الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنـزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين

                                                                                                                                                                                                                                      64 - وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان روي أن اليهود -لعنهم الله- لما كذبوا محمدا عليه الصلاة والسلام كف الله ما بسط عليهم من السعة، وكانوا من أكثر الناس مالا، فعند ذلك قال فنحاص: يد الله مغلولة، ورضي بقوله الآخرون، فأشركوا فيه. وغل اليد وبسطها: مجاز عن البخل والجود، ومنه قوله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط [الإسراء: 29] ولا يقصد المتكلم به إثبات يد، ولا غل، ولا بسط، حتى إنه يستعمل في ملك يعطي ويمنع بالإشارة من غير استعمال اليد، ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزلا لقالوا: ما أبسط يده بالنوال! وقد استعمل حيث لا تصح اليد، يقال: بسط البأس كفيه في صدري، فجعل للبأس -الذي هو من المعاني- كفان. ومن لم ينظر في علم البيان يتحير في تأويل أمثال هذه الآية. وقوله: غلت أيديهم دعاء عليهم بالبخل، ومن ثم كانوا أبخل خلق الله، أو تغل في جهنم، فهي كأنها غلت، وإنما ثنيت اليد في بل يداه مبسوطتان وهي مفردة في قولهم: " يد الله مغلولة "; ليكون رد قولهم وإنكاره أبلغ، وأدل على إثبات غاية السخاء له، ونفي البخل عنه، فغاية ما يبذله السخي أن يعطيه بيديه ينفق كيف يشاء تأكيد للوصف بالسخاء، ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة وليزيدن كثيرا منهم من اليهود ما أنـزل إليك من ربك طغيانا وكفرا أي: يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم، تماديا في الجحود، وكفرا بآيات الله، وهذا من إضافة الفعل إلى السبب، كما [ ص: 460 ] قال: فزادتهم رجسا إلى رجسهم [التوبة: 125] وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة فكلمهم أبدا مختلف، وقلوبهم شتى، لا يقع بينهم اتفاق، ولا تعاضد. كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا، لم يقم لهم نصر من الله على أحد قط، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس. وقيل: كلما حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر عليهم. عن قتادة: لا تلقى يهوديا في بلد إلا وقد وجدته من أذل الناس ويسعون في الأرض فسادا ويجتهدون في دفع الإسلام، ومحو ذكر النبي عليه الصلاة والسلام من كتبهم والله لا يحب المفسدين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية