الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن محمد بن طحلاء عن عثمان بن عبد الرحمن أن أباه حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت إزاره قال يحيى سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتمضمض أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه فقال أما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليمضمض ولا يعد غسل وجهه وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه فليغسل وجهه ثم ليعد غسل ذراعيه حتى يكون غسلهما بعد وجهه إذا كان ذلك في مكانه أو بحضرة ذلك قال يحيى وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض ويستنثر حتى صلى قال ليس عليه أن يعيد صلاته وليمضمض ويستنثر ما يستقبل إن كان يريد أن يصلي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          37 36 - ( مالك عن يحيى بن محمد بن طحلاء ) بفتح الطاء وسكون الحاء المهملة ممدود المدني التيمي مولاهم أخي يعقوب روى عن أبيه وعثمان المذكور ، وعنه مالك والدراوردي وآخرون ، وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من التابعين .

                                                                                                          ( عن عثمان بن عبد الرحمن ) [ ص: 127 ] بن عثمان بن عبيد الله التيمي المدني ، ثقة روى له البخاري وأبو داود والترمذي .

                                                                                                          ( أن أباه ) عبد الرحمن بن عثمان التيمي ، صحابي قتل مع ابن الزبير وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة .

                                                                                                          ( حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب ) يقول : ( يتوضأ ) أي يتطهر ( بالماء لما تحت إزاره ) كناية عن موضع الاستنجاء تأدبا أي إنه بالماء أفضل منه بالحجر ، وبينت السنة أن الجمع بينهما أفضل ، روى ابن خزيمة والبزار عن عويم بن ساعدة أنه - صلى الله عليه وسلم - أتاهم في مسجد قباء فقال : " إن الله قد أثنى عليكم في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ " قالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا .

                                                                                                          وفي حديث البزار فقالوا : نتبع الحجارة بالماء فقال : " هو ذاك فعليكموه " وكأن الإمام أراد بذكر أثر عمر هذا الرد على من كره الاستنجاء بالماء .

                                                                                                          روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال : إذن لا يزال في يدي نتن .

                                                                                                          وعن نافع : أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء .

                                                                                                          وعن ابن الزبير : ما كنا نفعله .

                                                                                                          وفي البخاري عن أنس : " كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني يستنجي به " وللإسماعيلي : معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          ولمسلم : " فخرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد استنجى بالماء " وللبخاري أيضا عن أنس : " كان - صلى الله عليه وسلم - إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به " ولابن خزيمة عن جرير : " أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى بها " وللترمذي وقال : حسن صحيح .

                                                                                                          وعن عائشة أنها قالت : " مرن أزواجكن أن يغسلوا أثر البول والغائط فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله " فلعل نقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون - صلى الله عليه وسلم - استنجى بالماء لا يصح عنه إذ هو نجم السنن ، مع أنه خلاف معروف مذهبه أن الماء أفضل ، وأفضل منه الجمع بينه وبين الحجر ، وقول ابن حبيب يمنع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم ضعيف .

                                                                                                          ( سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتمضمض أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه ) ما حكمه ؟ ( فقال : أما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليمضمض ) فاه ( ولا يعد غسل وجهه ) لأن ترتيب السنن مع الفرائض مستحب وقد فات .

                                                                                                          ( وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه فليغسل وجهه ثم ليعد ) على وجه السنية ( غسل ذراعيه حتى يكون [ ص: 128 ] غسلهما بعد وجهه إذا كان ذلك في مكانه أو بحضرة ذلك ) أي بقربه ، فإن بعد بأن جفت أعضاؤه أعاد المنكس وحده فيغسل وجهه ولا يعيد غسل ذراعيه وسواء فعل ذلك عمدا أو سهوا لأن ترتيب الفرائض سنة . والنسيان إنما وقع في السؤال .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض ويستنثر حتى صلى قال : ليس عليه أن يعيد صلاته ) لأنهما من سنن الوضوء فما على تاركهما ولو عمدا إعادة ، وقيد النسيان إنما وقع في السؤال .

                                                                                                          ( وليمضمض ويستنثر ما يستقبل ) بكسر الباء من الصلوات ( إن كان يريد أن يصلي ) بهذا الوضوء وإلا فلا إعادة .




                                                                                                          الخدمات العلمية