائف على أنه لا ينعقد الإجماع مع مخالفة الواحد ، لأن المجمعين حينئذ ليسوا كل الأمة ، والعصمة في الإجماع إنما تثبت لكل الأمة لا لبعضهم ، ولأن انعقاد الإجماع مع ندرة المخالف رضي الله عنه خالف الصحابة وحده في قتال مانعي الزكاة وكان الحق معه ورجعوا إليه ، وخالف أبا بكر ابن مسعود في عدة من مسائل الفرائض جميع الصحابة واعتد بخلافهم إلى اليوم . وهذا ظاهر على طريقة من يرى إسناد الإجماع إلى النصوص ، وهي طريقة وابن عباس وكثير من أصحابه ، منهم الشافعي المصنف وأبو حامد الغزالي ومن تبعه وإن كان بين طريقة وطريقة الشافعي الغزالي خلاف يسير ، فإن يرى التمسك بالكتاب بآيات من جملتها قوله تعالى { الشافعي ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين } الآية . ويقال إنه قرأ القرآن ثلاث مرات حتى وجد هذه الآية ، وإنه أول من احتج بها فذكرها للرشيد حين طلب منه حجة من القرآن على الإجماع والغزالي - رحمه الله - يقول : التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم " { لا تجتمع أمتي على خطأ } " ونظائره لكونه من حيث اللفظ أدل على المقصود ، وكذلك القاضي والكلام في ذلك مستوفى في أصول الفقه ، فعلى طريقة هؤلاء متى خالف واحد لم يصدق على الباقين أنهم كل الأمة حقيقة فلا تتناولهم النصوص الشاهدة بالعصمة . أبو بكر الباقلاني
[ ص: 41 ] وأما على طريقة من يرى إسناد الإجماع إلى جهة قضاء العادة باستحالة إجماع الخلق العظيم على الحكم الواحد إلا لدلالة أو أمارة ، وهو الذي عول عليه إمام الحرمين ، فيصعب على هذا المسلك تقرير أن مخالفة الواحد للجم الغفير والخلق العظيم يقدح في إجماعهم ، فإنهم بالنظر إليهم دونه تقضي العادة باستحالة إجماعهم على ما لا دليل عليه ولا أمارة ، فأي فائدة لوفاقه أو خلافه ، وكذلك إذا فرضنا أن مجموع علماء الأمة لا يبلغون مبلغا تقضي العادة باستحالة اجتماعهم على ذلك ينبغي على هذا المسلك أن لا يكون قول كلهم حجة ، ولهذا قال وابن الحاجب إمام الحرمين : إن إجماع المنحطين عن رتبة التواتر ليس بحجة ، بناء على أن مأخذ الإجماع يستند إلى اطراد العادة ، ومع ذلك وافق على أن . والطريقة الصحيحة هي التي عول عليها مخالفة الواحد والاثنين يقدح في الإجماع وأكثر الأصحاب ، وهي التمسك بدليل السمع ، فلذلك خلاف الواحد والاثنين قادح في صحة الإجماع ، وقد اشتهر الخلاف في ذلك عن الشافعي قال : إنه يكون إجماعا يجب على ذلك المخالف الرجوع إليه ، ووافقه ابن جرير الطبري من الحنفية أبو بكر أحمد بن علي الرازي وأبو الحسين الخياط من المعتزلة ، وابن جرير وابن منداد من المالكية ، ثم اختلف النقل . عن فيما زاد عن الاثنين ، ففي شرح اللمع للمصنف ابن جرير أبي إسحاق أنه إذا خالف أكثر من ذلك لا يكون إجماعا وكذلك قال إمام الحرمين إن طرد مذهبه في الواحد والاثنين وسلم أن خلاف الثلاثة معتبر . وتبعه ابن جرير الغزالي في المنخول ونقل سليم بن أيوب الرازي في تقريبه الأصولي أن لا يعتد بمخالفة الاثنين والثلاثة ، وكثير من المصنفين في الأصول كالقاضي ابن جرير عبد الجبار وأبي نصر بن الصباغ في كتاب عدة العالم وغيرهم ترجموا المسألة بمخالفة الواحد والاثنين وسكتوا عن الزائد . وأما الغزالي في المستصفى فلم يعتد بعدد بل ترجم المسألة ، وتبعه على ذلك جماعة من أصحابنا وغيرهم ، تلخيص الخلاف فيه من متفرق كلامهم سبعة مذاهب ( أحدها ) لا ينعقد الإجماع ، وهو قول الأكثرين ( والثاني ) ينعقد وهو قول بإجماع الأكثر مع مخالفة الأقل ابن جرير والخياط والرازي وأومأ إليه على ما نقله أحمد ابن قدامة [ ص: 42 ] قلت ) ورأيت في كتاب جماع العلم من الأم حكاه عمن بحث معه وأمعن في الرد عليه ، وسأذكر شيئا من كلامه قريبا إن شاء الله تعالى . الشافعي
( والثالث ) إن بلغ الأقل عدد التواتر لم يعتد بالإجماع وإلا اعتد به قال الغزالي - رحمه الله - : وهذا فاسد .
( والرابع ) إن سوغت الجماعة الاجتهاد في مذهب المخالف فخلافه معتد به ، كخلاف في مسألة العول ، فإنها محل اجتهاد وإلا فلا ، وكخلاف ابن عباس في مسألة ربا الفضل هذه ، ومسألة المتعة ، ولذلك أنكر الناس الاجتهاد فيهما ، وهذا القول منسوب إلى ابن عباس أبي عبد الله الجرجاني وهو الذي رأيته في كتب الحنفية منسوبا إلى قال : نقل أبي بكر الرازي المرغيناني في شرح الهداية أن شمس الأئمة السرخسي قال : والأصح عندنا ما أشار إليه - رحمه الله تعالى - أن الواحد إذا خالف الجماعة فإن سوغوا له ذلك في الاجتهاد لا يثبت حكم الإجماع بدون قوله ، وإن لم يسوغوا له الاجتهاد وأنكروا عليه قوله فإنه يثبت حكم الإجماع ( والخامس ) أن قول الأكثر حجة لا إجماع ، واختاره أبو بكر الرازي رحمه الله . قال ابن الحاجب الغزالي - رحمه الله - في المستصفى : وهو تحكم لا دليل عليه ، وهو ظاهر ، لأنه إذا لم يكن إجماعا فبماذا يكون حجة ؟ ( والسادس ) أن اتباع الأكثر أولى وإن جاز خلافه ، وضعفه الغزالي وحكى قولا ( سابعا ) بالفرق بين أصول الدين فلا يضر والفروع فيضر ، ولو ثبت الخلاف الذي قدمته عن كلامسليم وغيره عن قائلين أو قائل واحد في وقتين ، صارت الأقوال ( ثمانية ) ولكن أخشى أن يكون أحدها غلطا على المنقول عنه ، أو يكون ذكر ذلك على سبيل التمسك ، ويكون مراده الأكثر كما ذكر غيره ، وبالجملة فيرجح الأكثر على الأقل فيما طريقه الاجتهاد ، ولا معنى له . وكم من مسألة ذهب إليها أو الشافعي أو مالك ولم يوافقه عليها إلا الأقلون ، وكم من قليل على الحق ، وكثير على غيره ( { أبو حنيفة كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } ) قال - رحمه الله - عمن بحث معه قال : لا أنظر إلى قليل من المتقين ، وأنظر إلى الأكثر . الشافعي
قال ( الشافعي قلت ) أفتصف القليل الذين لا ينظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم ؟ قال : لا أستطيع أن أحدثهم ولكن الأكثر [ ص: 43 ] قلت ) العشرة أكثر من تسعة ، قال : هؤلاء متقاربون ( قلت ) فحدهم بما شئت ، قال : ما أقدر على أن أحدهم ( قلنا ) فكأنك أردت أن تجعل هذا القول مطلقا غير محدود ، فإذا وجد من يقول بقول اختلف فيه ، قلت عليه الأكثر وإذا أردت رد قول قلت هؤلاء الأقل ، أفترضى من غيرك مثل هذا الجواب ؟ وطول كثيرا في الكلام معه بما لا يحتمله هذا المكان ، ولا ضرورة تدعو إلى نقله وتمسكهم بالأمر باتباع السواد الأعظم ، وأشباه ذلك كله لا دليل فيه ، وقد بين ذلك في أصول الفقه ويلزم هؤلاء أنه إذا اتفق نصف الأمة وانضاف إليهم واحد من النصف الآخر أن يوجبوا على الباقين اتباعهم ، قال القاضي الشافعي عبد الجبار وهذا معلوم الفساد .
( وأما ) من اعتبر عددا معينا كما حكي عن ، فعلى ما نقل عنه ابن جرير سليم لا أعلم له وجها يعول عليه في أن خلاف الثلاثة لا يقدح ، إن كان يقول : إن خلاف الأربعة بخلافه ، وبالضرورة نسبة الثلاثة من ثلاثة آلاف كنسبة الأربعة من أربعة آلاف . وعلى ما نقله إمام الحرمين وغيره من أن خلاف الثلاثة يقدح وما دونها لا يقدح فلا أعلم له وجها إلا ما روي أن رضي الله عنه خطب بالجابية فقال : " { عمر بن الخطاب } " رواه قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم فقال : أكرموا أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يظهر الكذب ، فيحلف الرجل ولا يستحلف ، ويشهد ولا يستشهد ، فمن سره دخول الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد في كتاب الرسالة من حديث الشافعي ابن سليمان بن يسار عن أبيه عن ، ولم أعرف عمر ابن سليمان هذا ، وهو حديث مشهور في السنن والمسانيد ، رويناه في مسند علي بن حميد من حديث عن ابن الزبير ، ورواه عمر بإسناد صحيح من حديث النسائي عن جابر بن سمرة ، وقال عمر الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وذكره في العلل وذكر فيه اضطرابا لكنه غير قادح وفي مسند الإمام الجليل الدارقطني عبد الله بن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } صحيح إلى إن الشيطان يهم بالواحد ويهم بالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم سعيد ، [ ص: 44 ] وهو من مرسلاته ، وفي معناهما قوله صلى الله عليه وسلم " { } " رواه الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب أبو داود بلفظ الراكب . والنسائي
وروي من طريق قال : حدثني ابن وهب أبو فهر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الأقلون من العلماء الأكثرون } وهذا مرسل باطل بلا شك ولذلك تمسكوا بأن مخالفة الواحد والاثنين شذوذ ، والشذوذ منهي عنه وبإنكار الصحابة على في هذه المسألة أعني ربا الفضل ، وأجاب الأصحاب وغيرهم عن الأول أن المراد به الشاذ أو الخارج عن الإمام بمخالفة الأكثر على وجه يثير الفتنة ، وعن الحديث الثاني بأنه محمول على السفر وفي ذلك ورد ، فإن الحديث عن ابن عباس عن أبيه عن جده عمرو بن شعيب { عمرو بن العاص } " هكذا رواه أن رجلا قدم من سفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صحبك ؟ قال : ما صحبت أحدا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب في مسنده ، وهكذا لفظ ابن وهب أبي داود ، فإن الحديث فيهما بلفظ الراكب لا بلفظ الواحد ، وعن كون ذلك شذوذا بأن الشاذ عبارة عن الخارج من الجماعة بعد الدخول فيها ، وأما الذي لا يدخل أصلا فلا يسمى شاذا وعن الإنكار على والنسائي بأنهم إنما أنكروا ذلك لمخالفته خبر ابن عباس لا للإجماع والله أعلم . وأما من فرق بين عدد التواتر وغيره فهو يناسب طريقة من جعل مأخذ الإجماع حكم العادة باستحالة الخطأ على الجمع العظيم ، وهو بعيد ، وأما من فرق بين أن تسوغ الجماعة الاجتهاد في ذلك الحكم أو لا فضعيف ، لأن قول الجماعة غير المخالف إن لم يكن حجة فلا أثر لتسويغهم وعدمه ، وإن كان حجة فهو محل النزاع فليس إنكارهم عليه بأولى من إنكاره عليهم ، نعم هاهنا أمر يجب التنبه له وهو أن الخلاف المعتد به هو الخلاف في مظان [ ص: 45 ] الاجتهاد ، كالمسائل التي لا نص فيها ، أو فيها نص غير صريح ، وبالجملة ما يكون الخلاف فيه له وجه محتمل . أبي سعيد
( وأما ) هذه المسألة فإن النصوص التي فيها صريحة غير قابلة للتأويل بوجه قريب ولا بعيد ، ولا للنسخ لما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهي مع ذلك كالمتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أعني ما يدل على النهي عن ربا الفضل ، ولا تستبعدون دعوى التواتر فيها ، فمن تتبع الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم حصل له العلم بذلك أو كاد . قال بعد أن ذكر ما رواه من الأحاديث " فثبت " بهذه [ الآثار ] المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب متفاضلا وسأعقد فصلا جامعا أشير فيه إلى أطراف الروايات في ذلك وإذا كان في المسألة نصوص قطعية المتن قطعية الدلالة لم يكن مظان للاجتهاد ، بل الحق فيها واحد قطعا ، غاية الأمر أن المجتهد المخالف لم يطلع عليها ، والتواتر قد يحصل في حق شخص ولا يحصل في حق آخر ، فإذا خالف مجتهد لعدم اطلاعه على مثل هذه النصوص يكون معذورا في مخالفته إلى حيث يطلع على النص ، ولا يحل العمل بقوله ذلك ، ولا يقلد فيه ، وينقض الحكم به ، ولو لم تصل إلى حد التواتر مع صراحة دلالتها كان الحكم كذلك والله أعلم . الطحاوي
( فإن قلت ) ليس القول بذلك خاليا عن وجه ، وغاية الأمر أن الأحاديث المقتضية لتحريم ربا الفضل صحيحة صريحة ، لكن الأحاديث المقتضية لجوازه أيضا كذلك كما سيأتي وقد مضى شيء منه ، والترجيح معنا ، فإن القرآن وقوله تعالى { وذروا ما بقي من الربا } يبين أن الذي نهى عنه ما كان دينا ، وكذلك كانت العرب تعقد في لغتها ، وقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على أن النقد ليس الربا المتعارف عند أهل اللسان بقوله " { } " الحديث فسماه بيعا ، وقد قال تعالى { ولا تبيعوا الذهب بالذهب ذلك بأنهم قالوا إنما [ ص: 46 ] البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } فذم من قال : إنما البيع مثل الربا ، ففي تسمية النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة في الأصناف بيعا دليل على أن الربا في النساء لا في غيره .
( قلت ) أما التعارض فسنبين إن شاء الله تعالى الجواب عنه ، ووجه الجمع بينهما بأوضح شيء يكون ، وكون الآية الكريمة وردت في تحريم نوع من الربا إن سلم اقتصارها عليه لا يدل على نفي غيره ، والتعلق بكون ذلك يسمى بيعا لا ربا تعلق بالألفاظ ، مع تصريح الأحاديث بالنهي والتحريم وإثبات الربا فيه ، ومثل هذه التعلقات الضعيفة يجل ومن وافقه من الأئمة المجتهدين عن التعلق بها ، ولو لم أرها مذكورة ، ولكن ابن عباس أبا الحسن بن المغلس ذكرها عن القائلين بذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( القسم الثاني : ) أن يدعي إجماع العصر الأول بعد اختلافهم لما روي من رجوع من قال بذلك منهم ، وممن تعرض لذلك من الأصحاب القاضي في تعليقه ، أبو الطيب والعبدري في الكفاية قالا : " روي عن أنه رجع عن ذلك " فتكون المسألة إجماعا ابن عباس في التمهيد قال : لم أعده خلافا لما روي عنه من رجوعه ، وقد قدمت أن من الصحابة من صح النقل عنه بذلك ، فرجع عنه يقينا وابن عبد البر كابن عمر ، ومنهم من اختلف عنه في رجوعه وابن مسعود ، وبقيتهم كابن عباس كأسامة وزيد بن أرقم والبراء لم أثبت النقل عنه بذلك ، ولم يرد عنهم رجوع ، فإن كانوا قائلين بذلك ولم يرجعوا فقد تعذر دعوى هذا الوجه إلا ما ثبت [ من ] رجوع وابن الزبير ولم يبق فيهم مخالف فقد اختلف الأصوليون في هذه المسألة لذا ابن عباس أو لا ؟ وتلخيص القول في ذلك أنه إما أن يكون قد استقر أو لا ، وإن لم يكن قد استقر كاختلافهم في قتال مانعي الزكاة ، ثم إجماعهم كلهم على رأي اختلف علماء العصر ثم اتفقوا ورجع المتمسكون بأحد القولين إلى الآخر وصاروا مطبقين عليه ، هل يكون ذلك إجماعا ، فهذا يجوز قولا واحدا ، ويكون إجماعا ، وهذا القسم لا خلاف فيه ، وإن كان الخلاف قد استقر وبرد ففيه خلاف مرتب على أنه هل يشترط انقراض العصر الأول أو لا ، إن قلنا العصر شرط وهو ظاهر كلام أبي بكر [ ص: 47 ] وقول أحمد بن حنبل وأحد الوجهين لأصحابنا ونسبه ابن فورك عبد الجبار إلى أصحاب وغيرهم ورجحه الشافعي سليم في التقريب الأصولي ، وأطنب في الانتصار له وذهب إليه [ من ] المالكية أبو تمام البصري ، فعلى هذا يجوز اتفاقهم بعد اختلافهم ، ويكون كونه إجماعا موقوفا أيضا على انقراضهم .
وإن قلنا : إن انقراض العصر الأول ليس بشرط ، وهو قول أكثر أصحابنا على ما نقله ابن الصباغ وغيره ، وأصحاب وأصحاب أبي حنيفة مالك والأشاعرة ومن جملتهم القاضي أبو بكر بن الطيب والمعتزلة ، وأومأ إليه ، واختاره أحمد بن حنبل من أصحابه ، وهو الصحيح في شرح اللمع أبو الخطاب للمصنف - رحمه الله - وهو الذي اختاره الغزالي وأبو عبد الله بن الخطيب وأتباعه قال وأبو عمرو بن الحاجب البندنيجي في مقدمة كتابه الذخيرة : وقد غلط بعض أصحابنا فقال : يعتبر انقراض العصر وليس بشيء ، ومن هؤلاء من يطلق أو يعمم الحكم في الإجماع القولي والسكوتي ، وهو الذي يقتضي كلام المصنف في التبصرة ترجيحه . ومنهم من يفصل ويخص ذلك بالقولي ، وأما السكوتي فيعتبر فيه انقراض العصر ، وهو الذي قاله البندنيجي ، واختيار الأستاذ أبي إسحاق ومقتضى كلام المصنف في اللمع وفصل إمام الحرمين بين أن يكون الإجماع مقطوعا به فلا يعتبر انقراضا ، أو يتفقوا على حكم ويسندوه إلى ظن فلا ينبرم ما لم يطل الزمان . إذا عرف ذلك فإن لم يعتبر انقراض العصر فهل يجوز الإجماع بعد الاختلاف ؟ قيل : إنه ممتنع ، لأنه ينافي ما أجمعوا عليه أولا من تجويز الأخذ بكل واحد من القولين . نسب هذا القول إلى الصيرفي وأحمد بن حنبل ، ومال إليه وأبي الحسن الأشعري الغزالي وداود وإمام الحرمين على امتناعه ، لكن لمدرك آخر ، وهو أن ذلك مستحيل عادة ، والغزالي ومن وافقه يقولون : إنه يستحيل سمعا ، وقيل : يجوز وإذا وقع لا يكون حجة ، وهو بعيد وقيل : يجوز ويكون حجة تحرم مخالفته وهو المختار .
[ ص: 48 ] فتلخص من هذا أن الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الواحد حجة ، وإجماع على المختار ، وهو الذي أطلقه طوائف من الأصوليين والفقهاء ، والمنقول عن القاضي أنه لا يكون إجماعا ، والأول هو الحق الذي لا يتجه غيره ، والقول بأنهم بالاختلاف أجمعوا على تجويز الأخذ بكل واحد من القولين ممنوع وهو قول باطل لم يقم عليه دليل والله أعلم . واعلم أن دعوى هذين الإجماعين بعيدة لما قدمته من جهة النقل ، وأيضا فلو سلم أن أبي بكر وجميع الصحابة صح رجوعهم ، فقد لحق زمان ابن عباس جماعة من أصحابه ، ممن وافقه على ذلك ، ولم ينقل عنه رجوع ( والصحيح المختار ) أن قول التابعي الذي نشأ في عصر الصحابة وصار من أهل الاجتهاد قبل إجماعهم لا ينعقد إجماعهم بدونه ، وهذا قول أكثر أصحابنا ، وهو المنسوب إلى الحنفية وأكثر الحنابلة وأكثر المتكلمين . وقال بعض أصحابنا المتكلمين ابن عباس من الحنابلة : لا يعتد به ، وأومأ والقاضي إلى القولين ، والحق أنه يعتد به . أحمد
( والثاني ) قول ضعيف جدا ، فإن كثيرا من فقهاء التابعين ماتوا في عصر الصحابة منهم علقمة ومسروق وشريح وسلمان بن ربيعة والأسود رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ، وخلائق لا يحصون وهؤلاء الذين سميت من علية الفقهاء وأئمة المجتهدين ، وعصر الصحابة وعصر التابعين متداخلان ، فإن عصر التابعين ابتداؤه من قبل الهجرة ، وكل من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يره بالمدينة الذين أسلموا على يدي أهل العقبة الأولى واليمن والبحرين وعمان والطائف والحبشة وغيرها ، يعد من التابعين ، فمن المستحيل أن يقال : إن هؤلاء كلهم لا يعتد بقول أحد ممن تفقه منهم ووصل إلى رتبة الاجتهاد إلى انقراض الصحابة في سنة مائة من الهجرة ، والأعصار كلها متداخلة بعضها في بعض ، لا يوجد كل منها دفعة واحدة ، فعدم اعتبار قول التابعي قول ضعيف لا معنى له ، والتابعون قد ثبت عنهم الاختلاف في هذه المسألة ، أعني ربا الفضل كما تقدم . فالظاهر أن الخلاف في هذه المسألة إلى عصر التابعين لم ينقرض . وهذا الذي يفهم من كلام حيث حكي الخلاف عن الصحابة والتابعين ، وعول على الترجيح دون التمسك بإجماع . الشافعي
[ ص: 49 ] وقد تضمن كلام في جماع العلم من الأم أن الشافعي روى عن ابن المسيب رضي الله عنه في الصرف شيئا وأخذ به ، وله فيه مخالفون من الأمة ، فلا أدري أيشير أبي سعيد الخدري إلى تحريم ربا الفضل أم لا ؟ فإن كان فهو مولد لثبوت الخلاف ، وقال الشافعي الترمذي بعد أن ذكر مذهب : ولذلك روي عن بعض أصحابه شيء من هذا وقد ادعى الشيخ ابن عباس - رحمه الله تعالى - أن تحريم ربا الفضل قول التابعين أجمعين ، وقد عرفت ما فيه ، والله تعالى أعلم . أبو حامد الإسفراييني
وإن قلنا : إن انقراض العصر الأول ليس بشرط ، وهو قول أكثر أصحابنا على ما نقله ابن الصباغ وغيره ، وأصحاب وأصحاب أبي حنيفة مالك والأشاعرة ومن جملتهم القاضي أبو بكر بن الطيب والمعتزلة ، وأومأ إليه ، واختاره أحمد بن حنبل من أصحابه ، وهو الصحيح في شرح اللمع أبو الخطاب للمصنف - رحمه الله - وهو الذي اختاره الغزالي وأبو عبد الله بن الخطيب وأتباعه قال وأبو عمرو بن الحاجب البندنيجي في مقدمة كتابه الذخيرة : وقد غلط بعض أصحابنا فقال : يعتبر انقراض العصر وليس بشيء ، ومن هؤلاء من يطلق أو يعمم الحكم في الإجماع القولي والسكوتي ، وهو الذي يقتضي كلام المصنف في التبصرة ترجيحه . ومنهم من يفصل ويخص ذلك بالقولي ، وأما السكوتي فيعتبر فيه انقراض العصر ، وهو الذي قاله البندنيجي ، واختيار الأستاذ أبي إسحاق ومقتضى كلام المصنف في اللمع وفصل إمام الحرمين بين أن يكون الإجماع مقطوعا به فلا يعتبر انقراضا ، أو يتفقوا على حكم ويسندوه إلى ظن فلا ينبرم ما لم يطل الزمان . إذا عرف ذلك فإن لم يعتبر انقراض العصر فهل يجوز الإجماع بعد الاختلاف ؟ قيل : إنه ممتنع ، لأنه ينافي ما أجمعوا عليه أولا من تجويز الأخذ بكل واحد من القولين . نسب هذا القول إلى الصيرفي وأحمد بن حنبل ، ومال إليه وأبي الحسن الأشعري الغزالي وداود وإمام الحرمين على امتناعه ، لكن لمدرك آخر ، وهو أن ذلك مستحيل عادة ، والغزالي ومن وافقه يقولون : إنه يستحيل سمعا ، وقيل : يجوز وإذا وقع لا يكون حجة ، وهو بعيد وقيل : يجوز ويكون حجة تحرم مخالفته وهو المختار .
[ ص: 48 ] فتلخص من هذا أن الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الواحد حجة ، وإجماع على المختار ، وهو الذي أطلقه طوائف من الأصوليين والفقهاء ، والمنقول عن القاضي أنه لا يكون إجماعا ، والأول هو الحق الذي لا يتجه غيره ، والقول بأنهم بالاختلاف أجمعوا على تجويز الأخذ بكل واحد من القولين ممنوع وهو قول باطل لم يقم عليه دليل والله أعلم . واعلم أن دعوى هذين الإجماعين بعيدة لما قدمته من جهة النقل ، وأيضا فلو سلم أن أبي بكر وجميع الصحابة صح رجوعهم ، فقد لحق زمان ابن عباس جماعة من أصحابه ، ممن وافقه على ذلك ، ولم ينقل عنه رجوع ( والصحيح المختار ) أن قول التابعي الذي نشأ في عصر الصحابة وصار من أهل الاجتهاد قبل إجماعهم لا ينعقد إجماعهم بدونه ، وهذا قول أكثر أصحابنا ، وهو المنسوب إلى الحنفية وأكثر الحنابلة وأكثر المتكلمين . وقال بعض أصحابنا المتكلمين ابن عباس من الحنابلة : لا يعتد به ، وأومأ والقاضي إلى القولين ، والحق أنه يعتد به . أحمد
( والثاني ) قول ضعيف جدا ، فإن كثيرا من فقهاء التابعين ماتوا في عصر الصحابة منهم علقمة ومسروق وشريح وسلمان بن ربيعة والأسود رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ، وخلائق لا يحصون وهؤلاء الذين سميت من علية الفقهاء وأئمة المجتهدين ، وعصر الصحابة وعصر التابعين متداخلان ، فإن عصر التابعين ابتداؤه من قبل الهجرة ، وكل من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يره بالمدينة الذين أسلموا على يدي أهل العقبة الأولى واليمن والبحرين وعمان والطائف والحبشة وغيرها ، يعد من التابعين ، فمن المستحيل أن يقال : إن هؤلاء كلهم لا يعتد بقول أحد ممن تفقه منهم ووصل إلى رتبة الاجتهاد إلى انقراض الصحابة في سنة مائة من الهجرة ، والأعصار كلها متداخلة بعضها في بعض ، لا يوجد كل منها دفعة واحدة ، فعدم اعتبار قول التابعي قول ضعيف لا معنى له ، والتابعون قد ثبت عنهم الاختلاف في هذه المسألة ، أعني ربا الفضل كما تقدم . فالظاهر أن الخلاف في هذه المسألة إلى عصر التابعين لم ينقرض . وهذا الذي يفهم من كلام حيث حكي الخلاف عن الصحابة والتابعين ، وعول على الترجيح دون التمسك بإجماع . الشافعي
[ ص: 49 ] وقد تضمن كلام في جماع العلم من الأم أن الشافعي روى عن ابن المسيب رضي الله عنه في الصرف شيئا وأخذ به ، وله فيه مخالفون من الأمة ، فلا أدري أيشير أبي سعيد الخدري إلى تحريم ربا الفضل أم لا ؟ فإن كان فهو مولد لثبوت الخلاف ، وقال الشافعي الترمذي بعد أن ذكر مذهب : ولذلك روي عن بعض أصحابه شيء من هذا وقد ادعى الشيخ ابن عباس - رحمه الله تعالى - أن تحريم ربا الفضل قول التابعين أجمعين ، وقد عرفت ما فيه ، والله تعالى أعلم . أبو حامد الإسفراييني
( القسم الثالث ) أن ، وذلك لا يمكن في أوائل عصر التابعين لما عرفت من قولهم به ، ومن جملة القائلين به يدعي إجماع متأخر بعد انقراض المختلفين ، وقد توفي سنة خمس عشرة ومائة أو بعدها ، فإن ادعي إجماع بعد ذلك إما من بقية التابعين وإما ممن بعدهم فلا أستحضر خلافا يرده ، ولكن الأصوليين والأصحاب مختلفون في حكم ذلك فأصح الوجهين وهو الذي ذهب إليه عطاء بن أبي رباح أبو بكر الصيرفي وابن أبي هريرة وأبو علي الطبري أنه إذا اتفق التابعون على أحد قولي الصحابة لا تصير المسألة إجماعية ولا يحرم القول بالقول الآخر ، وهو مذهب وأبو حامد المروذي . وقال المصنف أبي الحسن الأشعري أبو إسحاق : إنه قول عامة أصحابنا ، وقال سليم : إنه قول أكثر أصحابنا وأكثر الأشعرية . وقال إمام الحرمين : إن ميل إليه ، واختاره الشافعي الغزالي . وقال ابن برهان : ذهب رضي الله عنه إلى أن حكم الخلاف لا يرتفع . وقال الشافعي عبد الوهاب المالكي : ليس عن فيه شيء ، والجيد من مذهبه الذي كان يختاره شيخنا مالك أن الخلاف باق . وذهب إليه من الحنابلة أبو بكر ، وهو المرجوح عندهم . القاضي
( والوجه الثاني ) وبه قال أبو علي بن خيران ، والقاضي وأبو بكر القفال ، ورجحه أبو الطيب ابن الصباغ وأكثر أصحاب وكثير من أبي حنيفة المعتزلة كالجبائي وابنه ، وإليه ذهب المحاسبي من المتقدمين وأبو عبد الله بن الخطيب من المتأخرين ، الحنبلي ، أنه يصير إجماعا لا تجوز مخالفته وهذا الخلاف مترتب على أن الميت هل له قول ؟ [ ص: 50 ] فإن قلنا ) إن له قولا لم يكن إجماعا ، وإلا كان إجماعا ، والحنفية مع قولهم بأنه إجماع يقولون : إنه من أدنى مراتب الإجماع . ولذلك قال وأبو الخطاب فيمن قال لامرأته أنت خلية ، ونوى ثلاثا ثم جامعها في العدة وقال : علمت أنها حرام ، لا يحل ، لأن محمد بن الحسن رضي الله عنه كان يراها واحدة رجعية ، وقد أجمعنا بخلافه ، وشبهة الثلاث صحيحة بلا خلاف بين الأمة اليوم ، لكن الحد يسقط بالشبهة ، وقد اختلف الناس في هذا الإجماع أهو حجة أو لا ؟ فلا يصير موجبا علما بلا شبهة . هكذا قال عمر أبو زيد الدبوسي في التقويم من كتبهم . وصورة المسألة عند الغزالي بما إذا لم يصرح التابعون بتحريم القول الآخر ، فإن صرحوا بتحريمه فقد تردد أعني الغزالي هل يمتنع ذلك أو لا ولا يجب اتباعهم فيه ؟ والله أعلم . والفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا حصل الإجماع بعد الاختلاف مع بقاء العصر حيث كان الصحيح هناك أنه يكون إجماعا أن المجمعين هناك كل الأمة ; وأهل العصر الثاني بعض الأمة لا كلهم ، لأن الأمة اسم يعم الحي والميت فعلى ما قلناه من قول أكثر أصحابنا امتنع دعوى الإجماع في تحريم ربا الفضل بوجه من الوجوه ، وهذا مقتضى صنع أبي الحسين المحاملي رحمه الله ، فإنه ذكر مسألة ربا الفضل في مسائل كتاب الأوسط الذي صنفه في مسائل الخلاف بين وسائر الفقهاء ، ولو كانت عنده إجماعية لم يذكرها ، لكنا بحمد الله تعالى مستغنون في الإجماع في ذلك بالنصوص الصحيحة الصريحة المتضافرة كما قدمته وأقوله إن شاء الله تعالى ، وإنما يحتاج إلى الإجماع في مسألة خفية مسندها قياس أو استنباط دقيق والله أعلم [ ص: 51 ] فصل فيما يتعلق به الشافعي وموافقوه والجواب عنه تعلقوا في ذلك بحديثين ( أحدهما ) حديث ابن عباس المتقدم ، وقد ورد بألفاظ مختلفة معناها سواء أو متقارب ( منها ) { أسامة } ( ومنها ) { لا ربا إلا في النسيئة } ( ومنها ) { إنما الربا في النسيئة } ( ومنها ) { إن الربا في النسيئة } . وهذه الألفاظ كلها صحيحة ( ومنها ) { لا ربا فيما كان يدا بيد } ( ومنها ) " { ليس الربا إلا في النسيئة والنظرة } رواهما لا ربا إلا في الدين ( ومنها ) { الطبراني } . واتفق الأئمة على حديث الربا في النسيئة وإن اختلفوا في تأويله ، والحديث الثاني حديث أسامة البراء بن عازب ، وقد رويناه بطرق مختلفة وألفاظ متباينة ، فألفاظه التي في الصحيح لا متعلق لهم بها ( ومنها ) لفظ في طريق خارج الصحيح لهم فيه متعلق ، وهو ما رواه وزيد بن أرقم عبد الله بن الزبير الحميدي صاحب وشيخ الشافعي عن البخاري عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار أنه سمع أبا المنهال يقول " باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل ، فقلت ما أرى هذا يصلح ، فقال : لقد بعتها في السوق فما عاب ذلك علي أحد فأتيت فسألته فقال : { البراء بن عازب المدينة وتجارتنا هكذا وقال ما كان يدا بيد فلا بأس ، وما كان نسيئا فلا خير فيه } ، وأت قدم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أعظم تجارة مني ، فأتيته فذكرت ذلك فقال : صدق زيد بن أرقم . قال البراء الحميدي : هذا منسوخ لا يؤخذ بهذا وهذا الإسناد من أصح الأسانيد فإن رواته كلهم أئمة ثقات ، وقد صرح سفيان بأنه سمعه من عمرو فانتفت شبهة تدليسه . ولكن سنذكر ما علل به ، فشرط الحكم بصحة الحديث سلامته من التعليل فنذكر الجواب عن كل واحد من الحديثين والله المستعان . أما حديث فجوابه من خمسة أوجه يجمعها ثلاثة أنواع تأويل وادعاء نسخ وترجيح ، واعلم أنه متى أمكن الأول لا يعدل إلى الثاني ومتى ثبت موجب الثاني لا يعدل إلى الثالث ، فاعتمد هذا في كل نصين مختلفين ونحن نذكر الأوجه التي نقلت في الجواب ، منها وجهان تضمنهما [ ص: 52 ] كلام أسامة رحمه الله ، فإنه قال في كتاب اختلاف الحديث بعد أن ذكر خبر الشافعي ، وأخبار أسامة عبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبي سعيد الدالة على التحريم ، ذكرها ثم قال : فأخذنا بهذه الأحاديث التي توافق حديث وعثمان بن عفان ، وكانت حجتنا في أخذنا بها وتركنا حديث عبادة إذ كان ظاهره يخالفها ، وقول من قال : إن النفس على حديث الأكثر أطيب . لأنهم أشبه أن يحفظوا من الأقل ، وكان أسامة بن زيد عثمان بن عفان أسن ، وأشد تقدم صحبة من وعبادة بن الصامت ، وكان أسامة أبو هريرة أكثر حفظا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا من وأبو سعيد الخدري . فإن قال قائل : فهل يخالف حديث أسامة حديثهم ؟ ( قيل ) إن كان يخالفها فالحجة فيها دونه لما وصفنا فإن قيل : فأنى يرى هذا ؟ قيل : الله أعلم قد يحتمل أن يكون سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الربا في صنفين مختلفين ، ذهب بفضة وتمر بحنطة . قال : ( إنما الربا في النسيئة ) فحفظه فأدى قول النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤد مسألة السائل ، فكان ما أدى عند من سمع أن لا ربا إلا في النسيئة . هذا جواب أسامة رضي الله عنه وهو مشتمل على الترجيح والتأويل فهما جوابان يعني أنه إن كان حديث الشافعي جوابا لمن سأل عن صنفين فهو موافق لبقية الأحاديث لا يخالفها ، وإن لم يكن كذلك وكان مخالفا لها فالعمل بالراجح متعين ، ورواية جماعة أرجح من رواية واحد ، ولم يجزم أسامة - رحمه الله - بالتأويل المذكور لأجل أن الشافعي راوي الحديث ، وهو قائل به . وروى الحاوي كلام ابن عباس بأبسط مما في اختلاف الحديث ، وهو يبين ما شرحت به كلامه . وهذا التأويل الذي ذكره الشافعي هو الذي ذكره الشافعي وقال : إنه معنى الحديث عند العلماء . قال : والدليل على صحة هذا التأويل ، بل إجماع الناس - ما عدا ابن عبد البر عليه ، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث والأحاديث الدالة على تحريم ربا الفضل ( الجواب الثالث ) أنه محمول على الجنسين ، الواحد يجوز التماثل فيه نقدا ولا يجوز نساء ، ذكره ابن عباس الماوردي .
[ ص: 53 ] الجواب الرابع ) أن يكون محمولا على غير الربويات ، كبيع الدين ، بالدين مؤجلا ، بأن يكون له عنده نقد موصوف ، فيبيعه بعرض موصوف مؤجلا . ذكره النووي ، فهذه ثلاثة تأويلات ، أوضحها وأشهرها ما قاله - رحمه الله تعالى - أنه محمول على الجنس وليس من شرط حمله على ذلك أن يثبت كونه جوابا لسؤال سائل عنده ، بل قد يكون اللفظ عاما ، ويحمل على الخصوص بدليل يقتضيه أي دليل كان ، ولو لم يكن إلا الجمع بين الأحاديث واعلم أن هذه التأويلات الثلاثة متفقة في الجمع بين الحديثين وقد نبهت فيما تقدم على أنه أولى من الترجيح فيما أمكن ، وكلام الشافعي ابن الصباغ يقتضي أن هنا مانعا من الجمع بين الحديثين ، فإنه قال في كتاب عدة العالم في أصول الفقه : إنه إن أمكن الجمع بين الحديثين جمع إلى أن يقع الإجماع على تعارضهما ، مثل حديث ( إنما الربا في النسيئة ) وحديث ابن عباس قال : فإنه يمكن أن يحمل حديث أبي سعيد على الجنسين المختلفين ، إلا أن الجماعة اتفقوا على تعارض الخبرين ، فالأكثر تركوا حديث ابن عباس ، والقليل أجروا حديث ابن عباس على العموم ، فعلى طريقة ابن عباس ابن الصباغ هذه يتعين المصير إلى الترجيح أو النسخ ، والله أعلم .
( الجواب الخامس ) دعوى النسخ كما أشار إليه الحميدي في حديث البراء بن عازب المتقدم . قال الحاوي : من ادعى نسخ ذلك ذهب إلى حديث فيه مقال ، وذكر حديثا من رواية بحر السقاء عن وزيد بن أرقم عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الصرف قبل موته بشهر " قال الحاوي : هذا حديث واهي الإسناد وبحر السقاء لا تقوم به الحجة . ثم في حديث ما يدل على أن التحريم كان [ ص: 54 ] يوم عبادة خيبر . وذكر حديثا من رواية عن محمد بن إسحاق ، أنه حدث عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال { عبادة بن الصامت } قال الحاوي : هذا الحديث بهذا الإسناد وإن كان فيه مقال من جهة نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب ، وتبر الفضة بالفضة العين قال : وقال لنا : ابتاعوا تبر الذهب بالورق ، وتبر الفضة بالذهب العين غير أن له أصلا من حديث ابن إسحاق ، ثم يسنده حديث عبادة ، فإن كان فضالة بن عبيد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أسامة خيبر فقد ثبت النسخ ، وإلا فالحكم ما صار إليه جمعا بين الأخبار فبحثنا هل نجد حديثا يؤكد رواية الشافعي ويبين تقديم حديث أبي بكرة إن كان ما سمعه متقدما على ما سمعه ؟ فرأيناه ذكر حديث أسامة الحميدي الذي تقدم ، وكلام الحميدي ولم يزد عليه ( قلت ) وحديث فضالة ظاهر في أن التحريم كان يوم خيبر ، فإنه قال { خيبر نبايع اليهود ، وفيه الذهب بالدينارين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبايعوا الذهب إلا وزنا بوزن } وهو مخرج في صحيح كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ، لكن مسلم النووي قال : إنه يحتمل أنهم كانوا يتبايعون الأوقية من ذهب وخز وغيره بدينارين ، ظنا منهم جوازه للاحتياط ، حتى يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام حتى تميز ، وها أنا أتكلم على حديث الحميدي إن شاء الله تعالى .
( أما ) حديث الحميدي فادعي فيه أمران ( أحدهما ) النسخ كما قال راويه الحميدي ، وناهيك به علما واطلاعا لكن الصحيح عند الأصوليين أن قول الراوي هذا منسوخ لا يرجع إليه لجواز أن يكون قال ذلك من طريق الاجتهاد ، بخلاف ما إذا صرح بأنه متأخر فإنه يقبل كما إذا مر على ماء قليل فقال عدل : قد ولغ فيه كلب ، يقبل . فلو قال : هو نجس ولم يبين لم يقبل . وممن صرح بذلك سليم والغزالي وابن برهان ، خلافا لأصحاب فيما نقله أبي حنيفة ابن برهان مطلقا وابن الخطيب نقله عن فيما إذا لم يعين الناسخ وجعل الكرخي أبو العباس القرطبي المالكي قوله : نسخ كذا بكذا في معنى ذكره تقدم التاريخ ، ومحل الخلاف فيما إذا كان ذلك القول من صحابي ، كذلك فرض الغزالي وابن برهان وابن الخطيب المسألة .
[ ص: 55 ] وأطلق الفرض في الراوي ، فإن كان ذلك عن سائل سأل في العبارة وإلا فهو بعيد ، فإن ثبت خلاف في غير الصحابي كان قول القرطبي الحميدي هنا من هذا القبيل وإلا فلا ، غير أنه قد عرف من موضع آخر تقدم تاريخ الإباحة من حديث البراء ، وتأخر التحريم من حديث وزيد بن أرقم في رواية أبي بكرة كما تقدم قريبا ، فإذا صح ذلك ظهر مستند ابن إسحاق الحميدي رضي الله عنه وصح النسخ . والماوردي جزم بالنسخ في حديث البراء وزيد قال : لأنه مروي عن أول الإسلام قبل تحريم الربا . وهاهنا دقيقة ، وهي أن دعوى النسخ إذا سلم يظهر بين الأحاديث بأن تكون أحاديث التحريم ناسخة لأحاديث الإباحة ، أما أن الآية تكون ناسخة لأحاديث الإباحة ففيه نظر لأمرين ( أحدهما ) أن الكتاب لا ينسخ السنة على أحد قولي ، وإن كان الأصح عند الشافعية وغيرهم الجواز ( والثاني ) أن الأحاديث المبيحة خاصة بالنقد والآية عامة وعند الشافعي وأكثر العلماء تقدم الخاص على العام ، ولو تأخر العام لا يكون ناسخا للخاص ، وإذا ظهر أن النسخ إنما هو بين فحينئذ أقول : إما أن نقول إن الآية محمولة على ربا الجاهلية أو لا . الشافعي
فإن قلنا بذلك فلا إشكال وصار النظر مقصورا على السنة وإن لم نقل به وحملناها على العقود الربوية إما عامة فيها وإما مجملة ، فإن كان نزولها متأخرا عن جميع الأحاديث المبيحة والمحرمة فيكون مجموع الأحاديث المنسوخة والناسخة أو الناسخة فقط ، مبينة أو مخصصة للآية وهذا يوافق قول عمر رضي الله عنهما إن آخر آية نزلت آية الربا ، وإن كان نزول الآية متوسطا بين المبيحة والمحرمة ، وهو ما يشعر به قول وابن عباس رضي الله عنها لما نزلت الآيات في آخر سورة البقرة في الربا " { عائشة } " متفق عليه ، وتحريم الخمر في السنة الثالثة والرابعة ، على أنه يحتمل أن يكون المراد جدد تحريم التجارة في الخمر ولا يكون ذلك أول تحريمها . فإن كان الأمر كذلك وأن نزول آية الربا بعد الأحاديث المبيحة وقبل المحرمة فالمبيحة مبينة أو مخصصة للآية كما تقدم ، وحينئذ فنتصدى النظر في أن العام المخصص هل أريد به القدر الباقي بعد الإخراج مع قطع النظر عن المخرج ؟ أو أريد به الباقي وخروج غيره ، والظاهر الأول ، فتكون الآية [ ص: 56 ] مرادا بها تحريم النساء ، والأحاديث المبينة المتقدمة تقتضي حكمين ( أحدهما ) تحريم النساء وهو موافق للآية ( والثاني ) إباحة النقد ، وهو ثابت بالسنة الخاصة ، وهو المنسوخ بالسنة ، مع كون الآية باقية على كون المراد بها النسيئة ، ولا يستدل بها فيما عداه وتحريم النقد بالسنة زائد عليها ، وقد يقال : إنه يأتي بحث الحنفية في أن الزيادة على النص إذا كان لها تعلق به نسخ عندهم ، والصواب أن ذلك لا يأتي هاهنا ، لأن إباحة النقد لم تفهم من الآية . وهم إنما يقولون ذلك فيما إذا كانت الزيادة تدفع مفهوم اللفظ ، فهذا ما يتعلق بدعوى النسخ في ذلك . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرم التجارة في الخمر
( الأمر الثاني ) مما ادعي في حديث البراء هذا أنه معلول ، فيمتنع الحكم بصحته . وهذه الطريقة التي سلكها الحافظ وزيد بن أرقم وذلك أن لفظه الذي في الصحيح عن أبو بكر البيهقي أبي المنهال قال " سألت البراء بن عازب عن الصرف { وزيد بن أرقم } " رواه فقالا : كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال : إن كان يدا بيد فلا بأس ، وإن كان نساء فلا يصلح بهذا اللفظ من حديث البخاري عن ابن جريج عمرو بن دينار وعامر بن مصعب ، ورواه بلفظ آخر عن مسلم أبي المنهال قال " باع شريك لي ورقا نسيئة إلى الموسم أو إلى الحج ، فجاء إلي فأخبرني فقلت : هذا الأمر لا يصلح قال فقد بعته في السوق ، فلم ينكر ذلك علي أحد ، فأتيت فسألته فقال : { البراء بن عازب المدينة ونحن نبيع هذا البيع فقال : ما كان يدا بيد فلا بأس به ، وما كان نسيئة فهو ربا } وأت قدم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أعظم تجارة مني فأتيته فسألته فقال مثل ذلك " وكذلك رواه زيد بن أرقم عن البخاري علي بن المديني عن ومسلم محمد بن حاتم عن والنسائي ثلاثتهم عن محمد بن منصور سفيان وهذان اللفظان اللذان في الصحيح لا منافاة بينهما ولا إشكال ولا حجة لمتعلق فيهما لأنه يمكن حمل ذلك على أحد أمرين إما أن يكون المراد بيع دراهم بشيء ليس ربويا ، ويكون الفساد لأجل التأخير بالمواسم أو الحج فإنه غير محرر ولا سيما على ما كانت العرب تفعل ( والثاني ) أن يحمل ذلك على اختلاف الجنس ، ويدل له رواية أخرى عن أبي المنهال قال : " سألت البراء بن عازب عن الصرف فكلاهما يقول : [ ص: 57 ] { وزيد بن أرقم } " رواه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا البخاري وهذا لفظ ومسلم البخاري بمعناه ، وفي لفظ ومسلم " نهى عن بيع الورق بالذهب دينا " فهو يبين أن المراد صرف الجنس بجنس آخر . وهذه الرواية ثابتة من حديث مسلم عن شعبة حبيب بن أبي صالح عن أبي المنهال والروايات الثلاث الأول رواية الحميدي واللتان في الصحيح ، وكلها أسانيدها في غاية الجودة ، ولكن حصل الاختلاف من الحميدي وعلي بن المديني ومحمد بن حاتم ، وكل من ومحمد بن منصور الحميدي في غاية التثبت . ويترجح وعلي بن المديني ابن المديني هنا بمتابعة محمد بن حاتم له وبشهادة ومحمد بن منصور لروايته ، وشهادة رواية ابن جريج لرواية شيخه ، ولأجل ذلك قال حبيب بن أبي ثابت - رحمه الله - : إن رواية من قال : إنه باع دراهم بدراهم خطأ عنده " فهذا جواب حديثي ، وقد لا يجسر الفقيه على الحكم لتخطئته بمجرد ذلك . ونقول إنه لا منافاة بين روايات البيهقي عمرو بن دينار ، فإن منها ما أطلق فيه الصرف ( ومنها ) ما بين أنها دراهم بدراهم ، فيحمل المطلق على المقيد جمعا بين الروايتين فإن أحدهما بين ما أبهمه الآخر . ويكون حديث حديثا آخر واردا في الجنسين وتحريم النساء فيهما . ولا تنافي في ذلك ولا تعارض ، وحينئذ يضطر إلى النسخ إن ثبت موجبه أو ترجيحه . وهو حاصل هنا بأمور ( منها ) أن رواية أحاديث التحريم أكثر كما سبقت عليهم . والقاعدة الترجيح بالكثرة . وهذا قد نص عليه حبيب بن أبي ثابت - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة التي نتكلم عليها . فإنه روي تحريم الفضل عن الشافعي عمر وعثمان وأبي سعيد وأبي هريرة وقال : رواية خمسة أولى من رواية واحد . وقال وعبادة سليم الرازي : إن رضي الله عنه أومأ في موضع إلى أنه لا ترجح بالكثرة في أحد الخبرين ، وهما سواء ، وإليه ذهب قوم من أصحاب [ ص: 58 ] الشافعي اعتبارا بالشهادة حيث لم يرجح فيها بكثرة العدد ، ونقله في شرح اللمع أبي حنيفة المصنف عن بعض أصحابنا .
( ومنها ) أنهم أسن ، فإن فيهم عثمان وغيرهم ، ممن هم أسن من وعبادة البراء وزيد كما قاله - رحمه الله - في الشافعي . أسامة
( ومنها ) بالحفظ فإن فيهم أبا هريرة وغيرهما ، ممن هو مشهور بالحفظ أكثر من وأبا سعيد البراء وزيد لهذا الحديث في زمان الصبا ، وهو مرجوح بالنسبة إلى الأول ، وإنما قلت إن تحمل البراء وزيد في حالة الصبا لأنهما قالا : " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتحادثنا " هكذا قال وعند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم كان سن كل منهما عشرا أو نحوها لما ذكر عن ابن عبد البر أنه روى بإسناده إلى منصور بن سلمة الخزاعي زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغره يوم أحد ، والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدري وسعيد بن حبيبة . وعن وعبد الله بن عمر أن أول غزوة شهداها الواقدي الخندق . ومن المرجحات أيضا أن حديث البراء وزيد مبيح ، وأحاديث وأصحابه محرمة ، وإذا تعارض المقرر والناقل فالمرجح الناقل عن حكم الأصل عند الجمهور وهو الذي جزم به عبادة المصنف وسليم ، لأنه يفيد حكما شرعيا خلافا لأبي عبد الله بن الخطيب حيث قال : يقدم المقرر ، وإن حصل التعارض في التحريم والإباحة من غير اعتضاد بأصل ، فالمحرم راجح على المبيح على أصح الوجهين عند أصحابنا ، ووافقهم من الحنفية الكرخي وأبو يعلى من الحنبلية للاحتياط خلافا للغزالي منا من الحنفية وعيسى بن أبان وجماعة من المتكلمين ، حيث قالوا : هما سواء ، وثم وجوه أخر من الترجيح لا تخفى عن الفطن والله تعالى أعلم . واعلم أن ترجيح أحد الدليلين على الآخر كالمتفق عليه بين الأئمة ، وهو المعلوم من استقراء أحوال الصحابة والسلف وأنكره بعض المتكلمين وقال : يتعين المصير إلى دليل آخر سواهما أو للتخيير ، والأول هو الصواب والله أعلم . فقد اتضح بحمد الله تعالى الجواب عن ذلك ، ولعلك ترى أني أطلت في ذكر هذه المسألة الأصولية فاعلم أني متى جاءت قاعدة من هذه [ ص: 59 ] القواعد حددتها ، وأقوال الأئمة فيها والراجح منها ، ثم إذا عاد ذكرها في موضع آخر حملت على الموضع الأول والله أعلم . وأبي هاشم
( والوجه الثاني ) وبه قال أبو علي بن خيران ، والقاضي وأبو بكر القفال ، ورجحه أبو الطيب ابن الصباغ وأكثر أصحاب وكثير من أبي حنيفة المعتزلة كالجبائي وابنه ، وإليه ذهب المحاسبي من المتقدمين وأبو عبد الله بن الخطيب من المتأخرين ، الحنبلي ، أنه يصير إجماعا لا تجوز مخالفته وهذا الخلاف مترتب على أن الميت هل له قول ؟ [ ص: 50 ] فإن قلنا ) إن له قولا لم يكن إجماعا ، وإلا كان إجماعا ، والحنفية مع قولهم بأنه إجماع يقولون : إنه من أدنى مراتب الإجماع . ولذلك قال وأبو الخطاب فيمن قال لامرأته أنت خلية ، ونوى ثلاثا ثم جامعها في العدة وقال : علمت أنها حرام ، لا يحل ، لأن محمد بن الحسن رضي الله عنه كان يراها واحدة رجعية ، وقد أجمعنا بخلافه ، وشبهة الثلاث صحيحة بلا خلاف بين الأمة اليوم ، لكن الحد يسقط بالشبهة ، وقد اختلف الناس في هذا الإجماع أهو حجة أو لا ؟ فلا يصير موجبا علما بلا شبهة . هكذا قال عمر أبو زيد الدبوسي في التقويم من كتبهم . وصورة المسألة عند الغزالي بما إذا لم يصرح التابعون بتحريم القول الآخر ، فإن صرحوا بتحريمه فقد تردد أعني الغزالي هل يمتنع ذلك أو لا ولا يجب اتباعهم فيه ؟ والله أعلم . والفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا حصل الإجماع بعد الاختلاف مع بقاء العصر حيث كان الصحيح هناك أنه يكون إجماعا أن المجمعين هناك كل الأمة ; وأهل العصر الثاني بعض الأمة لا كلهم ، لأن الأمة اسم يعم الحي والميت فعلى ما قلناه من قول أكثر أصحابنا امتنع دعوى الإجماع في تحريم ربا الفضل بوجه من الوجوه ، وهذا مقتضى صنع أبي الحسين المحاملي رحمه الله ، فإنه ذكر مسألة ربا الفضل في مسائل كتاب الأوسط الذي صنفه في مسائل الخلاف بين وسائر الفقهاء ، ولو كانت عنده إجماعية لم يذكرها ، لكنا بحمد الله تعالى مستغنون في الإجماع في ذلك بالنصوص الصحيحة الصريحة المتضافرة كما قدمته وأقوله إن شاء الله تعالى ، وإنما يحتاج إلى الإجماع في مسألة خفية مسندها قياس أو استنباط دقيق والله أعلم [ ص: 51 ] فصل فيما يتعلق به الشافعي وموافقوه والجواب عنه تعلقوا في ذلك بحديثين ( أحدهما ) حديث ابن عباس المتقدم ، وقد ورد بألفاظ مختلفة معناها سواء أو متقارب ( منها ) { أسامة } ( ومنها ) { لا ربا إلا في النسيئة } ( ومنها ) { إنما الربا في النسيئة } ( ومنها ) { إن الربا في النسيئة } . وهذه الألفاظ كلها صحيحة ( ومنها ) { لا ربا فيما كان يدا بيد } ( ومنها ) " { ليس الربا إلا في النسيئة والنظرة } رواهما لا ربا إلا في الدين ( ومنها ) { الطبراني } . واتفق الأئمة على حديث الربا في النسيئة وإن اختلفوا في تأويله ، والحديث الثاني حديث أسامة البراء بن عازب ، وقد رويناه بطرق مختلفة وألفاظ متباينة ، فألفاظه التي في الصحيح لا متعلق لهم بها ( ومنها ) لفظ في طريق خارج الصحيح لهم فيه متعلق ، وهو ما رواه وزيد بن أرقم عبد الله بن الزبير الحميدي صاحب وشيخ الشافعي عن البخاري عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار أنه سمع أبا المنهال يقول " باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل ، فقلت ما أرى هذا يصلح ، فقال : لقد بعتها في السوق فما عاب ذلك علي أحد فأتيت فسألته فقال : { البراء بن عازب المدينة وتجارتنا هكذا وقال ما كان يدا بيد فلا بأس ، وما كان نسيئا فلا خير فيه } ، وأت قدم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أعظم تجارة مني ، فأتيته فذكرت ذلك فقال : صدق زيد بن أرقم . قال البراء الحميدي : هذا منسوخ لا يؤخذ بهذا وهذا الإسناد من أصح الأسانيد فإن رواته كلهم أئمة ثقات ، وقد صرح سفيان بأنه سمعه من عمرو فانتفت شبهة تدليسه . ولكن سنذكر ما علل به ، فشرط الحكم بصحة الحديث سلامته من التعليل فنذكر الجواب عن كل واحد من الحديثين والله المستعان . أما حديث فجوابه من خمسة أوجه يجمعها ثلاثة أنواع تأويل وادعاء نسخ وترجيح ، واعلم أنه متى أمكن الأول لا يعدل إلى الثاني ومتى ثبت موجب الثاني لا يعدل إلى الثالث ، فاعتمد هذا في كل نصين مختلفين ونحن نذكر الأوجه التي نقلت في الجواب ، منها وجهان تضمنهما [ ص: 52 ] كلام أسامة رحمه الله ، فإنه قال في كتاب اختلاف الحديث بعد أن ذكر خبر الشافعي ، وأخبار أسامة عبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبي سعيد الدالة على التحريم ، ذكرها ثم قال : فأخذنا بهذه الأحاديث التي توافق حديث وعثمان بن عفان ، وكانت حجتنا في أخذنا بها وتركنا حديث عبادة إذ كان ظاهره يخالفها ، وقول من قال : إن النفس على حديث الأكثر أطيب . لأنهم أشبه أن يحفظوا من الأقل ، وكان أسامة بن زيد عثمان بن عفان أسن ، وأشد تقدم صحبة من وعبادة بن الصامت ، وكان أسامة أبو هريرة أكثر حفظا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا من وأبو سعيد الخدري . فإن قال قائل : فهل يخالف حديث أسامة حديثهم ؟ ( قيل ) إن كان يخالفها فالحجة فيها دونه لما وصفنا فإن قيل : فأنى يرى هذا ؟ قيل : الله أعلم قد يحتمل أن يكون سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الربا في صنفين مختلفين ، ذهب بفضة وتمر بحنطة . قال : ( إنما الربا في النسيئة ) فحفظه فأدى قول النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤد مسألة السائل ، فكان ما أدى عند من سمع أن لا ربا إلا في النسيئة . هذا جواب أسامة رضي الله عنه وهو مشتمل على الترجيح والتأويل فهما جوابان يعني أنه إن كان حديث الشافعي جوابا لمن سأل عن صنفين فهو موافق لبقية الأحاديث لا يخالفها ، وإن لم يكن كذلك وكان مخالفا لها فالعمل بالراجح متعين ، ورواية جماعة أرجح من رواية واحد ، ولم يجزم أسامة - رحمه الله - بالتأويل المذكور لأجل أن الشافعي راوي الحديث ، وهو قائل به . وروى الحاوي كلام ابن عباس بأبسط مما في اختلاف الحديث ، وهو يبين ما شرحت به كلامه . وهذا التأويل الذي ذكره الشافعي هو الذي ذكره الشافعي وقال : إنه معنى الحديث عند العلماء . قال : والدليل على صحة هذا التأويل ، بل إجماع الناس - ما عدا ابن عبد البر عليه ، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث والأحاديث الدالة على تحريم ربا الفضل ( الجواب الثالث ) أنه محمول على الجنسين ، الواحد يجوز التماثل فيه نقدا ولا يجوز نساء ، ذكره ابن عباس الماوردي .
[ ص: 53 ] الجواب الرابع ) أن يكون محمولا على غير الربويات ، كبيع الدين ، بالدين مؤجلا ، بأن يكون له عنده نقد موصوف ، فيبيعه بعرض موصوف مؤجلا . ذكره النووي ، فهذه ثلاثة تأويلات ، أوضحها وأشهرها ما قاله - رحمه الله تعالى - أنه محمول على الجنس وليس من شرط حمله على ذلك أن يثبت كونه جوابا لسؤال سائل عنده ، بل قد يكون اللفظ عاما ، ويحمل على الخصوص بدليل يقتضيه أي دليل كان ، ولو لم يكن إلا الجمع بين الأحاديث واعلم أن هذه التأويلات الثلاثة متفقة في الجمع بين الحديثين وقد نبهت فيما تقدم على أنه أولى من الترجيح فيما أمكن ، وكلام الشافعي ابن الصباغ يقتضي أن هنا مانعا من الجمع بين الحديثين ، فإنه قال في كتاب عدة العالم في أصول الفقه : إنه إن أمكن الجمع بين الحديثين جمع إلى أن يقع الإجماع على تعارضهما ، مثل حديث ( إنما الربا في النسيئة ) وحديث ابن عباس قال : فإنه يمكن أن يحمل حديث أبي سعيد على الجنسين المختلفين ، إلا أن الجماعة اتفقوا على تعارض الخبرين ، فالأكثر تركوا حديث ابن عباس ، والقليل أجروا حديث ابن عباس على العموم ، فعلى طريقة ابن عباس ابن الصباغ هذه يتعين المصير إلى الترجيح أو النسخ ، والله أعلم .
( الجواب الخامس ) دعوى النسخ كما أشار إليه الحميدي في حديث البراء بن عازب المتقدم . قال الحاوي : من ادعى نسخ ذلك ذهب إلى حديث فيه مقال ، وذكر حديثا من رواية بحر السقاء عن وزيد بن أرقم عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الصرف قبل موته بشهر " قال الحاوي : هذا حديث واهي الإسناد وبحر السقاء لا تقوم به الحجة . ثم في حديث ما يدل على أن التحريم كان [ ص: 54 ] يوم عبادة خيبر . وذكر حديثا من رواية عن محمد بن إسحاق ، أنه حدث عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال { عبادة بن الصامت } قال الحاوي : هذا الحديث بهذا الإسناد وإن كان فيه مقال من جهة نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب ، وتبر الفضة بالفضة العين قال : وقال لنا : ابتاعوا تبر الذهب بالورق ، وتبر الفضة بالذهب العين غير أن له أصلا من حديث ابن إسحاق ، ثم يسنده حديث عبادة ، فإن كان فضالة بن عبيد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أسامة خيبر فقد ثبت النسخ ، وإلا فالحكم ما صار إليه جمعا بين الأخبار فبحثنا هل نجد حديثا يؤكد رواية الشافعي ويبين تقديم حديث أبي بكرة إن كان ما سمعه متقدما على ما سمعه ؟ فرأيناه ذكر حديث أسامة الحميدي الذي تقدم ، وكلام الحميدي ولم يزد عليه ( قلت ) وحديث فضالة ظاهر في أن التحريم كان يوم خيبر ، فإنه قال { خيبر نبايع اليهود ، وفيه الذهب بالدينارين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبايعوا الذهب إلا وزنا بوزن } وهو مخرج في صحيح كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ، لكن مسلم النووي قال : إنه يحتمل أنهم كانوا يتبايعون الأوقية من ذهب وخز وغيره بدينارين ، ظنا منهم جوازه للاحتياط ، حتى يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام حتى تميز ، وها أنا أتكلم على حديث الحميدي إن شاء الله تعالى .
( أما ) حديث الحميدي فادعي فيه أمران ( أحدهما ) النسخ كما قال راويه الحميدي ، وناهيك به علما واطلاعا لكن الصحيح عند الأصوليين أن قول الراوي هذا منسوخ لا يرجع إليه لجواز أن يكون قال ذلك من طريق الاجتهاد ، بخلاف ما إذا صرح بأنه متأخر فإنه يقبل كما إذا مر على ماء قليل فقال عدل : قد ولغ فيه كلب ، يقبل . فلو قال : هو نجس ولم يبين لم يقبل . وممن صرح بذلك سليم والغزالي وابن برهان ، خلافا لأصحاب فيما نقله أبي حنيفة ابن برهان مطلقا وابن الخطيب نقله عن فيما إذا لم يعين الناسخ وجعل الكرخي أبو العباس القرطبي المالكي قوله : نسخ كذا بكذا في معنى ذكره تقدم التاريخ ، ومحل الخلاف فيما إذا كان ذلك القول من صحابي ، كذلك فرض الغزالي وابن برهان وابن الخطيب المسألة .
[ ص: 55 ] وأطلق الفرض في الراوي ، فإن كان ذلك عن سائل سأل في العبارة وإلا فهو بعيد ، فإن ثبت خلاف في غير الصحابي كان قول القرطبي الحميدي هنا من هذا القبيل وإلا فلا ، غير أنه قد عرف من موضع آخر تقدم تاريخ الإباحة من حديث البراء ، وتأخر التحريم من حديث وزيد بن أرقم في رواية أبي بكرة كما تقدم قريبا ، فإذا صح ذلك ظهر مستند ابن إسحاق الحميدي رضي الله عنه وصح النسخ . والماوردي جزم بالنسخ في حديث البراء وزيد قال : لأنه مروي عن أول الإسلام قبل تحريم الربا . وهاهنا دقيقة ، وهي أن دعوى النسخ إذا سلم يظهر بين الأحاديث بأن تكون أحاديث التحريم ناسخة لأحاديث الإباحة ، أما أن الآية تكون ناسخة لأحاديث الإباحة ففيه نظر لأمرين ( أحدهما ) أن الكتاب لا ينسخ السنة على أحد قولي ، وإن كان الأصح عند الشافعية وغيرهم الجواز ( والثاني ) أن الأحاديث المبيحة خاصة بالنقد والآية عامة وعند الشافعي وأكثر العلماء تقدم الخاص على العام ، ولو تأخر العام لا يكون ناسخا للخاص ، وإذا ظهر أن النسخ إنما هو بين فحينئذ أقول : إما أن نقول إن الآية محمولة على ربا الجاهلية أو لا . الشافعي
فإن قلنا بذلك فلا إشكال وصار النظر مقصورا على السنة وإن لم نقل به وحملناها على العقود الربوية إما عامة فيها وإما مجملة ، فإن كان نزولها متأخرا عن جميع الأحاديث المبيحة والمحرمة فيكون مجموع الأحاديث المنسوخة والناسخة أو الناسخة فقط ، مبينة أو مخصصة للآية وهذا يوافق قول عمر رضي الله عنهما إن آخر آية نزلت آية الربا ، وإن كان نزول الآية متوسطا بين المبيحة والمحرمة ، وهو ما يشعر به قول وابن عباس رضي الله عنها لما نزلت الآيات في آخر سورة البقرة في الربا " { عائشة } " متفق عليه ، وتحريم الخمر في السنة الثالثة والرابعة ، على أنه يحتمل أن يكون المراد جدد تحريم التجارة في الخمر ولا يكون ذلك أول تحريمها . فإن كان الأمر كذلك وأن نزول آية الربا بعد الأحاديث المبيحة وقبل المحرمة فالمبيحة مبينة أو مخصصة للآية كما تقدم ، وحينئذ فنتصدى النظر في أن العام المخصص هل أريد به القدر الباقي بعد الإخراج مع قطع النظر عن المخرج ؟ أو أريد به الباقي وخروج غيره ، والظاهر الأول ، فتكون الآية [ ص: 56 ] مرادا بها تحريم النساء ، والأحاديث المبينة المتقدمة تقتضي حكمين ( أحدهما ) تحريم النساء وهو موافق للآية ( والثاني ) إباحة النقد ، وهو ثابت بالسنة الخاصة ، وهو المنسوخ بالسنة ، مع كون الآية باقية على كون المراد بها النسيئة ، ولا يستدل بها فيما عداه وتحريم النقد بالسنة زائد عليها ، وقد يقال : إنه يأتي بحث الحنفية في أن الزيادة على النص إذا كان لها تعلق به نسخ عندهم ، والصواب أن ذلك لا يأتي هاهنا ، لأن إباحة النقد لم تفهم من الآية . وهم إنما يقولون ذلك فيما إذا كانت الزيادة تدفع مفهوم اللفظ ، فهذا ما يتعلق بدعوى النسخ في ذلك . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرم التجارة في الخمر
( الأمر الثاني ) مما ادعي في حديث البراء هذا أنه معلول ، فيمتنع الحكم بصحته . وهذه الطريقة التي سلكها الحافظ وزيد بن أرقم وذلك أن لفظه الذي في الصحيح عن أبو بكر البيهقي أبي المنهال قال " سألت البراء بن عازب عن الصرف { وزيد بن أرقم } " رواه فقالا : كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال : إن كان يدا بيد فلا بأس ، وإن كان نساء فلا يصلح بهذا اللفظ من حديث البخاري عن ابن جريج عمرو بن دينار وعامر بن مصعب ، ورواه بلفظ آخر عن مسلم أبي المنهال قال " باع شريك لي ورقا نسيئة إلى الموسم أو إلى الحج ، فجاء إلي فأخبرني فقلت : هذا الأمر لا يصلح قال فقد بعته في السوق ، فلم ينكر ذلك علي أحد ، فأتيت فسألته فقال : { البراء بن عازب المدينة ونحن نبيع هذا البيع فقال : ما كان يدا بيد فلا بأس به ، وما كان نسيئة فهو ربا } وأت قدم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أعظم تجارة مني فأتيته فسألته فقال مثل ذلك " وكذلك رواه زيد بن أرقم عن البخاري علي بن المديني عن ومسلم محمد بن حاتم عن والنسائي ثلاثتهم عن محمد بن منصور سفيان وهذان اللفظان اللذان في الصحيح لا منافاة بينهما ولا إشكال ولا حجة لمتعلق فيهما لأنه يمكن حمل ذلك على أحد أمرين إما أن يكون المراد بيع دراهم بشيء ليس ربويا ، ويكون الفساد لأجل التأخير بالمواسم أو الحج فإنه غير محرر ولا سيما على ما كانت العرب تفعل ( والثاني ) أن يحمل ذلك على اختلاف الجنس ، ويدل له رواية أخرى عن أبي المنهال قال : " سألت البراء بن عازب عن الصرف فكلاهما يقول : [ ص: 57 ] { وزيد بن أرقم } " رواه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا البخاري وهذا لفظ ومسلم البخاري بمعناه ، وفي لفظ ومسلم " نهى عن بيع الورق بالذهب دينا " فهو يبين أن المراد صرف الجنس بجنس آخر . وهذه الرواية ثابتة من حديث مسلم عن شعبة حبيب بن أبي صالح عن أبي المنهال والروايات الثلاث الأول رواية الحميدي واللتان في الصحيح ، وكلها أسانيدها في غاية الجودة ، ولكن حصل الاختلاف من الحميدي وعلي بن المديني ومحمد بن حاتم ، وكل من ومحمد بن منصور الحميدي في غاية التثبت . ويترجح وعلي بن المديني ابن المديني هنا بمتابعة محمد بن حاتم له وبشهادة ومحمد بن منصور لروايته ، وشهادة رواية ابن جريج لرواية شيخه ، ولأجل ذلك قال حبيب بن أبي ثابت - رحمه الله - : إن رواية من قال : إنه باع دراهم بدراهم خطأ عنده " فهذا جواب حديثي ، وقد لا يجسر الفقيه على الحكم لتخطئته بمجرد ذلك . ونقول إنه لا منافاة بين روايات البيهقي عمرو بن دينار ، فإن منها ما أطلق فيه الصرف ( ومنها ) ما بين أنها دراهم بدراهم ، فيحمل المطلق على المقيد جمعا بين الروايتين فإن أحدهما بين ما أبهمه الآخر . ويكون حديث حديثا آخر واردا في الجنسين وتحريم النساء فيهما . ولا تنافي في ذلك ولا تعارض ، وحينئذ يضطر إلى النسخ إن ثبت موجبه أو ترجيحه . وهو حاصل هنا بأمور ( منها ) أن رواية أحاديث التحريم أكثر كما سبقت عليهم . والقاعدة الترجيح بالكثرة . وهذا قد نص عليه حبيب بن أبي ثابت - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة التي نتكلم عليها . فإنه روي تحريم الفضل عن الشافعي عمر وعثمان وأبي سعيد وأبي هريرة وقال : رواية خمسة أولى من رواية واحد . وقال وعبادة سليم الرازي : إن رضي الله عنه أومأ في موضع إلى أنه لا ترجح بالكثرة في أحد الخبرين ، وهما سواء ، وإليه ذهب قوم من أصحاب [ ص: 58 ] الشافعي اعتبارا بالشهادة حيث لم يرجح فيها بكثرة العدد ، ونقله في شرح اللمع أبي حنيفة المصنف عن بعض أصحابنا .
( ومنها ) أنهم أسن ، فإن فيهم عثمان وغيرهم ، ممن هم أسن من وعبادة البراء وزيد كما قاله - رحمه الله - في الشافعي . أسامة
( ومنها ) بالحفظ فإن فيهم أبا هريرة وغيرهما ، ممن هو مشهور بالحفظ أكثر من وأبا سعيد البراء وزيد لهذا الحديث في زمان الصبا ، وهو مرجوح بالنسبة إلى الأول ، وإنما قلت إن تحمل البراء وزيد في حالة الصبا لأنهما قالا : " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتحادثنا " هكذا قال وعند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم كان سن كل منهما عشرا أو نحوها لما ذكر عن ابن عبد البر أنه روى بإسناده إلى منصور بن سلمة الخزاعي زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغره يوم أحد ، والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدري وسعيد بن حبيبة . وعن وعبد الله بن عمر أن أول غزوة شهداها الواقدي الخندق . ومن المرجحات أيضا أن حديث البراء وزيد مبيح ، وأحاديث وأصحابه محرمة ، وإذا تعارض المقرر والناقل فالمرجح الناقل عن حكم الأصل عند الجمهور وهو الذي جزم به عبادة المصنف وسليم ، لأنه يفيد حكما شرعيا خلافا لأبي عبد الله بن الخطيب حيث قال : يقدم المقرر ، وإن حصل التعارض في التحريم والإباحة من غير اعتضاد بأصل ، فالمحرم راجح على المبيح على أصح الوجهين عند أصحابنا ، ووافقهم من الحنفية الكرخي وأبو يعلى من الحنبلية للاحتياط خلافا للغزالي منا من الحنفية وعيسى بن أبان وجماعة من المتكلمين ، حيث قالوا : هما سواء ، وثم وجوه أخر من الترجيح لا تخفى عن الفطن والله تعالى أعلم . واعلم أن ترجيح أحد الدليلين على الآخر كالمتفق عليه بين الأئمة ، وهو المعلوم من استقراء أحوال الصحابة والسلف وأنكره بعض المتكلمين وقال : يتعين المصير إلى دليل آخر سواهما أو للتخيير ، والأول هو الصواب والله أعلم . فقد اتضح بحمد الله تعالى الجواب عن ذلك ، ولعلك ترى أني أطلت في ذكر هذه المسألة الأصولية فاعلم أني متى جاءت قاعدة من هذه [ ص: 59 ] القواعد حددتها ، وأقوال الأئمة فيها والراجح منها ، ثم إذا عاد ذكرها في موضع آخر حملت على الموضع الأول والله أعلم . وأبي هاشم
فصل في روي ذلك من حديث الأحاديث الواردة في تحريم ربا الفضل رضي الله عنه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وفضالة بن عبيد وأبي بكرة ومعمر بن عبد الله ورافع بن خديج وأبي الدرداء وأبي أسيد الساعدي وبلال وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ورويفع بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين . أما حديث وبريدة أبي بكر رضي الله عنه فمشهور عن عن محمد بن السائب الكلبي سلمة بن السائب عن أبي رافع عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { } رواه الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن والزائد والمستزيد في النار أبو بكر بن أبي شيبة وعبيد بن حميد وغيرهما . واختلف عن فيه ففي سنن الكلبي عن أبي قرة محمد بن السائب عن أبي رافع ضعيف وروي من طريق غيره ولم يصح . وأما حديث والكلبي رضي الله عنه فرواه عمر أبو حمزة ميمون القصاب عن عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { عمر } " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، مثلا بمثل ، من زاد أو ازداد فقد أربى وأبو حمزة ضعيف . وقد اضطرب عنه في هذا الحديث . قال في كتاب العلل : الدارقطني وأبو حمزة مضطرب الحديث والاضطراب في الإسناد من قبله ، والله تعالى أعلم . ( وأما ) حديث فصحيح أخرجه عثمان بن عفان . ولفظه في روايتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { مسلم } " ( وأما حديث لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين فأخرجه علي بن أبي طالب ابن [ ص: 60 ] ماجه في سننهما ، والدارقطني في المستدرك من طريق والحاكم محمد بن العباس جد عن الشافعي عمر بن محمد عن أبيه وهو ابن الحنفية عن جده وهو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { علي } وقال الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما من كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ، وإن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بورق والصرف ها وها : إنه غريب صحيح . ( وأما ) حديث الحاكم رضي الله عنه فمخرج في كتب السنن الأربعة سعد بن أبي وقاص والمستدرك على الصحيحين والدارقطني ، وهذا لفظ المستدرك قال للحاكم : { سعد } " وإن لم يكن في معنى الأحاديث المتقدمة فهو يدل على معناها من جهة أنه دل على معنى الفضل ، فهؤلاء خمسة من العشرة فيهم الخلفاء الراشدون . ( وأما ) حديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتراء الرطب بالتمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبينهما فضل ؟ قالوا : نعم الرطب ينقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح هذا فهو أتم الأحاديث وأكملها ، ولذلك جعله عبادة العمدة في هذا الباب ، الشافعي أسن وأقدم صحبة من وعبادة ، وقد تقدم أن حديث أبي سعيد من أفراد عبادة ، ورواه معه من أصحاب السنن مسلم أبو داود والترمذي والنسائي ، ولفظه في وابن ماجه من رواية مسلم أبي الأشعث عنه قال " { } " وهذا اللفظ هو الذي أورده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلا سواء بسواء وعينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى المصنف أولا في الفصل الأول من هذا الباب ، ولم يخرجه بهذا اللفظ هكذا أحد من أصحاب الكتب الستة غيره ، وقد اشتبه على ابن معن المتكلم على هذا الكتاب فنسبه إلى مسلم وأبي داود والترمذي ونسب الثاني إلى وحده فأردت التنبيه على ذلك لئلا يغتر به ، فإن المحدث إذا نسب الحديث إلى كتاب مراده منه أصل الحديث فيحتمل منه ذلك ، وأما الفقيه فمراده ذلك اللفظ الذي يستدل به فلا بد من الموافقة فيه والله تعالى أعلم . مسلم
[ ص: 61 ] ورواه بقريب من هذا اللفظ من حديث النسائي بن مسلم يسار عن وعبد الله بن عبيد قال " { عبادة } " ورواه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق ، والبر بالبر والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر قال أحدهما : والملح بالملح ، ولم يقله الآخر إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا - قال أحدهما : فمن زاد أو ازداد فقد أربى كذلك بهذا اللفظ ، وقدم الورق على الذهب وبعض قوله : " وأمرنا أن نبيع الذهب " وقوله : " من زاد أو ازداد " ورواية ابن ماجه مسلم بن يسار هذه منقطعة ، فإنه لم يسمع ذلك من وإنما سمعه من عبادة أبي الأشعث عنه . وأما رواية ويقال له عبد الله بن عبيد فمتصلة فيما أظن والله أعلم . ابن هرمز
وذكره في مختصره عن المزني رحمه الله كذلك من حديث الشافعي مسلم بن يسار ورجل آخر عن ، ولفظه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { عبادة } " قال : ونقص أحدهما التمر والملح وزاد الآخر : " فمن زاد أو استزاد فقد أربى " . لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ، ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح ، إلا سواء بسواء عينا بعين ، يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب . والبر بالشعير ، والشعير بالبر ، والتمر بالملح ، والملح بالتمر . يدا بيد كيف شئتم
وكذلك رويناه في مسند من رواية الشافعي الربيع حرفا بحرف إلا أنه قال : " وزاد أحدهما : من زاد أو ازداد " ورواه في المعرفة من رواية البيهقي عن المزني أيضا من طريق الشافعي أبي قلابة عن أبي الأشعث متصلا بلفظ قريب من اللفظ الأول . وهذه الألفاظ كلها متفقة في تصدير الحديث بالنهي وفي استيفاء الأجناس الستة ، وانفردت رواية بالجمع بين قوله " عينا بعين يدا بيد " . ولم أقف على ذلك في حديث الشافعي إلا من هذه الرواية . ولا في أكثر الأحاديث إلا في حديث عبادة الذي تقدم ، وفيه جمع بينهما . فهذا اللفظ الواحد الذي أورده أبي سعيد الخدري المصنف في الفصل الأول : والظاهر أنه أورده من أو ممن نقل عنه ، ونعم ما فعل إلا أن قوله في آخره : استزاد ليس في مسلم بل في لفظ مسلم في المختصر [ ص: 62 ] الشافعي في رواية من لفظ والنسائي وإنما جاء لفظ : استزاد في عبادة من حديث مسلم ولفظ أبي سعيد ازداد . هذا الذي رأيته في روايتنا والله سبحانه وتعالى أعلم . وفي لفظ آخر عبادة عن لمسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { عبادة } " وهذا اللفظ هو الذي أورده الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح . مثلا بمثل سواء بسواء . يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد المصنف في هذا الفصل . لكنه قدم التمر على البر ولم يقل : سواء بسواء . فإنه تأكيد لقوله : " مثلا بمثل " . ورواه بقريب من هذا اللفظ أبو داود والترمذي من طريق والنسائي أبي الأشعث . ولفظ أبي داود فيه : " { } " ولفظ الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر بالبر مدا بمد والشعير بالشعير مدا بمد ، والتمر بالتمر مدا بمد ، والملح بالملح مدا بمد ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد ، وأما نسيئة فلا ، ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا الترمذي " { } قال الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل ، والتمر بالتمر مثلا بمثل ، والملح بالملح مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى . بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد الترمذي : حديث حديث حسن صحيح . قال : وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبادة بهذا الإسناد وقال : " { خالد } " . وروى بعضهم هذا الحديث عن بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد عن خالد أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث . وزاد فيه : قال عبادة : قال خالد أبو قلابة " فبيعوا البر بالشعير كيف شئتم " فذكر الحديث ولفظ قريب من لفظ النسائي أبي داود مختصرا وهذه الألفاظ مشتركة في تصدير الحديث بالإثبات لا بالنهي وفيها زيادة تصريح بالأصناف المختلفة وعند من حديث النسائي حكيم بن جابر عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبادة } وقد روى ما توهم أن يقول : الذهب الكفة بالكفة ، والفضة الكفة بالكفة ، حتى قال : الملح الكفة [ ص: 63 ] بالكفة حكيما لم يسمعه من ، فهذه ألفاظ الكتب الخمسة في حديث عبادة والله تعالى أعلم . وإنما أطلت الكلام على هذا الحديث لكونه الذي ذكره عبادة المصنف .
وأما حديث فهو أتمها وأحسنها بعد حديث أبي سعيد الخدري ، لا سيما وهو المناظر عبادة في ذلك ، وهو في أصله متفق على صحته . وقد اعتمد عليه لابن عباس رضي الله عنه فإنه رواه عن أبو حنيفة عطية العوفي عنه ، ولفظه الذي اتفقا عليه مختصرا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { } " وفي رواية قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز " إلا يدا بيد " ولفظه عند البخاري : { البخاري } هو كذلك في مسند كنا نرزق تمر الجمع وهو الخلط من التمر ، وكنا نبيع صاعين بصاع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صاعين بصاع ولا درهما بدرهمين { أحمد } قال لا صاعي تمر بصاع ، ولا صاعي حنطة بصاع ، ولا درهمين بدرهم : قال أحمد زيد : { } وفي رواية ولا صاعا تمر بصاع ، ولا صاعا حنطة بصاع " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { للبخاري } " ولفظه عند الذهب بالذهب مثلا بمثل ، والورق بالورق مثلا بمثل " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مسلم } وهو أتم ألفاظه . وكذلك رواه الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء في المسند ، وقد تقدم من ألفاظه عن ذكر مذهب أحمد غير هذا . ابن عباس
وأما حديث أبي الدرداء رضي الله عنهما قد تقدما . وأما حديث وأبي سعيد رضي الله عنه فرواه أبي هريرة البخاري مقرونا بحديث ومسلم " { أبي سعيد خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا } ورواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على وحده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 64 ] { مسلم } " وفي أخرى " { التمر بالتمر والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، إلا ما اختلفت ألوانه } " وفي رواية عنده قال : " { الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل ، والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل ، فمن زاد أو استزاد فهو ربا } " وفي رواية في مسند الدينار بالدينار لا فضل بينهما ، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما صحيحة " { أحمد } " وأما حديث الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، ولا تفضلوا بعضها على بعض رضي الله عنهما فرواه ابن عمر في الموطأ " أنه جاءه صائغ فقال : يا مالك إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه ، فاستفضل في ذلك قدر عمل يدي ، فنهاه أبا عبد الرحمن عن ذلك ، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة عبد الله بن عمر ينهاه ، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته ، يريد أن يركبها . ثم قال وعبد الله : الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما . هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا وعهدنا إليكم " هكذا رواه عبد الله بن عمر في الموطأ فجعله من مسند مالك ، ورواه من جهته ابن عمر فذكره هكذا في كتابه الكبير من مسند النسائي ، وذكره في كتاب المجتبى أيضا من جهته ، لكن وقع في روايتنا عنه عن ابن عمر قال : قال مجاهد ، وأخذ بظاهره عمر في جامع الأصول وقال : إن ابن الأثير جعله من مسند النسائي والذي أظن أن الذي وقع في روايتنا عنه عن عمر قال : قال مجاهد ، وأخذ بظاهره عمر في جامع الأصول وقال : إن ابن الأثير جعله من مسند النسائي الذي أظن أن الذي وقع في روايتنا غلط سقط ( ابن ) وكذلك من النسخة التي وقعت ابن عمرو . والله تعالى أعلم . وقال لابن الأثير - رحمه الله - عقب روايته له عن الشافعي : هذا خطأ ثم رواه عن مالك عن سفيان بن عيينة وردان الدوي عن فقال فيه : هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم . قال ابن عمر - رحمه الله - : يعني بصاحبنا الشافعي رضي الله عنه قال عمر بن الخطاب في المعرفة : وهو كما قال ، فالأخبار دالة على أن البيهقي لم يسمع في ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال يعني ابن عمر : يجوز أن يقول : هذا عهد نبينا إلينا ، وهو يريد إلى أصحابه بعدما ثبت له ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الشافعي وغيره . [ ص: 65 ] وقد تكلم أبي سعيد هنا بما لا أستحسن أن أقابله بمثله لما ألزمت نفسي من الأدب مع العلماء . ونسب ابن عبد البر إلى الغلط ، ورأى أن رواية الشافعي سفيان مجملة ، ورواية مبينة ، فيكون مراده بقوله صاحبنا هو النبي صلى الله عليه وسلم والصواب ما قاله مالك رحمه الله ، فإن في صحيح الشافعي عن مسلم قال : " كان نافع يحدث عن ابن عمر في الصرف ، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا " ولكن لرواية عمر رضي الله عنهما أصل في تحريم ربا الفضل ; فإنه روى عنه قال : " { ابن عمر بتمر عنده فجاء بتمر أنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا التمر ؟ قال : التمر الذي كان عندنا أبدلناه صاعين بصاع . فقال : رد علينا تمرنا بلالا } " رويناه في مسند كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أناس فدعا من حديث عبد بن حميد أبي دهقانة عن وفي مسند ابن عمر عن أحمد شرحبيل أن ابن عمر وأبا هريرة حدثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { وأبا سعيد } قال الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى شرحبيل : ( إن لم أكن سمعته منهم فأدخلني الله النار ) . ويحتمل أن يكون أرسل ذلك لما ثبت له من جهة ابن عمر وغيره وأما حديث أبي سعيد فصحيح رواه فضالة بن عبيد قال " { مسلم خيبر نبايع اليهود الأوقية الذهب بالدينارين والثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن } . وأما حديث كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فرواه أبي بكرة البخاري قال " { ومسلم } " رواه بهذا اللفظ . وأما حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة ، والذهب بالذهب إلا سواء بسواء ، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا والفضة بالذهب كيف شئنا معمر بن عبد الله فصحيح أخرجه أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال : بعه ثم اشتر شعيرا ، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء مسلم أخبره بذلك ، فقال له معمرا : لم فعلت ذلك ؟ انطلق فرده ، ولا تأخذن إلا مثلا بمثل ، فإني كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { معمر } " وكان طعامنا يومئذ [ ص: 66 ] الشعير ، قيل له : فإنه ليس بمثله قال : إني أخاف أن يضارع ) وقد ذكر الطعام بالطعام مثلا بمثل المصنف المسند منه في الفصل الأول ، وسيأتي الكلام على القمح والشعير .
وأما حديث فرواه رافع بن خديج في شرح معاني الآثار عن أبو جعفر الطحاوي ثنا أبي بكرة عمير بن نفير ثنا حدثني عاصم بن محمد زيد بن محمد قال : حدثني قال : " مشى نافع إلى عبد الله بن عمر في حديث بلغه عنه في بيان الصرف ، فأتاه فدخل عليه فسأله عنه ، فقال رافع بن خديج : { رافع } " وأما حديث سمعته أذناي وأبصرته عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تشفوا الدينار على الدينار ، ولا الدرهم على الدرهم ، ولا تبيعوا غائبا منها بناجز ، وإن استنظرك حتى يدخل عتبة بابه رضي الله عنه فرويناه في مسند الإمام بلال ورواه عن أبي محمد الدارمي عثمان بن عمر أنا عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسروق قال { بلال ؟ قلت اشتريته صاعا بصاعين . قال : رده ورد علينا تمرنا بلال } وأما حديث كان عندي مد تمر للنبي صلى الله عليه وسلم فوجدت أطيب منه صاعا بصاعين ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال من أين لك هذا يا فرواه الإمام جابر بن عبد الله أبو محمد بن عبد الله بن وهب في مسنده قال : أخبرني عن ابن لهيعة عن أبي الزبير قال : { جابر كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعطي الصاع من حنطة في ستة آصع من تمر ، فأما سوى ذلك من الطعام فيكره ذلك إلا مثلا بمثل } " وفي مسند وغيره عن أحمد جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أنهم نهوا من الصرف ، رفعه رجلان منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصرف هنا محمول على الفضل في بيع النقد بمثله والله أعلم ، هذا وإن كان ظاهر لفظه فيه إشكال فإنه يفيد كراهة الطعام بجنسه إلا مثلا بمثل وهو المقصود . وأما حديث وأبي هريرة فرواه أنس بن مالك في سننه من حديث الدارقطني عن أبي بكر بن عياش بفتح الصاد عن الربيع بن صبيح الحسن عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وأنس بن مالك } [ ص: 67 ] به قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا ، وما كيل فمثل ذلك ، فإذا اختلف النوعان فلا بأس : لم يروه غير الدارقطني أبي بكر عن الربيع هكذا وخالفه جماعة فرووه عن الربيع عن عن ابن سيرين عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ غير هذا اللفظ . وأنس
وأما حديث فرواه رويفع بن ثابت : حدثنا فهد قال : حدثنا الطحاوي أنا ابن أبي مريم نافع بن يزيد أنا ربيعة بن سليمان مولى عبد الرحمن بن حسان التجيبي أنه سمع حنشا الصنعاني يحدث عن رويفع بن الحارث في غزوة أناس قبل المغرب يقول : { خيبر : بلغني أنكم تبتاعون المثقال بالنصف والثلثين ، وأنه لا يصلح إلا المثقال بالمثقال والوزن بالوزن } " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة ورويفع بن ثابت هذا أنصاري صحابي ، قال في التاريخ الكبير : يعد في المصريين ، وذكره البخاري ابن أبي خيثمة في تاريخه في الأنصار ، وروى له حديثا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ( وأما ) حديث فرواه بريدة بسند فيه الطحاوي الفضل بن حبيب السراج إلى " { بريدة بصاعين من تمر ، فأتوا بصاع من عجوة ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أنكره فقال : من أين لكم هذا قالوا : بعثنا بصاعين فأتينا بصاع فقال : ردوه فلا حاجة لي فيه أم سلمة } " فهؤلاء من حضرني رواياتهم من الصحابة رضي الله عنهم عشرون صحابيا . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهى تمرا فأرسل بعض أزواجه ولا أراها إلا
ورواه مرسلا يحيى بن سعيد الأنصاري قال " { خيبر أن يبيعا آنية من المغنم من ذهب أو فضة ، فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا ، أو كل أربعة بثلاثة عينا ، فقال لهما : أربيتما فردا } " رواه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين يوم في الموطأ ، والسعدان مالك سعد بن مالك وسعد بن عبادة .
وروي أيضا مرسلا بزيادة على الستة عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { مالك بن أوس بن الحدثان } وهو مرسل وإسناده في غاية الضعف ، فيه رجل وضاع وآخر مجهول . فهذه اثنان وعشرون حديثا ، منها في الصحيحين حديث التمر بالتمر والزبيب بالزبيب والبر بالبر ، والسمن بالسمن . والزيت بالزيت والدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما أبي سعيد وأبي [ ص: 68 ] بكرة وفي وحده حديث مسلم عبادة وأبي هريرة وعثمان بن عفان وفضالة ، وعلى الخمسة الأول اقتصر الشافعي رضي الله عنه ( ومنها ) خارج الصحيحين وهو صحيح حديث أبي أسيد وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص ، والله أعلم . وفي بقية ذلك ما ينظر فيه ، والله أعلم .
[ ص: 61 ] ورواه بقريب من هذا اللفظ من حديث النسائي بن مسلم يسار عن وعبد الله بن عبيد قال " { عبادة } " ورواه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق ، والبر بالبر والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر قال أحدهما : والملح بالملح ، ولم يقله الآخر إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا - قال أحدهما : فمن زاد أو ازداد فقد أربى كذلك بهذا اللفظ ، وقدم الورق على الذهب وبعض قوله : " وأمرنا أن نبيع الذهب " وقوله : " من زاد أو ازداد " ورواية ابن ماجه مسلم بن يسار هذه منقطعة ، فإنه لم يسمع ذلك من وإنما سمعه من عبادة أبي الأشعث عنه . وأما رواية ويقال له عبد الله بن عبيد فمتصلة فيما أظن والله أعلم . ابن هرمز
وذكره في مختصره عن المزني رحمه الله كذلك من حديث الشافعي مسلم بن يسار ورجل آخر عن ، ولفظه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { عبادة } " قال : ونقص أحدهما التمر والملح وزاد الآخر : " فمن زاد أو استزاد فقد أربى " . لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ، ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح ، إلا سواء بسواء عينا بعين ، يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب . والبر بالشعير ، والشعير بالبر ، والتمر بالملح ، والملح بالتمر . يدا بيد كيف شئتم
وكذلك رويناه في مسند من رواية الشافعي الربيع حرفا بحرف إلا أنه قال : " وزاد أحدهما : من زاد أو ازداد " ورواه في المعرفة من رواية البيهقي عن المزني أيضا من طريق الشافعي أبي قلابة عن أبي الأشعث متصلا بلفظ قريب من اللفظ الأول . وهذه الألفاظ كلها متفقة في تصدير الحديث بالنهي وفي استيفاء الأجناس الستة ، وانفردت رواية بالجمع بين قوله " عينا بعين يدا بيد " . ولم أقف على ذلك في حديث الشافعي إلا من هذه الرواية . ولا في أكثر الأحاديث إلا في حديث عبادة الذي تقدم ، وفيه جمع بينهما . فهذا اللفظ الواحد الذي أورده أبي سعيد الخدري المصنف في الفصل الأول : والظاهر أنه أورده من أو ممن نقل عنه ، ونعم ما فعل إلا أن قوله في آخره : استزاد ليس في مسلم بل في لفظ مسلم في المختصر [ ص: 62 ] الشافعي في رواية من لفظ والنسائي وإنما جاء لفظ : استزاد في عبادة من حديث مسلم ولفظ أبي سعيد ازداد . هذا الذي رأيته في روايتنا والله سبحانه وتعالى أعلم . وفي لفظ آخر عبادة عن لمسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { عبادة } " وهذا اللفظ هو الذي أورده الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح . مثلا بمثل سواء بسواء . يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد المصنف في هذا الفصل . لكنه قدم التمر على البر ولم يقل : سواء بسواء . فإنه تأكيد لقوله : " مثلا بمثل " . ورواه بقريب من هذا اللفظ أبو داود والترمذي من طريق والنسائي أبي الأشعث . ولفظ أبي داود فيه : " { } " ولفظ الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر بالبر مدا بمد والشعير بالشعير مدا بمد ، والتمر بالتمر مدا بمد ، والملح بالملح مدا بمد ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد ، وأما نسيئة فلا ، ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا الترمذي " { } قال الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل ، والتمر بالتمر مثلا بمثل ، والملح بالملح مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى . بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد الترمذي : حديث حديث حسن صحيح . قال : وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبادة بهذا الإسناد وقال : " { خالد } " . وروى بعضهم هذا الحديث عن بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد عن خالد أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث . وزاد فيه : قال عبادة : قال خالد أبو قلابة " فبيعوا البر بالشعير كيف شئتم " فذكر الحديث ولفظ قريب من لفظ النسائي أبي داود مختصرا وهذه الألفاظ مشتركة في تصدير الحديث بالإثبات لا بالنهي وفيها زيادة تصريح بالأصناف المختلفة وعند من حديث النسائي حكيم بن جابر عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبادة } وقد روى ما توهم أن يقول : الذهب الكفة بالكفة ، والفضة الكفة بالكفة ، حتى قال : الملح الكفة [ ص: 63 ] بالكفة حكيما لم يسمعه من ، فهذه ألفاظ الكتب الخمسة في حديث عبادة والله تعالى أعلم . وإنما أطلت الكلام على هذا الحديث لكونه الذي ذكره عبادة المصنف .
وأما حديث فهو أتمها وأحسنها بعد حديث أبي سعيد الخدري ، لا سيما وهو المناظر عبادة في ذلك ، وهو في أصله متفق على صحته . وقد اعتمد عليه لابن عباس رضي الله عنه فإنه رواه عن أبو حنيفة عطية العوفي عنه ، ولفظه الذي اتفقا عليه مختصرا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { } " وفي رواية قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز " إلا يدا بيد " ولفظه عند البخاري : { البخاري } هو كذلك في مسند كنا نرزق تمر الجمع وهو الخلط من التمر ، وكنا نبيع صاعين بصاع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صاعين بصاع ولا درهما بدرهمين { أحمد } قال لا صاعي تمر بصاع ، ولا صاعي حنطة بصاع ، ولا درهمين بدرهم : قال أحمد زيد : { } وفي رواية ولا صاعا تمر بصاع ، ولا صاعا حنطة بصاع " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { للبخاري } " ولفظه عند الذهب بالذهب مثلا بمثل ، والورق بالورق مثلا بمثل " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مسلم } وهو أتم ألفاظه . وكذلك رواه الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء في المسند ، وقد تقدم من ألفاظه عن ذكر مذهب أحمد غير هذا . ابن عباس
وأما حديث أبي الدرداء رضي الله عنهما قد تقدما . وأما حديث وأبي سعيد رضي الله عنه فرواه أبي هريرة البخاري مقرونا بحديث ومسلم " { أبي سعيد خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا } ورواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على وحده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 64 ] { مسلم } " وفي أخرى " { التمر بالتمر والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، إلا ما اختلفت ألوانه } " وفي رواية عنده قال : " { الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل ، والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل ، فمن زاد أو استزاد فهو ربا } " وفي رواية في مسند الدينار بالدينار لا فضل بينهما ، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما صحيحة " { أحمد } " وأما حديث الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، ولا تفضلوا بعضها على بعض رضي الله عنهما فرواه ابن عمر في الموطأ " أنه جاءه صائغ فقال : يا مالك إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه ، فاستفضل في ذلك قدر عمل يدي ، فنهاه أبا عبد الرحمن عن ذلك ، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة عبد الله بن عمر ينهاه ، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته ، يريد أن يركبها . ثم قال وعبد الله : الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما . هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا وعهدنا إليكم " هكذا رواه عبد الله بن عمر في الموطأ فجعله من مسند مالك ، ورواه من جهته ابن عمر فذكره هكذا في كتابه الكبير من مسند النسائي ، وذكره في كتاب المجتبى أيضا من جهته ، لكن وقع في روايتنا عنه عن ابن عمر قال : قال مجاهد ، وأخذ بظاهره عمر في جامع الأصول وقال : إن ابن الأثير جعله من مسند النسائي والذي أظن أن الذي وقع في روايتنا عنه عن عمر قال : قال مجاهد ، وأخذ بظاهره عمر في جامع الأصول وقال : إن ابن الأثير جعله من مسند النسائي الذي أظن أن الذي وقع في روايتنا غلط سقط ( ابن ) وكذلك من النسخة التي وقعت ابن عمرو . والله تعالى أعلم . وقال لابن الأثير - رحمه الله - عقب روايته له عن الشافعي : هذا خطأ ثم رواه عن مالك عن سفيان بن عيينة وردان الدوي عن فقال فيه : هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم . قال ابن عمر - رحمه الله - : يعني بصاحبنا الشافعي رضي الله عنه قال عمر بن الخطاب في المعرفة : وهو كما قال ، فالأخبار دالة على أن البيهقي لم يسمع في ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال يعني ابن عمر : يجوز أن يقول : هذا عهد نبينا إلينا ، وهو يريد إلى أصحابه بعدما ثبت له ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الشافعي وغيره . [ ص: 65 ] وقد تكلم أبي سعيد هنا بما لا أستحسن أن أقابله بمثله لما ألزمت نفسي من الأدب مع العلماء . ونسب ابن عبد البر إلى الغلط ، ورأى أن رواية الشافعي سفيان مجملة ، ورواية مبينة ، فيكون مراده بقوله صاحبنا هو النبي صلى الله عليه وسلم والصواب ما قاله مالك رحمه الله ، فإن في صحيح الشافعي عن مسلم قال : " كان نافع يحدث عن ابن عمر في الصرف ، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا " ولكن لرواية عمر رضي الله عنهما أصل في تحريم ربا الفضل ; فإنه روى عنه قال : " { ابن عمر بتمر عنده فجاء بتمر أنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا التمر ؟ قال : التمر الذي كان عندنا أبدلناه صاعين بصاع . فقال : رد علينا تمرنا بلالا } " رويناه في مسند كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أناس فدعا من حديث عبد بن حميد أبي دهقانة عن وفي مسند ابن عمر عن أحمد شرحبيل أن ابن عمر وأبا هريرة حدثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { وأبا سعيد } قال الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى شرحبيل : ( إن لم أكن سمعته منهم فأدخلني الله النار ) . ويحتمل أن يكون أرسل ذلك لما ثبت له من جهة ابن عمر وغيره وأما حديث أبي سعيد فصحيح رواه فضالة بن عبيد قال " { مسلم خيبر نبايع اليهود الأوقية الذهب بالدينارين والثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن } . وأما حديث كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فرواه أبي بكرة البخاري قال " { ومسلم } " رواه بهذا اللفظ . وأما حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة ، والذهب بالذهب إلا سواء بسواء ، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا والفضة بالذهب كيف شئنا معمر بن عبد الله فصحيح أخرجه أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال : بعه ثم اشتر شعيرا ، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء مسلم أخبره بذلك ، فقال له معمرا : لم فعلت ذلك ؟ انطلق فرده ، ولا تأخذن إلا مثلا بمثل ، فإني كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { معمر } " وكان طعامنا يومئذ [ ص: 66 ] الشعير ، قيل له : فإنه ليس بمثله قال : إني أخاف أن يضارع ) وقد ذكر الطعام بالطعام مثلا بمثل المصنف المسند منه في الفصل الأول ، وسيأتي الكلام على القمح والشعير .
وأما حديث فرواه رافع بن خديج في شرح معاني الآثار عن أبو جعفر الطحاوي ثنا أبي بكرة عمير بن نفير ثنا حدثني عاصم بن محمد زيد بن محمد قال : حدثني قال : " مشى نافع إلى عبد الله بن عمر في حديث بلغه عنه في بيان الصرف ، فأتاه فدخل عليه فسأله عنه ، فقال رافع بن خديج : { رافع } " وأما حديث سمعته أذناي وأبصرته عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تشفوا الدينار على الدينار ، ولا الدرهم على الدرهم ، ولا تبيعوا غائبا منها بناجز ، وإن استنظرك حتى يدخل عتبة بابه رضي الله عنه فرويناه في مسند الإمام بلال ورواه عن أبي محمد الدارمي عثمان بن عمر أنا عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسروق قال { بلال ؟ قلت اشتريته صاعا بصاعين . قال : رده ورد علينا تمرنا بلال } وأما حديث كان عندي مد تمر للنبي صلى الله عليه وسلم فوجدت أطيب منه صاعا بصاعين ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال من أين لك هذا يا فرواه الإمام جابر بن عبد الله أبو محمد بن عبد الله بن وهب في مسنده قال : أخبرني عن ابن لهيعة عن أبي الزبير قال : { جابر كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعطي الصاع من حنطة في ستة آصع من تمر ، فأما سوى ذلك من الطعام فيكره ذلك إلا مثلا بمثل } " وفي مسند وغيره عن أحمد جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أنهم نهوا من الصرف ، رفعه رجلان منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصرف هنا محمول على الفضل في بيع النقد بمثله والله أعلم ، هذا وإن كان ظاهر لفظه فيه إشكال فإنه يفيد كراهة الطعام بجنسه إلا مثلا بمثل وهو المقصود . وأما حديث وأبي هريرة فرواه أنس بن مالك في سننه من حديث الدارقطني عن أبي بكر بن عياش بفتح الصاد عن الربيع بن صبيح الحسن عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وأنس بن مالك } [ ص: 67 ] به قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا ، وما كيل فمثل ذلك ، فإذا اختلف النوعان فلا بأس : لم يروه غير الدارقطني أبي بكر عن الربيع هكذا وخالفه جماعة فرووه عن الربيع عن عن ابن سيرين عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ غير هذا اللفظ . وأنس
وأما حديث فرواه رويفع بن ثابت : حدثنا فهد قال : حدثنا الطحاوي أنا ابن أبي مريم نافع بن يزيد أنا ربيعة بن سليمان مولى عبد الرحمن بن حسان التجيبي أنه سمع حنشا الصنعاني يحدث عن رويفع بن الحارث في غزوة أناس قبل المغرب يقول : { خيبر : بلغني أنكم تبتاعون المثقال بالنصف والثلثين ، وأنه لا يصلح إلا المثقال بالمثقال والوزن بالوزن } " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة ورويفع بن ثابت هذا أنصاري صحابي ، قال في التاريخ الكبير : يعد في المصريين ، وذكره البخاري ابن أبي خيثمة في تاريخه في الأنصار ، وروى له حديثا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ( وأما ) حديث فرواه بريدة بسند فيه الطحاوي الفضل بن حبيب السراج إلى " { بريدة بصاعين من تمر ، فأتوا بصاع من عجوة ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أنكره فقال : من أين لكم هذا قالوا : بعثنا بصاعين فأتينا بصاع فقال : ردوه فلا حاجة لي فيه أم سلمة } " فهؤلاء من حضرني رواياتهم من الصحابة رضي الله عنهم عشرون صحابيا . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهى تمرا فأرسل بعض أزواجه ولا أراها إلا
ورواه مرسلا يحيى بن سعيد الأنصاري قال " { خيبر أن يبيعا آنية من المغنم من ذهب أو فضة ، فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا ، أو كل أربعة بثلاثة عينا ، فقال لهما : أربيتما فردا } " رواه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين يوم في الموطأ ، والسعدان مالك سعد بن مالك وسعد بن عبادة .
وروي أيضا مرسلا بزيادة على الستة عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { مالك بن أوس بن الحدثان } وهو مرسل وإسناده في غاية الضعف ، فيه رجل وضاع وآخر مجهول . فهذه اثنان وعشرون حديثا ، منها في الصحيحين حديث التمر بالتمر والزبيب بالزبيب والبر بالبر ، والسمن بالسمن . والزيت بالزيت والدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما أبي سعيد وأبي [ ص: 68 ] بكرة وفي وحده حديث مسلم عبادة وأبي هريرة وعثمان بن عفان وفضالة ، وعلى الخمسة الأول اقتصر الشافعي رضي الله عنه ( ومنها ) خارج الصحيحين وهو صحيح حديث أبي أسيد وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص ، والله أعلم . وفي بقية ذلك ما ينظر فيه ، والله أعلم .
الحكم الثاني وهو حرام في الجنس ، والجنسين إذا كان العوضان جميعا من أموال الربا كالذهب بالذهب ، والذهب بالفضة ، والحنطة بالحنطة ، والحنطة بالتمر ، وذلك مجمع عليه بين المسلمين ، وممن نقل الإجماع عليه صريحا الشيخ تحريم النسيئة ، ونقل جماعة عدم الخلاف فيه فقال أبو حامد في كتاب مراتب الإجماع : واتفقوا أن بيع الذهب بالذهب بين المسلمين نسيئة حرام ، وأن بيع الفضة بالفضة نسيئة بين المسلمين حرام إلا أنا وجدنا أبو محمد بن حزم رضي الله عنه أنه باع من لعلي جبة منسوجة بالذهب بذهب إلى أجل ، وأن عمرو بن حريث أحرقها ، وأخرج منها من الذهب أكثر مما ابتاعها به ، ووجدنا عمرا للمغيرة المخزومي صاحب أن دينارا وثوبا بدينارين أحدهما نقدا والآخر نسيئة جائز ، واتفقوا أن بيع القمح بالقمح نسيئة حرام ، وأن بيع الشعير بالشعير كذلك نسيئة حرام ، وأن بيع الملح بالملح نسيئة حرام ، وأن بيع التمر بالتمر نسيئة حرام ا هـ كلام مالك . وقد رأيت المسألة التي أشار إليها عن ابن حزم المغيرة المخزومي في تعليقة أبي إسحاق التونسي من المالكية وذلك مما لا يعرج عليه ، ولعل له تأويلا أو وقع وهم في النقل . ومن الأدلة على التحريم في ذلك الأحاديث المتقدمة كحديث وحديث أسامة البراء وحديث وزيد بن أرقم . أما حديث أبي سعيد الخدري فقوله " إنما الربا في النسيئة " إن جعلناه منسوخا فالمنسوخ منه الحصر خاصة ، كما قيل مثله في " إنما الماء من الماء " فإن الحكم بالإثبات مستمر لم ينسخ ، وإن حملناه على أنه جواب عند اختلاف الجنسين فيكون دالا على تحريم النساء في الجنسين ، وفي الجنس الواحد بطريق أولى ، لأن تحريم النساء آكد بدليل تحريمه في الجنسين ، فإذا حرم التفاضل فالنساء أولى وإن حملناه على التأويل الثالث وهو بيع الدين بالدين [ ص: 69 ] فلا تبقى فيه دلالة ، وحديث أسامة البراء وزيد صريح في النهي عن بيع الذهب بالورق دينا ، ففي الجنس الواحد أولى كما تقدم . وفي حديث " { أبي سعيد } " وهذا صريح في منع الأجل في الجنس الواحد ، بل عمومه شامل لكل المذكور ، سواء كان جنسا أو جنسين . وقد أخذ هذا الحكم أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم " { ولا تبيعوا منها غائبا بناجز } إما لأن اللفظة تقتضي ذلك ابتداء ( وإما ) لأنها تقتضي التقابض ، ومن ضرورته الحلول غالبا . وأما فرض أجل يسير ينقضي في المجلس فنادر غير مقصود ومنع ها وها الماوردي أخذه من هذا . وقال هو والغزالي : إنه مأخوذ من قوله : عينا بعين . إذ العين لا يدخل فيها الأجل ولا يمكنهما الوفاء بمقتضى هذا الاستدلال . لأنهما وجميع الشافعية لا يشترطون التعيين بل يجوزون أن يرد على موصوف في الذمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى . لكنه قد يقال : إن غلب إطلاق الدينية في الأجل والعينية في مقابله . وإن لم يكن معينا . وفي تسليم هذه الغلبة نظر والله أعلم .
الحكم الثالث : ويستوي في ذلك الجنس الواحد والجنسان ، أما في الذهب والورق فذلك مما لا خلاف فيه . عن تحريم التفرق قبل التقابض ويسمى ذلك ربا اليد قال : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد . وقال ابن المنذر النووي في شرح : جوز مسلم إسماعيل بن علية التفرق عند اختلاف الجنس وهو محجوج بالأحاديث والإجماع . ولعله لم يبلغه الحديث ولو بلغه لما خالفه . وأما الطعام فقد خالف فيه رضي الله عنه وقال : إنه إذا أبو حنيفة ، لم يضر العقد ، إلا إذا كان المبيع جزءا مشاعا من صبرة ، وفرق بينه وبين الصرف وفي الحقيقة ليس التقابض عنده من قاعدة الربا في شيء ، لا في الصرف ولا في الطعام وإنما اشترط في الصرف لأجل التعيين ، فإن من أصله أن الدراهم والدنانير لا تتعين بالتعيين وإنما تتعين بالقبض ، فلو تفرقا قبل [ ص: 70 ] القبض لصار دينا ولكان في ذلك بيع الكالئ بالكالئ وذلك منهي عنه على الإطلاق في الربويات وغيرها ، ويجعلون قوله : يدا بيد لمنع النساء ، وقوله : عينا بعين تأكيدا بخلاف ما يفعل أصحابنا ، وزعموا أن هذا احتمال يترك به الظاهر إذا تأيد بدليل وقد دل عليه الكتاب والقياس . باع الطعام بعضه ببعض وافترقا من المجلس ، ثم تقابضا بعد
( أما ) الكتاب فهو أن المحرم في الآية هو الربا ، والربا هو الزيادة ، وذلك إما في المقدار ، وإما في الميعاد للاستحقاق وهو النساء أو الجودة ، أما في الجودة فقد أسقطها الشرع حيث قال : جيدها ورديئها سواء ، رواه ولسقوط قيمتها تحققت المماثلة وفي هذا بنوا أن من فوت جودة الحنطة لا يضمنها على حالها وكذلك كل مكيل وموزون لأن قيمة الجودة في الربويات ساقطة بزعمهم على خلاف القياس ، والتفاضل في المقدار أو في الميعاد في الاستحقاق هو الربا فليس التقابض من الربا في شيء ، إذ قيمة المقبوض بعد كونه نقدا كقيمة غير المقبوض في المجلس ، بخلاف قيمة المؤجل فإنه يخالف قيمة الحال ، فلو حرم ترك التقابض بحكم الربا لكان زيادة على كتاب الله تعالى وأما القياس فهو أن القبض موجب للعقد إذ بالعقد يجب الإقباض فكيف يكون شرطا فيه ؟ لأن حق الشرط أن يقترن بالعقد فالواجب التعيين فقط لا القبض . ووجه الكناية عن هذا المعنى بقوله : يدا بيد أن اليد آلة الإحضار والإشارة والتعيين ، كما أنها آلة القبض ، فكما يكنى بها عن القبض يجوز أن يكنى بها عن التعيين ، وإذا كان المعنى محتملا وتأيد بدليل فلا بد من قبوله . فالتعيين هو المقصود في الربويات وفي السلم أيضا ، فإذا أسلم دراهم في حنطة وجب إقباض الدراهم ليتعين ، فلا يكون بيع الكالئ بالكالئ ، أن يجري بالأثمان ، فيكون الثمن مسلما فيه وهو دين ، والثمن رأس المال وهو دين ، فيجب تعيينه ، ثم لما عسر على العوام التفرقة بين ما يجب تعيينه وما لا يجب ، أوجب الشرع القبض في رأس المال مطلقا باسم السلم ، وأوجب في الأثمان باسم الصرف تيسيرا لمرادهم ، وتحقيقا [ ص: 71 ] للغرض ، قالوا : ولو كان المراد التقابض لقال يدا من يد ، فلما قال : يدا بيد كان مثل قوله عينا بعين . والأصل في السلم
( والجواب ) عن ذلك أنه لو كان التقابض في الصرف للخلاص عن بيع الكالئ بالكالئ لوقع الاكتفاء بالقبض في أحد الجانبين ، لأن بيع العين بالدين جائز كما في السلم ، فوجوبه في الجانبين لا مسند له إلا الحديث ( فإن قلت ) ليس أحدهما بأولى من الآخر فلذلك وجب فيهما ( قلت ) الوجوب عندهم هنا ليس معناه أنه يأثم بتركه على ما تقدم بل معناه أنه متى لم يحصل انفسخ العقد وتعليق انفساخ العقد على عدم قبض أحدهما غير ممتنع . وقد تمسكوا في الوجوب فيهما بالتسوية بين العوضين . قال أصحابنا : التسوية لحق المتعاقدين فينبغي إذا أسقطاها أن يسقط وأن ذلك يبطل بما إذا باع درهما بثوبين يجوز الاقتصار على قبض أحد البدلين مع فقدان التسوية .
( وأما ) قولهم إن " عينا بعين " تأكيد لقوله : يدا بيد فذلك يستدعي أن يكون جمع بينهما في حديث واحد ، وأن يكون " عينا بعين " متأخرا حتى يصلح أن يكون مؤكدا وهو في حديث كما تقدم . وفي لفظ المستدرك بتقديم " يدا بيد " على " عينا بعين " ( وأما ) في حديث أبي سعيد فلم أقف عليه إلا في رواية عبادة وفيها تقديم قوله : عينا بعين على : يدا بيد . والمؤكد لا يكون سابقا على المؤكد فإن جعلوا يدا بيد تأكيدا فالجواب ما قاله الإمام الشافعي محمد بن يحيى تلميذ الغزالي حيث سبق قوله : عينا بعين يمنع هذا التأويل فإن الصريح في معنى ، يستغني عن التأكيد بمحتمل ، كيف وتنزيل اللفظ على فائدتين أولى من الحمل على واحدة . وقولهم : إن اليد آلة للتعيين كما هي آلة للإقباض فالجواب أنها متعينة للإقباض . وأما التعيين فيشاركها فيه الإشارة بالرأس والعين وغير ذلك . وقولهم لو كان كذلك لقال : يدا من يد ليس بصحيح ، لأن قوله : يدا بيد معناه مقبوضا بمقبوض فعبر باليد عن المقبوض لأنها إليه من باب التعبير بالسبب الفاعلي عن المسبب ، وانتصابه على الحال ، أي حال كونه مقبوضا بمقبوض [ ص: 72 ] والباء للسببية ، فيدل على اشتراط القبض من الجانبين ولو قال من يد لم يفد ذلك ، ثم اشتهر هذا المجاز حتى صار حقيقة عرفية حيث أطلق " يدا بيد " . لا يفهم منه في العرف غير التقابض وقد اعتضد أصحابنا في المسألة والمعنى . أما الأثر فحديث رضي الله عنه مع عمر مالك بن أوس لما تصارفا ، وقوله : لا تفارقه فقد نهى وطلحة بن عبيد الله عمر عن مفارقة مالكا حتى يقبض منه واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إلا ها وها ودل على أنه فهم منه التقابض لا مجرد الحلول . وأنه أخذه من قاعدة الربا لا من قاعدة التعيين وبيع الكالئ بالكالئ . وهذا الحديث سيأتي مستوفى إن شاء الله تعالى . وفهم الراوي أولى من فهم غيره ، لا سيما مثل طلحة رضي الله عنه ولهم أن يقولوا بعد تسليم الاحتجاج بمثل خلاف الظاهر والله أعلم . عمر بن الخطاب
وأما المعنى فهو أن ترك التقابض ربا ، لأن الربا عبارة عن الفضل المطلق . والفضل يكون من وجوه كثيرة . يكون قدرا في الصاع بالصاعين . ونقدا في العين بالنساء . وقبضا في المقبوض وغير المقبوض . قال أصحابنا : بل الزيادة من حيث اليد فوق الزيادة من حيث العينية . لأن الأعيان إنما تطلب ليتوصل إليها بالأيدي ، ولأن اليد تقصد بنفسها في كثير من العقود ، والعينية لا تقصد بنفسها . وإذا ثبت أنه ربا فيجب التقابض نفيا للربا . ومتى جاز تأخير أحد العوضين أمكن الربا فلا يؤمن ذلك إلا بإيجاب التقابض فيهما . وهذا ملخص سؤال وجواب ، ذكره ابن السمعاني رحمه الله . وسيأتي القول في تعيين الأثمان الذي جعلوا بناء كلامهم عليه إن شاء الله تعالى والله أعلم . والمالكية والحنبلية موافقون لنا في المسألة ، يشترطون التقابض في كما هو في الصرف ، وقد أطال كل من الفريقين الحنفية ومقابليهم من أصحابنا وغيرهم في الاستدلال والإلزامات بما لم أر تطويل الكتاب بذكره . وعمدة الحنفية في الجواب مبني على أن الأثمان لا يتعين [ ص: 73 ] بالتعيين ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى ، فمتى لم يتم لهم ذلك الأصل انحل كلامهم في هذه المسألة بقيام الإجماع على اشتراط القبض في الصرف ، وحينئذ لا يبقى فرق ، بينه وبين الطعام . والله تعالى أعلم . فائدة قال بيع الطعام بالطعام - رحمه الله - : فتحصل في القبض ثلاث مسائل ، ما يعتبر فيه القبض بالإجماع وهو الصرف ، وما لا يعتبر فيه بالإجماع وهو بيع المطعوم بنقد ، ومختلف فيه ، وهو المطعوم بعضه ببعض . نصر المقدسي
( أما ) الكتاب فهو أن المحرم في الآية هو الربا ، والربا هو الزيادة ، وذلك إما في المقدار ، وإما في الميعاد للاستحقاق وهو النساء أو الجودة ، أما في الجودة فقد أسقطها الشرع حيث قال : جيدها ورديئها سواء ، رواه ولسقوط قيمتها تحققت المماثلة وفي هذا بنوا أن من فوت جودة الحنطة لا يضمنها على حالها وكذلك كل مكيل وموزون لأن قيمة الجودة في الربويات ساقطة بزعمهم على خلاف القياس ، والتفاضل في المقدار أو في الميعاد في الاستحقاق هو الربا فليس التقابض من الربا في شيء ، إذ قيمة المقبوض بعد كونه نقدا كقيمة غير المقبوض في المجلس ، بخلاف قيمة المؤجل فإنه يخالف قيمة الحال ، فلو حرم ترك التقابض بحكم الربا لكان زيادة على كتاب الله تعالى وأما القياس فهو أن القبض موجب للعقد إذ بالعقد يجب الإقباض فكيف يكون شرطا فيه ؟ لأن حق الشرط أن يقترن بالعقد فالواجب التعيين فقط لا القبض . ووجه الكناية عن هذا المعنى بقوله : يدا بيد أن اليد آلة الإحضار والإشارة والتعيين ، كما أنها آلة القبض ، فكما يكنى بها عن القبض يجوز أن يكنى بها عن التعيين ، وإذا كان المعنى محتملا وتأيد بدليل فلا بد من قبوله . فالتعيين هو المقصود في الربويات وفي السلم أيضا ، فإذا أسلم دراهم في حنطة وجب إقباض الدراهم ليتعين ، فلا يكون بيع الكالئ بالكالئ ، أن يجري بالأثمان ، فيكون الثمن مسلما فيه وهو دين ، والثمن رأس المال وهو دين ، فيجب تعيينه ، ثم لما عسر على العوام التفرقة بين ما يجب تعيينه وما لا يجب ، أوجب الشرع القبض في رأس المال مطلقا باسم السلم ، وأوجب في الأثمان باسم الصرف تيسيرا لمرادهم ، وتحقيقا [ ص: 71 ] للغرض ، قالوا : ولو كان المراد التقابض لقال يدا من يد ، فلما قال : يدا بيد كان مثل قوله عينا بعين . والأصل في السلم
( والجواب ) عن ذلك أنه لو كان التقابض في الصرف للخلاص عن بيع الكالئ بالكالئ لوقع الاكتفاء بالقبض في أحد الجانبين ، لأن بيع العين بالدين جائز كما في السلم ، فوجوبه في الجانبين لا مسند له إلا الحديث ( فإن قلت ) ليس أحدهما بأولى من الآخر فلذلك وجب فيهما ( قلت ) الوجوب عندهم هنا ليس معناه أنه يأثم بتركه على ما تقدم بل معناه أنه متى لم يحصل انفسخ العقد وتعليق انفساخ العقد على عدم قبض أحدهما غير ممتنع . وقد تمسكوا في الوجوب فيهما بالتسوية بين العوضين . قال أصحابنا : التسوية لحق المتعاقدين فينبغي إذا أسقطاها أن يسقط وأن ذلك يبطل بما إذا باع درهما بثوبين يجوز الاقتصار على قبض أحد البدلين مع فقدان التسوية .
( وأما ) قولهم إن " عينا بعين " تأكيد لقوله : يدا بيد فذلك يستدعي أن يكون جمع بينهما في حديث واحد ، وأن يكون " عينا بعين " متأخرا حتى يصلح أن يكون مؤكدا وهو في حديث كما تقدم . وفي لفظ المستدرك بتقديم " يدا بيد " على " عينا بعين " ( وأما ) في حديث أبي سعيد فلم أقف عليه إلا في رواية عبادة وفيها تقديم قوله : عينا بعين على : يدا بيد . والمؤكد لا يكون سابقا على المؤكد فإن جعلوا يدا بيد تأكيدا فالجواب ما قاله الإمام الشافعي محمد بن يحيى تلميذ الغزالي حيث سبق قوله : عينا بعين يمنع هذا التأويل فإن الصريح في معنى ، يستغني عن التأكيد بمحتمل ، كيف وتنزيل اللفظ على فائدتين أولى من الحمل على واحدة . وقولهم : إن اليد آلة للتعيين كما هي آلة للإقباض فالجواب أنها متعينة للإقباض . وأما التعيين فيشاركها فيه الإشارة بالرأس والعين وغير ذلك . وقولهم لو كان كذلك لقال : يدا من يد ليس بصحيح ، لأن قوله : يدا بيد معناه مقبوضا بمقبوض فعبر باليد عن المقبوض لأنها إليه من باب التعبير بالسبب الفاعلي عن المسبب ، وانتصابه على الحال ، أي حال كونه مقبوضا بمقبوض [ ص: 72 ] والباء للسببية ، فيدل على اشتراط القبض من الجانبين ولو قال من يد لم يفد ذلك ، ثم اشتهر هذا المجاز حتى صار حقيقة عرفية حيث أطلق " يدا بيد " . لا يفهم منه في العرف غير التقابض وقد اعتضد أصحابنا في المسألة والمعنى . أما الأثر فحديث رضي الله عنه مع عمر مالك بن أوس لما تصارفا ، وقوله : لا تفارقه فقد نهى وطلحة بن عبيد الله عمر عن مفارقة مالكا حتى يقبض منه واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إلا ها وها ودل على أنه فهم منه التقابض لا مجرد الحلول . وأنه أخذه من قاعدة الربا لا من قاعدة التعيين وبيع الكالئ بالكالئ . وهذا الحديث سيأتي مستوفى إن شاء الله تعالى . وفهم الراوي أولى من فهم غيره ، لا سيما مثل طلحة رضي الله عنه ولهم أن يقولوا بعد تسليم الاحتجاج بمثل خلاف الظاهر والله أعلم . عمر بن الخطاب
وأما المعنى فهو أن ترك التقابض ربا ، لأن الربا عبارة عن الفضل المطلق . والفضل يكون من وجوه كثيرة . يكون قدرا في الصاع بالصاعين . ونقدا في العين بالنساء . وقبضا في المقبوض وغير المقبوض . قال أصحابنا : بل الزيادة من حيث اليد فوق الزيادة من حيث العينية . لأن الأعيان إنما تطلب ليتوصل إليها بالأيدي ، ولأن اليد تقصد بنفسها في كثير من العقود ، والعينية لا تقصد بنفسها . وإذا ثبت أنه ربا فيجب التقابض نفيا للربا . ومتى جاز تأخير أحد العوضين أمكن الربا فلا يؤمن ذلك إلا بإيجاب التقابض فيهما . وهذا ملخص سؤال وجواب ، ذكره ابن السمعاني رحمه الله . وسيأتي القول في تعيين الأثمان الذي جعلوا بناء كلامهم عليه إن شاء الله تعالى والله أعلم . والمالكية والحنبلية موافقون لنا في المسألة ، يشترطون التقابض في كما هو في الصرف ، وقد أطال كل من الفريقين الحنفية ومقابليهم من أصحابنا وغيرهم في الاستدلال والإلزامات بما لم أر تطويل الكتاب بذكره . وعمدة الحنفية في الجواب مبني على أن الأثمان لا يتعين [ ص: 73 ] بالتعيين ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى ، فمتى لم يتم لهم ذلك الأصل انحل كلامهم في هذه المسألة بقيام الإجماع على اشتراط القبض في الصرف ، وحينئذ لا يبقى فرق ، بينه وبين الطعام . والله تعالى أعلم . فائدة قال بيع الطعام بالطعام - رحمه الله - : فتحصل في القبض ثلاث مسائل ، ما يعتبر فيه القبض بالإجماع وهو الصرف ، وما لا يعتبر فيه بالإجماع وهو بيع المطعوم بنقد ، ومختلف فيه ، وهو المطعوم بعضه ببعض . نصر المقدسي
الحكم الرابع : والتفرق قبل التقابض ولا خلاف في جواز المفاضلة عند اختلاف الجنس للأحاديث الصريحة السابقة ، وكذلك تحريم النساء عند الاتحاد في علة الربا كما تقدم . أما في المنصوص عليه فبالإجماع ، وأما في غيره فبإجماع القياسين ، جواز التفاضل عند اختلاف الجنس مع تحريم النساء حرام كذلك عندنا وعند المالكية والحنبلية . خلافا للحنفية فيما عدا الصرف كما قدمته ، وقد مضى الكلام في ذلك ومضت الأحاديث الدالة على وجوب التقابض عند اتحاد الجنس . وأما الأحاديث الدالة على وجوب التقابض عند اختلاف الجنس واتحاده فحديث والتفرق قبل التقابض رضي الله عنه وهو حديث مجمع على صحته ، خرجه عمر مالك والشافعي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في كتبهم وهذا لفظ وابن ماجه " عن البخاري أنه التمس صرفا بمائة دينار قال : فدعاني مالك بن أوس فتزاودنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال : حتى يأتي خازني من الغابة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يسمع فقال وعمر بن الخطاب رضي الله عنه والله لا تفارقه حتى تأخذ منه . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمر } " وفي رواية في الصحيح أيضا من قول الذهب بالذهب ربا إلا ها وها ، والبر بالبر ربا إلا ها وها ، والتمر بالتمر ربا إلا ها وها والشعير بالشعير ربا إلا ها وها قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره . [ ص: 74 ] وفي رواية : قال عمر : " { عمر } يقول والذي نفسي بيده ليردن إليه ذهبه ، أو لينقدنه ورقه ذلك عمر . وفي الكلام التفات . قال لمالك بن أوس " هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا . يعني في الصرف . وفي رواية في هذا الحديث " { سفيان بن عيينة } فرواها الورق بالورق ربا إلا ها وها ، والذهب بالذهب ربا إلا ها وها عن ابن أبي ذئب الزهري عن وأسانيد الروايات المتقدمة أصح وهي في صرف النقد بغير جنسه . وعن مالك بن أوس رضي الله عنه قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب والآخر ناجز ، وإن استنظرك حتى يلج بيته فلا تنظره إلا يدا بيد هات وهذا ، إني أخشى عليك الربا " . ومما هو نص في المسألة في الصرف حديث عمر قال : " كنت أبيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال { ابن عمر } لفظ صلى الله عليه وسلم إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك وبينه لبس . والحديث مشهور مما انفرد به النسائي ، وأكثر ما يروى بلفظ في أخذ البدل عما في الذمة . سماك
الحكم الخامس إن . هذا مذهبنا وبه قال البر والشعير جنسان ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا - رحمه الله - أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسماعيل بن علية وإسحاق وأبو ثور ، وهو مذهب وداود عطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والزهري وأهل والحسن البصري البصرة ، وأكثر أهل الكوفة . وقال به من الصحابة ابن عمر وعبادة بن الصامت وأبو هريرة وجابر بن عبد الله . وخالف وأنس بن مالك - رحمه الله - مالك والأوزاعي فقالوا : لا يجوز بيع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل ، وبه قال والليث بن سعد ربيعة وأبو الزناد والحكم وحماد وأبو عبد الرحمن السلمي ، وروي ولم يصح عن [ ص: 75 ] وسليمان بن بلال القاسم وسالم ، وهو رواية عن وسعيد بن المسيب قال أحمد وهو قول أكثر أهل ابن عبد البر المدينة وأهل الشام . ودليلنا في المسألة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الثابت في أبي هريرة قال : { مسلم } . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه
وقوله في حديث " { عبادة } وأيضا فإنه نص على الأشياء الستة ، وأفرد كل واحد منها باسم ، وإنما قصد الأجناس فدل على أن البر جنس والشعير جنس ويدل على المسألة صريحا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة من رواية فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " { مسلم } ومن رواية فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " { النسائي } " وهذا نص . وأما تأويل الحنفية فقد تقدم الجواب عنه وفي حديث وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر ، يدا بيد كيف شئنا الذي في سنن عبادة أبي داود " { } وأما النسيئة وكذلك عند ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما ، يدا بيد : " { النسائي } رواه من طريقين . وروى ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد والشعير أكثرهما أيضا النسائي من طريق ثالثة إلى وابن ماجه أيضا فقال في آخر حديثه : " { عبادة } " وكل هذه الطرق ترجع إلى وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبر بالشعير والشعير بالبر . يدا بيد كيف شئنا مسلم بن يسار وعبيد الله بن عبيد عن ، وقد تقدم التنبيه على أن عبادة مسلم بن يسار سمعه من أبي الأشعث عن ، لكن عبادة الترمذي في جامعه ذكر اختلافا في هذه اللفظة فذكر أولا بإسناده من رواية خالد الحذاء عن عن أبي قلابة أبي الأشعث عن عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه : " { عبادة } ثم قال عن حديث وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد حديث حسن صحيح ، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبادة بهذا الإسناد وقال : " { خالد } " . وروى بعضهم هذا الحديث عن بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد خالد الحذاء عن عن أبي قلابة أبي الأشعث عن عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 76 ] الحديث وزاد فيه قال عبادة : قال خالد : بيعوا البر بالشعير كيف شئتم فذكر الحديث انتهى كلام أبو قلابة الترمذي فقد حصل الاختلاف على خالد الحذاء هل المذكور في مقابلة الشعير التمر أو البر ؟ فإن كان التمر فلا دليل فيه على المالكية لأنهم قائلون به ، وأنهما جنسان ، وإن كان البر فالخلاف في ذلك أيضا ، هل هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو مدرج في الحديث من كلام ؟ كما ذكره أبي قلابة الترمذي في الرواية الأخيرة ، ولذلك أو نحوه قال من المالكية في شرح كتاب أبو بكر الأبهري ابن عبد الحكم : إن قوله في حديث : " { عبادة } " ليس هذا من حديث متفق على صحته ، ولا يلزمنا حجة به ، وقال بيعوا الشعير بالحنطة كيف شئتم أبو الوليد بن رشد من المالكية أيضا في مختصره لكتاب : إن قوله : " { الطحاوي } " زيادة لم يتفق عليها جميع الرواة ، فاحتمل أن تكون من قوله قياسا على قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات " { بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد } " والجواب عن هذه العلة أن هذا الاختلاف عن فإذا اختلف الصنفان فبيعوا كيف شئتم خالد الحذاء ، ورواية التمر بدل البر وردت عنه من طريق ، ولم يصرح بأنه سمعها منه ، وقد انفرد سفيان الثوري الترمذي عن الكتب الخمسة بهذه الروايات عن سفيان عن ، والمعروف عن خالد سفيان من رواية الأشجعي عنه : ( البر بالشعير ) . رواه . وكذلك رأيته في حديث البيهقي سفيان بن بشر الدولابي من رواية عبد الله وهو ابن الوليد العدني عن سفيان وقال فيه : " بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم ، والبر بالشعير مثل ذلك " قال سفيان عن ( ثنا ) فزالت شبهة التدليس . خالد
ورواه جماعة عن سفيان فلم يذكروا فيه شيئا من اللفظين مثل رواه في سننه عن أبي قرة موسى بن طارق سفيان فقال فيه : والملح بالتمر ، ولم يذكر برا ولا شعيرا فيه ، فإذا نظرت ما في الترمذي مع ما ذكرته عن الدولابي علمت أن الخلاف وقع على والبيهقي سفيان ، والراجح عنه رواية البر بالشعير ، لأن الأشجعي من أثبت الناس فيه وقد تابعه وصرح بالتحديث . فهذا موضع الاختلاف على عبد الله بن الوليد ، يوهن رواية " التمر [ ص: 77 ] بالشعير " ولو لم يحصل رجحان في الخلاف على خالد سفيان ولا على فالذي يقتضيه النظر الرجوع إلى غير روايات خالد . وقد رأينا غير خالد مثل خالد عن محمد بن سيرين مسلم بن يسار ومثل وعبد الله بن عبيد عن قتادة مسلم بن يسار عن أبي الأشعث رويا خلاف ما روي عن ، وقالا " الشعير بالبر " وفي حديث خالد " { ابن سيرين } " . وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا
( وقوله ) أمرنا محمول على أن الآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم لا فلا وجه لتحمل الإدراج فيه فوجب أن يحكم بصحة ذلك ، ولا ينظر إلى التعارض والاختلاف على عبادة ، ويتأيد ذلك بما في الصحيح من قوله : " { خالد } " في حديث إلا ما اختلفت ألوانه رضي الله عنه فإن ظاهر ذلك أن التمر بالتمر ، والشعير بالشعير يجوز متفاضلا إذا اختلفت ألوانه ، صدنا عن ذلك الإجماع والنصوص ، فتبقى في البر بالشعير على مقتضى الدليل ، وبقوله " { أبي هريرة إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم } " . والذي عولت المالكية عليه أمران ( أحدهما ) ما روي عن معمر بن عبد الله " أنه أرسل غلامه بصاع قمح ، فقال : بعه ثم اشتر به شعيرا ، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع ، فلما جاء أخبره بذلك فقال له معمرا لم فعلت ذلك ؟ انطلق فرده ولا تأخذ إلا مثلا بمثل ، فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { معمر } " وكان طعامنا يومئذ الشعير ، قيل : فإنه ليس بمثله قال : إني أخاف أن يضارع رواه الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وفي الموطأ عن مسلم أنه بلغه أن مالك قال : " فنى علف دابة سليمان بن يسار فقال لغلام له : خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ، ولا تأخذ إلا بمثله " وهذا الأثر منقطع في الموطأ . وقد روي من طريق سعد بن أبي وقاص موصولا عن ابن أبي شيبة عن شبابة عن ليث عن نافع . سليمان بن يسار
وروى زيد أبو عياش أنه سأل عن البيضاء بالسلت فقال له سعد بن أبي وقاص : أيهما أفضل ؟ قال البيضاء فنهاه عن ذلك { سعد } " أخرجه وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شري التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا : نعم فنهاه عن ذلك أبو داود وغيره مما رواه عن الشافعي . مالك
[ ص: 78 ] قال : والبيضاء والشعير معروف ذلك عند ابن عبد البر العرب بالحجاز ، كما أن السمراء عندهم البر ، قال وبلغني عن مالك عن القاسم بن محمد مثل ذلك هكذا هو في موطأ معيقيب الدوسي العقبي عن وفي موطأ معيقيب يحيى بن يحيى عن وقال معيقيب أيضا عن مالك إن نافع أخبره أنه فنى علف دابة سليمان بن يسار عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فقال لغلامه : ( خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع به شعيرا ولا تأخذ إلا مثله ) وروي عن عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه أنه أرسل غلاما له بصاع من بر ليشتري له به صاعا من شعير ، وزجره إن زاد أو يزداد . قال عمر بن الخطاب : وقد روي عن ابن عبد البر أنه رأى عمر بن الخطاب ومعه صاع من شعير وقد استبدله بمد من حنطة ، فقال له معيقيبا رضي الله عنه " لا يحل لك إنما الحب مد بمد ، وأمره أن يرده إلى صاحبه " قال عمر فاحتمل أن يكون ابن عبد البر رأى الحبوب كلها صنفا واحدا ، واحتمل أن يكون البر عنده والشعير فقط صنفا واحدا ، فهؤلاء أربعة من الصحابة عمر عمر وسعد بن أبي وقاص ومعمر ومعيقيب الدوسي وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهو من كبار التابعين منعوا التفاضل بينهما ، مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم " { } " فهذا وجه من التمسك بالأثر ، وهو مغن عن تحقيق كونها جنسا واحدا أو جنسين . الطعام بالطعام مثلا بمثل
( والثاني ) إثبات كونهما جنسا واحدا بالنظر فيما بينهما من التقارب ، وإذا ثبت ذلك امتنع التفاضل بينهما ، ولم يشملهما منطوق قوله صلى الله عليه وسلم " فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم بل يكون مفهومه مانعا من التفاضل بينهما على تقدير كونهما جنسا ، قالوا : لأن تقارب الأغراض والمنافع في الشيء يصيره كالجنس الواحد ، بدليل اتفاقهم في الحنطة والعلس ، وإن اختلفت أسماؤهما وأجناسهما وما بين الحنطة والشعير من التقارب أشد مما بينهما وبين العلس هذا مع اتفاق القمح والشعير في المنبت والمحصد ، وأن أحدهما لا يكاد ينفك عن الآخر فلولا أنهما جنس واحد لم يجز بيع البر وفيه شيء من الشعير ، لأنه لا بد من [ ص: 79 ] تفاوتهما فهما نوعان لجنس واحد كالحنطة الحمراء مع السمراء والاعتبار في الجنسية مع التقارب في الأحكام كالتقارب بين التمر والزبيب في الخرص وكذلك التقارب في الأثمان والحلاوة لأن أغراض النفس تختلف في كل نوع منها وذكر القاضي عبد الوهاب هذا جوابا عن قول رضي الله عنه " إن تقارب التمر والزبيب أشد من تقارب الحنطة والشعير وقال إن الأمر بالعكس ورجحوا مع هذين الأمرين مذهبهم بأنه أحوط وأبعد عن الربا ( والجواب ) عن أثر الشافعي معمر أن فيه التصريح بأنه ليس مثله وإنما تركه تورعا وخشية أن يضارعه قال ابن العربي المالكي : وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما صنفان ، وجواز التفاضل بينهما فلا وجه للمضارعة والاحتراز من الشبهة مع وجود النص ( وأما ) الأثر عن عمر فمنقطعان . ومعيقيب
( وأما ) الأثر عن فعلى ظاهر رواية سعد لا دليل فيه لجواز أن يكون فعل سليمان بن يسار ذلك على سبيل الورع كما فعل سعد معمر ، وعلى رواية أن ابن عباس سئل عن البيضاء بالسلت فقال سعدا : أيهما أفضل ؟ قال البيضاء فنهى عن ذلك إلى آخره . فقد أجاب سعد - رحمه الله تعالى - عنه في الأم فقال في باب بيع الطعام بالطعام على الحديث : رأي الشافعي نفسه أنه كره البيضاء بالسلت فإن كان كرهها نسيئة فذلك موافق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ ولعله إن شاء الله - تعالى - كرهها لذلك وإن كرهها متفاضلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز البر بالشعير متفاضلا فليس في قول أحد حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو القياس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وهذا الكلام من سعد رضي الله عنه لا مزيد على حسنه وفيه تسليم أن البيضاء بالسلت هي البر بالشعير وقد رأيت في كتاب غريب الحديث الشافعي أن السلت حبة بيضاء مضرسة وأهل لإبراهيم الحربي العراق يسمون جنسا من الشعير لا قشر له السلت [ ص: 80 ] ذكر ذلك في الحديث السادس أن سئل عن السلت بالذرة فكرهه وهذا الذي قاله سعدا الحربي مع الذي قاله يبين أن البيضاء والسلت الذين ، سئل عنهما ابن عبد البر نوعان من الشعير ، لا سيما سعد كان وسعد بالعراق فيحمل السلت الذي سئل عنه على ما يتعارفه أهل العراق ، وحينئذ لا يجوز بيعه بالشعير متفاضلا ، لأنه نوع منه كما أن الرطب والتمر نوعان من جنس واحد لا يجوز بيعهما متفاضلا لكن رواية الحربي تقتضي أن كره السلت بالذرة أيضا ، فلعله يطرد ذلك في جميع المطعومات ، أو يكون مذهبه كما سنذكره من مذهب سعدا ، لكن الليث بن سعد جعل ذكر الذرة في حديث ابن عبد البر من وهم سعد عن وكيع ، وليس كذلك فإن مالك الحربي رواه عن أحمد بن يونس كلاهما عن وخالد بن خداش وقالا فيه : السلت بالذرة والله أعلم . مالك ،
وقال صاحب المحكم : السلت ضرب من الشعير ، قال : وقيل في السلت هو الشعير بعينه ، وقيل : هو الشعير الحامض ، وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين في هذا الحديث : البيضاء الحنطة وهي السمراء . وإنما كره ذلك لأنهما عنده جنس واحد ، هذا قول الهروي ، وعنه أن السلت هو حب من الحنطة والشعير لا قشر له ، رواه عنه في بعض نسخ السنن الكبير ، وروى البيهقي بإسناده في هذا الحديث عن البيهقي أنه سئل عن رجلين تبايعا بالسلت والشعير ، وإذا كان كذلك ، والسلت هو الشعير ، فلا حجة فيه لذلك والله أعلم . وقال سعد : البيضاء نوع من البر أبيض اللون ، وفيه رداءة يكون ببلاد الخطابي مصر ، والسلت نوع غير البر وهو أدق حبا منه ، وقال بعضهم : البيضاء هي الرطب من السلت ، والأول أعرف ، لأن هذا القول أليق بمعنى الحديث وعليه يبنى موضع التشبيه من الرطب بالتمر ، وإذا كان الرطب منهما جنسا واليابس جنسا آخر لم يصح التشبيه ، انتهى كلام . فإن صح أن البيضاء الرطب من السلت فمنع الخطابي ظاهر كالرطب سعد وعبد الرحمن بن الأسود ليس بصحابي بل هو تابعي كبير ، ولد على حياة رسول [ ص: 81 ] الله صلى الله عليه وسلم ولو صح القول بذلك عن أحد من الصحابة معارضا .
( وأما ) قوله صلى الله عليه وسلم " { } " فإما أن يكون الطعام جنسا خاصا ، أو كل ما يطعم ، فإن كان جنسا خاصا أما الحنطة وحدها أو الشعير كما قد يفهمه قوله " وكان طعامنا يومئذ الشعير " فلا دليل فيه على المسألة وإن كان الطعام كل ما يطعم لزم ألا يباع القمح بالتمر ، ولا بغيره من المطعومات إلا مثلا بمثل ، وهم لا يقولون به ولا أحد ، فتعين حمله على ما إذا كان من جنسه بدليل قوله " { الطعام بالطعام مثلا بمثل } " وحينئذ تقف الدلالة من الحديث ويحتاج في تحقيق كونها جنسين أو جنسا واحدا إلى دليل منفصل فإن قلت : هل هذا الحمل من باب تخصيص العموم ؟ أو من باب حمل المطلق على المقيد ؟ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم قلت : من باب تخصيص العموم والمخصوص هو من قوله : بالطعام كأنه قال : الطعام بالطعام المجانس له مثلا بمثل ، والتجانس في اللفظ يشعر بالتجانس في المعنى ، وأما حمل المطلق على المقيد فمتعذر فيما إذا كان الحكمان نهيين فإن كان المراد بالحديث النهي عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل ، وهو المتبادر على الفهم ، والموافق لبقية الأحاديث فإنه هاهنا حمل المطلق على المقيد . وإن كان المراد بالحديث بيان وجوب المماثلة في الطعام بالطعام .
( فإن قلنا ) إن المراد بالمعرف بالألف واللام العموم ، كما هو رأي أكثر الفقهاء ، فأيضا لا إطلاق ولا تقييد ، ويتعين المصير إلى التخصيص ( وإن قلنا ) لا يعم فيمكن أن يقال به على بعد ، لأن إيجاب وصف في مطلق ماهية لا يستدعي وجوبه في كل أفرادها ووجه بعده لا يخفى .
