الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثاني :

                                530 555 - حدثنا عبد الله بن يوسف : أبنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل ، وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين كانوا فيكم ، فيسألهم - وهو أعلم بهم - : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون " .

                                التالي السابق


                                قوله : " يتعاقبون فيكم ملائكة " جمع فيه الفعل مع إسناده إلى ظاهر ، وهو مخرج على اللغة المعروفة بلغة " أكلوني البراغيث " ، وقد عرفها بعض متأخري النحاة بهذا الحديث ، فقال : " هي لغة يتعاقبون فيكم ملائكة " .

                                والتعاقب : التناوب والتداول ، والمعنى : أن كل ملائكة تأتي تعقب الأخرى .

                                وقد دل الحديث على أن ملائكة الليل غير ملائكة النهار .

                                وقد خرجا في " الصحيحين " من حديث الزهري ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " تجتمع ملائكة الليل ، وملائكة النهار في صلاة الفجر " . ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : إن قرآن الفجر كان مشهودا

                                [ ص: 140 ] ففي هذه الرواية : ذكر اجتماعهم في صلاة الفجر ، واستشهد أبو هريرة بقول الله عز وجل : إن قرآن الفجر كان مشهودا

                                وقد روي في حديث من رواية أبي الدرداء - مرفوعا - : أنه يشهده الله وملائكته .

                                وفي رواية : " ملائكة الليل وملائكة النهار " .

                                خرجه الطبراني وابن منده وغيرهما .

                                فقد يكون تخصيص صلاة الفجر لهذا ، وصلاة العصر يجتمع - أيضا - فيها ملائكة الليل والنهار ، كما دل عليه حديث الأعرج ، عن أبي هريرة .

                                وقد روي نحوه من حديث حميد الطويل ، عن بكر المزني ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا .

                                وهؤلاء الملائكة ، يحتمل أنهم المعقبات ، وهم الحفظة ، ويحتمل أنهم كتبة الأعمال .

                                وروى أبو عبيدة ، عن أبيه عبد الله بن مسعود ، في قوله : إن قرآن الفجر كان مشهودا قال : يعني صلاة الصبح ، يتدارك فيه الحرسان ملائكة الليل وملائكة النهار .

                                وقال إبراهيم ، عن الأسود بن يزيد : يلتقي الحارسان من ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح ، فيسلم بعضهم على بعض ، ويحيي بعضهم بعضا ، فتصعد ملائكة الليل وتبسط ملائكة النهار .

                                قال ابن المبارك : وكل بابن آدم خمسة أملاك : ملكا الليل ، وملكا النهار ، يجيئان ويذهبان ، والخامس لا يفارقه ليلا ولا نهارا .

                                وممن قال : إن ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع في صلاة الفجر ، وفسر [ ص: 141 ] بذلك قول الله عز وجل : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا مجاهد ومسروق وغيرهما .

                                قال ابن عبد البر : والأظهر أن ذلك في الجماعات . قال : وقد يحتمل الجماعات وغيرها .

                                قلت : يشهد للأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمن الإمام فأمنوا ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " .

                                ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكل الثوم أن يشهد المسجد ، وتعليله : أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم .

                                وقد بوب البخاري على اختصاصه بالجماعات في " أبواب صلاة الجماعة " ، كما سيأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى .

                                ويشهد للثاني : أن المصلي ينهى عن أن يبصق في صلاته عن يمينه ; لأن عن يمينه ملكا ، ولا يفرق في هذا بين مصلي جماعة وفرادى .



                                الخدمات العلمية