الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مناقب عثمان -رضي الله عنه-

عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: « لكل نبي رفيق، ورفيقي » -يعني: في الجنة- من كلام الراوي، فهمه من القرينة. «عثمان» رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي، وهو منقطع.

وللحديث دلالة على كون عثمان من أهل الجنة، وهو من العشرة المبشرة بها، فلا يضر انقطاع سند هذا الخبر، بل هو كالشاهد والمتابع له.

وفي حديث عائشة ترفعه: « ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟ » رواه مسلم .

وفيه دليل ظاهر على توقير عثمان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة. وسميت به؛ لأنها كانت في زمان اشتداد الحر والقحط، وقلة الزاد والماء والمركب؛ بحيث يعسر عليهم الخروج من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم «نشرها في حجره، فرأيت النبي-صلى الله عليه وسلم- يقلبها في حجره، ويقول: « ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم، مرتين » رواه أحمد . وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن حباب في قصة الجيش المذكور، وهي [ ص: 415 ] آخر غزواته صلى الله عليه وسلم، قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله! علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش، فقام عثمان فقال: علي مئتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض، فقام عثمان فقال: علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل عن المنبر وهو يقول: «ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه رواه الترمذي .

أي: ما بأس عليه الذي عمله من الذنوب بعد هذه العطايا، وهذا على أن «ما» موصولة، وقيل: مصدرية؛ أي: ما على عثمان عمل من النوافل؛ لأن تلك الحسنة تنوب عن جميع النوافل. والأحلاس: جمع حلس -بالكسر، وسكون اللام- وهو كساء رقيق، يجعل تحت البردعة. والأقتاب: جمع قتب -بفتحتين- وهو رحل صغير على قدر سنام البعير، وهو للجمل كالإكاف لغيره. يريد: علي هذه الإبل بجميع أسبابها وأدواتها. والحديثان فيهما دلالة على أن عثمان نصر هذا الجيش، وأمده بالنقد من الدينار، وبالبعير من الأجناس، واستحق على هذا العمل عفو الآثام إن صدرت منه بمقتضى البشرية، على الفرض والتقدير.

قال في الترجمة: علم من هنا: أن من صار مقبولا من حضرة الإله، وثبت كونه من المقبولين في ديوانه -عز وجل- فتقصيره في العمل يغفر بكرم الله تعالى.

قلت: ورحمة الله أوسع من ذلك ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم [النساء: 147] وأي شكر أعظم من أن يصرف الرجل ما أنعم الله به عليه من المال في سبيله، بعد ما كان مؤمنا به سبحانه، وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟!

[ ص: 416 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية