الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8175 ) مسألة ; قال : : ( ومن نذر أن يتصدق بماله كله ، أجزأه أن يتصدق بثلثه ، كما روي عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي لبابة ، حين قال إن من توبتي يا رسول الله أن أنخلع من مالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزئك الثلث } ) وجملة ذلك أن من نذر أن يتصدق بماله كله ، أجزأه ثلثه . وبهذا قال الزهري ، ومالك . وروى الحسين بن إسحاق الخرقي ، عن أحمد ، قال : سألته عن رجل قال : جميع ما أملك في المساكين صدقة . قال : كفارته كفارة اليمين . قال وسئل عن رجل قال ما يرث عن فلان ، فهو للمساكين . فذكروا أنه قال : يطعم عشرة مساكين .

                                                                                                                                            وقال ربيعة : يتصدق منه بقدر الزكاة ; لأن المطلق محمول على معهود الشرع ، ولا يجب في الشرع إلا قدر الزكاة . وعن جابر بن زيد : قال : إن كان كثيرا ، وهو ألفان ، تصدق بعشرة ، وإن كان متوسطا وهو ألف ، تصدق بسبعة ، وإن كان قليلا ، وهو خمسمائة ، تصدق بخمسة . وقال أبو حنيفة : يتصدق بالمال الزكوي كله . وعنه في غيره روايتان ; إحداهما ، يتصدق به . والثانية ، لا يلزمه منه شيء .

                                                                                                                                            وقال النخعي ، والبتي ، والشافعي : يتصدق بماله كله ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من نذر أن يطيع الله فليطعه } . ولأنه نذر طاعة ، فلزمه الوفاء به ، كنذر الصلاة والصيام .

                                                                                                                                            ولنا ، { قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة ، حين قال : إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . فقال : يجزئك الثلث } . وعن كعب بن مالك ، قال : { قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك . } متفق عليه . ولأبي داود : { يجزئ عنك الثلث } .

                                                                                                                                            فإن قالوا : هذا ليس بنذر ، وإنما أراد الصدقة بجميعه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على ثلثه ، كما أمر سعدا حين أراد الوصية بجميع ماله ، بالاقتصار على الوصية بثلثه ، وليس هذا محل النزاع ، إنما النزاع فيمن نذر الصدقة بجميعه . قلنا : عنه جوابان ; أحدهما ، أن قوله : { يجزئ عنك الثلث } . دليل على أنه أتى بلفظ يقتضي الإيجاب ; لأنها إنما تستعمل غالبا في الواجبات ، ولو كان مخيرا بإرادة الصدقة ، لما لزمه شيء يجزئ عنه بعضه .

                                                                                                                                            الثاني ، أن منعه من الصدقة بزيادة على الثلث ، دليل على أنه ليس بقربة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أصحابه من القرب ، ونذر ما ليس بقربة لا يلزم الوفاء به . وما قاله أبو حنيفة ، فقد سبق الكلام عليه .

                                                                                                                                            وما قاله ربيعة ، لا يصح ; فإن هذا [ ص: 72 ] ليس بزكاة ، ولا في معناها ، فإن الصدقة وجبت لإغناء الفقراء ومواساتهم ، وهذه صدقة تبرع بها صاحبها تقربا إلى الله - تعالى ، ثم إن المحمول على معهود الشرع المطلق ، وهذه صدقة معينة غير مطلقة ، ثم تبطل بما لو نذر صياما ، فإنه لا يحمل على صوم رمضان ، وكذلك الصلاة . وما ذكره جابر بن زيد ، تحكم بغير دليل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية