القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى حمارك )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30340تأويل قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى حمارك ) .
فقال بعضهم : معنى ذلك : وانظر إلى إحيائي حمارك ، وإلى عظامه كيف أنشزها ثم أكسوها لحما .
ثم اختلف متأولو ذلك في هذا التأويل .
فقال بعضهم : قال الله - تعالى ذكره - ذلك له بعد أن أحياه خلقا سويا ، ثم أراد أن يحيي حماره تعريفا منه - تعالى ذكره - له كيفية إحيائه القرية التي رآها خاوية على عروشها ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) ؟ مستنكرا إحياء الله إياها .
ذكر من قال ذلك :
5933 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ،
[ ص: 468 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : بعثه الله فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ثم نكسوها لحما ) قال : فنظر إلى حماره ياتصل بعض إلى بعض . وقد كان مات معه بالعروق والعصب ، ثم كسا ذلك منه اللحم حتى استوى ثم جرى فيه الروح ، فقام ينهق . ونظر إلى عصيره وتينه ، فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير . فلما عاين من قدرة الله ما عاين قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أعلم أن الله على كل شيء قدير ) .
5934 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ثم إن الله أحيا
عزيرا ، فقال : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة عام ! فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، وانظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه ، وانظر إلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما .
فبعث الله ريحا ، فجاءت بعظام الحمار من كل سهل وجبل ذهبت به الطير والسباع ، فاجتمعت ، فركب بعضها في بعض وهو ينظر ، فصار حمارا من عظام ليس له لحم ولا دم . ثم إن الله كسا العظام لحما ودما ، فقام حمارا من لحم ودم وليس فيه روح . ثم أقبل ملك يمشي حتى أخذ بمنخر الحمار ، فنفخ فيه فنهق الحمار ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أعلم أن الله على كل شيء قدير ) .
قال
أبو جعفر : فتأويل الكلام على ما تأوله قائل هذا القول : وانظر إلى إحيائنا حمارك ، وإلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما ، ولنجعلك آية للناس فيكون في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى حمارك ) ، متروك من الكلام ، استغني بدلالة ظاهره عليه من ذكره ، وتكون الألف واللام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى العظام ) بدلا من " الهاء " المرادة في المعنى ؛ لأن معناه : وانظر إلى عظامه - يعني : إلى عظام الحمار .
[ ص: 469 ]
وقال آخرون منهم : بل قال الله - تعالى ذكره - ذلك له بعد أن نفخ فيه الروح في عينه . قالوا : وهي أول عضو من أعضائه نفخ الله فيه الروح ، وذلك بعد أن سواه خلقا سويا ، وقبل أن يحيي حماره .
ذكر من قال ذلك :
5935 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال : كان هذا رجلا من
بني إسرائيل نفخ الروح في عينيه ، فينظر إلى خلقه كله حين يحييه الله ، وإلى حماره حين يحييه الله .
5936 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
5937 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : بدأ بعينيه فنفخ فيهما الروح ، ثم بعظامه فأنشزها ، ثم وصل بعضها إلى بعض ، ثم كساها العصب ، ثم العروق ، ثم اللحم . ثم نظر إلى حماره ، فإذا حماره قد بلي وابيضت عظامه في المكان الذي ربطه فيه ، فنودي : " يا عظام اجتمعي ، فإن الله منزل عليك روحا " فسعى كل عظم إلى صاحبه ، فوصل العظام ، ثم العصب ، ثم العروق ثم اللحم ، ثم الجلد ، ثم الشعر ، وكان حماره جذعا ، فأحياه الله كبيرا قد تشنن ، فلم يبق منه إلا الجلد من طول الزمن . وكان طعامه سل عنب ، وشرابه دن خمر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد : نفخ الروح في عينيه ، ثم نظر بهما إلى خلقه كله حين نشره الله ، وإلى حماره حين يحييه الله .
[ ص: 470 ]
وقال آخرون : بل جعل الله الروح في رأسه وبصره ، وجسده ميت ، فرأى حماره قائما كهيئته يوم ربطه ، وطعامه وشرابه كهيئته يوم حل البقعة . ثم قال الله له : انظر إلى عظام نفسك كيف ننشزها .
ذكر من قال ذلك :
5938 - حدثني
محمد بن سهل بن عسكر قال : حدثنا
إسماعيل بن عبد الكريم قال : حدثني
عبد الصمد بن معقل أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه يقول : رد الله روح الحياة في عين
أرميا وآخر جسده ميت ، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه ، ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه ، لم يطعم ولم يشرب ، ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير ، جديدة .
5940 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) ، فنظر إلى حماره قائما قد مكث مائة عام ، وإلى طعامه لم يتغير قد أتى عليه مائة عام (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما ) فكان أول شيء أحيا الله منه رأسه ، فجعل ينظر إلى سائر خلقه يخلق .
5941 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير ، عن
جويبر ، عن
الضحاك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) فنظر إلى حماره قائما ، وإلى طعامه وشرابه لم يتغير ، فكان أول شيء خلق منه رأسه ، فجعل ينظر
[ ص: 471 ] إلى كل شيء منه يوصل بعضه إلى بعض . فلما تبين له قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أعلم أن الله على كل شيء قدير ) .
5942 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : ذكر لنا أنه : أول ما خلق الله منه رأسه ، ثم ركبت فيه عيناه ، ثم قيل له : انظر ! فجعل ينظر ، فجعلت عظامه تواصل بعضها إلى بعض ، وبعين نبي الله - عليه السلام - كان ذلك فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أعلم أن الله على كل شيء قدير ) .
5943 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ) وكان حماره عنده كما هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ولنجعلك آية للناس ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) . قال
الربيع : ذكر لنا - والله أعلم - أنه : أول ما خلق منه عيناه ، ثم قيل انظر ! فجعل ينظر إلى العظام يتواصل بعضها إلى بعض ، وذلك بعينيه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أعلم أن الله على كل شيء قدير ) .
4644 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرنا
ابن زيد قال قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ) واقفا عليك منذ مائة سنة (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام ) يقول : وانظر إلى عظامك كيف نحييها حين سألتنا : " كيف نحيي هذه " ؟ . قال : فجعل الله الروح في بصره وفي لسانه ، ثم قال : ادع الآن بلسانك الذي جعل الله فيه الروح ، وانظر ببصرك . قال : فكان ينظر إلى الجمجمة . قال فنادى : ليلحق كل عظم بأليفه . قال : فجاء كل عظم إلى صاحبه ، حتى اتصلت وهو يراها ، حتى إن الكسرة من العظم لتأتي إلى الموضع الذي انكسرت منه ، فتلصق به حتى وصل إلى جمجمته ،
[ ص: 472 ] وهو يرى ذلك . فلما اتصلت شدها بالعصب والعروق ، وأجرى عليها اللحم والجلد ، ثم نفخ فيها الروح ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259انظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما ) فلما تبين له ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير ) . قال : ثم أمر فنادى تلك العظام التي قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) كما نادى عظام نفسه ، ثم أحياها الله كما أحياه .
5945 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
بكر بن مضر قال : يزعمون في بعض الكتب أن الله أمات
أرميا مائة عام ، ثم بعثه ، فإذا حماره حي قائم على رباطه . قال : ورد الله إليه بصره ، وجعل الروح فيه قبل أن يبعث بثلاثين سنة ، ثم نظر إلى
بيت المقدس وكيف عمر وما حوله . قال : فيقولون - والله أعلم - : إنه الذي قال الله - تعالى ذكره - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أو كالذي مر على قرية وهي خاوية ) الآية .
ومعنى الآية على تأويل هؤلاء : وانظر إلى حمارك ، ولنجعلك آية للناس ، وانظر إلى عظامك كيف ننشزها بعد بلاها ، ثم نكسوها لحما ، فنحييها بحياتك فتعلم كيف يحيي الله القرى وأهلها بعد مماتها .
[ ص: 473 ]
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في هذه الآية بالصواب قول من قال : إن الله - تعالى ذكره - بعث قائل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) من مماته ، ثم أراه نظير ما استنكر من إحياء الله القرية التي مر بها بعد مماتها عيانا من نفسه وطعامه وحماره . فجعل - تعالى ذكره - ما أراه من إحيائه نفسه وحماره مثلا لما استنكر من إحيائه أهل القرية التي مر بها خاوية على عروشها ، وجعل ما أراه من العبرة في طعامه وشرابه عبرة له وحجة عليه في كيفية إحيائه منازل القرية وجنانها . وذلك هو معنى قول
مجاهد الذي ذكرناه قبل .
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى العظام ) إنما هو بمعنى : وانظر إلى العظام التي تراها ببصرك كيف ننشزها ، ثم نكسوها لحما .
وقد كان حماره أدركه من البلى في قول أهل التأويل جميعا نظير الذي لحق عظام من خوطب بهذا الخطاب ، فلم يمكن صرف معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى العظام ) إلى أنه أمر له بالنظر إلى عظام الحمار دون عظام المأمور بالنظر إليها ، ولا إلى أنه أمر له بالنطر إلى عظام نفسه دون عظام الحمار - وإذ كان ذلك كذلك - وكان البلى قد لحق عظامه وعظام حماره ، كان الأولى بالتأويل أن يكون الأمر بالنظر إلى كل ما أدركه طرفه مما قد كان البلى لحقه ؛ لأن الله - تعالى ذكره - جعل جميع ذلك عليه حجة وله عبرة وعظة .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30340تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَانْظُرْ إِلَى إِحْيَائِي حِمَارَكَ ، وَإِلَى عِظَامِهِ كَيْفَ أُنْشِزُهَا ثُمَّ أَكْسُوهَا لَحْمًا .
ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَحْيَاهُ خَلْقًا سَوِيًّا ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ حِمَارَهُ تَعْرِيفًا مِنْهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - لَهُ كَيْفِيَّةَ إِحْيَائِهِ الْقَرْيَةَ الَّتِي رَآهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) ؟ مُسْتَنْكِرًا إِحْيَاءَ اللَّهِ إِيَّاهَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
5933 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَمَّنْ لَا يَتَّهِمُ ،
[ ص: 468 ] عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : بَعَثَهُ اللَّهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) قَالَ : فَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ يَاتَصِلُ بَعْضٌ إِلَى بَعْضٍ . وَقَدْ كَانَ مَاتَ مَعَهُ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَبِ ، ثُمَّ كَسَا ذَلِكَ مِنْهُ اللَّحْمُ حَتَّى اسْتَوَى ثُمَّ جَرَى فِيهِ الرُّوحُ ، فَقَامَ يَنْهَقُ . وَنَظَرَ إِلَى عَصِيرِهِ وَتِينِهِ ، فَإِذَا هُوَ عَلَى هَيْئَتِهِ حِينَ وَضَعَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ . فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ مَا عَايَنَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
5934 - حَدَّثَنِي
مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرٌو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَحْيَا
عُزَيْرًا ، فَقَالَ : كَمْ لَبِثْتَ ؟ قَالَ : لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ . قَالَ : بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ! فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ، وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ قَدْ هَلَكَ وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ ، وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِهِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا .
فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا ، فَجَاءَتْ بِعِظَامِ الْحِمَارِ مِنْ كُلِّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ ، فَاجْتَمَعَتْ ، فَرَكَّبَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ وَهُوَ يَنْظُرُ ، فَصَارَ حِمَارًا مِنْ عِظَامٍ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَلَا دَمٌ . ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ كَسَا الْعِظَامَ لَحْمًا وَدَمًا ، فَقَامَ حِمَارًا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَلَيْسَ فِيهِ رُوحٌ . ثُمَّ أَقْبَلَ مَلَكٌ يَمْشِي حَتَّى أَخَذَ بِمِنْخَرِ الْحِمَارِ ، فَنَفَخَ فِيهِ فَنَهَقَ الْحِمَارُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ : وَانْظُرْ إِلَى إِحْيَائِنَا حِمَارَكَ ، وَإِلَى عِظَامِهِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) ، مَتْرُوكٌ مِنَ الْكَلَامِ ، اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ ظَاهِرِهِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ ، وَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ) بَدَلًا مِنِ " الْهَاءِ " الْمُرَادَةِ فِي الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِهِ - يَعْنِي : إِلَى عِظَامِ الْحِمَارِ .
[ ص: 469 ]
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فِي عَيْنِهِ . قَالُوا : وَهِيَ أَوَّلُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ نَفَخَ اللَّهُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَوَّاهُ خَلْقًا سَوِيًّا ، وَقَبْلَ أَنْ يُحْيِيَ حِمَارَهُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
5935 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ هَذَا رَجُلًا مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ نُفِخُ الرُّوحَ فِي عَيْنَيْهِ ، فَيَنْظُرُ إِلَى خَلْقِهِ كُلِّهِ حِينَ يُحْيِيهِ اللَّهُ ، وَإِلَى حِمَارِهِ حِينَ يُحْيِيهِ اللَّهُ .
5936 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ .
5937 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : بَدَأَ بِعَيْنَيْهِ فَنَفَخَ فِيهِمَا الرُّوحَ ، ثُمَّ بِعِظَامِهِ فَأَنْشَزَهَا ، ثُمَّ وَصَلَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ كَسَاهَا الْعَصَبَ ، ثُمَّ الْعُرُوقَ ، ثُمَّ اللَّحْمَ . ثُمَّ نَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ ، فَإِذَا حِمَارُهُ قَدْ بَلِيَ وَابْيَضَّتْ عِظَامُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي رَبَطَهُ فِيهِ ، فَنُودِيَ : " يَا عِظَامُ اجْتَمِعِي ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ عَلَيْكِ رُوحًا " فَسَعَى كُلُّ عَظْمٍ إِلَى صَاحِبِهِ ، فَوَصَلَ الْعِظَامَ ، ثُمَّ الْعَصَبَ ، ثُمَّ الْعُرُوقَ ثُمَّ اللَّحْمَ ، ثُمَّ الْجِلْدَ ، ثُمَّ الشَّعْرَ ، وَكَانَ حِمَارُهُ جَذَعًا ، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ كَبِيرًا قَدْ تَشَنَّنَ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْجِلْدُ مِنْ طُولِ الزَّمَنِ . وَكَانَ طَعَامُهُ سَلَّ عِنَبٍ ، وَشَرَابُهُ دَنَّ خَمْرٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ : نُفِخَ الرُّوحُ فِي عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ نَظَرَ بِهِمَا إِلَى خَلْقِهِ كُلِّهِ حِينَ نَشَرَهُ اللَّهُ ، وَإِلَى حِمَارِهِ حِينَ يُحْيِيهِ اللَّهُ .
[ ص: 470 ]
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ جَعَلَ اللَّهُ الرَّوْحَ فِي رَأْسِهِ وَبَصَرِهِ ، وَجَسَدُهُ مَيِّتٌ ، فَرَأَى حِمَارَهُ قَائِمًا كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ رَبَطَهُ ، وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ حَلَّ الْبُقْعَةَ . ثُمَّ قَالَ اللَّهُ لَهُ : انْظُرْ إِلَى عِظَامِ نَفْسِكَ كَيْفَ نُنْشِزُهَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
5938 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ : حَدَّثَنِي
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ : رَدَّ اللَّهُ رُوحَ الْحَيَاةِ فِي عَيْنِ
أَرَمْيَا وَآخِرُ جَسَدِهِ مَيِّتٌ ، فَنَظَرَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ لَمْ يَتَسَنَّهْ ، وَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ وَاقِفًا كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ رَبَطَهُ ، لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ ، وَنَظَرَ إِلَى الرُّمَّةِ فِي عُنُقِ الْحِمَارِ لَمْ تَتَغَيَّرْ ، جَدِيدَةً .
5940 - حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ
الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) ، فَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ قَائِمًا قَدْ مَكَثَ مِائَةَ عَامٍ ، وَإِلَى طَعَامِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَةُ عَامٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ أَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ رَأْسُهُ ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى سَائِرِ خَلْقِهِ يُخْلَقُ .
5941 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو زُهَيْرٍ ، عَنْ
جُوَيْبِرٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) فَنَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ قَائِمًا ، وَإِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْهُ رَأْسُهُ ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ
[ ص: 471 ] إِلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ يُوَصَلُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ . فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
5942 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ : أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ رَأْسُهُ ، ثُمَّ رِكِّبَتْ فِيهِ عَيْنَاهُ ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ : انْظُرْ ! فَجَعَلَ يَنْظُرُ ، فَجَعَلَتْ عِظَامُهُ تَواصَلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَبِعَيْنِ نَبِيِّ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ ذَلِكَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
5943 - حُدِّثْتُ عَنْ
عَمَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) وَكَانَ حِمَارُهُ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ) . قَالَ
الرَّبِيعُ : ذُكِرَ لَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ : أَوَّلُ مَا خُلِقَ مِنْهُ عَيْنَاهُ ، ثُمَّ قِيلَ انْظُرْ ! فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْعِظَامِ يَتَوَاصَلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَذَلِكَ بِعَيْنَيْهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
