الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
منقبة العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-

عن عبد المطلب بن ربيعة، أن العباس دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضبا وأنا عنده، فقال: «ما أغضبك؟»، قال: يا رسول الله! ما لنا ولقريش؟ إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا، لقونا بغير ذلك، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى احمر وجهه، ثم قال: «والذي نفسي بيده! لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله»، ثم قال: «يا أيها الناس! من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه» رواه الترمذي، وفي «المصابيح» عن المطلب. والحديث دليل على فضله وعلى أنه بمنزلة الوالد له صلى الله عليه وسلم في التعظيم والإكرام والمحبة والمودة. وهذه فضيلة لا تساويها فضيلة.

وفي حديث آخر عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « العباس مني وأنا منه » رواه الترمذي .

وعنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعباس : «إذا كان غداة الاثنين، فأتني أنت وولدك»؛ أي: أولادك «حتى أدعو لكم بدعوة ينفعك الله بها وولدك»، فغدا وغدونا معه، وألبسنا كساءه ثم قال: «اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر»؛ أي: لا تترك ولا تذر «ذنبا، اللهم احفظه في ولده»؛ أي: أكرمه وراع أمره؛ لئلا يضيع في شأن ولده، يقال: حفظه [في] نفسه؛ أي: لم يضيعه، ولم يتبذله. رواه الترمذي، وزاد رزين : «واجعل الخلافة باقية في عقبه»، قال الترمذي : هذا حديث غريب. [ ص: 465 ] والحديث دليل على فضيلة عم النبي-صلى الله عليه وسلم- وولده عبد الله بن عباس . وفيه: الدعاء لهما، ويقال: خلافة الإسلام في عقبهما، وقد كان كما أخبر، ولله الحمد.

وعلى هذا، الحديث علم من أعلام النبوة، وقد انقرضت الخلافة من قريش، بانقراض عقبه، وتسلط عليها من لم يكن أهلا لها، ولا مستحقا إياها، من أقوام شتى، عجمية وغيرها، وعاد الإسلام غريبا بهذه الأمور، حتى إن الدولة خرجت منه، ودخلت في ديار الكفار إلا ما شاء الله، وأصيب الإسلام وأهله مصيبة ليست في حساب، وكان أمر الله قدرا مقدورا. اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية