الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون

                                                                                                                                                                                                                                      وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عطف على " الكتاب " ; أي : أنزلنا إليك الكتاب والحكم بما فيه ، والتعرض لعنوان إنزاله تعالى إياه لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر ، أو على الحق ; أي : أنزلناه بالحق وبأن احكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وحكاية إنزال الأمر بهذا الحكم بعد ما مر من الأمر الصريح بذلك ، تأكيد له وتمهيد لما يعقبه من قوله تعالى : واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ; أي : يصرفوك عن بعضه ، ولو كان أقل قليل بتصوير الباطل بصورة الحق ، وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب ، وأن بصلته بدل اشتمال من ضمير هم ; أي : احذر فتنتهم ، أو مفعول له ; أي : [ ص: 47 ] احذرهم مخافة أن يفتنوك ، وإعادة ما أنزل الله لتأكيد التحذير بتهويل الخطب .

                                                                                                                                                                                                                                      روي أن أحبار اليهود قالوا : اذهبوا بنا إلى محمد فلعلنا نفتنه عن دينه ، فذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا أبا القاسم ; قد عرفت أنا أحبار اليهود ، وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود كلهم ، وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ونصدقك ; فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن تولوا ; أي : أعرضوا عن الحكم بما أنزل الله تعالى وأرادوا غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ; أي : بذنب توليهم عن حكم الله عز وجل ، وإنما عبر عنه بذلك ; إيذانا بأن لهم ذنوبا كثيرة ، هذا مع كمال عظمة واحد من جملتها ، وفي هذا الإبهام تعظيم للتولي ، كما في قول لبيد :


                                                                                                                                                                                                                                      أو يرتبط بعض النفوس حمامها



                                                                                                                                                                                                                                      يريد به : نفسه ; أي : نفسا كبيرة ، ونفسا أي نفس .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن كثيرا من الناس لفاسقون ; أي : متمردون في الكفر مصرون عليه خارجون عن الحدود المعهودة ، وهو اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية