الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 201 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ( 200 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا قضيتم مناسككم أيها المؤمنون فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ، وارغبوا إليه فيما لديه من خير الدنيا والآخرة بابتهال وتمسكن ، واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصا ولطلب مرضاته ، وقولوا : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، ولا تكونوا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة ، فكانت أعمالهم للدنيا وزينتها ، فلا يسألون ربهم إلا متاعها ، ولا حظ لهم في ثواب الله ، ولا نصيب لهم في جناته وكريم ما أعد لأوليائه ، كما قال في ذلك أهل التأويل .

3867 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا " ، هب لنا غنما! هب لنا إبلا !" وما له في الآخرة من خلاق " .

3868 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، قال : كانوا في الجاهلية يقولون : " هب لنا إبلا!" ، ثم ذكر مثله .

3869 - حدثنا أبو كريب ، قال : سمعت أبا بكر بن عياش في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق" ، قال : كانوا يعني أهل الجاهلية يقفون - يعني بعد قضاء مناسكهم - فيقولون : " اللهم ارزقنا إبلا! اللهم ارزقنا غنما!" ، فأنزل الله هذه الآية : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " قال أبو كريب : قلت ليحيى بن آدم : عمن هو؟ قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي وائل . [ ص: 202 ]

3870 - حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن القاسم بن عثمان ، عن أنس : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون فيقولون : " اللهم اسقنا المطر ، وأعطنا على عدونا الظفر ، وردنا صالحين إلى صالحين ! .

3871 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا " نصرا ورزقا ، ولا يسألون لآخرتهم شيئا .

3872 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3873 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قول الله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، فهذا عبد نوى الدنيا ، لها عمل ، ولها نصب .

3874 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، قال : كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقامت بمنى لا يذكر الله الرجل منهم ، وإنما يذكر أباه ، ويسأل أن يعطى في الدنيا .

3875 - حدثني يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " ، قال كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل الكفر ، وأهل النفاق . فمن الناس من يقول : " ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " إنما حجوا للدنيا والمسألة ، لا يريدون الآخرة ، ولا يؤمنون بها و منهم من يقول : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة " ، الآية قال : والصنف الثالث : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " الآية . [ ص: 203 ]

وأما معنى"الخلاق" فقد بيناه في غير هذا الموضع ، وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويله والصحيح لدينا من معناه بالشواهد من الأدلة وأنه النصيب ، بما فيه كفاية عن إعادته في هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية