الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم ، وقال المزني : إن مسح يوما وليلة يمسح ثلث يومين وليلتين وهو ثلثا يوم وليلة ، لأنه لو مسح ثم أقام في الحال مسح ثلث ما بقي وهو يوم وليلة ، فإذا بقي له يومان وليلتان وجب أن يمسح ثلثهما ووجه المذهب أنه عبادة تتغير بالسفر والحضر . فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر ولم يقسط عليهما كالصلاة )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) مذهب الشافعي رحمه الله الذي لا خلاف فيه بين أصحابه أنه إذا مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم ، فإن كان قد مضى بعد الحدث دون يوم وليلة تممهما وإن كان مضى يوم وليلة وأكثر في السفر انقضت المدة بمجرد قدومه وحكم انقضاء المدة معروف ، قال أصحابنا : فإن كان مسح في سفر أكثر من يوم وليلة ثم قدم فصلواته في السفر كلها صحيحة بلا خلاف وإنما يحكم بانقضاء المدة بالقدوم . قالوا : ولو قدم في أثناء الصلاة في سفينة بعد مضي يوم وليلة في السفر بطلت صلاته بمجرد القدوم بلا خلاف لأن انقضاء المدة في أثناء الصلاة يبطلها فإنه يوجب غسل القدمين أو كمال الوضوء ، قال الشافعي رضي الله عنه في الأم والأصحاب : ولو نوى المسافر الإقامة وهو في أثناء الصلاة بعد مضي يوم وليلة بطلت صلاته ، وإن كان قبل مضيها لم تبطل ، ودليل أصل المسألة هو ما ذكره المصنف وهو اجتماع الحضر والسفر ، هذا عمدة الأصحاب في المسألة . وأما مذهب المزني فذكره المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب وجماعة ولم يذكره الأكثرون . قال صاحب الشامل : ذكره المزني في مسائله المعتبرة على الشافعي . قال القاضي أبو الطيب والمحاملي : قال أبو العباس بن سريج في [ ص: 516 ] التوسط بين الشافعي والمزني : إن كان المزني يذهب إلى أن القياس هذا ولكن ترك للإجماع أو غيره فليس بيننا وبينه كبير خلاف ، وإن كان يذهب إلى أنه يحكم بهذا فهو خلاف الإجماع . وهذا الذي قاله ابن سريج تصريح بانعقاد الإجماع على خلاف قول المزني فيكون دليلا آخر عليه ، ثم ضابط مذهب المزني أنه يمسح ثلث ما بقي من المدة والله أعلم .

                                      ويقال : بقي بكسر القاف وبقي بفتحها فالفتح لغة طيئ ، والكسر هو الأفصح الأشهر ، وهو لغة سائر العرب وبه جاء القرآن قال الله تعالى : { وذروا ما بقي من الربا } . وقول المصنف : ( يغلب حكم الحضر ولا يقسط عليهما كالصلاة ) يعني لمن صلى في سفينة في السفر فدخلت دار الإقامة وقد صلى ركعة فإنه يلزمه الإتمام بالإجماع ولا يوزع ، فيقال : يتمها ثلاث ركعات ، ونقض ابن الصباغ على المزني أيضا بمن مسح نصف يوم في الحضر ثم سافر فإنه يبني على الأقل ولا يقسط . وقوله : ولو مسح ثم أقام لا فرق فيه من أن يصير مقيما بوصوله دار إقامته أو يقيم في أثناء سفره في بلد بنية إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج فأما إن نوى في أثناء سفره إقامة دون أربعة أيام فإنه يتم مدة مسافر لأن رخص السفر باقية والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية