الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 597 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : فإن طلقها فإن طلق المرأة - التي بانت من زوجها بآخر التطليقات الثلاث بعد ما نكحها مطلقها الثاني - زوجها الذي نكحها بعد بينونتها من الأول فلا جناح عليهما يقول تعالى ذكره : فلا حرج على المرأة التي طلقها هذا الثاني من بعد بينونتها من الأول ، وبعد نكاحه إياها - وعلى الزوج الأول الذي كانت حرمت عليه ببينونتها منه بآخر التطليقات أن يتراجعا بنكاح جديد . كما :

4905 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله " يقول : إذا تزوجت بعد الأول ، فدخل الآخر بها ، فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها ، فقد حلت له .

4906 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشام قال : أخبرنا [ ص: 598 ] جويبر عن الضحاك قال : إذا طلق واحدة أو ثنتين ، فله الرجعة ما لم تنقض العدة . قال : والثالثة قوله : " فإن طلقها " - يعني الثالثة - فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره فيدخل بها " فإن طلقها " هذا الأخير بعد ما يدخل بها " فلا جناح عليهما أن يتراجعا " يعنى الأول " إن ظنا أن يقيما حدود الله " .

قال أبو جعفر : وأما قوله : " إن ظنا أن يقيما حدود الله " فإن معناه : إن رجوا مطمعا أن يقيما حدود الله . وإقامتهما حدود الله : العمل بها ، وحدود الله : ما أمرهما به ، وأوجب بكل واحد منهما على صاحبه ، وألزم كل واحد منهما بسبب النكاح الذي يكون بينهما . وقد بينا معنى " الحدود " ، ومعنى " إقامة " ذلك ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وكان مجاهد يقول في تأويل قوله : " إن ظنا أن يقيما حدود الله " ما : -

4907 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " إن ظنا أن يقيما حدود الله " إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة .

4908 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

قال أبو جعفر : وقد وجه بعض أهل التأويل قوله إن ظنا إلى أنه بمعنى : إن أيقنا . وذلك ما لا وجه له ، لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله تعالى [ ص: 599 ] ذكره . فإذ كان ذلك كذلك ، فما المعنى الذي به يوقن الرجل والمرأة أنهما إذا تراجعا أقاما حدود الله؟ ولكن معنى ذلك كما قال تعالى ذكره : " إن ظنا " بمعنى طمعا بذلك ورجوا

" وأن " التي في قوله : " أن يقيما " ، في موضع نصب ب " ظنا " ، و " أن " التي في " أن يتراجعا " جعلها بعض أهل العربية في موضع نصب بفقد الخافض ، لأن معنى الكلام : فلا جناح عليهما في أن يتراجعا - فلما حذفت " في " التي كانت تخفضها نصبها ، فكأنه قال : فلا جناح عليهما تراجعهما .

وكان بعضهم يقول : موضعه خفض ، وإن لم يكن معها خافضها ، وإن كان محذوفا فمعروف موضعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية