الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مناقب علي -كرم الله وجهه-

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي متفق عليه.

قال في «اللمعات»: قاله -صلى الله عليه وسلم- حين استخلفه على المدينة في غزوة « تبوك »، فقال علي: أتخلفني في النساء والصبيان؟ كأنه استنقص تركه وراءه، فقال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ يعني: حين استخلفه عند توجهه إلى الطور إذ قال له: اخلفني في قومي وأصلح [الأعراف: 142]. وهذا الحديث مما تعلقت به الشيعة في أن الخلافة كانت حقا لعلي، وأنه وصى بها إليه.

[ ص: 420 ] وقال أصحابنا: لا حجة لهم فيه، بل ظاهر الحديث أن عليا خليفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة غيبته بتبوك، كما كان هارون خليفة عن موسى في قومه مدة غيبته عنهم. ولم يكن هارون خليفة بعد موسى؛ لأنه توفي قبل وفاة موسى بأربعين سنة. وقد استخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم في هذه المدة على إمامة الناس، فلو كانت الخلافة مطلقا، لكان استخلفه على الإمامة أيضا. انتهى.

زاد في «الترجمة»: أن الآمدي من علماء الأصول، تكلم في صحة هذا الحديث، ولكنه أخطأ؛ لأن أئمة الحديث متفقون على صحته، وقولهم عليه الاعتماد.

وقال بعضهم: إن جملة «إلا أنه لا نبي بعدي» ليست في بعض الطرق، فإن كانت، فهي لا تدل على حصر الخلافة فيه -رضي الله عنه- وعلى وجودها بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة. انتهى.

وأقول: الحديث مع الجملة المذكورة ثابت في «الصحيحين» اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله. ثم بعد اتفاقهما عليه، وهو أعلى أقسام الحديث، لا معنى لإنكاره. ولعل الآمدي ذهب خياله إلى تعلق الروافض به، ولم يجد لهم جوابا شافيا، فنحا إلى عدم صحته، ومع أن هذا الحديث له دلالة على فضيلة علي، ولا يدل على مراد الشيعة الشنيعة أصلا. ولو دل عليه، لقلنا به بلا ريب؛ لأن ترك العمل بالحديث لا يجوز؛ لكونه موافقا لمن ليس من أهل مذهبنا، بل إن صح الحديث في باب من أبواب الدين، وجب العمل به، وإن لم يعمل أحد من الأمة، ولم يذهب إليه أحد من الأئمة.

ولم يرد صلى الله عليه وسلم تشبيه علي بهارون من كل وجه؛ لأن هارون كان أكبر من موسى [ ص: 421 ] -عليهما السلام- في السن، وأقدم عليه في الموت، إنما أراد خلافته في الأهل والعيال. فإن الخلافة من النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان في الظاهر في شيء حقير، أو قليل - خير من خيور كثيرة، وفضيلة لا تساويها فضيلة. وقد أجاب على هذا الحديث للشيعة صاحب «كشف الالتباس»، فراجعه.

وعن زر بن حبيش، قال: قال علي -رضي الله عنه-: والذي فلق الحبة! -أي: شقها، وأخرج النبات منها- وبرأ النسمة -أي: خلق كل ذات روح- إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه وسلم- إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق . رواه مسلم .

قال في «الترجمة»: فمحبة علي علامة الإيمان، وعداوته أمارة النفاق، أعاذنا الله. قلت: وأكثر الناس حبا له وكرامة له، أهل السنة عموما. وأعظمهم انتسابا إليه وتعلقا به الصوفية الصافية الكرام البررة، فإن سلاسلهم جميعا -إلا ما شاء الله- تنتهي إليه -رضي الله عنه-.

والنفاق أسوأ درجة في الدين، بل في الدنيا أيضا، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار. والشاهد العدل على محبته من يدعي الحب أن يسلك سبيله، ويتبع أثره، ويتشكل بشكله -عليه السلام- وهذا في أهل الحديث والسنة كثير.

التالي السابق


الخدمات العلمية