الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا أفضتم فكررتم راجعين من عرفة ، إلى حيث بدأتم الشخوص إليها منه ، " فاذكروا الله" ، يعني بذلك : الصلاة ، والدعاء عند المشعر الحرام .

وقد بينا قبل أن"المشاعر" هي المعالم ، من قول القائل : "شعرت بهذا الأمر" ، أي علمت ، ف "المشعر" ، هو المعلم ، سمي بذلك ؛ لأن الصلاة عنده والمقام والمبيت والدعاء ، من معالم الحج وفروضه التي أمر الله بها عباده . وقد : -

3798 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن زكريا ، عن ابن أبي نجيح ، قال : يستحب للحاج أن يصلي في منزله بالمزدلفة إن استطاع ، وذلك أن الله قال : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم " .

فأما"المشعر" : فإنه هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى محسر .

وليس مأزما عرفة من"المشعر" .

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 176 ]

3799 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : رأى ابن عمر الناس يزدحمون على الجبيل بجمع فقال : أيها الناس إن جمعا كلها مشعر .

3800 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه سئل عن قوله : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، قال : هو الجبل وما حوله .

3801 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر .

3802 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا الثوري ، عن السدي ، عن سعيد بن جبير ، مثله .

3803 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري وحدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان عن السدي ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألته عن المشعر الحرام فقال : ما بين جبلي المزدلفة .

3804 - حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : " المشعر الحرام " المزدلفة كلها قال معمر : وقاله قتادة .

3805 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، قال : أنبأنا الثوري ، عن السدي ، عن سعيد بن جبير : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، قال : ما بين جبلي المزدلفة هو المشعر الحرام .

3806 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا أبي ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : سألت عبد الله بن عمر عن المشعر الحرام ، [ ص: 177 ] فقال : إذا انطلقت معي أعلمتكه . قال : فانطلقت معه ، فوقفنا حتى إذا أفاض الإمام سار وسرنا معه ، حتى إذا هبطت أيدي الركاب ، وكنا في أقصى الجبال مما يلي عرفات قال : أين السائل عن المشعر الحرام؟ أخذت فيه ! قلت : ما أخذت فيه؟ قال : كلها مشاعر إلى أقصى الحرم .

3807 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال : سألت عبد الله بن عمر ، عن المشعر الحرام قال : إن تلزمني أركه . قال : فلما أفاض الناس من عرفة وهبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال ، قال : أين السائل عن المشعر الحرام؟ قال : قلت : هأنذا ، قال : أخذت فيه! قلت : ما أخذت فيه ! قال : حين هبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال فهو مشعر إلى مكة .

3808 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن عمارة بن زاذان ، عن مكحول الأزدي ، قال : سألت ابن عمر يوم عرفة عن المشعر الحرام؟ فقال : الزمني ! فلما كان من الغد وأتينا المزدلفة ، قال : أين السائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام .

3809 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : المشعر الحرام : المزدلفة كلها .

3810 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أين المزدلفة؟ قال : إذا أفضت من مأزمي عرفة ، فذلك إلى محسر . قال : وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ، ولكن مفاضاهما .

قال : قف بينهما إن شئت ، وأحب إلي أن تقف دون قزح . هلم إلينا من أجل طريق الناس ! .

3811 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، [ ص: 178 ] عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : رآهم ابن عمر يزدحمون على قزح ، فقال : علام يزدحم هؤلاء ؟ كل ما ههنا مشعر! .

3812 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : المشعر الحرام المزدلفة كلها .

3813 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3814 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام " وذلك ليلة جمع . قال قتادة : كان ابن عباس يقول : ما بين الجبلين مشعر .

3815 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : المشعر الحرام هو ما بين جبال المزدلفة ويقال : هو قرن قزح .

3816 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، وهي المزدلفة ، وهي جمع .

وذكر عن عبد الرحمن بن الأسود ما : -

3817 - حدثنا به هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، قال : لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام .

3818 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : المشعر الحرام : ما بين جبلي مزدلفة .

3819 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا قيس ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألت ابن عمر عن المشعر الحرام فقال : [ ص: 179 ] ما أدري؟ وسألت ابن عباس ، فقال : ما بين الجبلين .

3820 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل : عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الجبيل وما حوله مشاعر .

3821 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثوير ، قال : وقفت مع مجاهد على الجبيل ، فقال : هذا المشعر الحرام .

3822 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حسن بن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، الجبيل وما حوله مشاعر .

قال أبو جعفر : وإنما جعلنا أول حد المشعر مما يلي منى ، منقطع وادي محسر مما يلي المزدلفة ، لأن : -

3823 - المثنى حدثني قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرفة كلها موقف إلا عرنة ، وجمع كلها موقف إلا محسرا " .

3824 - حدثني يعقوب ، قال : حدثني هشيم ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن الزبير ، أنه قال : كل مزدلفة موقف إلا وادي محسر .

3825 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن حجاج ، قال : أخبرني من سمع عروة بن الزبير يقول مثل ذلك . [ ص: 180 ]

3826 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، قال : قال عبد الله بن الزبير في خطبته : تعلمن أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ، تعلمن أن مزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر .

قال أبو جعفر : غير أن ذلك وإن كان كذلك فإني أختار للحاج أن يجعل وقوفه لذكر الله من المشعر الحرام على قزح وما حوله ؛ لأن : -

3827 - أبا كريب حدثنا ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ، عن زيد بن علي ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي قال : لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة ، غدا فوقف على قزح ، وأردف الفضل ، ثم قال : هذا الموقف ، وكل مزدلفة موقف .

3828 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه . [ ص: 181 ]

3829 - حدثنا هناد وأحمد الدولابي ، قالا حدثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن ابن الحويرث ، قال : رأيت أبا بكر واقفا على قزح وهو يقول : أيها الناس أصبحوا ! أيها الناس أصبحوا ! ثم دفع . [ ص: 182 ]

3830 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عبد الله بن عثمان ، عن يوسف بن ماهك ، قال : حججت مع ابن عمر ، فلما أصبح بجمع صلى الصبح ، ثم غدا وغدونا معه حتى وقف مع الإمام على قزح ، ثم دفع الإمام فدفع بدفعته .

وأما قول عبد الله بن عمر حين صار بالمزدلفة : " هذا كله مشاعر إلى مكة " ، فإن معناه أنها معالم من معالم الحج ينسك في كل بقعة منها بعض مناسك الحج لا أن كل ذلك" المشعر الحرام " الذي يكون الواقف حيث وقف منه إلى بطن مكة قاضيا ما عليه من الوقوف بالمشعر الحرام من جمع . [ ص: 183 ]

وأما قول عبد الرحمن بن الأسود : " لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام " فلأنه يحتمل أن يكون أراد : لم أجد أحدا يخبرني عن حد أوله ومنتهى آخره على حقه وصدقه ؛ لأن حدود ذلك على صحتها حتى لا يكون فيها زيادة ولا نقصان ، لا يحيط بها إلا القليل من أهل المعرفة بها . غير أن ذلك وإن لم يقف على حد أوله ومنتهى آخره وقوفا لا زيادة فيه ولا نقصان إلا من ذكرت ، فموضع الحاجة للوقوف لا خفاء به على أحد من سكان تلك الناحية وكثير من غيرهم . وكذلك سائر مشاعر الحج ، والأماكن التي فرض الله عز وجل على عباده أن ينسكوا عندها كعرفات ومنى والحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية