الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

      التالي السابق


      ش قوله : ( وهو الغفور . . ) إلخ ؛ تضمنت الآية إثبات اسمين من الأسماء الحسنى ، وهما : الغفور ، والودود .

      [ ص: 139 ] أما الأول : فهو مبالغة في الغفر ، ومعناه : الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده ، والتجاوز عن مؤاخذتهم .

      وأصل الغفر : الستر ، ومنه يقال : الصبغ أغفر للوسخ ، ومنه : المغفر لسترة الرأس .

      وأما الثاني : فهو من الود الذي هو خالص الحب وألطفه ، وهو إما من فعول بمعنى فاعل ، فيكون معناه : الكثير الود لأهل طاعته ، والمتقرب إليهم بنصره لهم ومعونته ، وإما من فعول بمعنى مفعول ، فيكون معناه : المودود لكثرة إحسانه ، المستحق لأن يوده خلقه فيعبدوه ويحمدوه .

      وأما قوله : بسم الله الرحمن الرحيم وما بعدها من الآيات ؛ فقد تضمنت إثبات اسميه الرحمن والرحيم ، وإثبات صفتي الرحمة والعلم .

      وقد تقدم في تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الكلام على هذين الاسمين ، وبيان الفرق بينهما ، وأن أولهما دال على صفة الذات والثاني دال على صفة الفعل .

      وقد أنكرت الأشاعرة والمعتزلة صفة الرحمة بدعوى أنها في المخلوق ضعف وخور وتألم للمرحوم ، وهذا من أقبح الجهل ، فإن الرحمة إنما تكون من الأقوياء للضعفاء ، فلا تستلزم ضعفا ولا خورا ؛ بل قد تكون مع غاية العزة والقدرة ، فالإنسان القوي يرحم ولده الصغير وأبويه الكبيرين ومن هو أضعف منه ، وأين الضعف والخور وهما من أذم الصفات من [ ص: 140 ] الرحمة التي وصف الله نفسه بها ، وأثنى على أوليائه المتصفين بها ، وأمرهم أن يتواصوا بها ؟ ! وقوله : ( ربنا وسعت . . ) إلخ ؛ من كلام الله عز وجل حكاية عن حملة العرش والذين حوله ، يتوسلون إلى الله عز وجل بربوبيته وسعة علمه ورحمته في دعائهم للمؤمنين ، وهو من أحسن التوسلات التي يرجى معها الإجابة .

      ونصب قوله : ( رحمة وعلما ) على التمييز المحول عن الفاعل ، والتقدير : وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، فرحمته سبحانه وسعت في الدنيا المؤمن والكافر والبر والفاجر ، ولكنها يوم القيامة تكون خاصة بالمتقين ؛ كما قال تعالى : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة . . الآية .

      وقوله تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة ؛ أي : أوجبها على نفسه تفضلا وإحسانا ، ولم يوجبها عليه أحد .

      وفي حديث أبي هريرة في ( الصحيحين ) : إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت أو تسبق غضبي .

      [ ص: 141 ] وأما قوله : فالله خير حافظا ؛ فالحافظ والحفيظ مأخوذ من الحفظ ، وهو الصيانة ، ومعناه : الذي يحفظ عباده بالحفظ العام ، فييسر لهم أقواتهم ، ويقيهم أسباب الهلاك والعطب ، وكذلك يحفظ عليهم أعمالهم ، ويحصي أقوالهم ، ويحفظ أولياءه بالحفظ الخاص ، فيعصمهم عن مواقعة الذنوب ، ويحرسهم من مكايد الشيطان ، وعن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم .

      وانتصب ( حافظا ) تمييزا لـ ( خير ) الذي هو أفعل تفضيل .




      الخدمات العلمية