الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
منقبة فاطمة -رضي الله عنها-

عن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها، أغضبني ». استدل بهذا السبكي على أن من سبها كفر، كما في «الترجمة». قلت: وتقدم أن « من سب عليا، فقد سبني ». ولا ريب أن لفاطمة خصوصية مع أبيها، ليست لغيرها.

وإذا كان سب بعلها كسب الرسول، وسب الرسول كفر، فسب بضعة الرسول بالأولى يكون كفرا، فالاستدلال صحيح.

وفي رواية: « يريبني ما أرابها »؛ أي: يسوءني ويقلقني ما أساءها « ويؤذيني ما آذاها » متفق عليه.

والحديث دليل على فضيلة سيدة النساء البتول الزهراء . وقد ذكر ترجمتها صاحب «الفرع النامي من الأصل السامي»، وما أحسنها مبنى ومعنى!

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين؟ » الحديث بطوله متفق عليه.

قال في «الترجمة»: هذا الحديث يدل على فضل « فاطمة » على جميع النساء المؤمنات، حتى مريم، وآسية، وخديجة، وعائشة . هكذا قال السيوطي . [ ص: 455 ] وورد في بعض الأحاديث استثناء مريم بنت عمران من عموم النساء اللاتي فضلت عليهن فاطمة . وفي رواية: « فضل فاطمة في هذه الأمة مثل فضل مريم في قومها ». ويمكن أن يكون اختلاف هذه الأخبار لأجل تدرج اطلاع النبي -صلى الله عليه وسلم- على فضيلتها بالوحي، وإعلام الله تعالى حتى كان آخرا، فضلها على نساء العالم جميعهن. وفضل بعضهم عائشة عليها.

قال السيوطي في «فتاواه»: وفيه ثلاثة مذاهب: أصحها: أن فاطمة أفضل من عائشة، وذهب بعضهم إلى المساواة، وبعضهم توقف، وإليه نحا الأستروشي من الحنفية، وبعض الشافعية. وسئل مالك عن ذلك فقال: فاطمة بضعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أفضل على بضعة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدا.

وقال السبكي : الذي اخترناه، وهو ديننا: أن فاطمة أفضل، ثم أمها خديجة، ثم عائشة، انتهى. وما أحسن قول الشاعر الفارسي:


دي كسى كفت عائشة در فضل بهتراز بنت سيد البشر ست     مصرعى در جواب أوخواندم
رشته ديكررك جكر دكر ست

واختلفوا أيضا في خديجة وعائشة، والحق أن الحيثيات مختلفة.

وقال بعضهم: الأفضلية بمعنى كثرة الثواب، ولكن لا يبلغ أحد بحسب شرف الذات وطهارة الطينة وتقدس الجوهر، بفاطمة والحسن والحسين -رضي الله عنهم-. انتهى كلام الترجمة.


جوهر حام جم أز طينت كان دكرست     توتوقع زكل كوزه كران ميدارى

.

وعن جميع بن عمير، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسألت: «أي الناس كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها». رواه الترمذي .

[ ص: 456 ] قال في «الترجمة»: انظر في هذا المقام في إنصاف عائشة وصدقها، ماذا قالت، وكان المحل أن تقول: أنا وأبي. ولا يستبعد أنه سئلت عن فاطمة - عليها السلام - لقالت: عائشة وأباها. على رغم أهل الزيغ والتعصب الذين يزعمون المخالفة والمعاندة فيما بينهما، وحاشاهما عن ذلك، مع وجود الفرق بين المحبة والفضيلة. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية