الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرد على الرافضة الزاعمين بأن الصحابة كفروا بعد النبي

قال في «فتح البيان»: وهذه الآية ترد قول الروافض أنهم كفروا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

إذ الوعد لهم بالمغفرة والأجر العظيم، إنما يكون لو أن ثبتوا على ما كانوا [ ص: 379 ] عليه في حياته -صلى الله عليه وسلم- قال المحلي: وهما -أي: المغفرة والأجر- لمن بعدهم أيضا في آيات؛ أي: من بعد الصحابة، من التابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة؛ كقوله تعالى:

سابقوا إلى مغفرة من ربكم إلى قوله: أعدت للذين آمنوا بالله ورسله [الحديد: 21] ونحو ذلك من الآيات. انتهى.

وأقول: هذه المغفرة وهذا الأجر لمن بعدهم ممن سلك سبيلهم واتبعهم بالإحسان، وهم الفرقة الناجية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أنا عليه وأصحابي اليوم».

فكل من ليس على طريقتهم، سواء كان رافضيا، أو خارجيا، أو معتزليا، أو قدريا، أو مرجئا، أو غير هؤلاء. وسواء كان يدعي لنفسه أنه من أهل السنة والجماعة، وهو ماش [على] غير سبيلهم المدون في كتب الحديث وصحائف الآثار - خارج عن هذا الوعد الشريف بلا شك ولا شبهة، وإن أتى بألف تقرير، وعذر بارد.

فإن أمارة الفرقة الناجية: أن تكون عاملة بالسنة، مقتدية بآثار الصحابة وهديهم المبينة لسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا مقلدة لآراء الرجال، ماشية خلف أقوال الأحبار والرهبان، متمسكة بمحدثات المتصوفة الجهلة، سامعة لأباطيل الرافضة، قامعة لآثار السنن، رافعة لها بأحداث المبتدعات، مشركة بالله في العبادة والألوهية بالاعتقاد في الأموات، والنذور لقبورهم، والسفر إلى مشاهدهم، والاعتمال بالبدع، والاعتمال بالرياء والسمعة، والرد على أهل الحق في مقالاتهم الصادقة الصحيحة الموافقة للكتاب العزيز، والسنة المطهرة.

وأسوأ الناس اعتقادا في الأصحاب طائفة الرفض -أفناهم الله تعالى وأبادهم- قال القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني: دل في «نثر الجوهر على [ ص: 380 ] حديث أبي ذر» بعدما ذكر جملة صالحة من الأحاديث الواردة في ذم الشتم واللعن وغيرهما ما نصه:

فهذه الأحاديث قد اشتملت على أن السب والغيبة واللعن من أشد المحرمات، وأنه حرام على فاعله، ولو كان الذي وقع اللعن عليه من غير بني آدم، بل ولو كان من أصغر الحيوانات جرما؛ كالبرغوث، مع ما يحصل منه الأذى والضرر.

فانظر -أرشدك الله- ما حال من يسب أو يغتاب، أو يلعن مسلما من المسلمين؟ وماذا يكون عليه من العقوبة؟

فكيف بمن يفعل ذلك بخيار عباد الله من المؤمنين؟! بل كيف من يسب أو يغتاب خير القرون كما وردت بذلك السنة المتواترة؟!.

فأبعد الله الروافض، عمدوا بسبهم الخبيث، وفحشهم المتبالغ إلى من يعدل مد أحدهم أو نصيفه أكبر من جبل «أحد» من إنفاق غيرهم.

وورد في الكتاب والسنة من مناقبهم وفضائلهم التي امتازوا بها، ولم يشاركهم فيها غيرهم ما لا يفي به إلا مؤلف بسيط مع ورود الأحاديث الصحيحة في النهي عن سبهم على الخصوص.

بل ثبت في «الصحيح» النهي عن سب الأموات على العموم، وهم خير الأموات، كما كانوا خير الأحياء.

لا جرم فإنه لم يعادهم، ولم يتعرض لأعراضهم المصونة إلا أخبث الطوائف المنتسبة إلى الإسلام، وشر من على وجه الأرض من أهل هذه الملة، وأقل أهلها عقولا، وأحقر أهل الإسلام علوما وأضعفهم حلوما.

بل أصل دعوتهم لكياد الدين، ومخالفة شريعة المسلمين، يعرف ذلك من يعرفه، ويجهله من يجهله.

والعجب كل العجب من علماء الإسلام وسلاطين هذا الدين، كيف تركوهم على هذا المنكر البالغ في القبح إلى غايته ونهايته؛ فإن هؤلاء المخذولين لما [ ص: 381 ] أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها، طعنوا في أعراض الحاملين لها، الذين لا طريق لنا إليها إلا من طريقهم، واستزلوا أهل العقول الضعيفة والإدراكات الركيكة بهذه الذريعة الملعونة والوسيلة الشيطانية، فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة، ويضمرون العناد للشريعة، ورفع أحكامها عن العباد.

وليس في الكبائر ولا في معاصي العباد أشنع ولا أخنع ولا أبشع من هذه الوسيلة إلا ما توسلوا بها إليه؛ فإنه أقبح منها؛ لأنه عناد لله -عز وجل- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولشريعته.

فكان حاصل ما هم فيه من ذلك: أربع كبائر، كل واحدة منها كفر بواح:

الأولى: عناد الله عز وجل .

والثانية: العناد لرسوله صلى الله عليه وسلم. والثالثة: العناد للشريعة المطهرة وكيادها، ومحاولة إبطالها.

والرابعة: تكفير الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- الموصوفين في كتاب الله بأنهم أشداء على الكفار، وأن الله سبحانه يغيظ بهم الكفار، وأنه قد رضي عنهم.

مع أنه قد ثبت في هذه الشريعة المطهرة أن من كفر مسلما كفر، كما في «الصحيحين» وغيرهما من حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه».

وفي «الصحيحين» وغيرهما من حديث أبي ذر: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك، إلا حال عليه».

وفي «البخاري» وغيره من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما».

وأخرج ابن حبان في «صحيحه» من حديث أبي سعيد، قال: قال [ ص: 382 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أكفر رجل رجلا إلا باء أحدهما بها، إن كان كافرا، وإلا كفر بتفكيره».

فعرفت [من] هذا أن كل رافضي خبيث على وجه الأرض يصير كافرا بتكفيرهم لصحابي؛ لأن كل واحد منهم قد كفر ذلك الصحابي، فكيف بمن كفر كل الصحابة، واستثنى أفرادا يسيرة؛ تنفيقا لما هو فيه من الضلال على الطغام الذين لا يعقلون الحجج، ولا يفهمون البراهين، ولا يفطنون بما يضمره أعداء الإسلام من العناد لدين الله، والكياد لشريعته؟!!

فمن كان من الرافضة -كما ذكرنا- فقد تضاعف كفره من جهات أربع كما سلف.

التالي السابق


الخدمات العلمية