4644 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ زَيْدٍ قَالَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) وَاقِفًا عَلَيْكَ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ) يَقُولُ : وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِكَ كَيْفَ نُحْيِيهَا حِينَ سَأَلْتَنَا : " كَيْفَ نُحْيِي هَذِهِ " ؟ . قَالَ : فَجَعَلَ اللَّهُ الرَّوْحَ فِي بَصَرِهِ وَفِي لِسَانِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ الْآنَ بِلِسَانِكَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ الرَّوْحَ ، وَانْظُرْ بِبَصَرِكَ . قَالَ : فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْجُمْجُمَةِ . قَالَ فَنَادَى : لِيَلْحَقْ كُلُّ عَظْمٍ بِأَلِيفِهِ . قَالَ : فَجَاءَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى صَاحِبِهِ ، حَتَّى اتَّصَلَتْ وَهُوَ يَرَاهَا ، حَتَّى إِنَّ الْكِسْرَةَ مِنَ العَظْمِ لَتَأْتِي إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي انْكَسَرَتْ مِنْهُ ، فَتَلْصَقُ بِهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى جُمْجُمَتِهِ ،
[ ص: 472 ] وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ . فَلَمَّا اتَّصَلَتْ شَدَّهَا بِالْعَصَبِ وَالْعُرُوقِ ، وَأَجْرَى عَلَيْهَا اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا الرُّوحَ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259انْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قَالَ : أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . قَالَ : ثُمَّ أُمِرَ فَنَادَى تِلْكَ الْعِظَامَ الَّتِي قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) كَمَا نَادَى عِظَامَ نَفْسِهِ ، ثُمَّ أَحْيَاهَا اللَّهُ كَمَا أَحْيَاهُ .
5945 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي
بَكْرُ بْنُ مُضَرَ قَالَ : يَزْعُمُونَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ أَمَاتَ
أَرَمْيَا مِائَةَ عَامٍ ، ثُمَّ بَعَثَهُ ، فَإِذَا حِمَارُهُ حَيٌّ قَائِمٌ عَلَى رِبَاطِهِ . قَالَ : وَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ ، وَجَعَلَ الرُّوحَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَيْفَ عُمِّرَ وَمَا حَوْلَهُ . قَالَ : فَيَقُولُونَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - : إِنَّهُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ ) الْآيَةَ .
وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى تَأْوِيلِ هَؤُلَاءِ : وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِكَ كَيْفَ نُنْشِزُهَا بَعْدَ بِلَاهَا ، ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ، فَنُحْيِيهَا بِحَيَاتِكَ فَتَعْلَمَ كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْقُرَى وَأَهْلَهَا بَعْدَ مَمَاتِهَا .
[ ص: 473 ]
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - بَعَثَ قَائِلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) مِنْ مَمَاتِهِ ، ثُمَّ أَرَاهُ نَظِيرَ مَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ الْقَرْيَةَ الَّتِي مَرَّ بِهَا بَعْدَ مَمَاتِهَا عَيَانًا مِنْ نَفْسِهِ وَطَعَامِهِ وَحِمَارِهِ . فَجَعَلَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - مَا أَرَاهُ مِنْ إِحْيَائِهِ نَفْسَهُ وَحِمَارَهُ مَثَلًا لِمَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إِحْيَائِهِ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا ، وَجَعَلَ مَا أَرَاهُ مِنَ العِبْرَةِ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ عِبْرَةً لَهُ وَحُجَّةً عَلَيْهِ فِي كَيْفِيَّةِ إِحْيَائِهِ مَنَازِلَ الْقَرْيَةِ وَجِنَانَهَا . وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ
مُجَاهِدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ) إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى : وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ الَّتِي تَرَاهَا بِبَصَرِكَ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ، ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا .
وَقَدْ كَانَ حِمَارُهُ أَدْرَكَهُ مِنَ الْبِلَى فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا نَظِيرُ الَّذِي لَحِقَ عِظَامَ مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْخِطَابِ ، فَلَمْ يُمْكِنْ صَرْفُ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ) إِلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى عِظَامِ الْحِمَارِ دُونَ عِظَامِ الْمَأْمُورِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا ، وَلَا إِلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بِالنَّطَرِ إِلَى عِظَامِ نَفْسِهِ دُونَ عِظَامِ الْحِمَارِ - وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ - وَكَانَ الْبِلَى قَدْ لَحِقَ عِظَامَهُ وَعِظَامَ حِمَارِهِ ، كَانَ الْأَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ إِلَى كُلِّ مَا أَدْرَكَهُ طَرْفُهُ مِمَّا قَدْ كَانَ الْبِلَى لِحَقَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - جَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حُجَّةً وَلَهُ عِبْرَةً وَعِظَةً .