( وأما ) ما تمسكوا به من جهة المعنى وتحقيق كونهما جنسا واحدا تتقارب المنفعة فيهما ، والأمور التي ذكروها ( فقد ) أجاب أصحابنا بأن القمح والشعير مختلفان في الصفة والخلقة والمنفعة ، فإن القمح يوافق الآدمي ولا يوافق البهائم والشعير بالعكس ، يوافق البهائم ولا يوافق الآدمي غالبا ، ولا يغلب اقتياتهما في بلد واحد ، وإنما يغلب اقتيات الشعير [ ص: 82 ] في موضع يعز القمح فيه ، وهذه الذرة يقتاتها خلق من الناس ، والأرز يقتات غالبا في بعض البلاد ، وهما عند صنفان جائز التفاضل بينهما وبين كل منهما وبين البر ، وجعل مالك الذرة والدخن والأرز صنفا ، وسلم في القطاني كالعدس والحمص والفول والجلبان فنلزمه بالفول ، لأنه يقتات في بعض الأوقات ويختبز ، وقد جعل ذلك هو العلة فيما نقل عنه ، وقد حصل اختلاف المالكية في القطاني ، وسأذكر خلافهم في ذلك في فصل جامع أتكلم فيه على تحقيق الأجناس إن شاء الله تعالى ، وهذا الذي ألزمناهم به هاهنا قول الليث بن سعد الذي لا اختلاف عنه فيه . وأما إلغاء القاضي مالك عبد الوهاب ما ألزمهم به من التقارب بين التمر والزبيب في أنهما حلوان ويخرصان ، وتجب الزكاة فيهما فإلغاء على وجه التحكم وإلا فما الدليل على إبطال هذه الشبه واعتبار ما ادعاه هو ؟ ( وأما ) احتجاجهم ببيع البر بالبر وفيه شيء من الشعير ، فإن كان الشعير المخالط قدرا لو ميز لظهر على المكيال فإنه يمنع الحكم وعندنا أن البيع لا يجوز والحالة هذه ، وإن كان الشعير المخالط لا يظهر على المكيال لو ميز ، فجواز البيع حينئذ لعدم ظهوره في المكيال لا لموافقته في الجنس ، ألا ترى أن التراب الذي لا يظهر في المكيال لا تضر مخالطته وليس بجنس الطعام . الشافعي
وقولهم إن ذلك بمنزلة الحنطة الحمراء مع السمراء ممنوع فإن الحنطتين ليس لكل منهما اسم خاص بخلاف الشعير مع القمح . وأما العلس فإنه يصدق عليه اسم الحنطة ، بخلاف الشعير لا يصدق عليه حنطة لا في لغة ولا غيرها ثم إن ما يحاولونه من المعنى ينكسر بالذهب والفضة فإن قيام كل منهما مقام الآخر أعظم من قيام الشعير مقام البر ومع ذلك هما جنسان وبالجملة فالنص مغن عن الالتفات إلى المعنى ، وقد ثبت ذلك في جانبنا كما تقدم صريحا من رواية أبي داود والترمذي وغيرهما وظاهرا من رواية في حديث مسلم أبي هريرة ، وقد قاس أصحابنا على ما إذا أتلف له حنطة أو أقر له أو صالحه عليها أو ضربها الإمام جزية أو وجب عشر حنطة لم يقم الشعير مقامها في شيء من ذلك . وعبادة
وقوله في حديث " { عبادة } وأيضا فإنه نص على الأشياء الستة ، وأفرد كل واحد منها باسم ، وإنما قصد الأجناس فدل على أن البر جنس والشعير جنس ويدل على المسألة صريحا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة من رواية فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " { مسلم } ومن رواية فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " { النسائي } " وهذا نص . وأما تأويل الحنفية فقد تقدم الجواب عنه وفي حديث وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر ، يدا بيد كيف شئنا الذي في سنن عبادة أبي داود " { } وأما النسيئة وكذلك عند ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما ، يدا بيد : " { النسائي } رواه من طريقين . وروى ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد والشعير أكثرهما أيضا النسائي من طريق ثالثة إلى وابن ماجه أيضا فقال في آخر حديثه : " { عبادة } " وكل هذه الطرق ترجع إلى وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبر بالشعير والشعير بالبر . يدا بيد كيف شئنا مسلم بن يسار وعبيد الله بن عبيد عن ، وقد تقدم التنبيه على أن عبادة مسلم بن يسار سمعه من أبي الأشعث عن ، لكن عبادة الترمذي في جامعه ذكر اختلافا في هذه اللفظة فذكر أولا بإسناده من رواية خالد الحذاء عن عن أبي قلابة أبي الأشعث عن عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه : " { عبادة } ثم قال عن حديث وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد حديث حسن صحيح ، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبادة بهذا الإسناد وقال : " { خالد } " . وروى بعضهم هذا الحديث عن بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد خالد الحذاء عن عن أبي قلابة أبي الأشعث عن عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 76 ] الحديث وزاد فيه قال عبادة : قال خالد : بيعوا البر بالشعير كيف شئتم فذكر الحديث انتهى كلام أبو قلابة الترمذي فقد حصل الاختلاف على خالد الحذاء هل المذكور في مقابلة الشعير التمر أو البر ؟ فإن كان التمر فلا دليل فيه على المالكية لأنهم قائلون به ، وأنهما جنسان ، وإن كان البر فالخلاف في ذلك أيضا ، هل هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو مدرج في الحديث من كلام ؟ كما ذكره أبي قلابة الترمذي في الرواية الأخيرة ، ولذلك أو نحوه قال من المالكية في شرح كتاب أبو بكر الأبهري ابن عبد الحكم : إن قوله في حديث : " { عبادة } " ليس هذا من حديث متفق على صحته ، ولا يلزمنا حجة به ، وقال بيعوا الشعير بالحنطة كيف شئتم أبو الوليد بن رشد من المالكية أيضا في مختصره لكتاب : إن قوله : " { الطحاوي } " زيادة لم يتفق عليها جميع الرواة ، فاحتمل أن تكون من قوله قياسا على قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات " { بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد } " والجواب عن هذه العلة أن هذا الاختلاف عن فإذا اختلف الصنفان فبيعوا كيف شئتم خالد الحذاء ، ورواية التمر بدل البر وردت عنه من طريق ، ولم يصرح بأنه سمعها منه ، وقد انفرد سفيان الثوري الترمذي عن الكتب الخمسة بهذه الروايات عن سفيان عن ، والمعروف عن خالد سفيان من رواية الأشجعي عنه : ( البر بالشعير ) . رواه . وكذلك رأيته في حديث البيهقي سفيان بن بشر الدولابي من رواية عبد الله وهو ابن الوليد العدني عن سفيان وقال فيه : " بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم ، والبر بالشعير مثل ذلك " قال سفيان عن ( ثنا ) فزالت شبهة التدليس . خالد
ورواه جماعة عن سفيان فلم يذكروا فيه شيئا من اللفظين مثل رواه في سننه عن أبي قرة موسى بن طارق سفيان فقال فيه : والملح بالتمر ، ولم يذكر برا ولا شعيرا فيه ، فإذا نظرت ما في الترمذي مع ما ذكرته عن الدولابي علمت أن الخلاف وقع على والبيهقي سفيان ، والراجح عنه رواية البر بالشعير ، لأن الأشجعي من أثبت الناس فيه وقد تابعه وصرح بالتحديث . فهذا موضع الاختلاف على عبد الله بن الوليد ، يوهن رواية " التمر [ ص: 77 ] بالشعير " ولو لم يحصل رجحان في الخلاف على خالد سفيان ولا على فالذي يقتضيه النظر الرجوع إلى غير روايات خالد . وقد رأينا غير خالد مثل خالد عن محمد بن سيرين مسلم بن يسار ومثل وعبد الله بن عبيد عن قتادة مسلم بن يسار عن أبي الأشعث رويا خلاف ما روي عن ، وقالا " الشعير بالبر " وفي حديث خالد " { ابن سيرين } " . وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا
( وقوله ) أمرنا محمول على أن الآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم لا فلا وجه لتحمل الإدراج فيه فوجب أن يحكم بصحة ذلك ، ولا ينظر إلى التعارض والاختلاف على عبادة ، ويتأيد ذلك بما في الصحيح من قوله : " { خالد } " في حديث إلا ما اختلفت ألوانه رضي الله عنه فإن ظاهر ذلك أن التمر بالتمر ، والشعير بالشعير يجوز متفاضلا إذا اختلفت ألوانه ، صدنا عن ذلك الإجماع والنصوص ، فتبقى في البر بالشعير على مقتضى الدليل ، وبقوله " { أبي هريرة إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم } " . والذي عولت المالكية عليه أمران ( أحدهما ) ما روي عن معمر بن عبد الله " أنه أرسل غلامه بصاع قمح ، فقال : بعه ثم اشتر به شعيرا ، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع ، فلما جاء أخبره بذلك فقال له معمرا لم فعلت ذلك ؟ انطلق فرده ولا تأخذ إلا مثلا بمثل ، فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { معمر } " وكان طعامنا يومئذ الشعير ، قيل : فإنه ليس بمثله قال : إني أخاف أن يضارع رواه الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وفي الموطأ عن مسلم أنه بلغه أن مالك قال : " فنى علف دابة سليمان بن يسار فقال لغلام له : خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ، ولا تأخذ إلا بمثله " وهذا الأثر منقطع في الموطأ . وقد روي من طريق سعد بن أبي وقاص موصولا عن ابن أبي شيبة عن شبابة عن ليث عن نافع . سليمان بن يسار
وروى زيد أبو عياش أنه سأل عن البيضاء بالسلت فقال له سعد بن أبي وقاص : أيهما أفضل ؟ قال البيضاء فنهاه عن ذلك { سعد } " أخرجه وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شري التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا : نعم فنهاه عن ذلك أبو داود وغيره مما رواه عن الشافعي . مالك
[ ص: 78 ] قال : والبيضاء والشعير معروف ذلك عند ابن عبد البر العرب بالحجاز ، كما أن السمراء عندهم البر ، قال وبلغني عن مالك عن القاسم بن محمد مثل ذلك هكذا هو في موطأ معيقيب الدوسي العقبي عن وفي موطأ معيقيب يحيى بن يحيى عن وقال معيقيب أيضا عن مالك إن نافع أخبره أنه فنى علف دابة سليمان بن يسار عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فقال لغلامه : ( خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع به شعيرا ولا تأخذ إلا مثله ) وروي عن عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه أنه أرسل غلاما له بصاع من بر ليشتري له به صاعا من شعير ، وزجره إن زاد أو يزداد . قال عمر بن الخطاب : وقد روي عن ابن عبد البر أنه رأى عمر بن الخطاب ومعه صاع من شعير وقد استبدله بمد من حنطة ، فقال له معيقيبا رضي الله عنه " لا يحل لك إنما الحب مد بمد ، وأمره أن يرده إلى صاحبه " قال عمر فاحتمل أن يكون ابن عبد البر رأى الحبوب كلها صنفا واحدا ، واحتمل أن يكون البر عنده والشعير فقط صنفا واحدا ، فهؤلاء أربعة من الصحابة عمر عمر وسعد بن أبي وقاص ومعمر ومعيقيب الدوسي وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهو من كبار التابعين منعوا التفاضل بينهما ، مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم " { } " فهذا وجه من التمسك بالأثر ، وهو مغن عن تحقيق كونها جنسا واحدا أو جنسين . الطعام بالطعام مثلا بمثل
( والثاني ) إثبات كونهما جنسا واحدا بالنظر فيما بينهما من التقارب ، وإذا ثبت ذلك امتنع التفاضل بينهما ، ولم يشملهما منطوق قوله صلى الله عليه وسلم " فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم بل يكون مفهومه مانعا من التفاضل بينهما على تقدير كونهما جنسا ، قالوا : لأن تقارب الأغراض والمنافع في الشيء يصيره كالجنس الواحد ، بدليل اتفاقهم في الحنطة والعلس ، وإن اختلفت أسماؤهما وأجناسهما وما بين الحنطة والشعير من التقارب أشد مما بينهما وبين العلس هذا مع اتفاق القمح والشعير في المنبت والمحصد ، وأن أحدهما لا يكاد ينفك عن الآخر فلولا أنهما جنس واحد لم يجز بيع البر وفيه شيء من الشعير ، لأنه لا بد من [ ص: 79 ] تفاوتهما فهما نوعان لجنس واحد كالحنطة الحمراء مع السمراء والاعتبار في الجنسية مع التقارب في الأحكام كالتقارب بين التمر والزبيب في الخرص وكذلك التقارب في الأثمان والحلاوة لأن أغراض النفس تختلف في كل نوع منها وذكر القاضي عبد الوهاب هذا جوابا عن قول رضي الله عنه " إن تقارب التمر والزبيب أشد من تقارب الحنطة والشعير وقال إن الأمر بالعكس ورجحوا مع هذين الأمرين مذهبهم بأنه أحوط وأبعد عن الربا ( والجواب ) عن أثر الشافعي معمر أن فيه التصريح بأنه ليس مثله وإنما تركه تورعا وخشية أن يضارعه قال ابن العربي المالكي : وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما صنفان ، وجواز التفاضل بينهما فلا وجه للمضارعة والاحتراز من الشبهة مع وجود النص ( وأما ) الأثر عن عمر فمنقطعان . ومعيقيب
( وأما ) الأثر عن فعلى ظاهر رواية سعد لا دليل فيه لجواز أن يكون فعل سليمان بن يسار ذلك على سبيل الورع كما فعل سعد معمر ، وعلى رواية أن ابن عباس سئل عن البيضاء بالسلت فقال سعدا : أيهما أفضل ؟ قال البيضاء فنهى عن ذلك إلى آخره . فقد أجاب سعد - رحمه الله تعالى - عنه في الأم فقال في باب بيع الطعام بالطعام على الحديث : رأي الشافعي نفسه أنه كره البيضاء بالسلت فإن كان كرهها نسيئة فذلك موافق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ ولعله إن شاء الله - تعالى - كرهها لذلك وإن كرهها متفاضلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز البر بالشعير متفاضلا فليس في قول أحد حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو القياس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وهذا الكلام من سعد رضي الله عنه لا مزيد على حسنه وفيه تسليم أن البيضاء بالسلت هي البر بالشعير وقد رأيت في كتاب غريب الحديث الشافعي أن السلت حبة بيضاء مضرسة وأهل لإبراهيم الحربي العراق يسمون جنسا من الشعير لا قشر له السلت [ ص: 80 ] ذكر ذلك في الحديث السادس أن سئل عن السلت بالذرة فكرهه وهذا الذي قاله سعدا الحربي مع الذي قاله يبين أن البيضاء والسلت الذين ، سئل عنهما ابن عبد البر نوعان من الشعير ، لا سيما سعد كان وسعد بالعراق فيحمل السلت الذي سئل عنه على ما يتعارفه أهل العراق ، وحينئذ لا يجوز بيعه بالشعير متفاضلا ، لأنه نوع منه كما أن الرطب والتمر نوعان من جنس واحد لا يجوز بيعهما متفاضلا لكن رواية الحربي تقتضي أن كره السلت بالذرة أيضا ، فلعله يطرد ذلك في جميع المطعومات ، أو يكون مذهبه كما سنذكره من مذهب سعدا ، لكن الليث بن سعد جعل ذكر الذرة في حديث ابن عبد البر من وهم سعد عن وكيع ، وليس كذلك فإن مالك الحربي رواه عن أحمد بن يونس كلاهما عن وخالد بن خداش وقالا فيه : السلت بالذرة والله أعلم . مالك ،
وقال صاحب المحكم : السلت ضرب من الشعير ، قال : وقيل في السلت هو الشعير بعينه ، وقيل : هو الشعير الحامض ، وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين في هذا الحديث : البيضاء الحنطة وهي السمراء . وإنما كره ذلك لأنهما عنده جنس واحد ، هذا قول الهروي ، وعنه أن السلت هو حب من الحنطة والشعير لا قشر له ، رواه عنه في بعض نسخ السنن الكبير ، وروى البيهقي بإسناده في هذا الحديث عن البيهقي أنه سئل عن رجلين تبايعا بالسلت والشعير ، وإذا كان كذلك ، والسلت هو الشعير ، فلا حجة فيه لذلك والله أعلم . وقال سعد : البيضاء نوع من البر أبيض اللون ، وفيه رداءة يكون ببلاد الخطابي مصر ، والسلت نوع غير البر وهو أدق حبا منه ، وقال بعضهم : البيضاء هي الرطب من السلت ، والأول أعرف ، لأن هذا القول أليق بمعنى الحديث وعليه يبنى موضع التشبيه من الرطب بالتمر ، وإذا كان الرطب منهما جنسا واليابس جنسا آخر لم يصح التشبيه ، انتهى كلام . فإن صح أن البيضاء الرطب من السلت فمنع الخطابي ظاهر كالرطب سعد وعبد الرحمن بن الأسود ليس بصحابي بل هو تابعي كبير ، ولد على حياة رسول [ ص: 81 ] الله صلى الله عليه وسلم ولو صح القول بذلك عن أحد من الصحابة معارضا .
( وأما ) قوله صلى الله عليه وسلم " { } " فإما أن يكون الطعام جنسا خاصا ، أو كل ما يطعم ، فإن كان جنسا خاصا أما الحنطة وحدها أو الشعير كما قد يفهمه قوله " وكان طعامنا يومئذ الشعير " فلا دليل فيه على المسألة وإن كان الطعام كل ما يطعم لزم ألا يباع القمح بالتمر ، ولا بغيره من المطعومات إلا مثلا بمثل ، وهم لا يقولون به ولا أحد ، فتعين حمله على ما إذا كان من جنسه بدليل قوله " { الطعام بالطعام مثلا بمثل } " وحينئذ تقف الدلالة من الحديث ويحتاج في تحقيق كونها جنسين أو جنسا واحدا إلى دليل منفصل فإن قلت : هل هذا الحمل من باب تخصيص العموم ؟ أو من باب حمل المطلق على المقيد ؟ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم قلت : من باب تخصيص العموم والمخصوص هو من قوله : بالطعام كأنه قال : الطعام بالطعام المجانس له مثلا بمثل ، والتجانس في اللفظ يشعر بالتجانس في المعنى ، وأما حمل المطلق على المقيد فمتعذر فيما إذا كان الحكمان نهيين فإن كان المراد بالحديث النهي عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل ، وهو المتبادر على الفهم ، والموافق لبقية الأحاديث فإنه هاهنا حمل المطلق على المقيد . وإن كان المراد بالحديث بيان وجوب المماثلة في الطعام بالطعام .
( فإن قلنا ) إن المراد بالمعرف بالألف واللام العموم ، كما هو رأي أكثر الفقهاء ، فأيضا لا إطلاق ولا تقييد ، ويتعين المصير إلى التخصيص ( وإن قلنا ) لا يعم فيمكن أن يقال به على بعد ، لأن إيجاب وصف في مطلق ماهية لا يستدعي وجوبه في كل أفرادها ووجه بعده لا يخفى .
( وأما ) ما تمسكوا به من جهة المعنى وتحقيق كونهما جنسا واحدا تتقارب المنفعة فيهما ، والأمور التي ذكروها ( فقد ) أجاب أصحابنا بأن القمح والشعير مختلفان في الصفة والخلقة والمنفعة ، فإن القمح يوافق الآدمي ولا يوافق البهائم والشعير بالعكس ، يوافق البهائم ولا يوافق الآدمي غالبا ، ولا يغلب اقتياتهما في بلد واحد ، وإنما يغلب اقتيات الشعير [ ص: 82 ] في موضع يعز القمح فيه ، وهذه الذرة يقتاتها خلق من الناس ، والأرز يقتات غالبا في بعض البلاد ، وهما عند صنفان جائز التفاضل بينهما وبين كل منهما وبين البر ، وجعل مالك الذرة والدخن والأرز صنفا ، وسلم في القطاني كالعدس والحمص والفول والجلبان فنلزمه بالفول ، لأنه يقتات في بعض الأوقات ويختبز ، وقد جعل ذلك هو العلة فيما نقل عنه ، وقد حصل اختلاف المالكية في القطاني ، وسأذكر خلافهم في ذلك في فصل جامع أتكلم فيه على تحقيق الأجناس إن شاء الله تعالى ، وهذا الذي ألزمناهم به هاهنا قول الليث بن سعد الذي لا اختلاف عنه فيه . وأما إلغاء القاضي مالك عبد الوهاب ما ألزمهم به من التقارب بين التمر والزبيب في أنهما حلوان ويخرصان ، وتجب الزكاة فيهما فإلغاء على وجه التحكم وإلا فما الدليل على إبطال هذه الشبه واعتبار ما ادعاه هو ؟ ( وأما ) احتجاجهم ببيع البر بالبر وفيه شيء من الشعير ، فإن كان الشعير المخالط قدرا لو ميز لظهر على المكيال فإنه يمنع الحكم وعندنا أن البيع لا يجوز والحالة هذه ، وإن كان الشعير المخالط لا يظهر على المكيال لو ميز ، فجواز البيع حينئذ لعدم ظهوره في المكيال لا لموافقته في الجنس ، ألا ترى أن التراب الذي لا يظهر في المكيال لا تضر مخالطته وليس بجنس الطعام . الشافعي
وقولهم إن ذلك بمنزلة الحنطة الحمراء مع السمراء ممنوع فإن الحنطتين ليس لكل منهما اسم خاص بخلاف الشعير مع القمح . وأما العلس فإنه يصدق عليه اسم الحنطة ، بخلاف الشعير لا يصدق عليه حنطة لا في لغة ولا غيرها ثم إن ما يحاولونه من المعنى ينكسر بالذهب والفضة فإن قيام كل منهما مقام الآخر أعظم من قيام الشعير مقام البر ومع ذلك هما جنسان وبالجملة فالنص مغن عن الالتفات إلى المعنى ، وقد ثبت ذلك في جانبنا كما تقدم صريحا من رواية أبي داود والترمذي وغيرهما وظاهرا من رواية في حديث مسلم أبي هريرة ، وقد قاس أصحابنا على ما إذا أتلف له حنطة أو أقر له أو صالحه عليها أو ضربها الإمام جزية أو وجب عشر حنطة لم يقم الشعير مقامها في شيء من ذلك . وعبادة